شراع الصداقة

رواية انت لي كاملة - صفحة 10 528433015


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

شراع الصداقة

رواية انت لي كاملة - صفحة 10 528433015

شراع الصداقة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شراع الصداقة

بكل عباراتـ التهانيـ... بكل الحب والامانيـ...بكل احساس ووجدانيـ...كل عام وانتمـ بخير رواية انت لي كاملة - صفحة 10 381243271 الثلج هدية الشتاء ... والشمس هدية الصيف .... والزهور هدية الربيع .. وأنت يا منتدانا هدية العمر رواية انت لي كاملة - صفحة 10 691270272

+17
جنون مورينيو
نجمةالأمل
♬ مَـلَآﮔ أْلْقَمَرْ ♬
♠ڹـﭽـ۾ ٱڵـمَـڷـڰـﮱ♠
اميرة الكل
seleviea
HếBãŔã
RAdOi
أسياد الزهر
نســر البرشا
*فتآة آلكون*
meemee
●ĎoЙ ЌàЌà●
sandos
nana
ĂĻžÂ3ęỄM6ҳǻ
^حلا^
21 مشترك

    رواية انت لي كاملة

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ السبت 10 يوليو 2010, 10:11 pm

    تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

    رواية انت لي تاليف الدكتوره منى تمر حنا



    ا"،*انت لي*،"


    عدل سابقا من قبل ^حلا^ في الأربعاء 27 يوليو 2011, 1:02 am عدل 2 مرات
    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الثلاثاء 16 أغسطس 2011, 7:29 pm

    الحلقة الخمسون



    ~ الفرار ~

    -وليد-



    طلبتُ مِنْ رغد أنْ تأوي إلى الفراش باكراً، لأنّنا سنرحل بُعيد صلاة الفجر مباشرة. كانتْ رغد مصرَّةً على البقاء ساهرةً إلى جانبي في غرفة المعيشة، مترقِّبة معي أيَّ جديد. لكنَّني ألححتُ عليها بالذهاب إلى غرفتها و نيل حصّتها مِنْ النوم... فما ينتظرنا في الصباح شاقٌ و طويلٌ...

    كنتُ أشعر بالأسى لحال الصغيرة... فهي وجدتْ نفسها فجأة مضطرَّةً للسفر و معرَّضةً للخطر و الإرباك... و هي مجرَّد فتاة صغيرة لا ذنب لها فيما يحصل و لا طاقة لها بتحمُّله...

    للحظة استسغتُ فكرة أبي حسام في أنْ يصطحبها معه إلى الشمال... حيث تجد الاستقرار و الأمان في بيت خالتها و مع أقاربها... لكنَّني خشيتُ أنْ يحصل معي و مع سامر أي شيء... يمنع عودتي إليها أو يقطع اتصالي بها. كنتُ بين ألسنة النيران تحيط بي مِنْ كل جانب... و لمْ يكنْ لدي متَّسعٌ مِنْ الوقت لإعادة التفكير و تغيير مجرى الخطَّة الطارئة... المهم الآن أنْ أضمنَ سلامة سامر، و بعدها... سأعيد النظر في كل شيء...

    كنتُ جالساً على أحد المقاعد في غرفة المعيشة... أعيد إلى محفظتي القصاصات التي بعثرتُها صباح اليوم... قصاصات صورة رغد... و أرتّب النقود و خلافها في حقيبة اليد الصغيرة و أنا شارد التفكير...
    فيما أنا كذلك، إذا بجرس المنزل يُقرع...

    هببتُ واقفاً فجأة... متوجِّساً خيفة...

    قُرِع الجرس مراراً... قرعاً فوضوياً... قرع قلبي معه... أسرعتُ إلى الهاتف الداخلي، و سألتُ عنْ الطارق.

    " المباحث. لدينا أمرٌ بتفتيش المنزل. افتحْ الباب "

    تلاحقتْ أنفاسي هلعاً... الشرطة مِنْ جديد ؟؟

    لمْ أكنْ أريد أنْ أفتح الباب... لكن... كان لابد لي مِنْ ذلك... فتحتُ القفل الآلي للبوابة الخارجية و سرتُ نحو الباب الداخلي و ما كدتُ أفتحه إلا و فوجئتُ بحشدٍ كبيرٍ مِنْ العساكر يندفعون بقوَّة نحو الداخل، مصوِّبين فوَّهات أسلحتهم نحوي و في كل اتجاه...

    كانوا يرتدون زيّاً مُختلفاً عمَّن فتّشوا المنزل نهاراً... مما حدا بي إلى الاستنتاج أنهم ليسوا عساكر مدنيين...

    أخذني الفزع و لمْ أجسر على أي تصرُّف. و إذا بقائدهم يحدِّق بي ثمَّ يشير إلى العساكر آمراً:

    " ليس الهدف، انتشروا "

    أخذ الجنود يتدفَّقون إلى الداخل... فهتفتُ و أنا أراهم ينفِّذون الأمر دون اعتبارٍ لي:

    " انتظروا... أنتم... كيف تقتحمون علينا المنزل... ما هذا ؟؟ "

    و الحشد يستمرُّ بالتوغِّل غير آبهٍ بكلامي. التفتُّ إلى القائد فإذا به يقول:

    " لا تعترضنا. لدينا أوامر رسميّةٌ بتفتيش المنزل و اعتقال المشبوهين "

    فالتفتُّ إلى العساكر و رأيتُ بعضهم يندفعون عبر الردهة إلى الممرِّ الأيمن... فلحقتُ بهم بسرعة و ركضتُ أسبقهم نحو غرفة رغد و وقفتُ عند بابها.

    توزّع العساكر فِرقاً في كل الاتجاهات... إلى اليمين في اتجاه المطبخ و غرفة المائدة... إلى الشمال في اتجاه المجلس و غُرف الضيوف... إلى الدرج... إلى الطابق العلوي... انتشروا انتشار الجراد على الحقول... يدوسون بأحذيتهم العسكرية على أرضية و سجَّاد المنزل النظيف مخلِّفين آثاراً قذرةً كقذارة تصرُّفاتهم...

    اقتربتْ فرقةٌ مِنْهم منِّي يريدون اقتحام الغرفة مِنْ خلفي. صرختُ بهم:

    " ما هذهِ الطريقة الهمجيَّة ؟؟ ألا تراعون أنَّ للبيوت حرمات ؟؟ "

    ردّ أحدهم بوقاحة:

    " لا تكثر الكلام يا هذا. دعنا ننجز مهمَّتنا "

    فقلتُ بغضب:

    " هل تقبل بأنْ يقتحم أحدٌ عليكَ بيتكَ بهذا الشكل ؟؟ "

    حينها أقبل قائدهم و وقف أمامي و استخرج مِنْ جيبه ثلاث صور لثلاثة أشخاص... لمحتُ أخي مِنْ بينهم... و كانتْ صورةً قديمة له قبل إجراء عمليَّة التجميل لعينه اليمنى. قال القائد:

    " نحن نبحث عنْ هؤلاء... أتعرفهم؟؟ "

    أجبتُ:

    " لا يوجد في هذا المنزل مَنْ تريدون... لقد فتَّشتم أرجاءه كاملة هذا الصباح فماذا تريدون بَعد ؟؟ "

    و عِوَضاً عن الشعور بالخجل مِنْ همجيَّة عساكره، قال قائدهم:

    " فتّشوا الغرفة "

    يقصد غرفة رغد التي أقف أنا عند بابها حائلاً دون تقدُّمهم. صرختُ و أنا أنشر ذراعيَّ ساداً المعبر:

    " إياكم و الاقتراب... هذه غرفة فتاة و لا أسمح لكم بدخولها "

    فقال القائد مصراً:

    " فتِّشوها "

    اقترب أحد العساكر منّي فدفعتُه بيدي و أنا أهتف:

    " قلتُ لكم لنْ تدخلوها... أليسَ لديكم أي اعتبار للحرمات ؟؟ ابتعدوا "

    فجأة... إذا بجميع العساكر مِنْ حولي يشهرون أسلحتهم في وجهي... و إذا بقائدهم يأمرهم:

    " أبعِدوه "

    و لمْ أرَ إلا سواعد غليظةً قاسية تنقضُّ عليَّ محاولةً جرِّي بعيداً عن الباب. حاولتُ أنْ أقاومهم... ضربتُ... ركلتُ... و صرختُ:

    " رغــــــــــــــــــــــد "

    ثلاثة منهم أطبقوا على أطرافي و جرُّوني إلى الأمام... و آخر تسلَّل مِنْ خلفي و أطبق على مقبض الباب و فتحه...
    صرختُ بكل حنجرتي:

    " رغـــــــــــد... رغـــــــــــد "

    و حررتُ إحدى يديَّ و أطبقتُ على الجندي الذي فتح الباب و سحبتُه مِنْ قميصه إلى الوراء بقوة... نظرتُ إلى الداخل فرأيتُ رغد تهبُّ جالسة على سريرها و تنظر نحو الباب و تنطلق صرخاتها المفزوعة فوراً...
    هتفتُ:

    " رغد "

    ثمَّ جررتُ بقيَّة أطرافي بكل ما أوتيتُ مِنْ قوَّة مِنْ بين قبضات الثلاثة الآخرين و ركضتُ مسرعاً إليها...

    كانتْ رغد تطلق الصرخة تلو الصرخة مِنْ فرط الفزع... قدمتُ إليها بسرعة، و أحطتُها بلحافها، و طوَّقتُها بذراعي، و جذبتُها إليَّ و أنا أهتف:

    " أنا هنا يا رغد... هنا معكِ... أنا معكِ "

    و هي مستمرَّةٌ في نوبة الصراخ المفزوع لا تكاد مِنْ شدَّة فزعها أنْ تسمعني...

    الغرفة كانتْ خافتة الأضواء... تستمدُّ نورها مِنْ مصباح النوم المجاور للسرير. اقتحمها جنود الأمن... بل جنود الرعب و الفزع... و أخذوا يجوبون في أرجائها و يفتِّشون الدواليب... و الستائر...
    صرختُ فيهم بأعلى صوتي:

    " أيها الأوغاد... أيها الحقيرون... أيها الهمجيّون الأراذل "

    لكنَّ صراخي لمْ يكنْ يهزُّ في مشاعرهم المتبلِّدة أي شيء...
    اقترب أحدهم منَّا... قاصداً تفتيش أسفل السرير فانفلتتْ أعصابي أشدّها... و نظرتُ مِنْ حولي فرأيتُ الهاتف الثابت موضوعاً على المنضدة المجاورة... أطبقتُ عليه ثمَّ رفعتُه و رميتُ به بقوّة باتجاه الجندي فأصبتُه...

    التفتتْ أعين بقيَّة العساكر إليَّ... و لمْ أرَ إلاّ حشداً غوغائياً متوحِّشاً يهرع باتجاهي كي يهاجمني...
    تركتُ رغد مِنْ بين يدي و هببتُ نحوهم أحول دون تقدُّمهم و انتقم لانتهاك حرمة منزلي...
    ضربتُ... ركلتُ... و لكمتُ... بثورة... بشراسة... بكل ما أوتيتُ مِنْ قوّة... أو ما تبقَّى في جسدي مِنْ قوّة بعد كل ما ألمَّ به مؤخراً...

    عددهم كان عشرة أو أكثر... كانوا مسلَّحين... أجسادهم ضخمة و قويَّة... تدرّبتْ على القتال العنيف... الفتّاك...

    أذاقوني فنوناً لمْ أذقها أيام سَجْني... انقضُّوا عليَّ انقضاض قطيع مِنْ الذئاب الجائعة على فريسة وحيدة... قبل أنْ تنتهي الضربة تلقفني ضربةٌ أخرى... و قبل أنْ أشعر بالألم في موضع، يُصاب موضعٌ آخر... و قبل أنْ أحرِّكَ أي جزءٍ مِنْ جسمي، تجثوا عليَّ أجسادهم الثقيلة فتشلُّني تماماً...

    أظنّهم كسروا جمجمتي... ربَّما سحقوا دماغي... لأنني لا استطيع أنْ أتذكَّر ما حصل... لمْ أعد أستطيع التذكُّر... لمْ أعدْ أستطيع الرؤية... لمْ أعدْ استطيع التنفُّس... و لمْ أعدْ استطيع سماع... صراخ رغد....



    ~~~~~~~~~~~


    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الثلاثاء 16 أغسطس 2011, 7:31 pm

    -رغد-



    أمّا أنا... فقد كنتُ أسمع صوت الضرب... و صوت وليد يصرخ متألماً... و كنتُ أصرخ... و أصرخ... و أصرخ...
    حسبتُ أنّني مع صرختي الأخيرة... خرجتْ روحي مفارقةً جسدي...
    أبعدتُ اللحاف عنْ وجهي... هلْ لي بنظرةٍ أخيرةٍ على وليد ؟؟ أين وليد ؟؟ أين وليد ؟؟

    كان هناك... تحت كومة ضخمة مِنْ الأجساد البشرية... الوحشية... غارقاً في الدماء...
    لقد رأيتُه... يمدُّ يده نحوي... يحاول أنْ يزحف باتجاهي... لمْ يكنْ ينظر إليَّ... كانتْ الدماء تُغرِق عينيه... لكنَّه يعرف أنني هنا... أنا هنا وليد... تعال إليَّ.... وليد أسرِعْ إليَّ... ابتعِدوا عنه... ابتعِدوا عنه... أيها الأوغاد ابتعدوا عن وليــــــــــــــــد...

    أمسكتُ بعكَّازي... و وقفتُ... لا أعرف كيف... و سرتُ خطوتين... فوليد لمْ يكنْ بأبعد مِنْ ذلك...
    رفعتُ عكازي... و هويتُ به على رأس أحد الأشرار... هل أصبتُه ؟؟ أمْ أخطأتُه ؟؟ لا أدري... لكن العكَّاز لمْ يعدْ في يدي... لمْ أعدْ استطيع أنْ أقف... كنتُ سأقع على حافة السرير، لكنَّ شيئاً ما قد ضربني و أوقعني أرضاً...

    صرختُ....

    " آآآآآآه... "

    و سمعتُ صوت وليد يردُّ على صرختي:

    " رغــــد "

    صوتُه جاء أشبه بصدى مرتدٍ عنْ بئرٍ عميق...
    اقترب الوحش الذي ضربتُه منِّي... و رفع قدمه و رفسني بقوّة... رفسةً ربَّما كسرتْ العظم الذي ما كاد ينجبر في يدي اليمنى... و أنا أطلق الصرخات... فزعاً و ألماً...

    " وليـــــد... وليــــــــــــد... وليـــــــــــــــــــــــــــــــد "

    تحرّكتْ يد وليد مِنْ تحت كومة الوحوش... ثمَّ ظهر جسده و هو يستل مِنْ بين قيودهم بصعوبة... يقاوم هذا و يدفع هذا و يضرب ذاك... و هو يصرخ:

    " ابتعدوا عنها أيها القذرون "

    و يزحف على ركبتيه... حتَّى وصل إلى الوحش الذي ضربني و أطبق على ساقه و جذبها و أوقعه أرضاً... و أسرع إليَّ...

    تشبَّثتُ به بقوَّة... و أنا أرتجف كالزلزال مِنْ الذعر... أبحث عنْ نقطة أمان بين يديه... كانت يداه تحاولان أنْ تحتوياني... يقرِّبني و يُبعدني و هو يهتف باسمي مكرراً:

    " رغد... رغد.... "

    فجأة... رأيتُ عصاً تحلِّق في الأعلى... ثمَّ تحطُّ بقوَّة على رأس وليد...
    صرختُ... و صرخ وليد... و أفلتُّ مِنْ بين يديه... و رأيتُ رأسه يهوي أرضاً.... ثمَّ إذا به يبتعد عنِّي... كانوا يسحبونه بعيداً...

    صرختُ... و مددتُ يدي نحوه و أمسكتُ بيده و أنا أناديه بفزعٍ ما ضاهاه فزع... و رأيتُ يده تتحرَّك و تُمسك بيدي... ثمَّ تنفلتُ منها... وليد لمْ يكنْ ينظر نحوي... لمْ يكنْ يراني... لأنّهم كانوا يقلِّبونه صدراً على ظهر... و يميناً على شمال...كانوا يمسكون برأسه... يوشكون على كسر عنقه... كانوا يريدون أنْ يقطعوا نحره بحافة ذقنه... كانوا يحاولون خلع مفاصله و فصل أطرافه عن جسمه... رأيتُهم... يدوسون على ذراعه الممدودة نحوي... و يركلون رأسه كما تُركل كُرة القدم...
    و عصيّهم كانتْ تنهال على ظهره و صدره بالضرب... و كأنّهم يُفتِّتون صخرةً صلبة... تسدُّ عليهم الطريق...

    أولئك... لمْ يكونوا مخلوقات مِنْ هذا الكوكب... لمْ يكونوا يدركون... مَنْ هذا الذي يهمُّون بقتله... لا يعرفون أنَّ هذا... هذا هو... وليد... وليد قلبي....كل حياتي...

    أردتُ أنْ أنهض و أهبُّ للذود عنه... لأفعل أي شيء... لأصد عنه ضرباتهم.... بحثتُ عنْ عكَّازي... الذي لطالما تحمَّل ثقلي طيلة الشهور الماضية و صار كجزءٍ منِّي... أتعرفون أين وجدتُه ؟؟؟

    يطير في الهواء... ثمَّ ينقضُّ على ظهر وليد... يفصم فقراته...

    صرخ وليد...

    صرختُ... و صرختُ... و صرختُ... وليد سمع صراخي فرفع رأسه يبحث عن الاتجاه... لمْ تعدْ أذناه تميِّزان اتجاه الأصوات... لقد زحف في الاتجاه الخاطئ... فزحفتُ نحوه أجرُّ رجلي المجبَّرة جراً...
    أخيراً أمسكتُ بيده... فشدَّ عليَّ... و رفع ذراعه و حاول أنْ يطوِّقني... المجرمون كانوا مستمرِّين في ضربه بالعصي... كانوا يرفسونه بأحذيتهم... و يدوسون عليه... لوَّحتُ بيدي محاولةً إبعادهم عنه و أنا أهتف:

    " كفى... أرجوكم كفى... كفى... "

    لكنَّ أحدهم... ركل بطن وليد بشراسة... وليد تأوَّه بشدَّة... و خرجتْ نافورة مِنْ الدم مِنْ فمه... ثمَّ رفع رأسه و ناداني... و أخيراً هوى بصدره نحو الأرض...

    أحد الوحوش... أشهر مسدَّسه و صوَّب فوَّهته مباشرةً إلى رأس وليد...

    فزعتُ... ذهلتُ... انتفضتُ.... صرختُ بقوّة:

    " لا... لا.... لااااااااااااا "

    أطبقتُ على رأس وليد و ضممتُه بين ذراعي... نظرتُ إلى صاحب المسدّس و صرختُ:

    " أرجوكَ لا... أرجوكَ لا... أرجوكَ لا "

    و هو يهدِّد:

    " ابتعدي "

    فوضعتُ رأسي على رأس وليد... و لففتُه بذراعي أحول دون أنْ يفجّروه...

    " أرجوكَ لا... لا أرجوكَ... لا تقتله... لا... لا... لا... "

    و شارفتُ على الموت لحظتها... متيبِّسةً على رأس وليد...

    سمعتُ صوت أحدهم يقول:

    " يكفي هذا. لمْ نؤمر بالقتل. انصراف "

    أبعد صاحب المسدس مسدَّسه عن وليد... و سدَّد الرفسة الأخيرة إلى ظهره... فأطلق وليد أنَّة ضعيفة شبه ميتة... و في ثوانٍ... اختفى أنينه... و اختفى صوت الجنود و صوت عصيِّهم.... و لمْ أعدْ أسمع في المكان غير صوت أنفاسي...

    كنتُ آنذاك متصلِّبةً على وضعي... و أنا أمسك برأس وليد و أدرِّعه بذراعي... و أضع رأسي عليه... و أغمضُ عينيَّ بقوَّة... لأضمن عدم مشاهدة ما سيفعله الأوغاد به...

    مرَّ بعض الوقت... و الهدوء مستمرٌ مِنْ حولي... فيما الأعاصير القوية مستمرةٌ في صدري... و فيما ذراعاي متيبِّستان حول رأس وليد... حتّى فقدتُ القدرة على تحريكهما...

    و بعد أنْ طال الهدوء... تشجّعتُ و فتحتُ عينيَّ بحذر... و جلتُ ببصري فيما حولي... و لَمْ أرَ للوحوش أثراً... رفعتُ رأسي و مسحتُ بأنظاري كل أرجاء الغرفة... و لمْ أجدْ معي فيها غير وليد...
    لقد انصرفوا...

    كان وليد قربي مباشرةً... مُكَباً على وجهه... و قد نُزِع قميصه و مُزّقتْ ملابسه... و تزاحمتْ الجروح و الكدمات على جسمه... و كأنّها تتنافس فيما بينها للنيل مِنْه... و قد أغرقتْ الدماء ثيابه و ما حوله...

    كان رأسه لا يزال بين يدي... كاملاً... متماسكاً... لمْ يُفَجَّر... لكنه كان مُبلَّلا بمزيجٍ مِنْ العرق و الدم... و أشعر بالبلل يتخلخل أصابعي مقطراً مِنْ شعره...
    أدرتُه يميناً فيسارً... لأتأكَّد مِنْ أنَّ ثقباً لا يخترقه أو أنَّ رصاصة لا تنغرس فيه.... فإذا بي أرى عينيه تسبحان في شلال مِنْ الدماء المتدفّقة مِنْ جرحٍ غائرٍ في ناصيته... و كان شلاَّل آخر أشدّ غزارةً يتدفَّق باندفاعٍ مِنْ أنفه... و كأنّه يفرُّ هارباً مِنْ وحش الكهف الأسطوري... هذا... عدا النافورة العنيفة... التي تفجَّرتْ مِنْ فمه قبل قليل...
    لمْ أكنْ أرى وجه وليد... حقيقةً... لمْ أكنْ أرى غير طوفان مِنْ الدم الجارف يتدفَّق مِنْ كل مكان... و يصبُّ في كلِّ مكان...

    صرختُ:

    " وليد... وليد... "

    و أنا أهزُّه... و أملي يكاد ينقطع... مِنْ أنّه لا يزال حياً...

    " وليد.... وليد... "

    رأيتُه يحرِّك رأسه و يحاول فتح عينيه... غير أنَّ الدماء كانتْ تغمرهما...
    سحبتُ لحافي المفروش على سريري بسرعة... و جعلتُ أمسح الدماء عن عينيه... و أنا أصرخ و أبكي بذعر:

    " افتح عينيكَ... وليد أرجوكَ... أنظر إليَّ "

    فتح وليد عينيه فتحة صغيرة، و نظر نحوي و نطق بأوَّل حروف اسمي... ثمَّ رفع ذراعه اليمنى و ألقاها حول ظهري...
    كان... لا يزال حيّاً...
    بعد ذلك حاول أنْ يستند على يده الأخرى لينهض... لكنَّه ما إنْ رفع رأسه عَن الأرض بضع بوصات حتى أطلق صرخة ألمْ و خرّ أرضاً مِنْ جديد...

    أظنُّ... أنَّ ذراعه اليسرى قد انفصلتْ عنْ جسده... فهو لمْ يستطع الارتكاز عليها... لابد و أنّهم خلعوا كتفه أو كسروا عظام يده... كان يتألّم بشدَّة... بشدَّة... وليد قلبي يصرخ متألِّماً... آآآآآآه.... وليد.... وليد....

    اقتربتُ مِنْ رأسه و أحطتُه بذراعي و صرختُ:

    " أنتَ حي... ؟؟ وليد... كلِّمني... "

    و شعرتُ به يتحرَّك... يحاول النهوض... و يعجز مِنْ فرط إعيائه... ثمَّ حرَّك رأسه و نظر باتجاه الباب و تكلَّم...

    " رغد... الباب "

    و فهمتُ مِنه أنّه كان يريد أنْ ينهض ليقفل الباب... فتشبَّثتُ به أكثر و قلتُ بفزع:

    " لا تتركني "

    حرّك وليد يده اليمنى و أمسك بيدي و قال:

    " الباب... اقفليه... رغد... بسرعة "

    و شعرتُ به يشدُّ على يدي بضعف... فأبعدتُ رأسي عنْ رأسه و سمحتُ لعينيه بالنظر إلى عينيَّ... و ما إنْ رآني حتى قال:

    " الباب... بسرعة... لا أقوى على النهوض "

    لمْ أكنْ أملك مِنْ الشجاعة ما يكفي لأنْ ابتعد عنه شبراً واحداً... و ليس بي مِنْ قوَّة تعينني على الحراك حتَّى لو رغبتُ... و عوضاً عنْ ذلك... شددتُ عليه أكثر و قلتُ:

    " لا أقدر... خائفة "

    فحرّك وليد يده و مسح على رأسي و قال:

    " أرجوكِ... أسرعي "

    نظرتُ إليه فرأيتُه ينظر نحو الباب...

    تلفّتُ مِنْ حولي... بحثاً عنْ عكّازي... كان ملقىً في الطرف الآخر مِنْ الغرفة أبعد عنِّي مِنْ الباب... حرّرتُ رأس وليد و أومأتُ إليه بـِنعم، ثمَّ... زحفتُ على يديَّ و أنا أجرُّ رجلي المجبَّرة... شبراً شِبراً... إلى أنْ وصلتُ إلى الباب فأغلقتُه ومددتُ يدي للأعلى و ما إنْ أمسكتُ بالمفتاح حتّى أقفلتُه و خررتُ على الأرض ألتقط أنفاسي...

    كانت أنفاسي تخرج مِنْ صدري مصحوبةً بأنينٍ قوي... كنتُ أرتجف مِنْ الذعر و جسمي ينتفض بشدَّة... و يتعرَّق بغزارة... و كأنّني قمتُ بمجهودٍ كبير... ...
    سمعتُ صوت وليد يناديني:

    " رغد "

    التفتُ إليه فوجدتُه و قد انقلب على ظهره و رفع رأسه و أسنده إلى قاعدة السرير... و مدَّ يمناه نحوي... ثمَّ قال:

    " تعالي "

    لملمتُ فتات الطاقة المتبقية في أرجاء جسدي المشلول مِنْ الفزع... و زحفتُ عائدةً إلى وليد... كان مشواراً طويلاً... امتدَّ بين المشرق و المغرب... استهلك منِّي كل عضلاتي و كل قوَّتي... و ما زلتُ أزحف و أزحف... إلى أنْ صرتُ قربه... رميتُ برأسي في حضنه و غرستُ أظافري فيه...

    لقد كنتُ أريد أنْ أفتح قفصه الصدري و احتمي خلف ضلوعه... أظنني اخترقتُ ضلوعه فعلاً... لابد أنَّني داخل قلبه الآن... لأنّني أسمعه ينبض بقوَّة... بسرعة... بثورة...

    و كأنّني أشعر بدمائه تبللني... و كأنني أشعر بأنفاسه تعصف بي... و كأنّني أشعر بذراعيه تغلّفانني...
    دعوني استرد أنفاسي... و أستجمع قواي... دعوني أسترخي و أغيب عن الوعي... دعوني أستعيد الأمان و السكون.... داخل صدر وليد...

    بعد فترة... أحسستُ بشيءٍ يحاول إبعادي عن وليد... فتشبّثتُ به بقوَّة أكبر... و صحتُ:

    " لا "

    و سمعتُ وليد يناديني... فقلتُ:

    " أرجوكَ... دعني "

    و بكيتُ بحرارة... و أنا أغوص بين ضلوعه... أعمق و أعمق....

    و شيئاً فشيئاً... بدأتْ خفقات قلب وليد تتباطأ... و بدأتْ أنفاسه تهدأ... و بدأتْ ذراعه ترتخي مِنْ حولي... فتحتُ عيني... و رفعتُ رأسي و نظرتُ إليه... كان يغمض عينيه و يتنفَّس بانتظام... و صوت الهواء يصفر عند عبوره في أنفه المحتقن بالدماء... كانتْ الدماء المتخثِّرة ترسم على وجهه العريض خريطةً متداخلة معقَّدة الملامح...

    جلستُ و نطقتُ باسمه:

    " وليد "

    و لمْ يردْ... لقد نام مِنْ شدّة الإعياء... أو ربَّما فقد وعيه... لكنني عندما ربَّتُ على وجنته انعقد حاجباه لثوان ثمَّ استرخيا...
    كان رأسه لا يزال مسنداً إلى قاعدة السرير في وضع مؤلم... مددتُ يدي و سحبتُ إحدى وسائدي و وضعتُها على الأرض... و حرَّكتُ رأس وليد بحذر و أسندتُه إليها... ثمَّ سحبتُ البطانية و غطّيتُه بها...
    و بقيتُ جالسةً بجواره... أراقب أنفاسه و أي حركة تصدر عنه... و أنا أدقِّق السمع حتَّى خُيِّل لي أنني سمعتُ صوتاً ما مِنْ خارج الغرفة... فنظرتُ إلى الباب بفزع... ثمَّ انحنيتُ قرب وليد و أمسكتُ بيده و شددتُها إليَّ... طالبة الأمان...


    ~~~~~~~~~~~~~

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الثلاثاء 16 أغسطس 2011, 7:32 pm

    -وليد-




    تنبّهتُ على صوت شيءٍ مزعجٍ... صوت يتكرَّر بانتظام... مرَّة بعد أخرى... كان صوت منبِّه...

    أغمضتُ عيني بقوَّة... فأنا أشعر بحاجة مُلحَّة لمتابعة النوم... أشعر بأنني استيقظ مِنْ أعماقِ أعماقِ نومي... و لا أريد أنْ أنهض...
    لكن الرنين المتكرِّر المزعج أجبرني على فتح عيني و الانتباه لما حولي...

    اكتشفتُ... أنني كنتُ أنام على الأرض... في غرفة رغد... فتذكَّرتُ هجوم العساكر و انتقل دماغي فجأة مِنْ أعماق النوم إلى قمة اليقظة...

    حاولتُ أنْ أهبَّ جالساً فشعرتُ بشيءٍ ما يربط يدي و يعيقني عنْ النهوض و داهمتْني آلامٌ حادة في جسدي كلّه... أعادتْني إلى وضع الاضطجاع مرغماً... التفتُّ ببصري إلى اليسار... فوجدتُ رغد نائمة و هي في وضع الجلوس... ملاصقة لي... و قد استندتْ إلى سريرها و ضمَّتْ يدي اليسرى بين يديها...

    كان المنبِّه يتوقّف عن الرنين قليلاً ثمَّ يعاود... و لكن رغد لمْ تنتبهْ عليه... و مع هذا... فإنّني ما إنْ سحبتُ يدي حتّى استيقظتْ و رفعتْ رأسها مفزوعة...

    التقتْ نظراتنا... أنا المُمدَّدُ على الأرض... بِخوْرِ قِوىً... و هي الجالسة بقربي بفزع...

    " وليد "

    كانتْ هي أوّل مَنْ تكلَّم... بلهفة و قلق و هي تنحني نحوي و تحملق بعينيّ...

    استخدمتُ يديَّ الاثنتين لأنهض عن وضعي المضطجع... بكل ضعف... كعجوز طاعنٍ في السن... مدقوق العظام مترهِّل البنية... واهن العضلات... كانتْ الآلام تقرص كل أجزاء جسمي قرصاً... و كان أنفي شبه مسدود... بقطع الدم المتخثِّر في جوفه... و كان عنقي يؤلمني بشدَّة... و أنا عاجزٌ عن تحريكه في أي اتِّجاه...

    أخيراً أحسستُ بيد رغد تمسك بي... فأرغمتُ عنقي على الالتفات إليها و مددتُ يدي أشدُّ على يدها و قلتُ:

    " هل أنتِ بخير ؟؟ هل تأذَّيتِ صغيرتي ؟؟ "

    و رأيتُ الدموع تتجمَّع في مقلتيها بمرارة... فانهرتُ أكثر ممَّا أنا منهار، و أطلقتُ صوتي كالنحيب قائلاً:

    " آسف... سامحيني... "

    فأي خزيٍ و أي عار... أشدّ مِنْ أنْ يُعتَدى على حرماتكَ بشكلٍ أو بآخر... و أنتَ ترى و تعجز عنْ الدفاع ؟؟
    طأطأتُ بصري عنها خجلاً... لكنّها اندفعتْ إليَّ كالسهم المصوَّب... إلى القلب...

    رنَّ المنبِّه مِنْ جديد... و كان إلى الجانب الآخر مِنْ السرير... فقامتْ رغد و زحفتْ على سريرها إليه و أوقفتْه.

    قلتُ:

    " كم الساعة ؟ "

    فأجابتْ:

    " الثالثة و أربعون دقيقة "

    فاضطربتْ دقّات قلبي قلقاً... و أنا أتخيّل سامر...

    وقفتُ و أنا استند إلى السرير... و لكنّني سرعان ما أحسستْ بالكون يظلم مِنْ حولي فجلستُ عليه و هويتُ مكبَّا برأسي فوقه...

    رغد هتفتُ بفزع و هي تنحني نحوي:

    " وليد..."

    فأجبتُ:

    " دوار... انتظري قليلاً "

    و قد كانتْ الغرفة تدور مِنْ حولي... و قلبي يخفق بقوَّة... و الهواء لا يكفي لملء صدري... أما يداي فقد كانتا ترتعشان... و ما كنتُ قادراً على التحكم بهما...

    استمرَّ هذا الشعور بضع دقائق... ثمَّ زال تدريجياً... و لكنّه عاودني بصورة أخفّ عندما رفعتُ رأسي مِنْ جديد...
    أظن... أنني نزفتُ دماً كثيراً... و لهذا أشعر بالدوار و الاختناق....
    سمعتُ رغد تقول:

    " أرجوك ابقَ مضطجعا ً "

    فالتفتُ إليها بإعياء و قلتُ:

    " يجب أنْ ننهض... سامر ينتظرنا "

    رغد قالتْ منفعلة:

    " أنتَ جريح... لديكَ إصابات كثيرة... لا يمكنكَ التحرُّك "

    فقلتُ:

    " سامر... "

    و التفتُ ناحية الهاتف الثابتْ و رأيتُه مرمياً على الأرض... ثمَّ التفتُ إلى رغد و قلتُ:

    " هاتفك "

    و كان هاتفها المحمول موضوعاً إلى جانب المنبِّه. ناولتْني إيّاه فاتصلتُ بشقيقي ملهوفاً للاطمئنان عليه...

    " نعم رغد "

    ردَّ أخي... فقلتُ بصوتٍ هامس:

    " هذا أنا وليد... هل أنتَ و العم بخير ؟؟ "

    " نعم. ننتظركما "

    و اطمأنَّ قلبي على أخي فأنهيتُ المكالمة بسرعة و وضعتُ الهاتف على السرير... و وقفتُ ببطء و حذر... محاولاً الاعتماد على رجليَّ... اللتين كانتا تستصرخان مِنْ الألم... و عندما خطوتُ خطوة واحدة... تفاقم الألم في ظهري و شعرتُ بأنّ فقراته تكاد تتفكَّك و تتبعثر...
    أطلقتُ أنّة ألم مِنْ أعماق حنجرتي... و تصلّبتُ في مكاني لا أقوى إلا على جذب الأنفاس...
    رغد وقفتْ على رجليها... السليمة و المجبّرة... و أمسكتْ بيدي و طلبتْ منِّي أنْ أجلس.

    " يجب أنْ نذهب يا رغد... لا وقت لدينا "

    قلتُ، فردّت معترضة:

    " كيف و أنتَ بهذه الحال ؟ لماذا لا تخبره بما حصل ؟ "

    فهتفتُ بسرعة:

    " كلا... لا "

    " و لكن... "

    " إنْ علم سامر بما حصل فسوف يأتي... أنا متأكِّد مِنْ أنّهم يراقبون المنزل الآن... "

    شهقتْ رغد خوفاً... ثمَّ سألتْ:

    " إذن... كيف سنخرج ؟؟ "

    فقلتُ:

    " سأتفقَّد الأمر "

    تلفَّتتْ رغد مِنْ حولها بحثاً عنْ عكازها... و عندما رأتْه... ذهبتْ سائرةً على جبيرتها و تناولتْه... ثمَّ قدمتْ إليَّ و سارتْ ملاصقة لي... نسير ببطء و حذر... إلى أنْ فتحنا الباب و خرجنا مِنْ الغرفة...

    كان البيت يخيِّم عليه السكون... استنتجنا أنّه لا أحد في داخله على الأقل... توجّهتُ إلى باب المدخل و أوصدتُه... ثمَّ إلى مشغّل التكييف الرئيسي فأوقفتُه، و عدتُ إلى رغد و قلتُ:

    " لا أحد هنا. سيُرفع الأذان الآن... سنخرج بعد الصلاة مباشرة... سأصعد للأعلى و أنظر مِنْ الشرفة "

    قالتْ رغد بسرعة:

    " ماذا ؟؟ كيف ستصعد الدرجات وليد ؟؟ أنتَ مُصاب... و لا أريد أنْ أبقى وحدي هنا أرجوك "

    " تعالي... سأرافقكِ إلى غرفتكِ. الزميها حتَّى آتيكِ "

    كانتْ رغد تهز رأسها معترضةً، متوسِّلةً ألاَّ أتركها وحدها... لكنّني كنتُ أريد تفقُّد الشارع مِنْ الشرفة لأتأكَّد مِنْ أنَّ الشرطة ليستْ في الجوار...
    و على هذا أعدتُها كارهةً إلى غرفتها و أقفلتُ عليها الباب و حملتُ المفتاح معي، و تركتُها لتستبدل ملابسها و تصلِّي... و صعدتُ الدرج خطوةً خطوة... أكابد المشقة و الألم... أقف تارة و أجلس تارةً... إلى أنْ بلغتُ الطابق العلوي...

    لقد كنتُ أسيرُ مستنداً على كلّ شيء... السياج... الجدران... الأثاث... كنتُ مرهقاً جداً... و آلام جسمي تكاد تقتلني...

    ذهبتُ إلى الشرفة و ألقيتُ بنظرةٍ على الخارج... فرأيتُ الضباب يغمر الأجواء... و يحول دون رؤية شيء...

    توجّهتُ بعدها إلى غرفتي... و التي ترك رجال الشرطة بابها مفتوحاً على مصراعيه، كما فعلوا ببقية أبواب غرف المنزل لدى تفتيشهم لها يوم أمس...

    كنتُ أريد أنْ استحم و ألبس ملابس نظيفة و أؤدي الصلاة... و كم هالني المنظر الفظيع المزري لوجهي حين رأيتُه في المرآة...

    أنهيتُ استحمامي و ضمَّدتُ ما أمكن مِنْ جروحي على عجل، و اضطررتُ لارتداء قبّعة لإخفاء جرح ناصيتي... و بعد الصلاة ذهبتُ لألقي نظرةً مرَّة أخرى مِنْ الشرفة... كان الضباب كثيفاً... لكنّني سمعتُ أو ربَّما توهَّمتُ سماع صوت صفاَّرة سيَّارة شرطة يشتدُّ و يقترب....
    أصبتُ بالهلع... فهرولتُ مسرعاً نحو الدرج و أنا أهتف:

    " رغد "

    هبطتُ السلالم بأسرع ما أمكنني... أتعثَّر بخطواتي... غير آبهٍ بأوجاع رجلي... شبه متزحلق على قدميَّ... و توجّهتُ نحو غرفة المعيشة... و منها أخذتُ الحقيبة اليدوية الحاوية للنقود و الحاجيات الأخرى... و كذلك هاتفي و هرولتُ إلى غرفة رغد...

    لمْ أطرق الباب.. بل هتفتُ باسمها و أنا أدخل المفتاح في ثقبه و أقبض على المقبض ثمَّ أديره و أدفع بالباب بسرعة و أندفع إلى الداخل...

    كانتْ رغد تلبس رداء الصلاة... و تجلس على الكرسي في اتجاه القبلة... و في يدها مسبحة... فهي بطبيعة الحال لمْ تكنْ تستطيع السجود على الأرض بسبب الجبيرة...

    " رغد... هيَّا بسرعة... أظنّهم عائدون "

    قلتُ هذا و أنا أندفع نحوها بسرعة... و أمسك بيدها و أحثها على النهوض...
    وقفتْ رغد على رجليها و الهلع يجتاحها... و قالتْ بفزع:

    " ماذا ؟؟ "

    " الشرطة قادمة... لنخرج بسرعة "





    ~~~~~~~~~~~


    __________________

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الثلاثاء 16 أغسطس 2011, 7:33 pm

    -رغد-




    أشرتُ إلى عكَّازي المرمي على الأرض و هتفتُ:

    " عكّازي "

    فانحنى وليد و ناولني إيّاه و هو يقول:

    " بسرعة... بسرعة... "

    ارتديتُ خُفِّي المنزلي و الذي كنتُ قد خلعتُه قبل الصلاة و تركتُه بجواري، ثمَّ سرتُ خطوتين في الاتجاه المعاكس... نحو عباءتي... فسأل وليد:

    " إلى أين ؟؟ "

    قلتُ مشيرة إلى الشمَّاعة:

    " عباءتي "

    فأسرع هو إليها و جذبها و الوشاح مِنْ على الشمّاعة... و أقبل نحوي و ناولني إياهما... أخذتُهما على عجل و مِنْ شدّة ارتباكي أوقعتُ عكازي أرضاً... و حاولتُ ارتدائهما فوق حجابي كيفما اتّفق، و في ذات اللحظة... سمعنا صوت صفَّارة سيَّارة شرطة يزعق مِنْ خارج المنزل...

    هنا.. لمْ أشعر إلا برجلي تطير فجأةً عنْ الأرض... و إذا بوليد يهرول نحو المخرج الخلفي للمنزل... حيث المرآب... و هو يحملني... على كتفه...

    " عكَّازي !! "

    هتفتُ و نحن نبتعد... لكنَّ وليد لمْ يستجِب... و سار منحني الظهر مترنّحاً يوشك على الوقوع بي، حتَّى وصلنا إلى الباب الخلفي فخرجنا و أقفله بسرعة و كاد ينزلق و هو يهبط العتبات...
    أنزلني عند باب السيارة، بل كاد يرميني، ثمَّ فتح الباب و دفع بي إلى الداخل و أغلقه و جزءٌ مِنْ ذيل عباءتي و طرف وشاحي يتدلّيان إلى الخارج...

    ثمَّ توجَّه بسرعة إلى الباب الآخر... و هو لا يزال محدودب الظهر مترنِّح الخطى... ففتحه و رمى بحقيبةٍ كان يحملها إلى الداخل، و قفز على المقعد و شغَّل السيارة و فتح بوابة المرآب و اندفع خارجاً بالسيارة بسرعة...

    كل هذا في ثوانٍ لمْ تكن كافية لأنْ أستوعب ما يجري...
    و فوق ما أنا فيه فوجئتُ بأنَّ الجو كان مغطَّى بضبابٍ كثيفٍ جداً... لمْ أكن معه أستطيع رؤية شيء في الشارع...

    استمرَّ وليد بالقيادة بسرعةٍ لا تتناسب و الضباب الكثيف... كان ينعطف يميناً و يساراً فجأة كلَّما ظهر شيء في طريقنا و لولا لطف مِنْ الله لانتهى المطاف بنا إلى حادثٍ فظيع...

    عندما ابتعدنا عنْ قلب المدينة إلى الشارع البرِّي قال لي:

    " اتصلي بسامر "

    فقلتُ:

    " هاتفي بقي في المنزل "

    فأشار إلى الحقيبة التي جلبها معه و قال:

    " هاتفي هنا "

    فتحتُ الحقيبة فوجدتُ فيها مجموعة مِنْ الأوراق... و جوازات سفر... و تذاكر رحلات جوية... و رُزَم مِنْ الأوراق المالية...
    و وجدتُ كذلك الهاتف...
    كان على الشاشة ثلاث اتصالات فائتة، كلَّها كانتْ مِنْ سامر.

    اتّصلتُ به و ما إنْ ردَّ حتَّى سحب وليد الهاتف منِّي و خاطب سامر قائلاً:

    " نحنُ في الطريق إليكَ... ابقَ مختبئاً على مقربةٍ مِنْ البوابة و سلاحكَ في يدك... سأتّصل حين نصل"

    ثمَّ قال:

    " لا أعرف فالضباب شديد و لا استطيع أنْ أسرع أكثر مِنْ ذلك... "

    و أنهى مكالمته ثمَّ التفتَ إليَّ و سأل:

    " هل أنتِ بخير ؟؟ "

    كنتُ أحاول أنْ أسحب عباءتي العالقة تحت الباب دون جدوى، خفَّف وليد السرعة و قال:

    " افتحي الباب "

    فتحتُه و سحبتُها أخيراً... و لففتُ وشاحي حول رأسي.
    لمْ تكنْ الشمس قد أشرقتْ بعد... و الشارع يخيِّم عليه الهدوء... و وصلنا إلى جزءٍ وعرٍ منه ارتجّتْ السيارة أيّما ارتجاج و هي تعبره...
    كنتُ أحاول النظر إلى الخلف خشية أنْ تكون سيارات الشرطة في تعقّبنا، لكن الرؤية كانتْ مستحيلة و لمْ أسمع أي صفَّارة...
    وصلنا بعد ذلك إلى المخبأ الذي كان سامر و عمِّي أبو حسام يحتميان فيه. أوقف وليد السيارة و تناول الهاتف و اتصل بسامر و قال:

    " السيارة أمام البوابة... تعال فوراً "

    و مِنْ بين الضباب رأيتُ سامر و أبا حسام يظهران أمامنا...
    سامر فتح الباب الخلفي و ركب السيارة بسرعة... و أبو حسام أقبل نحو النافذة إلى جانب وليد و هو يهتف:

    " انطلقوا على بركة الله "

    وليد قال و هو يدوس على كابح السيّارة:

    " أشكركَ يا عم... لنْ أنسى صنيعكَ هذا "

    فأشار أبو حسام و هو يهتف:

    " اذهبوا هيَّا... عين الله ترعاكم "

    و انطلق وليد بالسيارة و أبو حسام يلوِّح لنا و هو يقول:

    " انتبهوا لأنفسكم يا أولادي... اتّصلوا و طمئنوني عليكم... في أمان الله "

    و كما ظهر مِنْ وسط الضباب، اختفى وسط الضباب...

    وليد التفت إلى سامر الجالس إلى الوراء و سأل:

    " هل أنتَ بخير ؟؟ "

    فردّ سامر مندهشاً:

    " ماذا جرى لوجهكَ وليد ؟؟ "

    فاستدار وليد إلى الأمام و ركَّز النظر في الطريق. عندها التفتُ أنا إلى سامر و نطقتُ:

    " هاجمونا و ضربوه حدَّ الموت... العساكر الوحوش... "

    ذُهِل سامر و حدّق بي ثمَّ بوليد بأوسع عينين...

    فتابعتُ:

    " ماذا كنّا سنفعل لو أنّهم قتلوه ؟؟ ماذا كان سيحدث لو أنَّهم أطلقوا الرصاصة على رأسه كما كانوا يعزمون؟؟"

    و سمعتُ صوت وليد يناديني زاجراً:

    " رغد "

    فالتفتُّ إليه و رأيتُ في عينيه نظرة انزعاج... فقلتُ و أنا أمسك بطرف وشاحي في يدي و أقول:

    " أَيُرضي أحداً ما أنا فيه ؟؟ ما الذي فعلتُه لأمرّ بكل هذا ؟؟ إلى متى سأعيش هذا التشرُّد و الفزع ؟؟ أنا تعبت... تعبت...! "

    و طأطأتُ رأسي و دفنته بين ثنايا الوشاح و جعلتُ أبكي...
    حلّ صمتٌ طويل علينا... و انشغل كلٌ منا بأفكاره الخاصة... إلى أنْ أحسستُ بسرعة السيارة تخفُّ تدريجياً... ثمَّ تتوقّف.
    نظرتُ إلى وليد فرأيتُه ملتفتاً إلى سامر يخاطبه قائلاً:

    " تولَّ القيادة... أنا مرهق "

    ثمّ سمعتُ صوت الباب الخلفي ينفتح و ينزل سامر. التفتَ وليد إليَّ و قال:

    " اذهبي للخلف "

    و خرجنا جميعاً مِنْ السيارة لتبديل مقاعدنا. و قبل أنْ يركبا، منحاني فُرصةً لنزع حجاب الصلاة الأبيض و ارتداء الوشاح و العباءة الأسودين. كنتُ أُلقي بنظرة عليهما... و أرى وليد يقف محني الظهر... مستنداً إلى السيارة... و التعب جليٌ عليه. أخذتُ أراقبه عبر زجاج النافذة دون أنْ ينتبه... و عندما ركب السيارة بادرتُ بسؤاله:

    " هل أنتَ بخير وليد ؟؟ "

    فأجاب و هو يسند رأسه إلى مسند المقعد:

    " سأكون كذلك "

    و سمعتُ سامر يقول:

    " أنا آسف يا أخي "

    فيردُّ وليد:

    " لا عليكَ... انطلق بسرعة... يجب أنْ نصل في الموعد المحدَّد "

    سار سامر بسرعة أبطأ مِنْ سرعة وليد... و علَّل ذلك بعدم اتضاح الرؤية أمامه. و بعد فترة بدأ الضباب ينقشع حتى زال تماماً، قبل أنْ نصل إلى الحدود.

    أظنّ أنَّ وليد قد غفا لبعض الوقت مِنْ شدّة إعيائه. و عندما اقتربنا مِنْ أوَّل نقاط التفتيش عند الحدود سمعتُ سامر يخاطبه قائلاً:

    " وليد... وصلنا "

    و كان صوت سامر مغلَّفاً بالخوف و القلق. وليد تحرَّك في مقعده ثمَّ أخذ يستخرج بعض الأوراق مِنْ جيوب سيارته فيما قلوبنا تخفق بشدَّة و أعيننا مفتوحةٌ أوسعها متربِّصة بأي شخصٍ يظهر في الصورة...

    تناول وليد حقيبته اليدوية و استخرج الجوازات، و وثائق أخرى، و خاطب سامر بينما كان يوقِف السيارة:

    " أنا سأنزل لإتمام الإجراءات المطلوبة. و أنتَ ابقَ ملازماً رغد. إياكَ و الخروج لأي سبب. و إذا ما واجهتُ مشكلةً لا قدَّر الله... فسأعطيكَ إشارة... و انطلق بالسيارة بأقصى سرعة و لا تأبه لشيء "

    حملقنا في وليد بذعر و نحن نزدرد ريقنا متوجّسَيْن خيفة... قال سامر:

    " ماذا ؟؟ "

    فقال وليد:

    " افعل ما قلتُه لك. إذا أحسستُ بالخطر فسأعطيكَ إشارةً للهرب... و إنْ اعترضكَ أي شيءٍ فاقتله... و أنا سأتكفَّل بالباقي "

    و لمْ يتركْ لنا الموظَّف فرصةً للذهول، إذْ أنّه لوَّح بيده مشيراً إلينا، فنزل وليد مِنْ السيارة. و قبل أنْ ينصرف قرَّب وجهه مِنْ النافذة و هو يقول:

    " لا تنسَ ذلك "

    و ألقى عليَّ نظرةً، ثمَّ ذهب إلى الموظَّف.

    أخذتْ الوساوس تتلاقفني يميناً و يساراً... و أخذتُ أتضرَّع إلى الله مِنْ أعماق قلبي و بكل إلحاح... أنْ يسهِّل الأمر علينا و يخرجنا معاً مِنْ دائرة الخطر سالمين...

    رأيتُ سامر يمسك بشيء بين يديه سرعان ما تبيِّن لي أنّه مسدَّس... فتفاقم الفزع في نفسي و كدتُ أخرُّ مغشيّة مِنْ شدّة الخوف...

    مرّتْ الدقائق التالية كالقرون... و نحنُ ننتظر عودة وليد و أعيننا محملقةٌ عبر النوافذ في الاتجاه الذي سار فيه. و بعد هول الانتظار ظهر وليد أخيراً يقدم نحونا يحفُّه اثنان مِنْ رجال الأمن، يرتدون زياً عسكرياً. لدى رؤيتي لهم انفجر قلبي بقنبلة مِنْ النبضات الصارخة المدوية...كنتُ أشعر بها تصطدم بأسفل قدميَّ و ربَّما تهزُّ السيارة...

    سامر بسرعة خبَّأ مسدَّسه تحتَ مقعده و تظاهر بأنّه يستخرج أحد الأقراص المدمجة، و شغَّل المسجِّل... و أذكر أنَّ القرص كان يحوي ابتهالاً خاشِعاً... كان وليد كثيراً ما يشغِّله أثناء مشاوير ذهابي و إيابي مِنْ الجامعة برفقة مَرَح.

    وصل وليد و رجلا الأمن، و أشار أحدهما إلى سامر بأنْ يفتح حقيبة السيارة الخلفية... بينما طلب الآخر مِنه أنْ يفتح النافذة... و عندما فتحها ألقى بنظرة علينا ثمَّ على جوازات السفر التي كانتْ في يده... و طلبَ مِنْسامر أنْ يُبرز بعض الوثائق الخاصة بالسيارة... ثمَّ انصرف... و تبعه الرجل الآخر...

    وليد اقترب مِنْ النافذة فتشبّثتْ به أعيننا، قال:

    " سأنهي الإجراءات و أعود... تسير الأمور بشكل جيِّد "

    فجذبتُ نفساً عميقاً... علَّ ذلك يهدِّئ مِنْ سرعة خفقان قلبي و لو الشيء القليل...

    و انصرف وليد، ثمَّ عاد بعد قليل... و ركب السيارة و قال:

    " انطلق "

    لمْ نصدِّق آذاننا لا أنا و لا سامر... لذا... بقينا متسمِّرين... و لمْ تتحرّك السيارة... فنظر وليد إلى سامر و قال:

    " هيا "

    فسأل سامر:

    " انتهى كل شيء ؟؟ "

    فأجاب وليد:

    " ليس بعد... لكنّنا تخطينا أوَّل العقبات... "

    و جملته الأخيرة أجهضتْ بذرة الطمأنينة التي ما كادتْ تنبت في قلبي...
    و تجاوزنا عقبتين أخريين، و خرجنا مِنْ حدود بلدنا... و دخلنا حدود البلدة المجاورة... و هناك طلبَ منَّا رجال الأمن الخروج مِنْ السيارة لتفتيشها...

    تبادل وليد و سامر نظرةً و إنْ خفيتْ عنْ رجال الأمن فهي لمْ تخفَ عنِّي. سامر حاول إنْ يستخرج المسدَّس متظاهراً بأنّه يعدِّل مِنْ وضعيَّة مقعده... غير أنَّ يده لمْ تطله. ربَّما فهم وليد حركة سامر... و كان رجال الأمن مِنْ حولنا... فأطلَّ وليد عبر نافذته و قال:

    " الفتاةُ لا تستطيع النهوض إذ أنَّ رجلها مجبَّرة "

    في محاولة للإفلات مِنْ التفتيش، غير أنَّ أحد رجال الأمن قال:

    " فليساعدها أحدكما على ذلك "

    و لمْ يجدْ وليد بُداً مِنْ أنْ يلتفتَ إليَّ و يقول:

    " سأساعدكِ "

    و كانتْ عيناه مضطربتين و قطرة مِنْ العرق سالتْ على جبينه نصف المخبّأ تحت قبّعته.
    خرج وليد مِنْ السيارة و فتح الباب المجاور لي و مدَّ يديه... و عندما خرجتُ مِنْ السيارة و وقفتُ على رجليَّ، راح يلتفتُ يميناً و شمالاً بحثاً عنْ مقعد. و وجدنا مقاعد حجرية على بعد بضعة أمتار فقال:

    " سأرفعكِ "

    ثمَّ التفتَ إلى سامر و قال:

    " تعال معنا "

    و لكنَّ وليد و بعد أنْ سار بي خطوتين لا غير أحسَّ بالتعب و هتف:

    " أخي "

    و سرعان ما رأيتُ ذراعَيْ سامر تمتدُّ و تحملني...

    وصلنا إلى المقاعد فأجلسني سامر على أحدها و جلس وليد قربي مباشرة... و سمعناه يتنفَّس بقوّة...
    سامر سأل:

    " أأنتَ على ما يُرام ؟؟ "

    فأومأ وليد بنعم و إنْ كان مظهره يُثبِتْ عكس ذلك... و أرسل أنظاره إلى رجال الأمن و هم يفتّشون السيارة...
    جلس سامر إلى الجانب الآخر منِّي و إذا بوليد يسأل:

    " أهو معكَ ؟؟ "

    فيجيب سامر:

    " في السيارة "

    فيردُّ وليد:

    " تباً ! أينَ تركتَه ؟؟ "

    فيجيب سامر:

    " تحت المقعد... لنْ يصعب عليهم العثور عليه "

    فيقول وليد:

    " أحمق... لماذا لمْ تخبّئه جيداً أو حتَّى ترمي به مِنْ النافذة قبل وصولنا إلى هنا "

    فيقول سامر:

    " ألستَ مَنْ طلبَ منِّي إحضاره معي؟؟ لمْ يتَّسع المجال للتخلُّص منه "

    فيعقّب وليد:

    " سيورّطنا هذا المشؤوم... تباً... مِنْ أينَ حصلتَ على مصيبةٍ كهذه ؟ "

    و ما كاد ينهي جملته حتَّى رأينا رجال الأمن يكتشفون وجود سلاحٍ مخبّأ في قلب السيارة...

    اشرأبتْ أعناقنا و جحظتْ أعيننا و جفَّتْ حلوقنا... و نحن نرى أحد رجال الأمن يقبل نحونا قابضاً على السلاح بمنديل... كان ابنا عمِّي جالسين إلى جانبيَّ و حين اقترب رجل الأمن وقفا و اقتربا مِنْ بعضهما و سدَّا المرأى مِنْ أمامي... و سمعتُ صوت وليد يهمس:

    " دعني أتصرّف. لا تتفوّه بشيء. لازم رغد "

    ثمَّ سمعتُ صوت رجل الأمن و قد صار على مقربة يسأل:

    " لمَنْ هذا الشيء ؟؟ "

    مرّتْ لحظةٌ صامتةٌ حسبتُ فيها أننّي قد فقدتُ السمع مِنْ طولها، ثمَّ إذا بي أسمع:

    " إنه... لي "

    أتدرون صوت مَنْ كان ؟؟

    صوت وليد....

    أو ربَّما... توهَّمتُ ذلك... إذ أنني مع هوسي بوليد... و في حالي هذه التي لا مثيل لها... أصبحتُ أتوهَّم كل شيء...
    عاد صوت رجل الأمن يسأل:

    " هل لديكَ تصريحٌ رسمي بحمله و إدخاله إلى هنا ؟؟ "

    " لمْ أجلبْ معي التصريح "

    هذا صوت وليد... أنا واثقة مِنْ أنّه صوت وليد... لا يمكنني أنْ أخطئه... وليد قلبي !

    " تعال معي لو سمحتَ "

    قال ذلك رجل الأمن، ثمَّ رأيتُ وليد يبتعد عنِّي خطوةً، ثمَّ يلتفتُ إلى سامر و يقول:

    " ابقَ مع رغد. إيّاكَ أنْ تبتعِد عنها لأي سببٍ مهما كان "

    فيردُّ سامر:

    " وليد ! ما الذي... ... "

    و يقاطعه وليد قائلاً:

    " لازِم الصمت. فقط ضعْ الفتاةَ نصب عينيك... أتفهمني؟ "

    و مال وليد بجسده قليلاً لينظر إليَّ... و لمْ استطِع لحظتها حتّى أنْ أتأوّه... و رأيتُه يبتعد خطوةً بعد خطوة... إلى أنْ توارى عنْ أنظاري...

    حينها فقط أطلقتُ صيحة مكبوتة:

    " وليد !! "

    و مددتُ يدي إلى الأمام محاولة الإمساك بظلِّه.... لكنّه تلاشى...
    مرّتْ نحو ساعة... و نحن عند المقاعد، أنا جالسة... و سامر يجلس تارةً و يقف أخرى... في توتّر فظيع...
    بعد ذلك... أقبل إلينا أحد رجال الأمن و طلب منّا مرافقته.
    سأل سامر:

    " أين شقيقي ؟؟ "

    فأجاب الرجل:

    " سيُحوَّل إلى لجنة التحقيق "

    فزعتُ و شهقتُ رغماً عنّي... نظر الاثنان إليَّ ثمَّ إلى بعضهما البعض... و قال سامر:

    " تحقيق ؟؟ "

    فأجاب رجل الأمن:

    " نعم. فهو يحمل سلاحاً و يعبر به الحدود دون ترخيص "

    قال سامر:

    " ماذا ستفعلون به ؟؟ "

    أجاب:

    " سيخضع للتحقيق... لا أعرف تحديداً. المهم... هل لا رافقتماني الآن ؟؟ "

    سأل سامر:

    " نرافقكَ إلى أين ؟؟ "

    فأجاب:

    " للتفتيش الشخصي أولاً، و بعد التفتيش، سننقلكما إلى أقرب نقطة بعد الحدود و مِنْ هناك تابعا طريقكما إلى المدينة في سيارة أجرة إذ أنّنا سنحتجز سيارتكم عندنا لحين انتهاء التحقيق و إجراء اللازم "

    التفتَ سامر إليَّ... و كان وجهه مكفهرّاً محتقناً بالدماء... و لمْ يقل شيئاً. أمّا أنا فقلتُ و أنا أحرِّك رأسي اعتراضاً و تهديداً:

    " أنا لنْ أبرحَ مكاني حتَّى يعود وليد "

    فهِمَ سامر قصدي، و خاطب رجل الأمن سائلاً:

    " أين شقيقي الآن ؟ أريد أنْ أراه "

    فأشار الرجل بيده إلى المبنى الذي اختفى وليد خلف جدرانه، فقال سامر:

    " هل لا أخذتَني إليهِ مِنْ فضلكَ ؟... "

    فقال الرجل:

    " لا بأس، تفضَّل "

    عندها مددتُ يدي و أمسكتُ بمعطف سامر... أذكِّره بأنني هنا. التفتَ سامر إليِّ ثمَّ إلى الرجل و سأله:

    " هل لديكم كرسي متحرِّك ؟ الفتاة لا تستطيع المشي "

    فردّ الرجل:

    " لا، للأسف "

    و عندما نظر سامر إليَّ أعدتُ أقول:

    " أنا لنْ أتحرَّك مِنْ مكاني قبل مجيء وليد "

    فقال:

    " دعيني أقابله و أعرف ما فعل... "

    و استخرج هاتفه مِنْ جيبه و اتّصل بوليد... فسمعنا صوت رنين هاتف على مقربة و عندما التفتْنا نحو الصوت رأينا وليد يظهر و برفقته شرطي، يسيران متقدِّمين إلينا...

    وقفتُ مِن شدَّة هلعي على رجليَّ... و كنتُ أرتدي خفاً منزلياً على قدمي اليمنى، بينما الأخرى مجبّرة... و أحسستُ بحرارة الأرض تتخلخل خفِّي و تلهِب قدمي. حينما صار وليد أمامنا راح ينقل بصره بيننا ثمَّ قال:

    " اذهبا مع رجال الأمن. سيوصلونكما إلى أطراف المدينة. و بعد ذلك استغلاَّ أي سيارة أجرة و اتّجها إلى المطار. التذاكر و كل ما تحتاجانه في حقيبتي اليدوية "

    فقلنا معاً:

    " و أنتَ ؟؟ "

    فقال بصوتٍ خافتْ لا يتعدّى بُعدنا:

    " سأسوِّي المسألة هنا و ألحق بكما "

    أنا قلتُ مندفعة:

    " لنْ نذهبَ لأي مكانٍ مِنْ دونكَ "

    فأومأ لي وليد بنظرةٍ مِن عينيه ثمَّ قال:

    " لا وقتَ لنضيعه في الكلام. الطائرة ستقلع بعد ساعتين. يجب أنْ تُدركاها و ترحلا بسلام "

    ثمَّ أخفتَ صوته و قال:

    " أي تأخيرٍ سيبقيه في دائرة الخطر... عجِّلا "

    هتفتُ:

    " و لكن "

    فقاطعني زاجراً:

    " بدون لكن... أتفهمين ؟؟ "

    و حدَّق بي لثوانٍ... بنظرةٍ زاجرة حادّة، ثمَّ التفتَ إلى سامر و قال:

    " انتبها لنفسيكما جيِّداً... "

    و نطق سامر بنبرةٍ حزينةٍ توشك على البكاء:

    " أخي... "

    فرفع وليد يديه و حطَّ بهما على كتفي سامر... كأنّه يستند عليه، لا يسانده..ثمَّ تنهَّد تنهيدة ألم ٍ مريرة... ربَّما لأنَّ ذراعه شبه مخلوعة جريحة... أو ربَّما لشدَّة صعوبة المأزق الذي كنا فيه... قطب حاجبيه ثمَّ أرخاهما و قال:

    " اهتمّ برغد... إنها أمانتكَ أنتَ الآن... "

    ثمَّ نقل بصره فيما بيننا و قال أخيراً:

    " في أمان الله "

    لا أذكر... تفاصيل ما حدث بعد ذلك... لا أذكر... إلا و أنا في سيَّارة... أنظر عبر زجاج النافذة... و وليد في الخارج... يقف بين رجال الأمن... يلوِّح لي... و السيارة تبتعد... و تبتعد... و تبتعد... و يتلاشى وليد...كما يتلاشى السراب...

    فجأة... بين عشيَّةٍ و ضحاها... بل بين لحظة و اللحظة التي تليها... تحوَّلتْ حياتي إلى شيء خالٍ مِنْ وليد !
    يختفي مِنْ حياتي فيما أنا أراقبه عبر زجاج النافذة... و هو يبتعد... دون أنْ أملك القدرة على فعل شيء...

    ابتعدتْ السيارة كثيراً.... و عيني لا تزال تحدِّق عبر النافذة... تفتِّش عنه !...
    و صورته الأخيرة... و هو يلوِّح لي بيده... مودِّعاً... هي الصورة الأكثر إيلاماً... التي اختزنتُها محفورةً في ذاكرتي... كأقسى لقطةِ وداعٍ فرّقتْني عن وليد قلبي... مِنْ بين كل لحظات الفراق الأخرى في حياتي... على الإطلاق...

    أصابتْني حالة تيه... أضعتُ القدرة على النطق... القدرة على التفكير... القدرة على التصرّف... و انقدتُ لما كان سامر يطلبه منِّي دون أنْ أعرف ما هو...

    لمْ استفق مِنْ حالة التيه تلك... إلا عندما وجدتُ نفسي أهبط مِنْ الطائرة إلى مطار الوصول... و أفتِّش عنوليد بين المسافرين... ثمَّ لا أجده...

    رأيتُ كل الناس... كل الأجناس... مِنْ كل العالم... كل البشر الذين خلقهم الله... كلّهم مِنْ حولي... إلا وليد !

    لمْ أرَ منه إلا لقطةً أخيرة... و هو يلوِّح لي مودِّعاً... و عيناي تشيِّعانه... عبر زجاج النافذة...

    لمْ أشعر بنفسي إلا و أنا أصرخ في المطار كالمجنونة:

    " وليــــــــــــــــــــــد "





    ~~~~~~~~~~

    __________________

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الثلاثاء 16 أغسطس 2011, 7:35 pm

    -أروى-




    تلقيتُ مكالمةً مِنْ المحامي يونس المنذر الذي يعمل مع وليد في المصنع، يسألني فيه عنْ وليد، ثمَّ يبلغني بأنّه لمْ يحضرْ إلى المكتب منذ يومين، أي منذ السبت، و أنّه تعذَّر عليه الاتصال به !

    و أبلغني أيضاً... بأنَّ ابنة أخيه و التي تدرس مع رغد في الجامعة أكَّدتْ أنَّ رغد كانتْ قد عاودتْ الحضور إلى الجامعة لبضعة أيام، ثمَّ تغيّبتْ أيضاً منذ السبت و فُقِدَ الاتصال بها.

    وبعد يومٍ آخر عاود الاتصال بي و سألني ما إذا كنتُ أعرف رقم هاتف سامر شقيق زوجي، فأجبتُه بالنفي. لمْ يكنْ وليد قد أطلعني على خبر انضمام شقيقه للعمل معه. و أبلغني المحامي بهذا و بأنَّه منقطعٌ عن العمل منذ أيَّام، هو الآخر. كما أبلغني بأنَّهم حاولوا الاتِّصال مراراً بوليد عبر هاتفه المحمول و عبر هاتف المنزل و حتَّى هاتف رغد و دون جدوى، و أنّهم زاروا منزل وليد أكثر مِنْ مرَّة في أوقات مختلفة و ما مِنْ أحد...

    أشعرني ذلك بقلقٍ شديد و حاولتُ الاتصال به بنفسي و لمْ أفلحْ. كان خالي قد كلَّمه آخر مرَّة يوم الخميس... و حسب قول خالي، كان وليد متوتِّراً و قال أنَّه مشغولٌ و قطع المكالمة فجأة. تفاقم القلق في نفسي كثيراً، و بلغ ذروته حين أخبرني المحامي في اتصال لاحقٍ بأنّه لاحظ اختفاء مبالغ كبيرة مِنْ رصيد وليد الخاص، و رصيد المصنع.

    و تغيَّر مجرى قلقي و مخاوفي حين علمنا بعد ذلك أنّه سافر !

    كان أبو فادي صديق وليد هو مَنْ أبلغنا بهذا الخبر و أكَّدتْه عائلة أمُّ حسام؛ خالة رغد. قالوا أنّهم علِموا أنّه سافر مع أخيه و ابنة عمِّه إلى الخارج لأمرٍ طارئ، لكنّهم قالوا أنّهم يجهلون التفاصيل.

    كنتُ أنتظر مِنْ وليد الحضور إليَّ مِنْ أجل إعادة النظر في مشكلتنا الخاصة و التي هي أكبر و أهم مِنْ أنْ يماطل في حلِّها... و التي امتدَّتْ لشهور... فكيف تتوقَّعون منِّي أنْ أفكِّر لدى علمي بأنّه قد تركني فيما أنا فيه، و سافر مع عائلته؟؟ و دون أي كلمة ؟؟ و كأنّني شيءٌ جانبيٌ في حياته أو على الهامش...

    تفاقم إحساسي بالغيظ و خيبة الأمل مِنْ وليد... و فاق إحساسي السابق بالقلق... فتوقّفتُ عن محاولات الاتصال به، و صمّمتُ على ألاَّ أكلِّمه حتَّى أقابله وجهاً لوجه... المقابلة الحاسمة...



    ~~~~~~~~~~~




    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:42 am

    -سامر-


    اللقاء بدانة كان حميماً و مُلتهباً جداً... امتزجتْ فيه دموع الشوق بدموع الذكريات الأليمة... بدموع القلق... لكنَّ أكثر الدموع طغياناً كانتْ تلك التي فجَّرتها رغد حزناً و خوفاً على وليد. سقتْني كؤوس القلق و الندم جرعةً جرعة على مدى الفترة المفجعة التي تلتْ وصولنا إلى هذه البلد.

    فقدنا الاتصال بوليد... حتّى أنّنا لمْ نطمئن عليه، و لمْ نُطمئِنْهُ إلى أنَّنا وصلنا بسلام. و ما فتِئنا نحاول الاتِّصال به بكل الأرقام و في كل الأماكن الممكنة دون جدوى. لمْ نعرفْ إنْ كان لا يزال في البلدة المجاورة لوطننا أمْ أنَّهم قد رحَّلوه إلى بلدنا... أمْ إلى مكانٍ آخر... و إنْ كان في قبضة الشرطة أمْ إنّهم قد أخلوا سبيله...

    اتصلنا بالمنزل و المزرعة و المصنع... بلا جدوى... و تولَّى عمِّي أبو حسام مهمَّة تقصِّي أخباره في الوطن و استخدم كل الطرق، دون نتيجة حتَّى الآن.

    أخشى ما كنَّا نخشاه... هو أنْ تكون السلطات قد زجَّتْ به في السجن أو فعلتْ به شيئاً... و أنا لنْ أسامحَ نفسي أبداً على ما قد يكون شقيقي قد تعرَّض إليه بسببي.

    وليد قدَّم مِنْ أجلي تضحيةً كبيرة. ضحَّى بنفسه مِنْ أجل إنقاذي و فضَّلني على نفسه، و تحمَّل وزري نيابة عنّي...

    أنا أيضاً... مستعدٌ الآن لأنْ أضحِّي بكل شيء... مِنْ أجل ظهوره و عودته إلينا سالماً.

    أقمنا في منزل دانة و عائلتها. و هو منزلٌ كبيرٌ مؤلَّفٌ مِنْ عدَّة أجنحة، كان يسكنه أميرٌ أو ما شابَهَ قبل أنْ يشتريه نوّار؛ زوج دانة... لاعب الكرة الشهير... و المليونير...

    نوّار و عائلته رحَّبوا بنا و خصَّصوا لنا غُرَفتَي نوم في أحد الأجنحة و ضيّفونا بسخاء. و اعتمدتُ على النقود التي تركها وليد في حقيبته لشراء الضروريات.

    آه أجل...
    لا بد و أنّكم تتساءلون عنْ رغد... و ما حلَّ بها بعد وليد...

    أوّل ليلة قضتْها في هذا المكان كانتْ أفظع مِنْ الوصف. كانتْ في حالة ذعرٍ متواصل، و اضطرَّتْ دانةللمبيت إلى جانبها في الغرفة. كانتْ تصف لنا كيف هاجم رجال المباحث وليد و أوشكوا على قتله... و كانتْ تعتقد بأنّه الآن في قبضتهم و أنّهم سيقتلونه... كانتْ ستموت بهذا الاعتقاد، فاضطررتُ لأنْ أتَّفق مع عمِّي أبي حسام على أنْ يخبرها بأنَّ وليد بخير و لا يزال محبوساً تحت التحقيق و أنّه سيلحق بنا فور خروجه. ارتابتْ في صدق كلام أبي حسام بادئ الأمر، غير أنها صدّقته في النهاية حتَّى و لو مِنْ باب التعلُّق ببصيص الأمل...

    صرنا نتحاشى ذكر اسمه على مسمعها خشيةَ أنْ تفلتَ الحقيقة مِنْ ألسنتنا سهواً، فتعود للهستيريا المَرَضيّة تلك. و بقينا نتظاهر بالاطمئنان و التفاؤل فيما أفئدتنا يمزِّقها القلق. و البحث و الاتصالات جاريةٌ ساعةً بعد ساعة و يوماً بعد يوم...

    يوم أمس ذهبنا برغد إلى المستشفى و تمَّ نزع جبيرتها، و صار بمقدورها السير على رجلها بحرية، لكن بعض العرج يرافق خطواتها. أوصاها الطبيب بممارسة تمارين معيَّنة للتغلُّب عليه.

    " أُنظُر سامر... هل هكذا زاوية أنفه؟... ألا تبدو أقلّ حِدَّة ؟؟ "

    تسألني و هي جالسةٌ على سريرها، أمام لوحةٍ جديدةٍ ترسمها لوليد في كرَّاستها بقلمها الرصاصي... لوحة له و هو يلوِّح بيده... ترسمها و تقارنها بصورته...

    كانتْ الساعة الثامنة مِنْ ليلة الأربعاء، خامس ليلة نقضيها خارج الوطن. هكذا قضتْ رغد ساعات اليوم... تعيد و تكرِّر رسم وجوه أُمِّي و أبي و وليد في كراستها... مِنْ الصُوَر الفوتوغرافية التي كانتْ بحوزة دانة... الصُوَر التي تمَّ التقاطها لنا ليلة زواجها... و أخرى اُلتُقِطتْ لوالديَّ الراحلين... عندما ذهب العريسان لزيارتهما قبل هجرتهما إلى هذه البلدة...

    أجبتُ:

    " ألمْ تتعبي؟ أريحي نفسكِ... لا تزالين في فترة النقاهة "

    قالتْ و هي محملقةٌ في اللوحة دون أنْ تعيرَ كلامي انتباهاً:

    " لا... ! لمْ أُتقِنْ رسم الأنف... "

    و إذا بها تنْزَع الورقة التي قضتْ وقتاً في رسمها و تضعها جانباً... و تفتح صفحةً بيضاء جديدة استعداداً للرسم مِنْ جديد...

    سحبتُ الكراسة و وضعتُها جانباً... و نظرتُ إلى رغد بحزم... فنظرتْ إليَّ و هي تعبس بانزعاج... قلتُ لها:

    " يكفي يا رغد... إلى متى ستظلِّين ترسمين هكذا ؟ "

    فتبدّلتْ تعبيرات وجهها ثمَّ قالتْ:

    " إلى أنْ... تظهرَ الأصول... و لا أحتاج إلى صُوَر "

    ثمَّ رمتْ بالقلم جانباً، و أكبَّت بوجهها على وسادتها أخذتْ تبكي. التفتُّ إلى دانة و التي كانتْ تجلس على المقعد أمام المرآة تتابعنا مِنْ خلالها و هززتُ رأسي أسفاً و حزناً على حال رغد.

    هممتُ بالاقتراب منها و التحدُّث إليها، غير أنَّ دانة أشارتْ إليَّ بألاَّ أفعل... فلذتُ بالصمت و بقيتُ أسمع صوت نحيبها المرير. و قامتْ دانة فاقتربتْ منها و حاولتْ تشجيعها ببعض الكلمات، فخرجتُ مِنْ الغرفة و وقفتُ قرب الباب بين رغبتين متعارضتين في البقاء إلى جوارها و الابتعاد عنها.

    و بعد قليل رأيتُ دانة تخرج مِنْ غرفة رغد و تغلق الباب مِنْ بَعدِها... و تنظر إليَّ و الحزن يطلي وجهها بلون رمادي معتم، فسألتُها:

    " ماذا قالتْ ؟؟ "

    فأجابتْني بحزن بليغ:

    " سألتْني إنْ كنتُ أملك أيضاً... صورة لوالديها الحقيقيين... عمِّي ياسر و زوجته... رحمهما الله ! "

    و لمْ يكنْ قد سبق لرغد و أنْ طلبتْ شيئاً كهذا، و لمْ تكنْ تبوح بحنينها لوالديها أو تعبِّر عنْ أي مشاعرٍ تكنُّها لهما... منذ كانتْ طفلةً صغيرة. على الأقل هذا ما اعتقده...
    أضافتْ دانة بأسى:

    " لو أنّنا فقط نعلم أينَ وليد الآن... و إنْ كان بخير... آه... إلى متى سنظل نجهل مصيره ؟؟ "

    أشرتُ إليها أنْ تخفِض صوتها... لئلاَّ يصل إلى مسامع رغد و صمتُّ لبرهة ثمَّ قلتُ هامساً و أنا أعقد العزم:

    " سأذهب للبحث عنه بنفسي "

    عندها تلاشتْ العتمة الرمادية مِنْ وجه دانة و حلَّ التوهج الأحمر على وجنتيها و قالتْ:

    " تذهبُ أنتَ ؟؟ هل جننتَ ؟؟ لا ! مستحيل "

    " لا بدَّ مِنْ ذلك يا دانة "

    فإذا بها تمسِك بذراعي و تقول منفعلة:

    " كلاَّ... لنْ أدعكَ تذهب يا سامر... الآن لدي أخٌ واحدٌ موجود، هل تريد أنْ أفقدكما أنتما الاثنين ؟؟ "

    " و لكن يا دانة... ... "

    و لمْ تدعْ لي المجالَ لإتمام الجملة بل أسندتْ رأسها إلى كتفي و قالتْ:

    " لا تفكِّر يا سامر... أنا ما كدتُ أصدِّق... أنَّكَ معي الآن... ما أحوجنا... أنا و رغد إليكَ... أنتَ مَنْ تبقَّى لنا مِنْ العائلة... أرجوكَ لا تفكِّر في الذهاب "

    لقد مضتْ أربعة أيَّام... لنْ أصبرَ بعد... أنا أختبئ هنا بينما أخي في الخطر ؟؟ كم أنا جبانٌ و وغد...
    و ركلتُ الجدار غضباً مِنْ نفسي و ازدراءاً لها...
    نظرتْ إليَّ دانة نظرة تشجيع و مؤازرة ثمَّ أعادتْ إسناد رأسها إلى كتفي.

    علاقتي بدانة كانتْ منذ الصغر قويّة جداً. كنّا صديقين حميمين. و كنتُ اعتبرها أقرب الناس إليَّ. و كانتْ الوحيدة التي أبثُّ إليها بهمومي و أشكو إليها مخاوفي.

    و الآن... بعد اجتماعنا مِنْ جديد عقِب كلِّ ذلك الفراق، استعادتْ علاقتنا حرارتها و متانتها، و أخبرتُها بتفاصيل ما حصل معي و مع المنظَّمة و الشرطة، و بكل ما مرَّ بي منذ ليلة زواجها و حتّى الآن... بل و حتَّى عنْ العملية التي أُجريتْ لجفني، و عملية الاغتيال التي شاركتُ فيها، و المؤامرات التي حكناها و كنَّا على وشك تنفيذها، و حالة اليأس التي اعترتْني لدى فقد أحبَّتي، و رغبتي في الانتقام لمقتل والديَّ. تفاصيل كثيرة و مريرة... أعارتْني لسماعها الأذن الصاغية... و الصدرَ الرحِب... و القلبَ الحنون... كعادتها دوماً، ما ضاعف شعوري بالندم على و الخجل مِنْ أفعالي...

    مسحتُ على رأسها... فنظرتْ إليَّ و استطردتْ:

    " كما أنّني لا استطيع تحمُّل مسؤولية رغد... تعرف أنَّه لا طاقةَ لي بمزاجها في الوضع الطبيعي، فكيف بها و هي في هذه الحال ؟؟ "

    شردتُ قليلاً، و تذكَّرتُ شقيقي في يوم فرارنا... و هو يوصيني برغد و يحذِّرني مِنْ الابتعاد عنها مهما حصل. و غزتْ ابتسامةٌ ساخرة واهية زاوية فمي اليمنى... لاحظتْها دانة فسألتْ:

    " ما الأمر ؟؟ "

    فأجبتُ:

    " تذكَّرتُ وليد.... و هو يوصيني على رغد... كأنّه كان يعرف... أنَّه لنْ يواصل الطريق معنا "

    و شردتُ برهة ثمَّ تابعتُ:

    " كانتْ آخر كلماته لي: ("إنها أمانتكَ أنتَ الآن") "

    و أسندتُ رأسي إلى لجدار و نظرتُ للأعلى و خاطبتُ وليد الغائب في سرِّي:

    (هذه الأمانة... لا تريدني أنا يا وليد... بل تريدكَ أنتَ)

    ثمَّ صفعتُ برأسي في الجدار بمرارة...

    و مرَّتْ ساعاتٌ، و نحن على هذه الحال، حتَّى وردتْني مكالمةٌ هاتفيةٌ مِنْ سيف الحازم؛ صديق وليدالمقرَّب، يُخبرني فيه و للعجب و الدهشة... أنَّه مع وليد الآن... في البلدة المجاورة لبلدتنا... في إحدى المستشفيات... !!



    ~~~~~~~~~~~



    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:43 am

    -سيف-


    منذُ أنْ تلقَّيتُ اتّصاله يوم الجمعة هرعتُ إلى وليد، أنا مع والدي مسافرَيْن براً إلى المدينة المجاورة.وليد كان مُعتقلاً لدى سلطات البلدة لتورّطه بقضيَّة حمل سلاح بدون ترخيص. لمْ نحصلْ منه على تفاصيل عبر الهاتف و لدى وصولنا فوجئنا بمَنْ يبلغنا بأنَّه قد نُقِل تحت الحراسة إلى إحدى المستشفيات نتيجة تدهور وضعه الصحي المفاجئ...

    مفاجآت وليد هذا لا تنتهي و لمْ تكنْ لتخطر لأحدٍ على بال...

    تولَّى والدي - و هو محامٍ كبير كما تعرفون - أمر القضيَّة و حصلنا على إذنٍ رسمي بزيارة وليد داخل المستشفى يوم الثلاثاء. قابلنا الأطباء و سألناهم عن وضعه قبل زيارته فأخبرونا بأنّه كان لديه نزيفٌ حاد في معدته و تمزُّق في جدارها و التهابٌ شديد في أنسجة البطن، و أنهم اضطرُّوا لإدخاله إلى غرفة العمليات و إجراء عمليةٍ عاجلة له... و إعطائه كميَّة كبيرة مِنْ الدماء...

    تعلمون أنَّ وليد يشكو منذ زمن مِنْ قرحةٍ في المعدة. و يظهر أنّها اشتدّتْ و تمزّقتْ و نزفتْ بغزارة. هذا تفسير معقول...
    لكن الـ غير معقول و الـ غير مصدَّق... هو ما قالوه أيضاً؛ أنهم وجدوا علامات على جسده تشير إلى أنّه تعرَّض للضرب أو التعذيب الشديد قبل ساعات مِنْ فحصه.
    أمّا الأشد غرابة؛ فهي ورطة السلاح و هذا السفر المفاجئ لوليد، و الغموض الشديد الذي يغلّف القضيّة.

    دخلنا غرفة وليد يسبقنا فضولنا للاطمئنان عليه و معرفة التفاصيل. لكن ما إنْ وقعتْ أعيننا عليه حتَّى أطبقتُ على فمي كي لا أطلق شهقةً قويَّة تثير بلبلةً مِنْ حولي. حملقتُ فيه مذهولاً، و كذا فعل والدي.

    اقتربنا مِنْ سريره بخطىً متردِّدة، إذ أنّنا لمْ نتيقَّنْ مِنْ كون هذا المريض هو بالفعل وليد، و أنَّ القضيَّة كلَّها ليستْ تشابه أسماء أو سوء فهم.

    ربّاه.... أهذا وليد حقاً ؟؟
    اللهمّ نسألك اللطفَ و الرحمة...

    كان مغمضَ العينين؛ إمَّا نائماً و إمَّا فاقداً الوعي، و إمَّا أسوأ مِنْ ذلك. جسمه ملفوفٌ بالضمادات في عدَّة مواضع و العديد مِنْ الأجهزة موصلة به. جهازٌ يراقب نبض القلب، جهازٌ يكشف مستوى الأوكسجين، جهازٌ يقيس ضغط الدم... و قارورة دم معلَّقة قربه... تقطر دماً متدفِّقاً عبر الأنابيب إلى وريده.

    كان يبدو مزرياً مريعاً... و كانتْ هناك ممرِّضة قابعةٌ بجواره تراقب شاشات الأجهزة، و أخرى تقف في الجانب الآخر و تعمل على تنظيف ما ظهر لنا أنّه جرح في البطن. الغرفة تعبق برائحة الأدوية و المطهِّرات، و يدوي فيها طنين الأجهزة كأنّه صفَّارة إنذار بالخطر.

    اهتزّ قلبانا لدى مشاهدة المنظر و تبادلنا نظرات الاستغراب و الأسف...

    عندما نزعتْ الممرضة الضمادات عن الجرح رأينا حركةً تصدر مِنْ الجسم الممدَّد على السرير تحت اسم صديقي وليد. قفزتْ أعيننا نحو عينيه و لكنّه لمْ يفتحهما. بل حرَّك يده على السرير و كأنّه يعتصر ألماً...

    قالتْ الممرضة:

    " اصبر قليلا ً "

    ثمَّ نظرتْ الممرضة الأخرى إلى ساعة يدها و قالتْ:

    " إنّه موعد المسكِّن على أية حال "

    و حقنتْ دواءاً ما عبر أنبوب المصل المغروس في ذراع وليد. أثناء جريان الدواء إلى وريد وليد كانتْ تعبيرات الألم ترسم على وجهه تجاعيد عابسة حزينة، اقترنتْ بانقباض يده و اعتصار عينيه. على إثر هذا لمْ أتمالك نفسي و أقبلتُ نحوه بهلع و هتفتُ:

    " وليد... وليد... "

    رأيتُ وليد يفتح عينيه ثمَّ يحاول تحريك رأسه ببطء يميناً و يساراً يفتِّش عن مصدر الصوت. مددتُ يدي إلى يده و شددتُ عليها و قلتُ:

    " وليد... صديقي... أنا هنا... سيف "

    التفتَ وليد إليِّ، و بدا و أنّه غير مصدِّق، أو مشوَّش الرؤية. أحسستُ بأصابعه تحاول أنْ تشدَّ عليَّ، إلا أنَّها سرعان ما ارتختْ و سرعان ما أسدلتْ عينيه الجفون و غطَّتْ الرؤية. و عندما ناديتُه بعدها لمْ يُجِبني. و سمعتُ الممرضة تقول:

    " أعطيتُه للتو الدواء المخدِّر "

    فالتفتُ إليها و سألتُ في ذات الوقت الذي سأل والدي:

    " هل هو بخير ؟؟ "

    فأجابتْ:

    " يتحسَّن. غير أنّه لا يزال بحاجة إلى المخدِّر للسيطرة على الألم "

    بعدها ذهب والدي لمتابعة القضيّة و بقيتُ بجوار وليد أراقبه بتمعُّن و أعدُّ الثواني متزامنةً مع قطرات الدم المتدفّقة مِنْ القارورة، متناغمةً مع طنين الأجهزة و مؤشِّر دقَّات قلب وليد، فيما أنا شديد الحيرة و القلق و التشويش... إلى أنْ استفاق وليد بعد نحو ساعتين... فاقتربتُ منه و شددتُ على يده برفق و قلتُ:

    " سلامتكَ... يا عزيزي... ماذا حلَّ بكَ ؟؟ "

    نظر وليد نحوي و شدَّ بضعفٍ على يدي وأومأ متجاوباً معي... ثمَّ نطق و القلق يغطي تعبيرات وجهه:

    " سيف... الهاتف "

    و فهمتُ منه أنّه يريد استخدام الهاتف... استخرجتُ هاتفي و فيما أنا أمدُّه نحوه سمعتُ الممرضة تقاطعنا قائلة:

    " ممنوع... لا للهواتف المحمولة هنا "

    تلفتُّ مِنْ حولي و لمْ أجد جهاز هاتف ثابت فسألتُ:

    " إذن كيف يمكننا الاتصال ؟؟ "

    فقالتْ:

    " خارج المبنى "

    عدتُ إلى وليد و الذي اشتدَّ القلق على وجهه و سألتُ:

    " بمَنْ تريدني أنْ أتصل ؟؟ بزوجتكَ ؟ "

    فأومأ برأسه نفياً ثمَّ قال:

    " سامر... رغد... "



    سوَّى والدي المسألة بطريقةٍ ما خلال أيام، و أُطلِق صراح وليد رسمياً بعد ثلاثة أسابع أخرى. كان لا يزال ملازماً سرير المستشفى و بحاجة للرعاية الطبيّة، و كنا أنا و والدي نتنقَّل بين البلدتين لعيادته مِنْ لآخر. كنتُ أقوم بدور المرسال بينه و بين شقيقه، غير أنّه و فور صدور أمر الإفراج عنه أصرَّ على مغادرة المستشفى مخالفاً أمر الأطبّاء، و رافقتُه بنفسي إلى مكتب الطيران حيث حجز مقعداً على متن أوَّل طائرة تغادر البلدة متجهاً إلى عائلته...

    وليد أخبرنا أنا و والدي عن مشكلة تورُّط شقيقه في الشغب، و عن تعرُّضه للضرب مِنْ قِبَل السلطات، و اتّضحتْ لنا الأمور الغامضة... غير أنّه حذّرنا مِنْ تسريب أي معلومة لأيٍ كان أو لأي مكان... و بالأخص للمصنع و موظفيه...

    و لذلك فإنّني لدى تلقيَّ اتصال مِنْ أسامة يسأل فيه عن وليد الغائب فجأة منذ أيَّام... زعمتُ أنّه اضطرَّ للسفر إلى شقيقته لظروفٍ عائليةٍ خاصّة.

    للعلم فإنَّ حالة وليد الصحيّة لا تزال متدهورة و معظم الأطعمة محظورة عليه.
    و هناك شيء آخر سأخبركم به أيضاً... وليد طلب مِنْ أبي أنْ يباشر إجراءات التنازل عن الوصاية على ابنة عمِّه اليتيمة القاصر لصالح شقيقه الوحيد... سامر !


    ~~~~~~~~~~~



    __________________



    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:44 am

    -رغد-



    كعادتي كل يومٍ منذ أقمتُ هنا، أقضي الساعات في الرسم... إذْ أنّه لا شيءَ أمامي غيره...

    لمْ أكنْ أرغب في مجالسة دانة و سامر أو التحدُّث معهما... لمْ أرغبْ في التواصل مع خالتي و نهلة و طمأنتهما على أحوالي... لمْ أبادر بمهاتفة مَرَح أو أي زميلةٍ في الجامعة و إعلامها بما حصل معي...
    لا شيء يثير اهتمامي... و يشغل تفكيري... غير وليد...
    لمْ أكنْ أرى غير عينيه... في نظرتِه الأخيرة لي... عبر زجاج نافذة السيارة... و هو يلوِّح لي مودِّعاً...
    و الصورة الأخيرة التي طبعتُها في مخيّلتي... ترجمتُها بفرشاتي فصارتْ نصب عيني...

    كنتُ قد تعلَّقتُ بأمل شبه ميِّت... بأنّه بخير... و سيظهر. هكذا كان سامر و عمِّي أبو حسام يردِّدان كلَّما سألتُهما، ثمَّ اتّصل سيف؛ صديق وليد الحميم بسامر، و أكَّد أنّه مع وليد في تلك البلدة و أنَّ أباه المحامي يعمل جاهداً على حل قضيَّته. و صار سامر على اتصال يومي به، ينقل إلينا الأخبار أولاً بأوّل... و يطمئننا إلى أنَّ وليد بخير... و سيُطلق صراحه قريباً...

    الحمد لله...

    مضى شهرٌ على مقدمنا إلى هذه البلدة. الساعة العاشرة و النصف مساءاً... و لا أزال واقفةً أمام لوحتي الجديدة... أدمج ألوانها بحذر... متمنِّيةً أنْ أنجحَ هذه المرَّة في تصوير ملامح و قسمات وجهوليد... تماماً كما هي في الحقيقة... و تماماً كما كانتْ لحظة أنْ ودَّعني و يده تلوِّح في الهواء...

    لحظة فظيعة... فظيعة جداً !

    أشعر بتعب... فأنا منهمكةٌ في الرسم منذ ساعات... هذا إلى أنني مصابةٌ بالزكام الحاد نتيجة الجو البارد في هذه البلدة... و تداهمني نوباتٌ متكرِّرة مِنْ السعال الشديد.

    يُطرق الباب، فأجيب بتملُّل:

    " مَنْ هناك ؟؟ "

    و أنا أعرف أنَّ الطارق لنْ يكون غير واحدٍ مِنْ اثنين؛ سامر... و دانة، و هما لمْ يأتيا و يربِكا تركيزي-كعادتهما منذ ساعات...
    و على أثر التكلُّم تنتابني نوبة سعالٍ قويّة...

    " هل تأذنين لي بالدخول ؟ "

    سمعتُ صوت سامر يتحدَّث، فوضعتُ لوح ألواني جانباً باستياء، و تناولتُ وشاحي و اتّجهتُ إلى المرآة و أنا لا أزال أسعل. هنا سمعتُ صوت مقبض الباب يُدار و فوجئتُ به يُفتح...
    كيف تجرؤ !
    التفتُّ بسرعةٍ إلى الباب و أنا أهتف بصوتي المبحوح:

    " انتظر سامر "

    فإذا بي أرى دانة تطلُّ برأسها مِنْ فتحة الباب ثمَّ تتسلَّل إلى الداخل. نظرتُ إليها باستغراب... و أصابني القلق لدى رؤية سيلين مِنْ الدموع على وجنتيها و تعبيرات متداخلة قويّة منقوشة على وجهها... ثمَّ إذا بها تقول:

    " الآن...؟؟ "

    و تلتفتُ إلى الناحية الأخرى و تقول:

    " تفضَّل "

    و تفتح الباب على مصراعيه...

    كانَ مولياً ظهره للباب... ثمَّ تنحنح بخشونة... و استدار ليلقي نظرةً على داخل الغرفة... و تقع عيناه على عينيَّ... و يتهلَّل وجهه و يبتسم و يقول:

    " صغيرتي ! "

    لا أصدِّق...
    لا أصدِّق...
    لا أصدِّق... لا أصـــــــــــــدِّق....

    شهقتُ... رفعتُ يديَّ إلى فمي... كتمتُ سعالي... تراجعتُ إلى الوراء بخطوات مبعثرة... أهزُّ رأسي... ثمَّ أؤرجح يديَّ... ثمَّ أترنّح على قدمي... ثمَّ أتسمَّر في موضعي... ثمَّ أطلق زفرة صارخة قويّة:

    " وليـــــــــــــــــــــــــــــــد !!! "



    ~~~~~~~~~~~~~~~~




    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:46 am

    -وليد-



    كانتْ تقف على قدميها الاثنتين... أجل، فالجبيرة قد نُزِعتْ عن رجلها اليسرى... و صارتْ تمشي بحريَّة...
    لكنني لحظتُ العرج البسيط في مشيتها مِنْ أوَّل خطوات سارتْها أمامي... و سمعتُ بحَّةً قويَّةً في صوتها و هي تناديني...
    يا لصغيرتي الحبيبة.... يا لرغد...
    إنني لا أكاد أصدِّق... أنني عدتُ لأراها مِنْ جديد...
    لقد حسبتُ... القدر يلعب معي لعبته الجديدة... و انتهِي مرمياً في السجن محروماً مِنْ الحرية... مِنْ نور الشمس و الهواء... و مِنْ أهلي و أحبابي...
    ما سجدتُ لله شاكراً... لنْ أستطيع أنْ أبلغ جزءاً مِنْ ألف جزء... مِنْ واجب الشكر و الامتنان للرحمن...
    اللهمَّ لكَ كل الحمد و الشكر... بعدد ما تشاء و ما ترضى... إلى ما تشاء و ما ترضى...

    فيما بعد... جلستُ على أحد المقاعد... و أحاط بي شقيقاي مِنْ الجانبين، و وقفتْ الصغيرة أمامنا... فضممتُ أخويَّ إليَّ بحرارة... مردِّداً ("الحمد لله") و داعياً ربِّي بأنْ يحفظ لي أخويَّ و ابنة عمِّي... و يبقي لي عائلتي سالمةً و بعيدةً عنْ كل المخاطر...

    المأزق الذي مررتُ به... محنة سامر هذه... شيَّبت شعري و جعلتْني أقفز إلى سنِّ الشيخوخة... وأصبح كعجوزٍ على فراش المرض يعد أواخر أيامه... و يلملم أفراد عائلته مِنْ حوله... ليودِّعهم...

    و لأنَّه كان اجتماعي الأوَّل بدانة بعد فراق طويل... منذ ليلة عرسها تلك... فإنَّ مئات المشاعر لمئات الأسباب و الأحداث تفجّرتْ ليلتها... و أغرقتنا في بحورٍ عميقة لا بداية لها و لا نهاية...

    و طبعاً لمْ تكنْ المناسبة لتمرّ دون أنْ نذكر والديَّ رحمهما الله، و نقلِّب المواجع على فقدهما... و قد كانتْ دانة هي آخر مَنْ رآهما قبل وفاتهما... عندما زارتْهما هي و عريسها بعد زواجهما مباشرةً، و قبل انتقالهما للعيش في هذه البلد...

    يا للذكريات....

    هدأتْ عواصف مشاعرنا المختلفة أخيراً... و بدأ الجميع يسألني عن تفاصيل ما حصل معي خلال الأيام الماضية... فأوجزتُ لهم الأحداث و طمأنتهم إلى سير الأمور على خير... و اطمأننتُ بدوري عليهم و شعرتُ لأوَّل مرَّة... بعد عناءٍ طويل و انشغالٍ كبير... براحة البال...

    و أنا أرى سامر... و رغد... و كذلك دانة مِنْ حولي... لمْ أكنْ لأتمنَّى مِنْ هذه الدنيا إلا سلامتهم...
    شددتُ على يد سامر و نحن نحدِّق في بعضنا البعض... و كانتْ النظرات أبلغ و أفصح مِنْ أي كلمات...

    الحمد لله...

    و لأنّني كنتُ مرهقاً مِنْ عناء السفر الطويل... و لا أزال في فترة النقاهة... فقد أردتُ أنْ أخلد للنوم و الراحة. أخذتْني دانة إلى إحدى الغرف... في زاوية بعيدةٍ بعض الشيء عن الجناح الذي يقيم فيهسامر و رغد... و تركني الجميع هناك لاستحم ثمَّ آوي إلى الفراش...
    بعدما أنهيتُ استحمامي و فيما أنا استخرج أدويتي مِنْ الحقيبة لأتناولها سمعتُ طرقاً على الباب.

    " تفضَّل "

    كانتْ شقيقتي دانة، تحمل معها بطانيات و ألحفة.

    " تدثَّر جيِّداً... لئلا تُصاب بنزلة برد مثل رغد "

    قالتْ و هي تضعهما على السرير فابتسمتُ و قلتُ:

    " شكراً "

    " أتحتاج أي شيء ؟؟ ألا أجلبُ لكَ طعاماً ؟ "

    سألتْ فأجبتُ:

    " كلاَّ شكراً. هل لي ببعض الماء فقط ؟؟ "

    " بالتأكيد "

    و همَّتْ بالانصراف فأضفتُ:

    " و مصحف مِنْ فضلكِ "

    فابتسمتْ و حانتْ منها التفاتةٌ إلى المنضدة التي وضعتُ عليها عُلب الأدوية ثمَّ نظرتْ إليَّ باستنكار و قالتْ و هي ترفع سبَّابتها:

    " التدخين ممنوع ! "

    فضحكتُ ضحكةً خفيفةً، و قلتُ:

    " هذه أدوية معدتي ! أقلعتُ و الحمد لله "

    و فيما بعد جلستُ على السرير ملتحفاً بالبطانية... أتلو آيات مِنْ الذكر الحكيم... و أحمد الله مراراً و تكراراً في سريرتي... و ما إنْ مضتْ بضع دقائق حتَّى عاد الطرق على الباب...

    " نعم تفضَّل "

    متوقّعاً أنْ تكون دانة... غير أنّها كانتْ رغد...

    بدا عليها التردُّد و هي تفتح الباب ببطء و تطلُّ مِنْ فتحته، ثمَّ تخطو خطوةً أو اثنتين إلى الداخل. بمجرّد أنْ وقعتْ عيناي على عينيها عرفتُ أنَّ لديها الكثير لتقوله... لكنَّ تعبيرات وجهها اضطربتْ و قالتْ:

    " اعتذر على الإزعاج... فقط أردتُ أنْ... أسألكَ إنْ كنتَ بحاجةٍ إلى شيء "

    أنا ؟!.... أنا محتاج إلى كل شيء يا رغد !

    أجبتُ:

    " شكراً صغيرتي... لا شيء للآن "

    فشتّتَتْ أنظارها في أرجاء الغرفة ثمَّ سألتْ بخجل:

    " هل شُفِيَتْ إصاباتكَ ؟؟ "

    تعني و لا شكَّ... الهجومَ الوحشي الذي تعرَّضنا له تلك الليلة... و هي ليلة أشعرُ بالخجل و العار كلَّما تذكّرتُها... غضضتُ بصري و أجبتُ محاولاً التظاهر بالعفوية و المرح:

    " نعم... كما ترين "

    و لمّا رفعتُ بصري إليها رأيتُها تبتسم ثمَّ تقول:

    " حسنا ً... تصبح على خير "

    ثمَّ سعلتْ لبضع ثوان و هي تتراجع للخلفٍ... فقلتُ:

    " سلامتكِ "

    فاتّسعتْ ابتسامتها... و تابعتْ سيرها إلى الوراء و هي ممسكةٌ بمقبض الباب تغلقه ببطءٍ إلى أنْ بقيتْ فتحةٌ صغيرةٌ بالكاد تسمح برؤية نصف وجهها فإذا بي أسمعها تقول:

    " أنا سعيدةٌ بعودتكَ سالماً... كدتُ أموت خوفاً عليكَ... سعيدةٌ جداً "

    و تغلق الباب ! .......


    في اليوم التالي اجتمعنا أنا و شقيقاي و رغد و نوّار حول مائدة الغذاء... و حتَّى لو لمْ أشاركهم طعامهم، شاركتُهم الدفء العائلي و الإحساس بالانتماء... و الجوَّ الأسري الرائع الذي كثيراً ما افتقده...
    و في وقت القيلولة، جلستُ مع أخي سامر في غرفته أسأله عن تفاصيل ما حصل معه و مع رغد بعد افتراقنا، و أناقش معه الخطط المستقبلية...
    دار بيننا حديثٌ طويل... كنتُ مِنْ خلاله... أريد جسَّ نبض وضعه النفسي... و أعرف إلى أي مدى ارتفعتْ معنوياته و استعاد رباطة جأشه...
    و بالطبع، تحاشيتُ تماماً ذكر موضوع المنظمة... بل إنّي قد عاهدتُ نفسي ألا أكترث لما فعل أخي ولا لكيف فعل، لا حساب و لا عتاب و لا استجواب، إنْ هو نجا و خرج مِنْ المأزق الخطير سليماً... و ما دام أخي معي الآن... و أراه أمامي بخير... فلا يهمُّني النبش في الماضي...

    " لِمَ تحدِّق بي؟! "

    سأل سامر و قد لاحظ شرودي و أنا أنظر إليه... فابتسمتُ و قلتُ:

    " آسف... كنتُ أفكِّر... كيف سنعثر على منزل مناسب لنشتريه... "

    فقال:

    " في الحقيقة كنتُ قد استفسرتُ مِنْ نوّار مسبقاً. عمّه يقيم في هذه البلدة منذ عشرين عاماً و يستطيع مساعدتنا في تدبّر أمر المنزل "

    قلتُ:

    " جيِّد. إذنْ سنسعى لذلك مِنْ الآن إذ أنّه مِنْ المحرج مبيتنا هنا "

    حتَّى و لو كانتْ عائلة نوّار ترحّب بنا بشدة...

    قال سامر:

    " نشتري شقَّةً مناسبة في مكانٍ قريب مِنْ هذا المنزل "

    " أو منزلاً مستقلاً... صغيراً و يناسب وضعنا الراهن "

    قال سامر و هو يركّز النظر إليَّ:

    " إذن... هل... ستستقرُّ هنا ؟؟ "

    و هو أمرٌ لمْ أكنْ أريد التطرُّق إليه الآن... و أفكاري غير مرتَّبة... و جسمي منهك... و أعرف أنّه موضوع إنْ فُتِح سيجرُّ خلفه مواضيع لا طاقة لنا بها هذه الساعة، لذا تظاهرتُ بالنعاس و تثاءبتُ و قلتُ و أنا أقف:

    " سأفكِّر لاحقاً... أشعر بالنعاس... سأقيل ساعة "

    و غادرتُ الغرفة.

    ذهبتُ إلى الغرفة التي خصَّصتْها دانة لي، و اضطجعتُ على السرير... و تدثَّرتُ بكل الألحفة و البطانيات المفروشة فوقه، ناشداً الدفء... لكنَّ الدفء الذي حصلتُ عليه... في هذا الجو البارد... في هذه البلدة الغريبة... في هذه الغرفة النائية... كان مصدره...
    المحفظة التي تنام تحت وسادتي....
    أشلاء صورة رغد...



    ~~~~~~~~~~~~~~



    __________________

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:49 am

    -رغد-


    تغمرني سعادةٌ لا توصف... و أنا أواصل دمج الألوان في لوحة وليد الأخيرة... و أتذكَّر وجوده مِنْ حولي... و أطلق زفرات الارتياح...
    تناولنا الفطور و الغذاء معاً هذا اليوم... صحيح أنَّ وليد لمْ يشاركنا الأكل بسبب معدته، لكنَّه شاركنا الجلوس حول المائدة و الأحاديث المختلفة... و علمتُ أنّه كان راقداً في المستشفى منذ فارقنا و حتى وافانا بسبب نزيف قرحة معدته... و أنّه خضع لعملية جراحية لعلاجها و هي حقيقة أخفاها سامرعنِّي طيلة الوقت...

    وليد قلبي بدا مريضاً بالفعل... شاحب اللون و فاقد الحيوية و منطفئ البريق الذي كان يشعُّ مِنْ عينيه... وخسر عدَّة أرطال مِنْ وزنه و تعرّتْ عظامه مِنْ اللحم، لكن الأهم أنّه معنا الآن... و في أمان...

    عند العصر سمعتُ صوت دانة تناديني مِنْ خلف الباب:

    " رغد تعالي لتناول الكعك معنا... نحن في الصالة "

    فرددتُ بسرور و مباشرة:

    " قادمة "

    و تركتُ فرشاتي و انطلقتُ تسبقني سعادتي إلى الصالة، حيث كان أبناء عمي الثلاثة يجلسون... اقتربتُ منهم و اتخذتُ مجلسي بجوار دانة، و اخترتُ أكبر قطعة مِنْ الكعك... و بدأتُ في تناولها باستمتاع...

    دانة ماهرةٌ في صنع الكعك كما تعلمون... أمّا أنا فماهرة في التهامه !

    راقبتُ وليد خلسةً فلاحظتُ أنَّه يكتفي بشرب الماء مِنْ الكأس الموضوع أمامه، و لا يلمس الكعك...

    قلتُ:

    " إنها لذيذة و خفيفة وليد "

    فأجاب و هو يبتسم:

    " لا شكَّ عندي... لكن معدتي لنْ تتقبَّل "

    قالتْ دانة:

    " جرِّب قضمةً واحدة صغيرة... هيّا وليد... مِنْ أجلي "

    فكرّر وليد اعتذاره و قال:

    " إنْ اشتعلتْ هذه فلا شيء يطفئها "

    و هو يشير إلى معدته. أحسستُ بالألم و القلق لأجله... و أنا متأكِّدة أنَّ ما هيَّج قرحته و سبَّب نزيفها هو الضرب الوحشي الذي تلقّاه على أيدي و أرجل العساكر الوحوش... تلك الليلة...

    تذكُّر تلك الليلة... جعل يدي ترتجفُ، و تُوقِعُ الشوكة مِنْ بين أصابعي...

    نظرتُ إلى وليد و شعرتُ و كأنّه قرأ الذكريات التي مرَّت في مخيِّلتي... فقلتُ لا شعورياً بصوتٍ هامس:

    " الحمد لله... أنّكَ هنا الآن "

    و كأنَّ أحداً لمْ يسمعْ ما قلتُ، فسألتْ دانة:

    " عفواً ؟؟ "

    فانحنيتُ لالتقاط شوكتي و أنا أقول مغيِّرة الموضوع:

    " ما رأيكَ في المنزل وليد...؟ أليس رائعاً ؟؟ دانة تتصرَّف كجلالة الملكة هنا ! "

    فنظرتْ دانة إليَّ بتباهٍ و قالتْ مداعبة:

    " أنا بالفعل ملكة هنا ! كل هذا تحت تصرّفي ! "

    فقال وليد مبتسماً:

    " هنيئاً لكِ "

    فقالتْ دانة:

    " و أنتم كذلك... اطلبوا ما تشاؤون "

    فقال سامر بعد أنْ ابتلع آخر قطعة في فمه:

    " لا عدمناكِ... يكفينا هذا الجناح مؤقّتاً إلى أنْ نشتري منزلاً أو شقَّة "

    و التفتَ إلى وليد يطلب تأكيد كلامه، فقال الأخير:

    " نعم. و سنعمل على ذلك عاجلاً "

    فقالتْ دانة مستاءة:

    " هراء ! تبحثون عن منزل و لدينا كل هذا ؟؟ "

    فرد وليد:

    " باركَ الله فيكم... و لكن لابد مِنْ منزلٍ مستقل... إنْ عاجلاً أم آجلاً "

    فقالتْ دانة مخاطبةً إيّاه بحنق:

    " و كأنَّ منزلنا لا يتَّسِع لكم ! سآمر الخدم بتنظيف و إعداد كل الغرف التابعة لهذا الجناح و ننقل غرفة نومكَ إلى أي غرفة تختارها يا وليد... سيكون هذا الجناح منزلكم "

    فقال وليد:

    " أرجوكِ... لا تتكبدوا العناء... الجناح هكذا يفي بالغرض لحين شراء مسكنٍ مستقلٍ ينتقلان إليه... أنا هنا مؤقَّتاً على أيَّة حال "

    الجملة أربكتْني و جعلتْني أحملق في وليد... ثمَّ أسأله:

    " ماذا تعني ؟؟ "

    و تنقَّلتُ بأنظاري إلى سامر و دانة، و رأيتُهما يحملقان في وليد أيضاً...
    وليد لمْ يتكلَّم لأنَّه شعر بأنَّ الأعين تتربَّص به... بل بدا مرتبكاً و كأنَّ الجملة قد انفلتتْ مِنْ لسانه دون قصد و لمْ يستطع استدراكها... أعدتُ سؤالي:

    " ماذا تعني.... وليد ؟؟ "

    فإذا به يتأتئ و يمسح على جبينه ثمَّ يرد أخيراً:

    " أه... أعني... أنّني سأعود إلى الوطن عاجلاً... "

    شهقتُ و تنقّلتُ بأنظاري بين وليد و سامر و دانة ثمَّ قلتُ غير مصدِّقة:

    " تمزح وليد... ألستَ تمزح ؟؟!! "

    فابتسم بقلَّة حيلة و قال:

    " لا أمزح ! أعني أنّني... أنا هنا... لأطمئنّ عليكم ثلاثتكم و ها قد اطمأننتُ و لابد مِنْ العودة "

    أخذ التوتّر يتفاقم على وجهي و لاحظ الجميع ذلك... ثمَّ قلتُ و الكلمة لا تكاد تخرج مِنْ ثغري:

    " و... و أنا... ؟؟ "

    فتبادل الجميع النظرات... ثمَّ تسلَّطتْ أعيننا على وليد الذي لمْ ينطق مباشرة... كان متردداً غير أنّه في النهاية قال:

    " ستبقين هنا يا رغد "

    لمّا لاحظ سامر الهلع يجتاح قسمات وجهي قال مخاطباً وليد و محاولاً تلطيف وقع النبأ:

    " لكن... لنْ تسافر بهذه السرعة... تعني بعد بضعة أسابيع ؟... "

    فالتفتَ إليه وليد و قال:

    " بضعة أيّام لا أكثر... تعرفون... لدي زوجةٌ قلقةٌ في انتظاري "

    عند هذا الحد... و شعرتُ برغبة مفاجئة في التقيؤ... فوقفتُ بسرعة و أنا أسدُّ فمي بيدي و هرولتُ إلى دورة المياه...
    عندما خرجتُ مِنْ دورة المياه - أكرمكم الله - وجدتُ دانة تقف بالجوار في قلق... و سألتْني:

    " أأنتِ بخير ؟؟ "

    و لمْ أجبْ

    فأضافتْ:

    " هل كانتْ الكعكة سيِّئة أو ماذا ؟؟ "

    التفتُ إليها و قلتُ:

    " ألمْ تسمعي ما قال ؟؟ يريد العودة إلى لوطن... بعد كل الذي تكبَّدنا مِنْ أجل الفرار... إنه يريد العودة إلى الخطر "

    بدا على دانة تفهُّم مشاعري... ثمَّ قالتْ:

    " لمْ يقرِّر... بل يفكِّر "

    قلتُ بعصبية:

    " كيف يفكِّر في العودة إلى الجحيم ؟؟ ألمْ يكفِه ما فعلوا به ؟؟ ألا يكفي هذا ؟؟ "

    و ذهبتُ منزعجة إلى غرفتي... و انعزلتُ فيها لبعض الوقت.


    ~~~~~~~~~~~


    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:50 am

    -وليد-


    " ما كان يجب أنْ تذكر هذا الآن "

    قال سامر يخاطبني بشيء مِنْ اللوم... و أنا أدرك أنّني فاجأتُ الجميع بما قلتُ... فلم أعلِّق. فتابع هو:

    " تذكُر عودتكَ العاجلة إلى الوطن... و إلى زوجتكَ... و أنتَ بالكاد وصلتَ البارحة !؟ إنَّها... كانتْ قلقة عليكَ حدّ المرض "

    مُشيراً إلى رغد.

    صمتُّ قليلاً ثمَّ قلتُ:

    " و لكن... في الحقيقة هذا ما يجب أنْ يحصل عاجلاً "

    نظر إليَّ أخي نظرةً لمْ أفهم معناها، أو بالأحرى... لمْ أردْ أنْ أفهمها... ثمَّ إذا به يقول:

    " إذن... إذن... لنْ تقيم هاهنا معنا ؟؟ "

    و هذا السؤال كان يشغل بال شقيقي منذ الصباح أو ربَّما منذ زمن... و أعرف ما خلفه...

    قلتُ:

    " وأتركُ زوجتي... و عملي... هناكَ ؟؟! "

    أراد سامر قول شيء لكنَّه تراجع. أنا أعرف ما الذي تريد الوصول إليه يا سامر... لكن أرجوكَ... دعني أسترخي ليومٍ آخر... و لا تشغل بالي و تشعل النار في داخلي الآن...

    أخيراً قال سامر:

    " و... و المنزل ؟؟ هل سنقيم فيه أنا و رغد بمفردنا ؟؟ "

    و كأنّه يستلُّ خنجراً مِنْ صدري... آه... كمْ أتألّم...

    عضضتُ على أسناني لأمتصّ بعض الألم... ثمَّ قلتُ محاولاً الهروب:

    " لكلّ حدثٍ حديثٌ... ننتظر شراءَ المنزل أوَّلا ً "

    و كانتْ محاولةً فاشلةً... إذ أنَّ سامر عاد يسأل:

    " و إذا حصلنا على المنزل غدا...؟؟ فهل... ..."

    و لمْ يتم السؤال...
    مسحتُ على وجهي مضطرباً و نظرتُ يميناً و يساراً باحثاً عنْ مهرب... ثمَّ عدتُ إلى أخي فرأيتُه ينظر إليَّ باهتمام و قلق... ينتظر ردِّي...

    مددتُ يدي و ربَّتُ على كتفيه بعطف... و قلتُ و الدماء تحتقن في وجهي:

    " لا تستعجل... تريَّث... دعنا نلتقط بعض الأنفاس... أنا مُرهقٌ جداً يا سامر... "

    و ما كان مِنْ أخي إلا أنْ أومأ تفهُّماً و أغلق الحوار...

    و في المساء... على مائدة العشاء... و التي التففنا حولها نحن الثلاثة، أنا و شقيقي و ابنة عمِّي... تحرّكتْ أيدينا بالملاعق، بينما أفواهنا صامتة عنْ الكلام... كان الوجوم مخيِّماً على وجه رغد... الذي صار كتاباً متقلِّب الحروف و الرموز... يشغلني فكُّ طلاسمه...

    و فيما أنا أتناول حسائي البارد ببطء و أرسل النظرات إليها بين الفينة و الأخرى، كانتْ هي محملقةً في طبقها تتحاشى النظر باتجاهي...

    أما سامر... فكان يتظاهر بالاهتمام بالمباراة التي تُعرض على التلفاز و التي يشارك فيها نوّار...

    " الحمد لله "

    قالتْها رغد و وقفتْ هامَّة بالمغادرة... و أطباقها بالكاد لُمِستْ...

    قلتُ:

    " إلى أين ؟؟ لمْ تُنهي عشاءكِ "

    قالتْ دون أنْ تنظر إليَّ:

    " اكتفيتُ "

    فقلتُ:

    " اجلسي يا رغد... و اتمِّي عشاءكَ "

    هنا نظرتْ إليَّ... نظرةً حزينةً مؤلمة... فيها العتاب و اللوم... و الرجاء و اليأس سويَّةً...

    همستُ:

    " رغد... "

    فإذا بها تطلق الكلام الذي كانتْ تكبته في صدرها منذُ ساعات دفعةً واحدة:

    " كيف تفكِّر في العودة للخطر يا وليد ؟؟ نحن ما كدنا نصدِّق أننا نجونا... ما كدنا نطمئن على سلامة بعضنا البعض... أتريد أنْ تعرِّض نفسكَ للهلاك مِنْ جديد ؟؟ "

    و لمْ تعطِني فرصةً للإجابة بل قالتْ بصوتٍ شديد الرجاء:

    " أرجوكَ وليد... لا تذهبْ... أرجوكَ "

    تأوَّهتُ و قلتُ:

    " لابدَّ لي مِنْ الذهاب يا رغد... لا بد "

    و رأيتُها تعضُّ على شفتها السفلى ثمَّ تقول:

    " يمكنكَ إحضارها إلى هنا... و نستقر بعيداً عن الخطر و الحرب "

    تعني أروى...

    قلتُ:

    " صعب جداً... أروى لنْ يعجبها ذلكَ... ثمَّ أنَّ المنزل و المزرعة و المصنع... و كل شيء هناك... "

    فأومأتْ برأسها اعتراضاً فأضفتُ:

    " إنّهم لا يلاحقونني أنا... لا تخشَيْ عليَّ... صغيرتي "

    فانفجرتْ قائلة:

    " كيف لا أخشى عليكَ ؟؟ لقد رأيتُ ما فعلوه بكَ بأمِّ عيني... هل تريد أنْ تيتِّمني للمرَّة الثالثة بعد ؟؟ أنتَ لا تعمل حساباً لي "

    و انصرفتْ مسرعةً إلى غرفتها...

    انتظرتُ لحظةً... في حيرة مِنْ أمري... ثمَّ وقفتُ و قلتُ مخاطباً أخي:

    " سأتحدَّث معها "

    و لمْ يبدِ أخي أي ردّة فعل...

    لحقتُ بالصغيرة و حصلتُ على إذنها بدخول الغرفة... و ما إنْ دخلتُ حتَّى وقعتْ عيناي على مجموعة مِنْ اللوحات إلى جانب بعضها البعض... عند الجدار المقابل للباب... صورة لوالدي و أخرى لوالدتي رحمهما الله... و صورة لي أنا... و أنا رافعٌ يدي... موضوعة على عمود الرسم...

    لدى رؤية صورتي والديَّ لمْ أتمالك نفسي... و سرتُ باتجاههما و حملقتُ فيهما و انتابني الأسى و المرارة...
    خاطبتهما سراً... ألا تخرجان مِنْ اللوحتين... و تريان ما نحن فيه... و تحلاَّن مشكلتنا ؟؟
    أنا و شقيقي نحبُّ فتاًة واحدةً تعني لكلينا كل شيء و على أحدنا أنْ يُميت قلبه ليُحيي الآخر...
    أنا يا أُمِّي و يا أبي... أفضِّل اللحاق بكما على أنْ يمسَّ شقيقي أي أذى... سامحاني لأنّني كنتُ أنانياً جداً... لمْ أتفهَّم مشاعره و لمْ أقدِّرها في البداية... حسبتُ أنَّ رغد شيءٌ يخصّني أنا و أنّه هو مَنْ سرقها منِّي...

    و التفتُ نحو رغد و التي كانتْ مطأطئةً بصرها بحزنٍ نحو الأرض... فخاطبتُها في سرّي بلهفة... ألستِ شيئاً يخصني أنا يا رغد؟؟ ألستِ فتاتي أنا ؟ ألستِ لي ؟؟ ألنْ تكوني لي ؟؟ ألا يجب أنْ تكوني لي أنا ؟؟

    ربّما أحسَّتْ رغد بنظراتي المسلَّطة عليها أو استبطأتْ كلامي... أو حتَّى سمعتْ خطابي السرِّي في نفسي... فإذا بها تلتفتُ إليَّ و ترمقني بنظرةٍ أرسلتْني إلى عالم التيه و الضياع...

    ثمَّ إذا بتعبيرات الرجاء الشديد بل التوسُّل تزحف إلى قسمات وجهها الحزين و تخرج مِنْ لسانها بقول:

    " أرجوكَ وليد... تخلَّ عن الفكرة... و دعنا نعيش هنا معاً بسلام... أنا تعبتُ مِنْ الحرب و التشرُّد و اليُتم و الضياع و الصراع... ألا تفعل هذا مِنْ أجلي ؟؟ "

    تفطّر قلبي لكلامها و نزف كثيراً... إنّكِ تطلبين المستحيل يا رغد...
    اقتربتُ منها و قلتُ مغدقاً عطفي و حناني و متحجِّجا ً بمسؤولياتي:

    " يا رغد... يا صغيرتي العزيزة... و مَنْ يتولَّى الأمور هناك في الوطن؟؟ لدي مسؤوليات جدِّيةٌ و كبيرةٌ في انتظاري "

    فقالتْ:

    " و أنا ؟ ألستُ جزءاً جدياً مِنْ مسؤوليتك أنتَ ؟؟ كيف تتركني وحدي و تذهب عني ؟؟ "

    " كيف تقولين وحدكِ ؟؟ أترككِ مع دانة و سامر "

    فأجابتْ منفعلة:

    " لكنّكَ أنتَ الوصي عليَّ... المسؤول عنِّي شرعياً... أبي بالوصاية... و يفترض أنْ تبقيني معكَ و تبقى معي... أليس كذلكَ ؟ أليس هذا مِنْ واجبك؟ "

    لمْ أجبْ مباشرةً... ثمَّ قلتُ:

    " بلى... و... كذلكَ... أنا المسؤول عنْ أروى... و مِنْ واجبي العودة إليها "

    و كنتُ أتوقّع أنْ يُزعجها ذكر أروى... بل كنتُ أتعمَّد أنْ أذكرها حتَّى استفيق أنا مِنْ حالة التيه في بحر رغد، و أعود إلى الواقع و أقطع الحبال المتشدِّقة بسفينة رغد...
    نعم كنتُ أتوقّع أنْ تنزعج رغد مِنْ ذكر أروى - كعادتها - لكنَّني لمْ أتوقّع أنْ تأتي ردَّة فعلها بهذا الشكل...

    صرختْ منفعلة منفلتة:

    " إذن عُد إليها... هيّا عُد... لا شكَّ أنّكَ متلهِّفٌ لعينيها الزرقاوين و شعرها الحريري الأشقر... أيُّ أحمق يتنازل عن الحسناء الثرية ؟؟ هنيئاً لكَ بمَنْ اخترتَ... اذهب! "

    و أشاحتْ بوجهها عنِّي... و عندما ناديتُها هتفتْ زاجرة:

    " اذهبْ الآن ! "

    و ما كان منِّي إلا أنْ غادرتُ الغرفة.

    عندما عدتُ إلى حيثُ كنَّا نتناول العشاء قبل قليل، لمْ أجد أخي هناك. بحثتُ عنه في غرفته و في الجوار و لمْ أجده. و وجدتُ هاتفه موضوعاً على سريره. سألتُ عنه دانة فأخبرتْني أنّها لمْ تره مذ كنَّا نتناول الكعك عصراً...

    قضيتُ الساعتين التاليتين واقفاً على أطراف أعصابي المشدودة... حتَّى إذا ما ظهر أخيراً... قادماً مِنْ الخارج... قدمتُ نحوه و بادرتُ بالسؤال...

    " إلى أين ذهبتَ ؟؟ "

    ظهر الانزعاج مِنْ السؤال على وجه أخي و قال:

    " عفواً ؟؟ "

    فتراجعتُ و قلتُ مخفّفاً سؤالي:

    " أعني... في هذا الطقس البارد ؟؟ "

    فردّ سامر:

    " تمشَّيتُ في الجوار... "

    و بعد برهة صامتة قلتُ و أنا أهمُّ بالانصراف:

    " سأخلد للنوم "

    استوقفني سامر بسؤاله:

    " ماذا أحرزتَ مع رغد ؟ "

    فشددتُ على قبضتي... ثمَّ قلتُ:

    " لا شيء... "

    و تابعتُ:

    " لا تقدِّر مسؤولياتي الأخرى... تتوقَّع منِّي أنْ... أتفرَّغ لرعايتها "

    رأيتُ ابتسامةً شبه ساخرة على زاوية فمه اليمنى... ثمَّ حلَّ الجدُّ مكانها و إذا بأخي يقول:

    " إنّها... متعلِّقةٌ بكَ "

    تدفَّقتْ الدماء إلى وجهي... و رأيتُ أخي ينظر إلى عينيَّ ينتظر تعليقاً... فأبعدتُ نظري عنه، ثمَّ قلتُ:

    "... أعرف... "

    فقال:

    " إذنْ..؟؟ "

    فالتفتُّ إليه و قرأتُ في عينيه جدّيّةً و اهتماماً بالغين... و لمْ أعرفْ بِمَ أقابلهما... فقال أخي و قد اصطبغ صوته بالانزعاج:

    " لِمَ لا ترد ؟ لقد جئتَ بي مِنْ آخر العالم إلى هنا و وضعتَها نصب عيني... أعدتَني إلى ما كنتُ على وشك الخلاص منه... و ها أنتَ تريد أنْ ترحل و تتركني في نفس الدوَّامة... فهل لا حللتَ قضيَّتي معرغد أوَّلاً ؟؟ "

    تضاعف ضخُّ الدماءِ الحارَّة إلى وجهي، و اشتعلتْ النار التي لا تكاد تهدأ في معدتي، و بدأ العرق يتصبَّب منِّي رغم برودة الجو...
    قلتُ أخيراً:

    " صبراً يا سامر... امنحنا فترة نقاهة ممَّا حصل مؤخَّراً... رويدكَ "

    و رأيتُ أخي يمدُّ سبَّابته اليمنى نحو وجهي و يضيِّق عينيه و يضغط على أسنانه و هو يقول مهدِّداً:

    " لا تتلاعب بي يا وليد "

    فأفلتتْ أعصابي مِنْ سيطرتي و قلتُ حانقاً:

    " و ماذا تريد منِّي أنْ أفعلَ الآن ؟؟ أُرغِم الفتاةَ على العودة إليكَ ؟؟ أليسَ لديكَ اعتبارٌ لمشاعرها هي و إرادتها و رغبتها هي ؟؟ "

    فردَّ مباشرة:

    " أنا أكثر منكَ درايةً... بمشاعرها هي... و إرادتها هي... و رغبتها هي... و أنتَ... أنتَ... يجب عليك أنْ تتدخَّل لوضع حدٍ لهذا... يجب أنْ تُفهِمها ما لا تريد هي أنْ تفهمه... يجب أنْ تجعلها تستيقظ مِنْ أحلامها المستحيلة التي لا تسبِّب لها إلا الأذى... و تتوقِّف عنْ هذر مشاعرها على الشخص الخطأ "

    فوجئتُ بكلام أخي للحدَّ الذي لزمني زمنٌ طويل حتى استفيق مِنْ طور المفاجأة... و لما استفقتُ، كان أخي قد انصرف...

    ذهبتُ إلى غرفتي... و جلستُ على سريري... و استخرجتُ قصاصات صورة رغد مِنْ محفظتي المخبّأة تحت الوسادة... و جمعتُها... و نظرتُ إلى وجه رغد... و تأوّهت...

    هل آن الأوان... لأنْ ينتهي كل شيء يا رغد ؟؟؟
    هل يُعقل... أنّني سأضطرُّ للتخلِّي عنكِ... بعد كل هذا ؟؟
    إنّه يساومني على حياته يا رغد... هل سأضحِّي بكِ مِنْ أجله ؟؟ هل سأفعل ذلك يا رغد ؟؟ هل سأجرؤ ؟؟
    هل أنا استطيع ذلك ؟؟
    و ضممتُ الصورة إلى صدري و عصرتها بقبضتي و هتفتُ...

    " آه... لا استطيع... لا استطيع... "



    **** يُتبع ****


    __________________

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:52 am

    *** الحلقة الواحدة و الخمسون

    الأخيرة ***




    ~ النظرة الأخيرة ~








    -رغد-



    [/center]

    تركني وليد في حالةٍ يُرثى لها بعد خبر عزمه العودة إلى الوطن... إلى حيث الحرب و الاعتداء و الخوف و الهلاك... إلى حيث الشقراء تنتظره. أنا يا وليد مستعدَّة للقبول بأي شيء مهما كان مقابل أنْ تُبقيني إلى جانبك و تحت رعايتكَ أنتَ...

    و فيما أنا غارقة في أفكاري جاءتْني دانة تتفقَّدني...

    " كيف أنتِ ؟ يقولون أنّكِ مُضربة عن الطعام ! "

    و كل ما حصل هو أنّني لمْ أتم عشائي البارحة و لمْ أتناول فطوري هذا الصباح. قلتُ:

    " مَنْ يقول ذلك ؟ "

    " وليد ! فهو قلقٌ مِنْ أنْ يداهمكِ الإغماء بسبب الجوع ! و أرسلني لتفقُّدكِ "

    دغدغتْني العبارة، لإحساسي بأنَّ وليد يهتم بي. قلتُ:

    " أين هو الآن؟ "

    " خرج مع نوّار قبل قليل ذاهبَين إلى مكتب الطيران "

    فوجئتُ بالجملة و شهقتُ و قلتُ:

    " تعنين لشراء تذكرة السفر ؟؟ "

    فأومأتْ بنعم، فجُنَّ جنوني و صرَّحتُ منفعلة:

    " لنْ يغيّر موقفه... إذن سأذهب معه... "

    و التفتُ نحو الهاتف و أتممتُ:

    " سأتَّصل بهِ و أطلب منه شراء تذكرة لي أنا أيضاً "

    و خطوتُ خطوتين نحو الهاتف حين استوقفتْني دانة مادَّة يدها و ممسكة بذراعي. التفتُ إليها فوجدتُ الجدَّ و الحزم ينبعان مِنْ عينيها، ثمَّ قالتْ:

    " انتظري يا رغد... هل تظنين بأنّه سيأخذكِ معه حقاً ؟ "

    اكفهرّتْ ملامح وجهي و قلتُ مصرَّةً:

    " طبعاً سيأخذني معه... أليس الوصي عليَّ ؟ ألستُ تحت عهدته ؟ "

    فقالتْ بنبرة جادَّة:

    " لقد... تنازل عن الوصاية لسامر "

    حملقتُ فيها غير مستوعبة للجملة الأخيرة... فسألتُ:

    " عفواً... ماذا قلتِ ؟؟ "

    فقالتْ:

    " كما سمعتِ... رغد "

    فررتُ برأسي يُمنةً و يسرةً... كأنني أنفضه ممَّا توهّمتْ أذناي سماعه... ثمَّ هتفتُ:

    " تكذبين ! "

    فنظرتْ إليَّ دانة متأثِّرة بتعبيرات الذهول الطارئة على وجهي و مِنْ ثمَّ تحوّلتْ جدِّيَّتها إلى شفقةٍ و أسىً... و قالتْ:

    " أخبرني بذلك بنفسه قبل قليل. قال أنَّه وكَّل المحامي أبا سيف لإنجاز الإجراءات الرسمية أثناء مكوثه في المستشفى خلال الفترة الماضية "

    رفعتُ يدي إلى صدري محاولةً السيطرة على الطوفان الهمجي المتدفِّق مِنْ قلبي إثر الصدمة... و هززتُ رأسي غير مصدِّقة أنَّ وليد قد فعلها... مستحيل... مستحيل...!

    " مستحيل !! "

    أطلقتُ الصيحة و تابعتُ خطاي نحو الهاتف أريد الاتصال به و التأكُّد مِنْ الخبر على لسانه، غير أنَّدانة سحبتْ سمَّاعة الهاتف مِنْ يدي و أجبرتْني على النظر إليها و السماع إلى ما أرادتْ قوله...

    " رغد ! ماذا ستفعلين؟ هل ستطلبين منه إعادتكِ إلى كفالته ؟ لا تصعِّبي الأمور يا رغد و دعيه يتصرَّف التصرُّف السليم و الأنسب لظروفنا "

    فهتفتُ منفعلة:

    " الأنسب لظروف مَنْ ؟ أنا لا ذنبَ لي في أنَّ سامر يهدِّده الخطر إنْ عاد إلى الوطن. لا أريد البقاء هنا... أريد العودة مع وليد و البقاء معه "

    فسألتْ دانة منفعلة:

    " إلى متى ؟؟ "

    فقلتُ:

    " إلى الأبد "

    فإذا بدانة تمسك بيدي و تشدُّ عليها و تقول:

    " وليد لا يريدكِ أنْ تذهبي معه... لِمَ لا تفهمين ذلك ؟ سيعود إلى خطيبته و ربَّما يتزوَّجان قريباً... لقد أعادكِ إلى سامر لتبقي مع سامر... إنَّه أكثر شخصٍ يحتاجكِ و يحبُّكِ يا رغد.. إنّه يمرُّ بأزمةٍ حرجةٍ... لماذا لا تفكِّرين به ؟ "

    سحبتُ يدي مِنْ بين أصابعها و ابتعدتُ عنها و أنا أهتف بانهيار:

    " أنا لا أريد العودة إلى سامر... لا تفعلوا هذا بي... لا تعيدوا الكرَّة... سأذهب مع وليد... "



    ~~~~~~~~~~~


    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:53 am

    -سامر-


    كان لا بدَّ مِنْ حسم الأمور و بشكل نهائي حتَّى يحدِّد كلٌ منَّا موقعه. كنتُ أفكِّر في الطريقة التي سأخاطب بها وليد هذا اليوم و أطلب مِنْه وضع النقط على الحروف و ختم الصفحة.
    كان الوقتُ ضحىً و كنتُ جالساً في غرفتي أهيِّئُ نفسي للمواجهة المرتقبة فأتتْني شقيقتي دانة.

    " صباح الخير سامر ! ألمْ تنهض بعد ؟؟ "

    " صباح الخير "

    " تأخَّرتَ ! رُفِعَتْ أطباق الفطور "

    سألتُ مباشرة:

    " هل استيقظ وليد ؟ "

    أجابتْ:

    " نعم... و هو مع نوّار في مكتب الطيران الآن "

    اضطربتْ تعبيرات وجهي و شردتُ بعيداً... و حين لاحظتْ دانة سألتْني عما ألمَّ بي، فما كان منِّي إلا أنْ أطلعتُها على ما يدور في رأسي منذ الأمس... منذ أعلن وليد عنْ عزمه على العودة إلى الوطن. أخبرتُها و بكلِّ صراحةٍ بأنني في حال رحيل أخي فسوف لنْ أتمكَّن مِنْ العيش مع رغد في مكانٍ واحد و تولِّي المسؤولية عليها، إلا إذا عاد رباطنا الزوجي الشرعي إلى سابق عهده... و إلاَّ... فإنَّ عليه اصطحابها معه و تخليصي مِنْ هذه الدوَّامة الفارغة. كنتُ صريحاً جداً فقد اكتفيتُ مِنْ الهراء... و لنْ استمرَّ في لعب هذا الدور الأحمق...

    " فإمَّا أنْ يأخذها معه للأبد... أو يتركها معي و للأبد "

    قلتُ ذلك منفعلاً... ثمَّ نظرتُ إلى دانة فرأيتُ على وجهها الأسى و القلق... و كأنها تفكِّر في أمرٍ ما..

    " ما الخطبُ ؟؟ "

    سألتُها قلِقاً، فأجابتْ:

    " آه... لقد... كنتُ مع رغد قبل قليل "

    ففهمتُ أنَّ لديها ما تقوله... فقلتُ:

    " ماذا قالتْ ؟؟ "

    فأجابتْ بتردُّد:

    " تركتُها وهي تعدُّ حقيبتها... مصرَّةً العودة إلى الوطن... مع وليد "

    عن نفسي كنتُ أتوقَّع هذا... لمْ يفاجئني موقف رغد... لكنني أريد أنْ أحسمَ الوضع نهائياً مع وليد...

    " إذنْ... سأطلب مِن وليد شراء تذكرة لها و أخذها معه، و ننتهي "

    و ضربتُ الحائط مِنْ غيظي... و صحتُ:

    " إنها لا تريده إلا هو... فليأخذها معه و يريحنا... أنا تعبتُ مِنْ هذا... "

    كنتُ مجروحاً مِنْ إصرار رغد على موقفها... و لا مبالاتها بي...

    قالتْ دانة:

    " لا تنفعل... دعه يعود... و سأتحدَّث أنا معه أنا أوَّلاً... لقد نقل الوصاية إليكَ كما أخبرني... لنْ يأخذها معه... سيُقنعها بالبقاء معنا "

    فقلتُ:

    " و ما الجدوى إنْ كانتْ ستبقى معنا و بالها معلَّق معه ؟ ألمْ ترَي حالتها قبل حضوره؟ لا أريد أنْ يوليني المسؤولية على فتاة شبه حيَّة... فليأخذها و ليخلِّصني مِنْ هذا العذاب "

    مدَّتْ دانة يدها و ربَّتتْ على كتفي و قالتْ:

    " هوِّن عليكَ أخي "

    فقلتُ منفعلاً:

    " أنا تعبتُ... لقد كنتُ على وشك وضع نهاية لهذا العذاب... هو مَنْ اعترض طريقي و جلبني إلى هنا... هل سيتحمَّل هو عذاباتي الآن ؟ "

    صمتْنا برهة... ثمَّ إذا بدانة تسأل:

    " هل... يعرف هو أنَّها...... "

    فأجبتُ مقاطعاً:

    " طبعاً يعرف... و عليه هو أنْ يواجهها بحزم و يوقظها ممَّا هي فيه. إلى متى سيتركها تتعلَّق به و تجري متخبِّطة خلفه... بينما هو متزوِّج و مشغولٌ بزوجته ؟؟ "

    قالتْ دانة متسائلةً:

    " هل... يحبُّها ؟؟ "

    فاستغربتُ السؤال الدخيل و قلتُ:

    "و ما أدراني...؟! المهم أنّه متزوِّج و مشغولٌ بها... و ليس شاغراً مِنْ أجل مشاعر رغد... "

    قالتْ دانة موضّحة:

    " أعني... ماذا عن مشاعره هُوَ ؟ "

    فنظرتُ إليها باستغراب... و قلتُ مُستفهِماً:

    " مشاعر مَنْ ؟؟ "

    و رأيتُ نظرة ارتياب غريبة على عينيها أوحتْ إليَّ بأنها تلمِّح إلى شيء... فسألتُها:

    " ماذا تعنين بمشاعره هُوَ ؟؟ "

    فقالتْ مترددة:

    " أعني... بما يشعر به هو... نحو رغد "

    فحملقتُ فيها تجتاحني الحيرة و الدهشة... و قابلتْني بنظرة جديَّة و كأنها تعتزم قول شيءٍ مهم... و أخيراً تكلَّمتْ:

    " سامر... سأخبركَ بما قالتْه لي أُمِّي رحمها الله... عندما زرتُها بعد ليلة زفافي... "

    أثار كلامها اهتمامي الشديد و سألتُها بفضول:

    " ماذا... قالتْ... ؟؟ "

    فأجابتْ بنبرةٍ جديَّة جعلتْني أصغي بكل اهتمام و تركيز:

    " عندما أخبرتُها... عن قرار رغد المفاجئ بالانفصال عنكَ... و عن حالتها المتقلِّبة الغريبة تلك... بُعَيد سفر والديَّ للحج... و عنْ بعض التفاصيل التي حصلتْ... قالتْ أنَّ ذلك ما كانتْ تخشاه... و أنّها... كانتْ قد لاحظتْ تغيّرات على رغد... بعد عودة وليد "

    صمتتْ أختي لترى مدى تأثير الكلام عليَّ حتى الآن... فحثثتُها على المتابعة بلهفة:

    " و بعد ؟؟ "

    فتابعتْ:

    " أنا بالفعل... لاحظتُ عليها تغيّرات مزاجية كثيرة في تلك الفترة... لكنَّني لمْ أتوقَّع للحظة أنْ يكون السبب... هو وليد ! "

    نعم وليد ! وليد الذي ظهر فجأةً... و استحوذ على قلب رغد... و أبعدها عنِّي...

    و استرسلتْ:

    " كما لمْ أكنْ أبداً لأتوقَّع... أنَّ... "

    و صمتتْ مترددة و كأنها تخشى قول الجملة التالية. شجّعتُها و قلتُ:

    " ماذا ؟؟ أكملي ؟؟ "

    قالتْ:

    " لمّا أخبرتُها عن ارتباط وليد المفاجئ بالفتاة المزارعة... حزنتْ و تألَّمتْ كثيراً... و أخبرتْني أنَّوليد... كان أيضاً يحبُّ رغد كثيرا ً في صغره... كلَّنا نعرف ذلك... لكن... ما لمْ نكنْ نعرفه... هو أنّه... حسب كلامها و حسبما تيقَّنتْ هي منه... أنّه... حتى بعد عودته مَنْ السفر... أعني مِنْ السجن... كان لا يزال يحبُّها... و يحلم بها... و قد صُدِم بزواجكما... "

    حملقتُ في دانة بذهول... بتيهٍ و ضياع... غير قادر على استيعاب ما تقول... بقيتُ مطرقاً رأسي مذهول العقل منفغر الفاه... ثمَّ نطقتُ مأخوذاً بالدهشة:

    " مـ.... مـ... ماذا تقولين ؟؟!! "

    فأجابتْ و المزيد مِنْ القلق يظهر على وجهها:

    " ربَّما لمْ يكنْ يجدُر بي قول هذا و لكن... ... "

    و لمْ تتم...

    فنظرتُ إليها بتشتّتْ... و اتسعتْ حدقتاي بدهشة بالغة... و قفزتْ إلى ذاكرتي فجأة كلمات أمِّ حساملي ذلك اليوم...
    فإذا بلساني ينطق دون وعيٍ منِّي:

    " هذا.... مـُـ.... مُستحيل !! "

    و إذا بدانة تقول:

    " هذا ما قالتْه أُمِّي... إنّه كان لا يزال يحبُّها... و أنها وجدتْ صورةً قديمة لرغد عنده ذات مرَّة "


    ~~~~~~~~~~~


    __________________

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:55 am

    -وليد-



    كنتُ في الصباح قد ذهبتُ مع نوّار إلى مكتب الطيران و اشتريتُ تذكرةَ سفر و أكَّدتُ رحلتي، و التي ستكون مباشرةً إلى شمال الوطن.

    حاولتُ الاتصال بالمزرعة و بهاتف أروى دون جدوى. لكنَّني اتصلتُ بالسيد أسامة و اعتذرتُ له عن اختفائي المفاجئ و ذكرتُ له أنني سأعود قريباً. كما اتصلتُ بسيف و طمأنتُه على أخباري...

    و بعد عودتي للمنزل و فيما أنا أعبر الممرَّ المؤدي إلى غرفة نومي رأيتُ سامر يقف في منتصف الطريق...
    كان جلياً عليه أنّه واقفٌ ينتظرني لأمرٍ مهم... و أنا أعرف ما هو الأمر...

    " مرحباً سامر... متى استيقظتَ ؟؟ "

    سألتُه بمرونة فردَّ باقتضاب مباشرةً:

    " أريد أنْ أتحدَّث معكَ "

    كان يبدو منفعلاً... التوتُّر يخطُّ تجاعيد متشابكة على قسمات وجهه. قلتُ و أنا أسبقه إلى الغرفة و أفتح الباب:

    " تفضَّل "

    دخلنا الغرفة و تركنا الباب مفتوحاً. دعوتُ أخي للجلوس لكنَّه وقف قرب الباب مُستعجِلاً على الحديث فوقفتُ أمامه و سألتُ:

    " خير ؟؟ "

    نظر إليَّ سامر بنظرة تمزج الحزن و اللهفة... و الغضب و القهر... ثمَّ قال:

    " وليد... سأسألكَ سؤالاً... و أرجوكَ... أرجوكَ.. أنْ تجيب عليه بمنتهى الصراحة "

    نبرته أصابتْني بالقلق... فقلتُ:

    " ماذا هناك ؟؟.. "

    فركَّز سامر نظره إليَّ و قال:

    " أجبني بكل صراحة يا وليد "

    فقلتُ و قد تضخَّم قلقي مِنْ جدّية نظرته:

    " اسأل ؟؟ لقد أقلقتَني "

    فإذا بسامر يزمُّ شفتيه ثمَّ ينبس قائلاً:

    " كيف تشعر... نحو رغد ؟؟ "

    فاجأني السؤال... أذهلني... عصف بقدرتي على الاستيعاب... أو ربَّما لم أسمع جيّداً... ماذا سأل أخي ؟؟

    قلتُ:

    " عفوا ً ؟؟ "

    فقال أخي و قد زاد توتّره و احتدّتْ نبرته:

    " أقول كيف تشعر نحو رغد ؟؟ "

    و كان يحملق بي بشدّة راصداً كل انفعالات وجهي و تغيُّرات لونه... تكاد نظراته تسلخ جلدي لتقرأ ما هو أعمق منه... و فجأة إذا به يقول:

    " أحقاً... كنتَ... تحبُّها ؟؟ "

    و لمْ أشعرْ إلا بالدماء تفور في وجهي فجأة... و تصبغه بلون شديد الاحمرار... حتى أنّني خشيتُ أن تتصبَّب قطرات الدم مِنْ جبيني ممزوجة بزخَّات العرق...

    لساني ألجمتْه المفاجأة... و عيناي قيَّدتهما عينا أخي و هما تتربَّصان بردِّي... كان أخي يكاد يلتهمني بنظراته و رأيتُه يعضُّ على شفته السفلى توتراً... و يكاد يصرخ منفعلاً...

    عصرتُ لساني حتَّى خرجتْ الكلمات التالية مِنْه عنوةً:

    " ما... ماذا تعني يا سامر ! ما هذا السؤال ؟؟ "

    و ما كان مِنْ أخي إلا أنْ ركل الباب الذي نقف قربه بعنف و كرَّر سؤاله بعصبيّة:

    " فهمتَني يا وليد... و سؤالي واضحٌ جداً... قل لي هل فعلاً كنتَ تحبُّ رغد ؟؟ هل أنتَ تحبُّها الآن ؟؟ أخبرني قبل أنْ أُجنَّ... "

    و للحالة الرهيبة التي اعترتْ أخي... خشيتُ أنْ يحصل أي شيء... فقلتُ محاولاً كبت مشاعري و التظاهر بالمرح:

    " نعم أحبُّها ! "

    فرمقني أخي بنظرة حادّة قاطعتُها بقولي:

    " أحبُّها مثل ابنتي تماماً ! أنا مَنْ تولَّى تربيتها مع والدينا... و صرتُ أباها بالوصاية بعدهما "

    محاولاً أنْ يظهر ردّي مَرِحاً و مُقنِعاً قدر الإمكان... أخي... نظر إليَّ بارتياب... ثمَّ قال:

    " هل هذا كل شيء ؟؟ أجبني بصراحة "

    فتظاهرتُ بالابتسام و قلتُ:

    " طبعاً هذا كل شيء !! سامر... ما بالكَ تطرح سؤالاً مُضحِكاً كهذا !؟ "

    فأخذ يحملق بي... ثمَّ يشتِّت أنظاره مِنْ حولي... ثمَّ يقول:

    " لكن... دانة تقول... أنَّ أمِّي أخبرتْها قبل وفاتها... أنّكَ... كنتَ تحبُّ رغد منذ الصغر... و تتمنّى الزواج منها "

    فكَّرتُ بسرعة... بسرعة... في تعبير يطمس الحقيقة في الحال... و لمْ أجدْ إلا الضحك... أخفي خلفه الألم المرير...

    أطلقتُ ضحكةً قويةً... بل كانتْ قهقهةً مجلجلة... ربَّما وصلتْ إلى أعماق الذكريات النائمة في قلبي و أيقظتها...

    ضحكتُ و أنا أواري الدموع خلف طبقات مِنْ المشاعر الزائفة...
    و لمّا انتهيتُ مِن نوبة الضحك المفتعلة قلتُ بسخرية مفتعلة:

    " أضحكتَني يا سامر! ماذا دهاكَ !؟ أنا أفكِّر في رغد هكذا!؟ هل سمعتَ عنْ أبٍ يتمنَّى الزواج مِنْ ابنته!! أي سخافة هذه !! "

    و قهقهتُ مِنْ جديد... لأنفض عنْ أخي أي غبار متبقٍ مِنْ الحقيقة... حتَّى أنّني مِنْ شدّة ضحكي بلّلتُ رموشي...

    نظرتُ إلى أخي مُفتعِلاً المرح... فرأيتُ الارتياب يتسرَّب خارجاً مِنْ عينيه و يتسلَّل الارتياح إليهما... يبدو أنني أدّيتُ دوري بمهارة... و أقنعتُه بما قلتُ... أحسنتَ يا وليد ! كيف أطاعكَ لسانكَ على ذلكَ !؟!

    نظر أخي إلى الأرض، ثمَّ إليَّ... و قال:

    " هل هذه هي الحقيقة البحتة ؟؟ "

    فقلتُ مباشرة مؤكِّداً:

    " بربِّكَ سامر ! لقد ساهمتُ في تربيتها و تربية دانة... ألا تذكر ؟؟ كلاهما مثل ابنتيَّ تماماً "

    ظهرتْ الحيرة و التردُّد على وجه أخي... ثمَّ قال مُستسلماً:

    " آسف... دانة أربكتْني... "

    و سكت برهة ثمَّ أضاف:

    " أنا أيضاً بدا لي كلامها غير معقول... لابد و أنَّه... سوء فهم... "

    و عاد يكرر:

    " آسف وليد "

    فابتسمتُ و قلتُ:

    " لا عليكَ "

    لا عليكَ ! فأنا معتادٌ على تلقِّي طعنات مِنْ شتَّى الأنواع و المصادر... إلى قلبي... أصبحتْ لديه مناعة ضد الخناجر... لا عليكَ !

    صمتنا قليلاً ثمَّ إذا به يقول:

    " الآن... يجب أنْ تتحدَّث إليها بشكلٍ حاسم... و تُفهِمها بأنَّك تحبُّها و تقدِّم لها الرعاية و النصيحة كأب... وأنْ تُقنِعها بأنَّ بقاءها هنا... معي و مع دانة... هو خيرٌ لها مِنْ العودة معكَ... فهي تحزم أمتعتها للحاق بكَ "

    شددتُ على قبضتي... و قلتُ:

    " أحقّا ً ؟؟ و مَنْ قال لها أنني سآخذها معي أصلاً ؟؟ "

    فقال أخي:

    " هِيَ تفكِّر هكذا... تريد أنْ تلحقَ بكَ أينما ذهبتَ "

    ابتلعتُ المرارة في حلقي و قلتُ:

    " أنا لمْ أعدْ وصياً عليها... إنّها تحتَ مسؤوليّتكَ أنتَ الآن "

    فقال راجياً:

    " أرجوكَ... افهِمها هذا... اخبرها بأنْ تتوقَّف عن عنادها و صدِّها لي... إنّها ليستْ بحاجة لمَنْ يؤكِّد لها مقدار حبِّي لها... أنا سأضعها في عينيّ... قُلْ لها ذلكَ يا وليد أرجوكَ "

    كنتُ أشدُّ على قبضتي... أكاد أقطع أوتار يدي بأظافري لشدَّة ما ضغطتُ...
    حاضر يا سامر... سأفعل ما تطلبه... أرجوك أنتَ... يكفي هذا... انصرف الآن...

    قلتُ بصوتٍ لمْ يخرج مِنْ حنجرتي:

    " حاضر... سأفعل... "

    ثمَّ جذبتُ نفساً طويلاً أجدِّد به الهواء المخنوق في صدري و أضفتَ بنبرة راجية:

    " سأتحدَّث معها... لكن... سامر.. أرجوكَ أنتَ... دعْها تأخذ وقتها مهما طال... في التأقلم مع الوضع الجديد... لا تستعجلها و لا تلح عليها... خصوصاً الآن... "

    فنظر سامر إليَّ نظرةً عميقة و أومأ بالموافقة.

    خرجتُ بعدها مِنْ غرفتي راغباً في الابتعاد عنْ أنظار و كلام سامر متظاهراً بعزمي الذهاب إلى رغد و التحدُّث معها... بينما كنتُ في الحقيقة أفتِّش عن صحراء شاسعة أطلق فيها صرخاتي، أو جبال شامخة أدكُّها بقبضتي... و للمفاجأة... لأسخف مفاجأة في أسوأ توقيت... رأيتُها هي رغد ذاتها... تقف في الخارج على مقربة...

    " رغد !!.. "

    رمقتْني رغد بنظرةٍ مخيفة... و رأيتُ وجهها يكفهرُّ و يصفرُّ... و رأسها يفترُّ يميناً و شمالاً... ثمَّ إذا بها تولِّي هاربة إلى الجناح الآخر...


    ~~~~~~~~~~~~~~~~~


    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:56 am

    -رغد-


    كنتُ ذاهبةً لأتحدَّث معه و أطلب منه بل أتوسَّل إليه... أنْ يصطحبني معه إلى الوطن...
    كنتُ سأبوح له بمشاعري... و رغبتي في البقاء معها هو... أينما كان... لمْ أكن لآبه للشقراء... لنْ يهمّني وجودها ما دِمْتُ مع وليد... لنْ أكترثَ للخطر... لنْ أكترثَ للحرب... لنْ أكترثَ للرعب... كنتُ مستعدّة للتنازل عن أي شيء... و الرضا بأي شيء... و فعل أي شيء... مقابل أنْ أظلَّ برفقة وليد... أنعم برعايته و أحظى برؤيته... و استسقي مِنْ فيض حنانه و عطفه اللذين لطالما غمرني بهما منذ الطفولة...

    و لمّا اقتربتُ مِنْ غرفته... سمعتُه يتحدَّث و يضحك... كان الباب مفتوحاً... و كان في الداخل يتكلَّم مع شخصٍ ما... توقَّفتُ و هممتُ بالانصراف... فإذا بي أسمع صوته يقول:

    (" أضحكتَني يا سامر ! ماذا دهاكَ !؟ أنا أفكِّر في رغد هكذا !؟ هل سمعتَ عنْ أبٍ يتمنَّى الزواج مِنْ ابنته !! أي سخافةٍ هذه !! ")

    كان يسخر مِنْ مشاعري... يستخفُّ بحبِّي...
    سمعتُه يضحك... و يذكر اسمي... و يقول إنني كابنته تماماً...
    وليد قلبي... يسخر منِّي... !
    بعد كل ذلك الحبِّ الكبير... المشاعر الصادقة الخالصة... التي أكننتُها له طيلة الوقت.. بعد كل أحلامي و آمالي المتعلِّقة به هو... هو وَ هو فقط... ألقاه يضحك ساخراً مِنِّي !
    أنا يا وليد تفعل بي هذا... ؟؟

    أحسستُ بإهانة كبيرة... و حرجٍ شديدٍ غائر... و خذلان هائل... مِنْ أقرب و أحب الناس إليَّ...
    جرحني ما سمعتُ الجرح الأكبر و الأعمق و الأشد عنفاً و إيلاماً في حياتي...

    لمْ استطع بعد سماع ذلك مقاومة فضولي... و بقيتُ أنصتُ إلى ضحكات وليد قلبي... الساخرة منّي... و قلبي ينصفع... و يتزلزل... و ينهار... و الدهشة تسلبني المقدرة على الانسحاب...

    كمْ كنتُ ملهوفةً عليه... لكن... بعد موقفه الساخر منِّي... و بعد تنازله عنِّي بهذه البساطة و كأنّني قطعة أثاثٍ بالية... لمْ أعدْ أرغب في رؤية وجهه... و سوف لنْ أتحدَّث معه ثانيةً... و لنْ أسمحَ له بالدخول مهما طرق...

    لنْ أذهب معه... لنْ أودِّعه.... لنْ أكترثَ به... و لنْ أفكِّر فيه بعد الآن...

    لنْ أسامحكَ يا وليد... أبداً... أبدا...

    أخيراً توقَّف الطرق انصرف وليد... و لمْ أعد أشعر بوجوده خلف الباب. أشحتُ بوجهي إلى الناحية الأخرى...
    لمحتُ اللوحة التي قضيتُ الساعات الطويلة... في الأيام الماضية... أُودِعُها كلَّ طاقاتي و مواهبي لأرسمها مطابقةً للواقع... لوجه وليد... حبيبي وليد... و هو ينظر إليَّ و يلوِّح بيده...

    لم أطق رؤيتها و النظر إلى عينيه... ضحكاته لا تزال ترنُّ في رأسي... قمتُ إلى اللوحة... و لطّختُها باللون الأسود... حتَّى جعلتُها قطعةً مِنْ الليل الذي لا ينتهي... و أوقعتُها أرضاً...

    و بعثرتُ كل اللوحات التي رسمتُها لوليد و لأبي و لأمِّي... و رميتُ بالصور الفوتوغرافية بعيداً و صفعتُ لوح الألوان بالجدار... ثمَّ ارتميتُ على سريري أخلط بكائي بسعالي... و أنفاسي بآهاتي... و كلماتي بصرخاتي...

    أنا... مِنْ اليوم فصاعداً...

    " أكرهكَ يا وليد ! "


    ~~~~~~~~~~~~~~~


    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 1:58 am

    -وليد-



    حين يئِستُ مِنْ فتحها الباب، ابتعدتُ عن غرفة رغد و فتّشتُ عن دانة. وصلتُ إليها عبر الهاتف المحمول، كانتْ في جناحها الخاص فطلبتُ أنْ نتقابل بمنأى عن الآخرين فدعتْني إلى غرفة خاصة في جناحها.
    كنتُ مشوّشاً إثر ما قاله أخي أولاً... ثمَّ هروب رغد منِّي و تلك النظرة القاتلة التي رمتْتي بها ثانياً...
    أحسّتْ شقيقتي باضطرابي فسألتْني مباشرة:

    " هل تحدِّث سامر معكَ؟ "

    ممَّا جعلني أيقن أنها تدرك ما جئتُ لأجله، فاختصر الطريق و أقول مباشرة:

    " ما ذلك الجنون الذي قلتِه لسامر يا دانة ؟؟ "

    دانة نظرتْ إليَّ مطوَّلاً و لمْ تبادر بالإجابة... لكنَّها فهمتْ ما أعني، فقلتُ بصوتٍ جاد:

    " اسمعيني يا دانة... ما كان يجدر بكِ نقل كلامٍ كهذا إلى سامر... إنَّه يمر بظروف نفسيَّة صعبة... أنتِ لا تعرفين شيئاً عن الصعوبات التي واجهتُها مِنْ أجل ترحيله عن الوطن... ليستْ لديكِ أدنى فكرة عن الأمور الفظيعة التي اضطررتُ للقيام بها كي أنقذه... "

    أخذتْ دانة تُصغي إليَّ بجل الاهتمام، فتابعتُ:

    " لا أريد أنْ يضيع كل ذلك هباءاً... أنا لا تهمُّني تلك الأمور... إنَّما تهمُّني سلامةُ أخي و أمانُه... و لستُ مستعداً لفقده... أو خوض مغامرةٍ مشابهة... تتعرَّض حياته فيها للخطر... هل تفهمين ؟ "

    و بدا عليها الارتياب و الحيرة فقلتُ بتفصيل أدق:

    " سامر ارتكب حماقةً كبيرة بانضمامه إلى المنظَّمة المشاغبة في الوطن... كان قاب قوسين أو أدنى مِنْ الهلاك الحتمي... لو يعود للوطن و تطاله أيدي السلطات أو الأيدي الخفيّة للمنظّمة... فسيُعدم فوراً... أنا أريده أنْ يستقرَّ هنا معكِ... و ينسى الماضي... و يبدأ حياته مِنْ جديد "

    فتفوّهتْ دانة أخيراً بين سؤال و إقرار:

    " و مع رغد ؟! "

    عضضتُ على أسناني و شددتُ قبضتي... ثمَّ قلتُ:

    " إنّه لن يجرؤ... على المجازفة بحياته... و هي تحت مسؤوليَّته... سيحافظ على نفسه جيّداً... كي يحافظ عليها "

    فنظرتْ إليَّ دانة نظرةً مريرة ثمَّ قالتْ:

    " لكنّها... أعدّتْ حقيبتها... للسفر معكَ أنتَ "

    أطلتُ النظر في عينيها ثمَّ قلتُ:

    " لنْ آخذها معي... مهما حاولتْ هذا أمرٌ مفروغٌ منه "

    ثمَّ وقفتُ و قلتُ:

    " أريدكِ أنْ تأتيَ معي الآن و تخبريها بأنَّني أرغب في حديثٍ مهمٍ معها "

    فوقفتْ و هي تقول:

    " و سامر ؟؟ "

    فقلتُ محذّراً:

    "سامر اتركيه و شأنه... و لا تحشي رأسه بأشياء خطيرة كهذه... مِنْ شأنها أنْ تعيدنا إلى الصفر"

    و استدرتُ لأنصرف فإذا بي أسمعها تقول:

    " إذنْ ما أخبرتْني به أُمِّي صحيح ؟؟ "

    تسمّرتُ في مكاني برهة... ثمَّ قلتُ:

    " لا أعرف بماذا أخبرتكِ بالضبط و لا يهمُّني أنْ أعرف. فقط احتفظي بكلامها بعيداً عن سامر تماماً "

    و إذا بي أحس بشيءٍ يمسك بذراعي... ثمَّ إذا بدانة تظهر أمام مرآي و تحدِّق في عيني بحرارة و تقول:

    " أخبرني أنا... أعدكَ بألاَّ أُطلِع سامر على شيء... أدركتُ فداحة خطئي بإخباره...
    هل حقاً كنتَ تحبُّ رغد و ترغب في الزواج منها منذ صغركَ ؟؟"

    تملَّكني الحنق مِنْ طرح السؤال الأشد إيلاماً في حياتي... و إجبار لساني على خيانة قلبي... فقلتُ غاضباً:

    " سخافة... أحذّركِ... إيّاكِ أنْ تكرِّري قول شيءٍ كهذا على مسامع سامر أو رغد... "

    حملقتْ دانة بي كأنَّها تحاول قراءة ما يدور بخلدي... عيناها كانتا شبيهتين بعيني أمِّي... ما جعلني أشعر بحنين شديد إلى الغالية الفقيدة... خصوصاً هذه اللحظة... و أنا اكتشف أنَّها كانتْ تفهمني و تفهم حقيقة مشاعري... في الوقت الذي كنتُ أشعر فيه... بأنَّ الدنيا كلَّها قد تخلَّتْ عنّي... و لمْ يعدْ أحد يكترث لي...

    " وليد... لماذا أنتَ غامض؟ لماذا لا استطيع فهمكَ... لماذا لا تصارحني... مثل سامر ؟ أنتَ أخي أيضاً... و أحبُّكَ كما أحبُّه... و أتمنَّى أنْ تبقى معنا... و أنْ تعيش سعيداً و مرتاحاً "

    لمستُ عطفاً و حناناً فائقين في كلمات شقيقتي... مشاعر صادقة دافئة... لطالما استمتُّ لأحظى بمثلها منذ سنين... لمْ أجدْ مَنْ يمدّني بعوضٍ عنها غير أروى... التي تجمّدتْ علاقتي بها منذ شهور... مُذ عرفتْ أنّني قتلتُ عمّّار...
    مددتُ يدي و شددتُ على يدي شقيقتي ممتنّاً... على لحظة العطف هذه... وقلتُ:

    " سعادتي و راحتي... في أنْ تكونوا أنتم الثلاثة... بخيرٍ و في أمان "

    و عبثاً حاولتْ دانة إقناع رغد بالسماح لي بالحديث معها... و انتهى ذلك اليوم... و اليومان التاليان، و رغد منزويةٌ على نفسها في غرفتها... ترفض مقابلتي نهائياً...

    و حلَّ يوم الرحيل...

    أنا الآن... أعدُّ حقيبة سفري الصغيرة، التي جلبتُها معي مِنْ الوطن... موشِكاً على المغادرة...
    سأرحل... و أترك عائلتي هنا.. قلبي هنا... كل المشاعر... و بقايا الأحلام المستحيلة...
    سأحمل جروحي بعيداً... إلى مكانٍ أبرد مِنْ الثلج... و أدفنها تحت الجليد...
    أخيراً... آن الأوان... لكلمة الوداع...
    أخيراً... يا وليد...
    كل لعبة قدر... و أنتَ بخير !

    فيما أنا أدخل يدي في جوف الحقيبة، أمسكتُ بشيءٍ ما... كان يتربَّع في قعرها... شيءٍ ذُهِلتُ حالما استخرجتُه و رأيتُه أمام عيني...
    أتعرفون ما كان ؟؟

    صندوق أماني رغد !!!

    يا للمفاجأة !!

    أخذتُ أقلِّب في الصندوق محاولاً التأكُّد منه... إنّه هو... و هل أتوه عنه !؟

    ضحكتُ مِنْ نفسي !... بل أطلقتُ ضحكات لا أضمن لكم أنَّها لمْ تصل إلى مسامع أحد..

    يا للمسكين ! كيف لا يزال هذا الصندوق حيّاً... ؟! هل لحق بي كل هذه المسافة... مِنْ شرق الأرض إلى غربها...؟؟ هل حملتُه معي دون أنْ انتبه؟؟ أما زال هذا الصندوق مصرّاً على تذكيري بالأماني الخرافيَّة الوهمية المستحيلة... التي حلمتُ بها ذات يوم ؟؟

    لقد عرفتُ...
    شاءتْ الأقدار أنْ أجلبكَ معي... و لو بدون قصد... حتَّى أعيدكَ لصاحبتكَ.. قبل الوداع... الذي لنْ يكون هناك لقاءٌ بعده...

    أبداً... لنْ تتحمَّل هذه المضخَّة التي تنبض في صدري منذ تخلّقي في رحم أُمِّي... أنْ تستمرَّ في العمل لحظةً واحدةً... بعد أنْ تختفي رغد و الأمل الواهم الذي تعلَّقتُ به منذ صغري... بأنْ تصبح لي...

    أبقيتُ الصندوق بين يديَّ... أمام عيني... و أخذتُ استرجع شريط الذكريات القديمة... عندما جاءتْ طفلةً صغيرةً تحمل كتابها المدرسي و تطلب منِّي أنْ أصنع لها صندوقاً مماثلاً لذلك المصوَّر في الكتاب... ثمَّ إذا بتلك الطفلة... تكتب أمنيتها الأولى... و تدسُّها بكتمان... في جوف الصندوق...

    أنا مستعدٌ... لأنْ تُستلَّ روحي بعد دقيقة و أنتقل إلى العالم الآخر فوراً... مقابل أنْ تظهر تلك الطفلة أمامي مجدداً... لدقيقة واحدة... واحدة فقط... أضمُّها إلى صدري... و أمسح على شعرها الحريري... و أقبِّل جبينها الناعم...

    يا حبيبتي.. يا رغد...
    دقيقة واحدة فقط...

    الشوق المنجرف إليها جعلني استخرج قصاصات صورتها القديمة... و ألملمها على سريري... و أُحدِّق فيها... كدتُ أغرق في الوقت الضائع... في الوقت الذي يجب فيه أنْ استفيق... أنْ أَثبَتَ و أحسمَ الأمر... أنْ أتماسك لئلاَّ أُغرِق السفينة بانهياري...

    وداعاً... يا رغد...

    لمْ أشعر إلا وأصابعي تطبق على القصاصات... تضمٌّها إلى صدري قصاصةً قصاصة... ثمَّ تطويها... و تدفنها داخل الصندوق... هناك... حيث مقبرة الأماني الميتة... التي لنْ تعود للحياة...
    و لمْ أعِ... إلا و صورة رغد... الصورة التي نامتْ تحت وسائدي أو فوق صدري... لأكثر مِنْ عشر سنين... مئات الليالي و آلاف الساعات... قد اختفتْ مِنْ أمامي... نهائياً...

    و حانتْ لحظة المواجهة الأخيرة...

    كنتُ سأذهب إلى المطار مع نوّار بعد قليل... و كان سامر و دانة سيرافقاننا... أما رغد.. حبيبتيرغد... و دعوني أقول (حبيبتي) قدر ما أشاء... لأنَّني لنْ ألفظها بلساني يوماً... و لنْ أقولها في سرِّي بعد هذا اليوم...

    أقول أنَّ حبيبتي رغد قد رفضتْ حتّى أنْ تخرج مِنْ غرفتها لحظةً... لتودِّعني...
    كانتْ آخر مرَّة رأيتُها فيها صباح ذلك اليوم... عندما صادفتُها قرب غرفتي... تنظر إليَّ النظرة الصفراء... و تولَّي هاربة...
    أظنّها كانتْ قادمةً إليَّ تريد التحدُّث معي و أظنُّها سمعتْني أتحدَّث إلى سامر و أوصيه بها... فتراجعتْ... ثمَّ رفضتْ أنْ تقابلني...

    لمْ استطع الخروج دون أنْ ألقي النظرة الأخيرة... لا يمكنني ذلك... إنَّني لنْ أراها و لنْ أرى حتَّى صورتها بعد الآن... دعوني أقابلها و لو للحظة... للحظة ختاميّة... نهائية...

    لا أصعبَ مِنْ هذه الكلمة... لا أصعبَ مِنْ هذه اللحظة... لا أصعبَ مِنْ أنْ تحاول وصف ما لا يمكن وصفه... بأي شكل...

    أنا وليد... و بعد سبعة عشر عاماً مِنْ الحبِّ المنجرف إلى رغد... و بعد آلاف و آلاف السطور الذي ملأتُها بأحرف حبِّي... أحكي و أشكي... و أضحك و أبكي...
    بعد ملحمة المشاعر العظيمة... و أسطورة العشق الخرافي...
    بعد كل الأحداث و المواقف... و الأقوال و الأفعال...
    بعد كل ذلك الصراع و الضياع... كل ما عشتُه و ما عاصرتموه معي منذ اقتحمتْ حياتي حتى هذه اللحظة...
    أنا وليد... أخيراً... أتخلَّى عن حبِّ رغد... و ابتعد عنها... إلى حيث لا رجعة...

    إنْ بقيتُ أصف حالي... فسنبدأ حكايةً لنْ تنتهي... فيما حكايتنا قد شارفتْ على الانتهاء...


    طلبتُ مِنْ شقيقيَّ انتظاري في الصالة... و حملتُ صندوق الأماني و ذهبتُ إلى غرفة رغد. طرقتُ الباب و سألتُها الإذن بالدخول فلمْ تأذن لي. رجوتُها و ألححتُ عليها مراراً حتّى أنّي... أقسمتُ عليها و سألتُها بالله أنْ تسمح لي بحديثٍ أخير... و ما كادتْ تسمح...
    و أخيراً... فتحتُ الباب...

    كانتْ تجلس على سريرها موليةً ظهرها إليَّ... لمْ تلتفتْ نحوي لتمنحني نظرة الوداع...
    ناديتُها فلمْ ترد عليَّ... فتوغَّلتُ داخل الغرفة مقترباً منها أكثر...

    عند ذلك انتبهتُ على اللوحات المصفوفة على الجدار... صورة أُمِّي... صورة أبي... و صورة تخفي معالمها تحت سحابة مِنْ السواد... لمْ يكن مِنْ الصعب أنْ أعرف أنها صورتي أنا...

    نظرتُ إلى رغد و لمْ أعرف ما أقول... مِنْ أين أبدأ... و كيف أتكلَّم...
    و هل بقيتْ أي كلمات... تصلح للتعبير؟؟

    لطالما كانتْ رغد تعبِّر عن مشاعرها بالرسم... أمّا أنا فبأي شيءٍ سأعبِّر عن مشاعري الآن يارغد... ؟؟

    أخيراً استجمعتُ رذاذ شجاعتي و نطقتُ:

    " هل هذا السواد... هو ما يحمله قلبكِ نحوي يا رغد ؟؟ "

    لمْ ترد. قلتُ:

    " لا أريدكِ أنْ تكرهيني يا رغد... صدِّقيني.. أنا مضطرٌ جداً... لفعل هذا "

    لمْ تتجاوب. اقتربتُ منها أكثر و سألتُ:

    " ألا تصدِّقينني يا رغد ؟؟ "

    و أيضاً لمْ تتجاوب...
    شعرتُ بالألم الشديد لتجاهلها لي... في آخر اللحظات التي تجمعنا... على الإطلاق...

    انصهر صوتي و أنا أقول بخيبة شديدة:

    " ألنْ تودِّعيني يا رغد ؟؟... سأذهب الآن... و قد... لا نلتقي ثانيةً... "

    عندئذٍ... سمعتُ آهةً تصدر مِنْ حنجرتها بمرارة... تلاها سعال مكبوت... ثمَّ شهقات و زفرات شجيّة... كانتْ صغيرتي تبكي... و تخفي عنِّي وجهها و دموعها... و كأنَّها لا تعلم بأنَّني أحسُّ بها تقطر مِنْ قلبي قبل أنْ تسيل على خديها...

    قلتُ متألّماً:

    " رغد... صغيرتي... يتمنَّى المرء منّا أشياءاً كثيرةً و لكن... ظروف الحياة لا تسمح بتحقيق كل أمانينا... "

    و راقبتُها فلمْ أرَ منها أيَّ تفاعل...
    واصلتُ:

    " أنا... حاولتُ بكل جهودي... أنْ أوفِّرَ لكِ أفضل حياة... أردتُ أنْ... تكوني سعيدةً و مرتاحة... و مطمئنةً إلى حاضركِ و مستقبلكِ... حاولتُ أنْ أكون... وصياً و أباً جيِّداً... لمْ أبخلْ عليكِ بشيء و إنْ كنتُ فعلتُ... فأرجوكِ أنْ تسامحيني... "

    فأطلقتْ رغد آهة بكاء قويّة تذوب لها الحجارة... كيف لي أنْ أتحمَّل.. ؟؟

    كانتْ لا تزال موشحةً بوجهها عنِّي... مصرَّةً على حرماني مِنْ النظرة الأخيرة...
    توسّلتُ إليها:

    " رغد... انظري إليَّ "

    لكنّها لمْ تفعل...

    " أنظري إليَّ أرجوكِ "

    لمْ تستجب، بل على العكس... رفعتْ كفَّيها و أخفتْ وجهها خلفهما... لمْ يعد لدي أملٌ في أنْ أراها... تنهّدتُ و رجعتُ خطوةً للوراء... و تأمّلتُها برهة... ثمَّ قلتُ:

    " سامر و دانة سيواصلان رعايتكِ... و ربَّما أفضل منِّي... و أفضل مِنْ خالتكِ أو أي شخصٍ كنتِ تتمنين أنْ... يهتمَّ بكِ "

    هنا نطقتْ رغد فجأة قائلة:

    " أنا لا أريد لأحد أنْ يهتمَّ بي... أنا لستُ طفلة كما تظنّون... و مِنْ الآن فصاعداً سأتولَّى أنا الاهتمام بنفسي... و اتخاذ قراراتي... و إذا حاول أحدٌ التدخُّل بشؤوني... أو فرض نفسه عليَّ.. فسوف أوقفه عند حدَّه... "

    و كان صوتها متألّماً... و كلامها مهدّداً... تتخلّله شهقات و زفرات البكاء....

    قلتُ:

    " لا أحد يفرض نفسه عليكِ يا رغد... لا أحد يجبركِ على شيء..."

    و أضفتُ:

    " لكن... أحياناً... نجد أنفسنا نقدِّم التضحيات طوعاً مِنْ أجل الأشخاص الذين نعزُّهم كثيراً... و الذين يستحقُّون التضحية... و كم كنَّا لنشعر بأشد الندم... لو بخلنا عليهم... "

    و لمْ تعلّق... فقلتُ:

    " أتفهمينني يا رغد ؟؟ "

    انتظرتُ منها أنْ تردَّ عليَّ... أنْ تلتفتَ إليَّ... لكنَّها كانتْ أقسى مِنْ أنْ تمنحني الفرصة الأخيرة...

    تراجعتُ إلى الوراء... خطوةً تلو خطوة... وقفتُ عند الباب... و عيناي متشبِّثتان بها... تكادان تقتلعان مِنْ مكانيهما... و تبقيان هناك...

    " وداعاً... صغيرتي "

    أخيراً نطقتُ... و أغلقتُ فمي... و أغمضتُ عينيَّ... أبتلع المرارة الشديدة التي خلّفتْها الجملة الأخيرة... و أمتصُّ الدموع الحارقة التي كانتْ تغلي تحت جفوني...

    فتحتُ عينيَّ... و نظرتُ إلى صندوق الأماني الذي كان في يدي... و انعصر قلبي ألماً...
    وداعاً أيُّها الصندوق...
    كنتَ لي رفيقاً شديد الغموض و الكتمان... طوال السنين...
    لقد حافظتُ على أسراركَ منذ صنعتُك بيدي... فهل ستكتم أمانيَّ و أحلامي... و حبيبتي... في جوفكَ... إلى الأبد ؟؟

    وضعتُ الصندوق بهدوء على المنضدة المجاورة للباب...
    و أخيراً... أغلقتُ الباب... ببطء... ببطءٍ شديد... إلى أنْ اختنقتْ الفتحة... و انقطع حبل الرؤية الممتد مِنْ عيني... إلى رغد...



    و فيما نحنُ نهبط السلالم أنا و سامر و دانة... خارجين مِنْ هذا الجناح في طريقنا إلى البوابة... و أنا مستمرٌ في ترديد و تأكيد وصاياي لأخي... و لأختي... إذا بصوتٍ ينادي بانفعال فيوقفنا:

    " وليـــــــــــــــــــــــــــــد "

    التفتْنا إلى الوراء... إلى الأعلى... إلى حيث كانتْ رغد تقف... و تنظر إليِّ...
    لمِ تصدِّق عيناي أنّهما تريانها... ما أسرع ما حلِّقتا إليها و التصقتا بعينيها...
    أهذهِ أنتِ رغد... أجئتِ لوداعي ؟؟ هل رأفتِ بحالي ؟؟...

    " خُـــذْ !! "

    هتفتْ رغد... و هي ترمي باتجاهي بشيءٍ ما... يرتطم بصدري... ثمَّ يقع أمام رجليَّ...
    أردتُ أنْ أنظر إلى ذلك الشيء... لكنَّ عيناي رفضتا الانفكاك عن رغد...

    و إذا بها تهتف:

    " احتفظ به أنتَ... فأنا لمْ أعدْ طفلةً لأحتفظ بشيءٍ تافهٍ و غبيٍ كهذا "

    و بسرعة البرق اختفتْ رغد...

    لكن عينيَّ ظلّتا تحملقان في المكان الذي كانتْ تقف فيه... تفتِّشان عنها... أين اختفتْ فجأة؟؟ أين ذهبت؟؟...
    ألمْ تكنْ رغد هنا قبل ثانية؟؟ هل كنتُ أتوهَّم؟؟ هل أصابني الهوس و الجنون؟؟

    انتبهتُ مِنْ ذهولي و حملقتي على صوت دانة تقول:

    " ما هذا ؟ "

    التفتُ إليها فإذا بها تنظر باتجاه قدمي... طأطأتُ رأسي و نظرتُ... فهل تعلمون ماذا رأيتُ ؟؟

    نعم... لقد حزرتم...

    صندوق الأماني !!


    ~~~~~~~~~~~~~~



    __________________

    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الأربعاء 17 أغسطس 2011, 2:04 am

    -أروى-






    " وليد !! "

    اندهشتُ بشدَّة عندما رأيتُه يقف أمامي، بعد كل تلك المدة الطويلة التي غابها عنِّي...
    عجباً ! ألا يزال يذكرني ؟؟

    مدّ يده ليصافحني، فلمْ أمد يدي إليه. تصافحني يا وليد ؟؟ بعد كل هذا الغياب... هذا التجاهل و الهروب منِّي... تعود و تصافحني ؟؟

    " أروى !... ألنْ تسلِّمي عليَّ ؟؟ "

    سألني و يده لا تزال معلَّقةً تنتظر مصافحتي، و خالي يقف جوارنا و على وجهه التوسُّل. لكنّني لمْ أقبل...
    أشحتُ بوجهي عنه و قلتُ:

    " ما الذي أعادكَ ؟؟ "

    سمعتُ خالي يهتف رادعاً:

    " أروى ! "

    فالتفتُّ إليه و إلى وليد و قلتُ:

    " وصلتَ متأخِّراً جدا ً... "

    وليد طأطأ برأسه ليريني اعتذاره و مدى ندمه... و تكلَّم قائلاً:

    " مررتُ بأزمةٍ حرجةٍ جداً يا أروى... سأشرح لكِ "

    فقلتُ:

    " لستَ مضطراً... "

    فعاد خالي يردعني، فقلتُ و قد أفلتتْ أعصابي:

    " كل هذه المدَّة يا خالي و هو غير موجود... يسافر و يرحل... و يغيب كل هذا الزمن... دون خبر... دون كلمة... متجاهلاً لي... متناسياً وجود زوجةٍ في حياته... و تريد منِّي أنْ استقبله بترحيب ؟؟ "

    قال خالي:

    " يهديكِ الله يا ابنتي دعينا نسمع منه ما حصل أوَّلاً "

    فما كان منّي إلا أنْ انسحبتُ مِنْ المكان و خرجتُ إلى قلب المزرعة.

    بعد مرور فترة، جاء خالي إليَّ و طلب منِّي الذهاب معه للتحدُّث مع وليد فأبيتُ. أخبرني بأنَّ وليد شرح له الظروف الحرجة التي مرَّ بها و أنها كانتْ بالفعل خطيرة، و رجاني أنْ أصغي إلى وليد و أسمع منه مبرِّراته. وافقتُ مِنْ أجل خالي الذي كان قلقاً بشأن علاقتي مع وليد، و التي اعتبرها أنا... انتهتْ منذ زمن...

    في المنزل... تركَنا خالي بمفردنا و ذهب ليصنع القهوة. وليد بدأ الحديث بالسؤال:

    " كيف أنتِ أروى "

    و حقيقة استفزَّني ذلك السؤال كثيراً. كيف تتوقَّع أنْ أكون و زوجي قد هجرني منذ فترة طويلة و أنا في أوج حزني على أُمِّي الراحلة ؟؟

    لذا قلتُ بجفاء:

    " أرجوكَ وليد...! لا داعي لأي كلام جانبي... أخبرني فقط بما أخبرتَ به خالي و اختصر ما أمكن "

    نظر وليد إليَّ نظرةً حزينةً جداً تفطر القلب.
    انتبهتُ الآن فقط... إلى أنًّ شكله قد تغيًّر... كأنّه كبر عشرين عاماً... كان شاحباً ذابلاً هزيلاً نحيلاً... مُنحني القامة... يبدو مريضاً و مرهقاً جداً... و كان شعر رأسه و ذقنه طويل و غير مرتّب... عيناه كانتا غائرتين و جفونه مسودَّة... شكله كان مُقلقاً...

    قال:

    " حسناً يا أروى... أنا لنْ أضغطَ عليكِ في شيء. لقد أخذتِ كفايتكِ مِنْ الوقت للنظر و إعادة النظر و التفكير و التقرير... سأكون تحت أمركِ فيما ستقرِّرين مهما كان... فقط اسمعي منِّي مبرراتي... و موقفي... "

    قلتُ و الاهتمام يغزوني:

    " تفضَّل "

    و بدأ وليد يقصُّ عليَّ ما حصل مع شقيقه و معه... ما اضطر لفعله و كيف تصرَّف و إلى مَنْ لجأ و كيف سارتْ الأمور معه منذ اللحظة التي فارقني بها تلك الليلة، ليلة أنْ حضَّرتُ له عشاء مصالحة فتركني و ذهب إلى أخيه... و إلى أنْ عاد إليَّ هذه اللحظة...

    أحداثٌ بدتْ أقرب إلى الأفلام مِنْها إلى الواقع... عنف... ذعر... شرطة... مطاردة... هروب... مداهمة... هجوم... ضرب... مرض... مستشفى...
    أحداثٌ رهيبةٌ اقشعرَّ لها بدني... و ذاب لها قلبي و انصهرتْ مشاعري... أمورٌ فاقتْ أبعد توقُّعاتي و استصعب عقلي استيعابها دفعةً واحدة...

    كان وليد يتوقَّف مِنْ حين لآخر... يلتقط أنفاسه... و يشرب جرعة مِنْ كأس الماء البارد الذي طلبه مِنْ خالي... و رغم أنّني طلبتُ مِنه الاختصار منذ البداية، إلا أنَّه ذكر الكثير مِنْ التفاصيل بل و حتَّى بعض الأيام و التواريخ و الساعات... و تفاصيل المبالغ المالية التي سحبها مِنْ المصرف و كيف و أين صرفها... و أسماء بعض الأطبَّاء الذين أشرفوا على علاجه و أسماء بعض الأدوية...

    كنتُ أصغي إلى كل ذلك دون أنْ أقاطعه... كنتُ أتجاوب معه عبر الانفعالات التي تطرأ على وجهي كلَّما ذكر شيئاً مثيراً... و حقيقةً كان كل ما ذكره مثيراً و مُربِكاً...

    " ثمَّ ماذا ؟ "

    سألتُه بتشوّق عندما رأيتُه يتوقّف عن الكلام أخيراً و قد انتهى مِنْ سرد كل الأحداث... فأجاب:

    " ثمَّ استغللت سيارة أجرة و جئتُ مباشرة مِنْ المطار إلى هنا... "

    سألتُ راغبةً في المزيد مِنْ التأكُّد... فقد يكون قد أغفل عن ذكر شيءٍ هو لديَّ أهم مِنْ التفاصيل التي ذكرها:

    " جئتَ بمفردكَ ؟ "

    فأشار مِنْ حولي و قال:

    " كما ترين... "

    فصمتُّ برهة أفكِّر و أتأمَّل... ثمَّ سألتُ:

    " ثمَّ ماذا ؟؟ "

    فنظر إليَّ و قال:

    " يعتمد عليكِ "

    أتصدِّقون هذا ؟؟
    وليد الآن معي... بمفرده...! ترك محبوبته المدلَّلة في آخر العالم و عاد إليَّ... ! هل هذا صحيح؟؟ هل تخلَّى عنها مِنْ أجلي؟؟ هل تركها هناك... و عاد ليبقَى معي أنا ؟؟

    أخذ وليد ينظر إليَّ و كأنّه يريد معرفة ردَّة فعلي. لمْ أكنْ واثقةً مما أريد أنْ أقول أو أفعل، لكن هناك شيءٌ كان السبب في افتراقنا... فهل زال ذلك الشيء حقاً ؟؟ هل انتهى ؟؟

    سألتُه مِنْ جديد:

    " و... ماذا عنْ... ابنة عمِّكَ ؟؟ "

    فهو أهم أمر فرَّقنا... و لاحظتُ الحزن الذي اعترى وجهه لسماعه السؤال... و استغراقه في التفكير قبل أنْ يجيب:

    " لمْ تعدْ موجودةً معي "

    و أشار إلى ما حوله ليؤكِّد أنّها ليستْ معه... لكن... أنا لا يهمُّني أنْ تكون فيما حوله ما دامتْ ليستْ في داخله...
    أشرتُ بسبّابتي إلى صدره و قلتُ:

    " و لا هنا ؟؟ "

    ففهم وليد المغزى مِنْ إشارتي... و أبعد بصره عنِّي بقلَّة حيلة... ثمَّ عاد ينظر إليَّ و قال:

    " ساعديني... في إزالتها... "

    ظهرتْ المرارة الشديدة على وجه وليد... و أسند رأسه إلى المقعد و أغمض عينيه... و قال بألم:

    " فأنا تعبتُ... و أريد أنْ أرتاح... آه... كم أنا مرهق... مرهقٌ جداً... "

    حينها اهتزّتْ مشاعري و ساحتْ منسابةً نحو وليد...

    أحبُّه... أحبُّه و لا أدري إنْ كان قلبي يستطيع أنْ يغفر له خطيئة حبِّ فتاةٍ أخرى. هل استطيع أنْ أستعيده؟؟ هل يمكنني المحاولة؟؟ هل سأنجح في اقتلاع حبِّه القديم... و زرع حبِّي أنا... داخل قلبه؟؟
    أُمَّاه... أخبريني... هل سأستطيع ؟؟

    كنتُ أجلس بعيدةً عنه، و حين رأيتُه على هذه الحال، اقتربتُ منه و جلستُ بجواره و طوّقتُه بذراعي. وليد و دون أنْ يفتح عينيه ألقى بثقل رأسه على كتفي و تنهّد و همس:

    " أريد أنْ أرتاح... "



    لمْ يشربْ وليد القهوة، و لمْ يتناول العشاء إذ أنَّه قال أنَّ معدته تؤلمه و اكتفى بطبق المهلبية الباردة، و بعدها ذهب للاستحمام.

    كان وليد قد ذكر على العشاء أنَّه يرغب في قضاء عدَّة أيام هنا في المزرعة إلى أنْ تتحسَّن صحَّة معدته و ينال قسطاً وافراً مِنْ الراحة. لذا حملتُ حقيبة سفره إلى غرفة نومه و بدأتُ أُفرغ ملابسه و أصفُّها في الخزانة.

    لمستُ شيئاً كان محشوراً بين الملابس، و كأنّه قد دُسَّ بينها بعد ترتيبها. و لمّا استخرجتُه... أدهشني و فاجأني أنْ أكتشف أنَّه... تلك العلبة !!

    هل تذكرون العلبة الورقية الأسطوانية الشكل، التي رأيتُها في غرفة وليد في منزله في المدينة الساحلية، و رميتُ بها في سلَّة المهملات...؟؟
    هل تذكرون كيف انفعل و غضب منِّي، ثمَّ استخرجها مِنْ قعر السلَّة و حذَّرني مِنْ لمسها ثانيةً؟؟
    هذه العلبة الطفولية المجعَّدة هنا الآن !

    هل يُعقل أنَّ وليد... يسافر مِنْ بلدٍ إلى بلد... حاملاً معه شيئاً كهذا !!؟؟

    أخذتُ أتأمَّل العلبة و الطوابع و الملصقات الطفوليّة التي تغطِّيها، و كلمة (صندوق الأماني) المكتوبة عليها...
    و كان للعلبة فتحةٌ صغيرةٌ في إحدى قاعدتيها يمكن مِنْ خلالها إدخال عملةٍ معدنية أو ما شابه. ليس لديَّ أدنى شكٍ... بأنَّ هذا الشيء يتعلَّق برغد...

    حسنا يا رغد... سأساعد وليد على انتزاعكِ... نهائياً...

    بحثتُ عن طرف الشريط اللاصق الذي يربط قاعدتي الأسطوانة بجسمها... و نزعتُه...

    فتحتُ العلبة... و نظرتُ إلى ما في الداخل... كانتْ مجموعةُ قصاصات ورقية مطويّة...

    أفرغتُ محتوى العلبة على سرير وليد فإذا بي أجد بينها قصاصات لصورة فوتوغرافية ممزّقة، سرعان ما اكتشفتُ أنّها صورة رغد!. نفس الصورة التي قبضتُ عليها مختبئةً تحت وسائد وليد... في غرفة نومه... في منزله في الجنوب. ترى... هل خبّأها هنا... بعيداً عنِّي؟؟

    أزحتُ أجزاء الصورة الممزّقة جانباً و نظرتُ لبقيَّة القصاصات. تُرى... ماذا تحوي هذه الأخرى؟؟
    تردَّدتُ قليلاً ثمَّ قرَّرتُ أنْ أفتحَ القصاصات و اطَّلع على ما تحتويه.

    كنتُ أسمع صوت خرير الماء و حركة وليد في الحمام المجاور.

    قرّرتُ في سريرتي... (سأخلّصكَ يا وليد مِنْ كل شيء... يتعلَّق برغد... سأريحكَ منها... تماماً...)

    كان هناك خمسُ قصاصات. تناولتُ إحداها... و كُلِّي فضولٌ لمعرفة ما عساه يكون مخبأً فيها...

    [ أتمنّى أنْ أصبح رجلَ أعمالٍ ضخم ]

    لابد أنَّ هذا خط وليد ! لطالما أخبرني بأنّه كان يحلم بأنْ يصبح رجلَ أعمالٍ ناجحاً... مثلما كان والده !

    [ يا رب اشفِ عين سامر ]

    و هذا خط طفولي و الحروف كبيرة و غير مرتّبة !

    هل يُعقل أنّه خط وليد؟؟ كم كان عمره آنذاك ؟؟!!

    تابعتُ فتح القصاصات بفضول أكبر... لابد أنّها كانتْ أمنيات وليد منذ أنْ كان صغيرا ً !!

    القصاصة التالية:.....

    [ أريد أنْ تصبح ابنة عمِّي رغد زوجةً لي ]

    تسمًّرتُ على وضعي عندما قرأتُ هذه القصاصة... كان خطاً واضحاً و مرتَّبا... شعرتُ بنبضات قلبي تتسارع بشدَّة، و بقيتُ محملقةً في الورقة لبرهة أعيد قراءتها مرَّة بعد مرَّة... لكن اسم رغد لمْ يتغيّر و لمْ يختفِ...

    نظرتُ إلى القصاصتين المتبقيتين... و شعرتُ بأنني فقدتُ الجرأة على فتحهما...

    كان خرير الماء لا يزال مستمرّاً... و وليد مشغول باستحمامه... و لا يعرف ما الذي أفعله و على أي أسراره أطَّلِع. أنّبني ضميري و هممتُ بإعادة كلَّ شيء إلى مكانه... لكنَّ فضولي تغلَّب على ضميري و تشوّقي لأنْ أقرأ القصاصتين الأخيرتين فاق خشيتي مِمّا قد يكون مكتوباً عليهما...
    و تشجّعتُ و تناولتُ إحداهما و فتحتُها...

    [ يا رب رد إليَّ وليد أرجوكَ فأنا يتيمة و عمّار يخيفني ]

    كان ذلك مكتوب بخطٍ طفولي... لا يمكن أنْ يكون لوليد... هذه بالتأكيد... لرغد...

    أحسستُ بانقباضٍ مفاجئ في صدري... و أعدتُ قراءة المكتوب ثانيةً و ثالثةً... و شعور غريب يجتاحني و صورة رغد تظهر أمام عيني كأنّها تنظر إليَّ...

    أخذتُ أقارن بين خط القصاصة التي كُتِب عليها [ يا رب اشفِ عين سامر ] و بين هذه الأخيرة... هناك تشابه وأظن أنّهما للطفل نفسه... لرغد...

    يا رب... رد إليَّ وليد... أرجوك... فأنا يتيمة... و عمّار يخيفني...

    يا إلهي...

    كانتْ الجملة مؤثرة جداً... جداً...
    تذكّرتُ منظر رغد عندما انتابها ذعرٌ غريب لدى مشاهدة صورة ابن عمِّي عمّار معلَّقةً على الجدار في مكتب إدارة المصنع... و الشتائم التي رمتْه بها... و إصرار وليد على كتم دواعي قتله إيّاه...

    قرأتُ الجملة للمرّة الرابعة أو الخامسة أو العاشرة...[ يا رب... رُد إليّ وليد أرجوكَ فأنا يتيمة... و عمّاريخيفني ]...
    و تصدّع قلبي... لمْ أشعر إلا و نهرٌ مِنْ الدموع ينسابُ مِنْ عينيَّ...
    هل يُعقل أنّني أبكي الآن... على شيء كهذا... ؟؟
    هل يُعقل أنّ وجداني يهتز... على كلمات كتبتْها رغد و أخفتْها داخل علبة ورقية ؟؟
    ما الذي يمكن أنْ يكون عمّار قد فعله... ليرعب رغد..؟؟

    التفتُ إلى آخر ورقة... و لمْ يطعني قلبي على فتحها...
    أخذتُ أعيد قراءة القصاصة التي في يدي... ("يا رب رد إليّ وليد")... و أتخيَّل صورة رغد... و أتذكَّر لقائي الأخير بها في المزرعة... حين طلبتُ مِنْها أنْ تنسحب مِنْ حياتنا أنا و وليد... و الدموع التي فاضتْ في عينيها... و قولها أنَّ وليد هو كلُّ مَنْ لديها...

    ثمّ أنظر إلى أجزاء صورتها الفوتوغرافية الممزقة... و أشعر بشيء يتمزَّق في داخلي...
    يا إلهي...
    لماذا أشعر بتأنيب الضمير... و كأنني ارتكبتُ جريمةً في حقِّ هذه الفتاة..؟؟!!
    لماذا قلبي مقبوض هكذا ؟؟ لماذا صورتها تراقبني هكذا..؟؟

    لماذا كانْ تسأل الله أنْ يعيد إليها وليد؟؟ و لماذا كانتْ خائفة مِنْ عمّار؟ لقد ماتَ عمّار ابن عمّي قبل عشر سنين و أكثر... ما الذي جعلكِ تخافين منه يا رغد و كنتِ بالكاد طفلة صغيرة...؟؟

    تأمّلتُ صورتها... ثمَّ نظرتُ مرّة أخرى إلى القصاصة الأخيرة و جرفني الفضول إليها... فجذبتُ نفساً... و قررتُ أنْ أفتحها...

    مددتُ يدي ببطء و تردُّد... كنتُ خائفة مِنْ أنْ أجد فيها شيئاً مؤلماً... لكن... ألا يُحتمل أنْ أجد فيها شيئاً مُبهِجاً... ؟؟ حسمتُ الأمر و فتحتُها أخيراً... و قرأتُ ببساطة ما كُتِب عليها...

    عندئذٍ تجمّدتُ تماماً عن الحركة... و إذا بالدموع الغزيرة تنسكب متواصلة مِنْ عينيَّ... و أنا أحملق مذهولةً في الكلمات المهولة... المكتوبة عليها... بخطٍ طفولي بريء و مُبعثر...
    في ذات اللحظة... ظهر وليد فيها قادماً مِنْ الحمّام...

    وليد رآني... و رأى العلبة الأسطوانية موضوعة إلى جانبي على السرير... و أجزاء الصورة الفوتوغرافية... و القصاصات الورقية مبعثرة قربي... و قصاصة أخيرة... معلَّقة أمام عيني الدامعتين...

    وليد ذُهِل...شهق... ثمَّ هتف صارخاً:

    " ما الذي فعلتِه !؟؟ "

    و جاء مُسرعاً و تناول العلبة مِنْ على السرير و راح ينظر إليها و إلى الصورة و القصاصات و إليَّ... ثمَّ يصرخ:

    " كيف فعلتِ هذا؟؟ كيف تجرّأتِ ؟؟؟ كيف سمحتِ لنفسكِ ؟؟ "

    عند ذلك...طأطأتُ رأسي و أخفيتُ عينيَّ خلف يدي اليسرى... فيما يدي اليمنى لا تزال ممسكةً بالقصاصة الأخيرة...

    لمْ أشعر إلا و القصاصة تطير فجأةً مِنْ بين أصابعي...
    ثمَّ لمْ أسمع... إلا آهةً قويّة أقرب إلى الصراخ... انطلقتْ بغتةً مُندفعة مِنْ أعماق أعماقِ... صدر وليد.. تردَّد صداها حتّى وصل إلى آخر آخر العالم...



    ~~~~~~~~~~~~~~

    ~~~~~~~

    ~~~~

    ~~




    المؤلفة: د/ منى المرشود



    لهذا الجزء قد اكتملت الاجزاء التي وضعتها مؤلفة الرواية ولكن هناك تكملة لها لم
    تضعها المؤلفة وسأضعا ان شاء الله قريبا
    ارجوا ان تنال اعجابكم.....

    مع محبتي........
    RAdOi
    RAdOi
    صديق برونزي
    صديق برونزي


    ♥|الجنس : ذكر ♥| عدد مشاركاتـي : 2203
    ♥| نقـاآطــي: : : 2572
    ♥|تاريخ الميلاد : 17/12/2000
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 15/07/2010
    ♥|الموقع : فوق الغيوم
    ♥|العمل/الترفيه : طالب
    المزاجرايق فرحان مستمتع ولحمد لله

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف RAdOi الثلاثاء 23 أغسطس 2011, 2:17 pm

    يسلمووووووو
    نســر البرشا
    نســر البرشا
    مشرف
    مشرف


    ♥|الجنس : ذكر ♥| عدد مشاركاتـي : 1602
    ♥| نقـاآطــي: : : 1929
    ♥|تاريخ الميلاد : 29/06/2002
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 13/07/2010
    ♥|الموقع : احلق فوق البرشا
    ♥|العمل/الترفيه : انا عضو من شراع الصداقة
    المزاجمكيف

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف نســر البرشا الأحد 04 سبتمبر 2011, 7:56 pm

    يسلموووو عهد يعطيكي الف الف عافية
    ^حلا^
    ^حلا^
    مشرفة شراع القصص و الروايات
    مشرفة شراع القصص و الروايات


    ♥|الجنس : انثى ♥| عدد مشاركاتـي : 2192
    ♥| نقـاآطــي: : : 2556
    ♥|تاريخ الميلاد : 22/12/1993
    ♥| تاريج التسج ــيـــل: : : 09/07/2010

    قلب رد: رواية انت لي كاملة

    مُساهمة من طرف ^حلا^ الإثنين 19 سبتمبر 2011, 7:58 pm

    يسلمووو على مروركم نورتوا

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 26 أبريل 2024, 4:37 pm