من طرف ^حلا^ الثلاثاء 15 فبراير 2011, 11:31 pm
الحلقه الأولى بعنوان "أنتهى الحب"
كانت والدتى تجلس بالصاله وبجانبها تجلس زينه - شقيقتى الصغرى البالغه من العُمر عامان- والتى كانت تسبح فى بركه من الفوضى التى تسببت فيها بألعابها الكثيره المبعثره فى أرجاء الصاله..
لستُ أدرى أى متعه يجدها الأطفال فى مثل هذه الفوضى؟
نظرتُ أمى إلىّ ولاحظت أننى أرتدى ملابسى كامله أستعداداً للخروج فقالت بأستياء:
"ألا تملى أبدا يا سارهً !؟"
كنتُ على يقين من أن أمى لن تفوت الفرصه أبداً لتقوم بأحباطى لكنى على أى حال كنتُ قد أستعديت لها مسبقاً فقابلتُ جملتها بأبتسامه واسعه رسمتها فوق شفتاى قبل أن أقول: "لن أمل أبداً.. على أى حال أدعى لى."
قالت أمى بأستياء أكبر: "أنتِ عنيده جداً !!"
قلتُ: "إلى اللقاء يا أمى."
كدتُ أغادر الشقه لولا أن أستوقفتنى أمى قائله برقه تختلف على لهجتها السابقه بدرجة مائه بالمائه: "ساره.. أنتظرى يا حبيبتى.. هل لا أخذتِ زينه معكِ؟ فأنا متعبه وسأوى إلى الفراش."
تفاجأتُ ، وأستدرتُ إلى أمى وسألتها:
"عفواً أمى.. ماذا قلتِ؟"
قالت أمى بحسم:
"أفعلى كما سمعتِ يا ساره."
هززتُ رأسى غير مصدقه قبل أن أقول: "كلا.. لا.. لا يمكن أن تكونى تعنين هذا."
قالت أمى بطريقه حاسمه: "بل أعنى هذا جداً ولا تجادلينى يا ساره."
إننى لم أعصى لأمى أمراً من قبل لكنى اليوم لا أستطيع الأذعان لرغباتها ؛ لأننى لستُ ذاهبه فى نزهه لأصطحب زينه معى أنما أنا ذاهبه لمقابلة الرجل الذى رُبما أعمل لديه..
صحيح أن هذه هى المره السادسه التى أذهب فيها لمقابلة رجال ونساء من أجل العمل لديهم ولم يحالفنى الحظ لكنى اليوم متفائله جداً..
صحيح أننى لستُ متفرغه ؛ فأنا فى الفرقه الثانيه بكلية التجاره ، وصحيح أننى لستُ ذات خبره فى أى شئ ؛ فأنا لم يسبق لى العمل بل ولم تطرأ فكره العمل على بالى من قبل لكنه الزمن الذى أحوجنى وجعلنى مضطره لأن أعمل لأغطى مصاريف دراستى ؛ فبعد وفاة والدى أصبح دخلنا مُقتصر على معاش والدى البسيط الذى بالكاد يغطى مصاريف علاج أمى..
"إنها شقيقتك وعليك تحمل مسئوليتها وربما كان ذهابها معكِ لصالحكِ فربما تستفز زينه عواطف ذلك المحلمى ويشفق عليها وبذلك تكون هى السبب فى قبولك فى هذه الوظيفه."
تفاجأتُ من جُمله أمى وضحكتُ كثيراً قبل أن أقول فى أستنكار:
"هذه المشاغبه تكون السبب فى قبولى!؟ على العكس يا أمى أنهم سيطرودونى ما أن تقع أبصارهم على زينه."
نهرتنى أمى قائله: "لا تتحدثى عن شقيقتك بهذه الطريقه ولا تنعتيها بالمشاغبه ؛ فإن زينه طفله هادئه مُطيعه."
قلتُ فى ذهول: "من!؟ زينه !؟ زينه شقيقتى!؟ زينه هادئه ومطيعه يا أمى!؟"
لوحت أمى بزراعها قائله: "بلى.. إنها هادئه جداً ومُطيعه جداً جداً."
لم أتمكن من منع ضحكاتى التى أنطلقت تشقُ جدار الصمت والتى جعلت زينه تضحك لضحكى قبل أن تقول جُمله طويله لم أفهم منها حرفاً واحداً..
ألتفتتُ إلى أمى وقلتُ: "سأعتبر أنها فعلاً هادئه ومطيعه ،، وأيضاُ برغم هذا لا مجال لأى طفله حتى لو كانت مُطيعه ؛ فهناك سأعمل سكرتيره وليس مربية أطفال."
أبتسمت أمى قائله: "ساره يا حبيبتى.. أستمتعى بوقتكِ أنتِ وزينه."
أعترضتُ قائله: "لكن يا أمى....."
قاطعتنى أمى قائله بجديه: "أذهبى أنتِ وزينه أو لا تذهبى.. أعتقد أن كلامى واضح ومفهوم."
أستسلمتُ وقررتُ ألا أجادل أمى طويلاً ؛ لأن الجدال مع أمى لن يقودنى سوى إلى الأذعان لرغباتها على أى حال..
"أذهبى ومشطى لزينه شعرها كى تظهر بمظهر لائق أمام ذلك المحامى."
قالت أمى العباره السابقه فألتفتتُ إليها قائله: "حسناً يا أمى.. لكن قد لا يقبلونى بسبب زينه."
مطت أمى شفتيها قائله:
"لن يقبلوكى وهذا شئ مفروغ منه لكن يا حبيبتى لا تلقى اللوم على زينه المسكينه وأنتِ تعرفين أن زينه لا دخل لها فى هذا."
أحضرتُ فرشاة الشعر وبينما كنتُ أمشط لزينه شعرها همستُ فى أذنها قائله:
"يبدو أننى مضطره لأن أصطحبك معى.. وربما لا يقبلونى بسببكِ."
أستدرات إلىّ زينه برأسها وأطلقت ضحكه مجلجله..
هل تعرفون أننى لولا ثقتى بأن زينه لم تفهم جملتى لصغر سنها لأعتبرتُ ضحكتها نوع من الشماته؟
******************
وصلتُ إلى المكتب بعد عشرة دقائق من مغادرتى المنزل وكنتُ أحمل زينه على زراعى فأنزلتها على الأرض وأخرجتُ مرآتى ونظرت بها..
هالنى مظهرى حتى كدتُ أصرخ من الفزع ؛ فقد كنتُ أشبه "شيتا" بل أن شيتا بالتأكيد مظهرها مقبول عن مظهرى الأن ؛ فإن هواية زينه المفضله هى تقطيع شعرى.. رُحماك يا ربى..
حاولت أنقاذ ما يمكن إنقاذه ومشطتُ شعرى قبل أن أدلف إلى المكتب الذى كان عباره عن شقه فى بنايه أنيقه بحى راقى ، وكانت الشقه عباره عن صاله واسعه بها أنتريه جلدى بنى اللون ومكتب صغير فى إحدى الأركان تجلس خلفه السكرتيره وهى فتاه فى أواخر العشرينات تقريباً ، وبالطبع توجد حجره خاصه بالمحامى لكنى لم أدلف إليها بعد..
ألقيت التحيه على السكرتيره فأجابتها باسمه ، فقلت لها:
"أنتِ هند السكرتيره.. أليس كذلك؟"
أومأت الفتاه برأسها إيجاباً فتابعتُ: "أنا ساره التى خابرتك بالأمس."
بدت علامات التفكير واضحه على وجه السكرتيره قبل أن تقول:
"ساره .. بلى .. تذكرتك .. أهلاً بكِ."
قلتُ: "هل الأستاذ أحمد هنا ؟"
" بالتأكيد .. إنه فى أنتظارك .. سأخبره بأنك حضرتِ حالاً."
جيد جداً .. يبدو كل شئ مشجع ..
إننى متفاءله جداً وأعتقد أن هذه الوظيفه ستكون لى.
ذهبت الفتاه لحجره الأستاذ أحمد ثم عادت بعد لحظات وأذنت لى بالدخول
كان الأستاذ أحمد فى منتصف الستينات من عمره وكان مكتبه أنيق جداً وضخم على عكس مكتب السكرتيره..
ألقيت عليه التحيه فطلب منى الجلوس وحينما جلست قال:
"أخبرتنى هند أنكِ أتيتِ من أجل العمل كسكرتيره."
أومأت برأسى إيجاباً وقلتُ: "بلى.."
أعتدل الرجل فى جلسته وقال:
"هل قرأتِ الأعلان الذى نشرته بالأمس ؟"
أومأتُ برأسى إيجاباً فتابع: "أذن.. أنتِ تعرفين بالتأكيد أننى أريد فتاه متفرغه وذات خبره؟"
أومأت برأسى إيجابا ولم أعلق فقال مباشرة: "هل أنهيتِ دراستك؟"
"فى الحقيقه أننى... لقد أنهيت دراستى بالفعل."
"وماهو مؤهلك؟"
"إننى حاصله على دبلوم تجاره."
ولا تسألونى لما قلت هذا ؛ فأنا مصدومه بكلامى مثلكم تماماً !!!
" كم عمرك؟"
"أننى فى التاسعة عشر من عمرى."
"هل سبق لكِ العمل كسكرتيره؟"
"بلى.. لقد عملتُ لدى محامى يدعى... يدعى... آه... محمد مصطفى."
بدت علامات التفكير واضحه على وجهه قبل أن يقول:
"لم أسمع بهذا الأسم من قبل.. على أى حال أتركى رقم هاتفك وفى حال خابرتكِ هند لابد أن تحضرى معكِ صوره من مؤهلكِ وصوره من بطاقتكِ الشخصيه." !!!!
غادرتُ المكتب وأنا أجر أذيال الخيبه ،، بالتأكيد بدا الكذب واضحاً على وجهى ،، وبالتأكيد لن تخابرنى هند وإن فعلت من أين أتى بصوره من مؤهلى !!؟
******************************
كنتُ فى طريقى إلى المنزل حينما مررتُ على والدى فى مكتبه لأصطحابه معى فى سيارتى ، لكنه لم يكن قد أنهى عمله بعد.
أبى مشغول جداً هذه الفتره ؛ فقد قررت سكرتيرته فجأه أن تترك العمل وهو الأن يبحث عن سكرتيره متفرغه وذات خبره ، لكن يبدو أن فتاه بهذه المواصفات كالعمله النادره!!
لقد نصحتُ أبى مراراً أن ما من مشكله لو كانت السكرتيره مازالت تدرس ؛ فهناك فتيات كثيرات يحتاجن إلى العمل لتغطية مصاريف الدراسه مثلاً ،، لكنه على أى حال لم يقتنع ومازال مُصر على أن تكون سكرتيرته الخاصه متفرغه..
هذا رأى والدى أما عن رأيى أنا ، فإننى فى الواقع لا أحبذ العمل للفتيات سوى إذا كان العمل ضروره
على أى حال أتمنى أن يجد أبى ما يبحث عنه..
كانت أمى وحدها حينما عدتُ إلى المنزل ؛ فوالدى كما سبق وذكرت لكم فى العمل ، أما شقيقى عمرو البالغ من العُمر الثانيه والعشرون فإنه لم يعود من عمله بعد ، وعمرو يعمل مترجم فى إحدى شركات السياحه..
بينما شقيقتى نورا البالغه من العمر الثانية عشر فهى لم تعد من مدرستها بعد..
جلستُ أنا وأمى حول الطاوله لنتناول الطعام بعد عشر دقائق وكان عمرو قد حضر بصحبة نورا وأنضم إلينا.
سألتنى أمى:
"ما رأيك فى أبنه خالتك يا طاهر؟"
سألتها:
"أتقصدين رضوى أم سلوى أم....؟"
قاطعتنى أمى قائله:
"سلوى .. ما رأيك بها؟"
هززتُ كتفاى قائلاً:
"إنها فتاه جميله وشقراء لكن للأسف إنها بدينه جداً."
قالت نورا مازحه:
"ليست بدينه جداً يا طاهر ؛ إنها تزيد عنك مائه كيلوجرام لا غير."
علق عمرو على عبارة أمى قائلاً:
"ليست البدانه بالمشكله الكبيره فهى تستطيع أن تتبع نظام غذائى إلى جانب ممارسة الرياضه لمده ثلاثون عام ليكون وزنها مثالى جداً."
زفرت أمى بضيق ثم قالت:
"ماذا عن رضوى؟"
قلتُ:
"إنها فتاه رشيقه القوام على عكس شقيقتها لكنها للأسف طويله جداً."
قالت عمرو مازحاً:
"ليستُ طويله جداً ؛ إنها أطول منك بحوالى ثلاثون سنتيمتر لا غير."
علقتُ على عبارة عمرو قائلاً:
"على أى حال يوجد أختراع يسمى بالكعب العالى ، قد أرتديه عند اللزوم."
أنفجرت نورا ضاحكه فضحكتُ بدورى أنا وعمرو فى حين أزداد عبوس أمى وزفرت بضيق قبل أن تقول:
"وماذا عن أبنة خالك؟"
سألتها نورا: "أتقصدين نهله؟"
الجميع أستداروا نحو نورا ونظروا إليها بدهشه ، أما أنا فوقع علىّ أذنى هذا الأسم كالصاعقه وأعادنى بغته إلى الخلف عدة سنوات..
لقد أوشكتُ على نسيانك يا نهله..
وهل كان لى ألا أن أمحوكِ من قائمتى بعد ما فعلتيه؟
لقد جرحتِ قلبى بقسوه وبدلاً من أن تداوينى..
ضغطتِ بيدكِ على جرحى ودمرتينى..
وإن كان الزمان قادر أن يجعلكِ قلما تراودينى..
فإنه ليس بقادر على الجراح والهم لينسينى.. أنكِ فى يوم هجرتينى..
"ماذا؟ لماذا تنظرون إلىّ هكذا؟"
كانت نورا من قطعت الصمت قائله العباره السابقه فهززتُ كتفاى ولم أتفوه ببنتُ شفه فى حين تساءلت نورا:
"ألا تعجبك نهله يا طاهر؟ "
رفعتُ بصرى إلى نورا وقلتُ لها:
"هذه الأمور لا يجب على الصغار مناقشتها يا نورا."
قالت نورا بضيق: "أنا لستُ صغيره ؛ بعد أسبوعان سأُصبح فى الثانية عشر من عمرى."
قلتُ مازحاً: "أسف جداً أيتها الفتاه الكبيره جداً."
أبتسمت نورا بسعاده وقالت: "بما أننى فتاه كبيره.. أخبرنى ما عيب نهله؟"
فتحتُ فمى لأجيبها إلا أن أمى سبقتنى قائله: "حقاً يا طاهر.. ما عيب نهله؟"
تفاجأتُ وأستدرتُ أنا وعمرو نحو أمى وحدقنا بها فى دهشه ؛ ربما يكون شيئاً عادياً أن يصدر سؤال مثل هذا من فتاه فى مثل عُمر نورا ، بينما أمى فلا.. ليس أمراً عادياً أبداً..
كررت أمى: ما عيبها يا طاهر؟"
حاولت أن أكون هادئاً وأنا أقول: "لا يوجد بها عيب يا أمى."
قالت أمى: "أذن...؟"
"أمى.. أرجوكِ.. لا تحاولين معى."
"لماذا يا طاهر؟ إن نهله فتاه جميله والكثيرون يتمنون الزواج منها."
"نهله فعلاً فتاه جميله وأعتقد أنها مناسبه لأى شخص أخر سواى."
"لماذا بُنى؟"
أجاب عمرو مازحاً: "رُبما لأنها لا تليق له ؛ فهى فتاه جميله وتستحق من هو أفضل من أخى."
أنفجرت نورا ضاحكه فأنفجر عمرو ضاحكاً بدوره ، لكنى هذه المره لم أشاركهما الضحك ولا أشعر بأى رغبه فى الضحك أوبأى رغبه فى أى شئ..
نهضتُ لأغسل يداى وأنا أشعر بمعدتى تطالبى بالمزيد من الطعام لكنى كنتُ قد فقدتُ شهيتى للطعام وأنتهى الأمر..
***********************
عدتُ إلى المنزل فى حوالى الساعه الثامنه مساءً بعدما أنهيتُ المقابله التى كانت كما تعلمون غير موفقه ،، بل يمكنكم أن تقولوا أنها كانت أكثر من سيئه.
"ساره يا حبيبتى.. أخبرينى كيف كانت المقابله؟"
سألتنى أمى هذا السؤال رغم أنها تعرف إجابته مسبقاً..
كررت أمى: "إننى أسألكِ كيف جرت المقابله؟"
أجبتُ كاذبه: "كانت جيده يا أمى."
نظرت إلىّ أمى بشك قبل أن تقول: "أتعنى أنكِ قُبلتِ فى هذا العمل؟"
"بلى."
"كاذبه."
"كلا يا أمى.. لستُ كاذبه.. لقد قُبلتُ بالفعل."
"فعلاً.. فعلاً.. إننى أصدقكِ تماماً."
"أمى...."
قاطعتنى أمى قائله بحسم: "أذهبى لتفقد زينه يا ساره ؛ فقد دلفت إلى حجرتك وبالتأكيد ستحطم شيئاً ما بها."
ذهبتُ إلى حجرتى ولحسن الحظ لم تكن زينه قد بدأت فى تحطيم الأشياء أنما كانت تعبث بشئ معدنى بيدها..
أقتربتُ منها لأخذ هذا الشئ منها كى لا يسبب لها الأذى وما أن أمسكتُ بهذا الشئ المعدنى حتى أتسعت عيناى فى دهشه ؛ فلم يكن هذا الشئ سوى هاتف محمول!!
سألتُ زينه: "ما هذا يا زينه؟ من أين أتيتِ بهذا؟"
نظرتُ زينه إلىّ ولم يبد عليها أنها فهمت عبارتى ، فعدتُ أقول وأنا أضغط على حروف كلماتى: "أين وجدتِ هذا يا زينه؟"
قالت زينه عباره طويله لم أفهم منها حرفاً واحداً كالمعتاد!!
عدتُ أسألها: "هل وجدتِ هذا فى السياره؟"
هزت زينه رأسها نافيه فسألتها: "هل كان فى المكتب؟"
كررت زينه كلمه "المكتب"بطريقتها وحذفت منها بضعه حروف فقلتُ لها:
"بلى.. هل كان فى المكتب؟"
كررت زينه كلمه المكتب قبل أن تركض مبتعده عنى وهى تضحك بسعاده..
*************************
أنتبهتُ قبل أن أذهب إلى عملى إلى أننى نسيتُ هاتفى فى مكان ما وتوقعت أن يكون هذا المكان هو سيارتى أو مكتبى فى البنك الذى أعمل به..
لكنى حينما بحثتُ عنه فى سيارتى ومكتبى لم أجد له أثراً وكان علىّ أن أجرب الأتصال بهاتفى ؛ فقد يكون هناك من وجده ويمكن أن يعيده لى..
كانت فتاه التى أجابت على هاتفى وبدأت الحديث قائله:
"صباح الخير.."
أجبتها قائلاً:
"صباح الخير.. من معى!؟"
"أنا ساره.. أقصد.. لا يهم من أكون.. فى الواقع إننى لستُ صاحبة هذا الهاتف ؛ لقد وجدته بالأمس ولا أعرف صاحبه حتى أعيده له."
"هل تريدين أعادته لصاحبه فعلاً؟"
"بالتأكيد."
"حسناً.. إننى صاحبه."
بقيت صامته للحظات قبل أن تقول بتردد:
"أنت صاحب الهاتف؟"
"بلى."
"وما الذى يثبت لى أنك صاحبه؟"
""حسناً.. أخبرينى كيف أثبت لكِ أنه هاتفى فعلاً؟"
"أخبرنى مثلاً أين نسيت هاتفك؟"
"لا أتذكر."
"أذن...؟"
"حينما نتقابل سأخبركِ بالأرقام المدونه على الهاتف وكذلك الرسائل."
"لكن.. أنا لا أستطيع أن أقابلك.. إننى لم يسبق لى أن قابلت شاباً لا أعرفه."
***********************
تتبع.......................
** لقاء عابر **
غادرتُ الكافيتريا بعدما أنتظرت طاهر لمدة ربع ساعه كامله ؛ يبدو أن طاهر هذا ليس لديه أى فكره عن إحترام المواعيد..
على أى حال سألقنه درساً لن ينساه فى المره القادمه.. هذا إذا قبلتُ أن أقابله مره ثانيه..
قاطع تأملاتى صوت رنين هاتفى وحينما أجبتُ أتانى صوت خالتى التى بادرتنى قائله: "أين أنتِ يا ساره؟"
"إننى عائده إلى المنزل."
"كلا.. لا تعودى إلى المنزل.. أذهبى إلى المستشفى."
"لماذا؟ ماذا هناك؟"
"لا شئ.. فقط أذهبى إلى هناك.. سأكون فى إنتظارك فى الخارج."
"كلا.. أنتظرى.. أخبرينى ماذا هناك؟"
"حينما تصلين ستعرفين."
"خالتى أرجوكِ.. ماذا حدث؟"
"وقع حادث لزينه."
"ماذا؟ ماذا أصابها؟"
"كُسرت زراعها لكن حمداً لله الأمر ليس خطيراً.. إنها بخير.. لا تقلقى."
"حسناً.. أنا قادمه."
أغلقتُ الخط وأخذتُ أحث قدمى على السير لكن ساقاى كانتا ترتعشان فتوقفتُ للحظات لأستجمع قوتى لكنى لم أستطيع تمالك نفسى وشعرت بالدموع تسيل على وجنتاى..
وبينما كنتُ فى ذلك مر بجانبى شاباً وتجاوزنى بقليل ثم أستدار وعاد وتوقف بجانبى قائلاً: "ماذا بكِ؟ لماذا تبكين؟"
رفعتُ بصرى إليه ، كان شاب فى أواخر العشرينات تقريباً وكان طويل القامه ، نحيل ، أسمر البشره ، بنى العينين ، شعره أسود ناعم وخفيف ، وجذاب..
"لماذا تبكين أيتها الصغيره؟"
خفضتُ بصرى ولم أجيبه ، فى الواقع كانت طريقته رقيقه للغايه ومهذبه لكنى لم يعجبنى أبداً وصفه لى بالصغيره.. إننى فى الثامنه عشر من عمرى ولستُ صغيره!
"هل أرسلتكِ والدتكِ لشراء شيئاً ما وأضعتِ النقود؟ لو كان الأمر كذلك بأمكانى مساعدتك"
تفاجأتُ وفغرت فمى فى دهشه
هل مظهرى يوحى بأننى فى العاشره من عمرى مثلاً!؟
صحيح أننى أبدو أقل من عمرى الحقيقى خاصه وأنا لا أضع مستحضرات تجميل وأيضاً وشعرى مرفوع على هيئه ذيل حصان لكن ليس لدرجة أن يظننى طفله صغيره تضيع النقود..
لكن.. هل تتوقعون ماذا قلتُ له؟
لا.. أقسم أنكم لن تتوقعوا ما قلته له أبداً
**********************************
كان الطريق مزدحم للغايه وأنا فى طريقى إلى الكافيتريا التى سأقابل فيها تلك الفتاه التى وجدت هاتفى ؛ لذا فقد وصلتُ متأخراً..
وضعت سيارتى بالمرآب القريب من الكافيتريا وبينما كنت متوجهاً إلى باب الكافيتريا وجدتُ فتاه صغيره تبدو فى الرابعة عشر من عمرها أو أقل من ذلك ، وكانت هذه الفتاه تبكى ، فظننتُ أنها ربما أرستلها والدتها لشراء شئ فأضاعت النقود وحينما عرضتُ عليها المساعده بدت لطيفه للغايه وقالت لى بمنتهى الرقه والعذوبه:
"ليس هذا من شأنك يا هذا."
تفاجأتُ من جملتها لكنها فى النهايه ليست سوى طفله صغيره.. لكن أنظروا ماذا قالت أيضاً: "أنصحك ألا تدُس أنفك فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك."
أى طفله تلك !؟ إن لسانها السليط يفوق ألسنة السيدات المُسنات..
قررتُ ألا أعيرها أهتمامى وقبل أن أبتعد عنها قلتُ لها:
"شكراً للنصيحه الغاليه.. لقد أردتُ المساعده وحسب."
تخيلوا ماذا قالت لى؟
لقد قالت:
"وأنا لا أقبل المساعده من أحد."
حقيقى أنا نادم لأننى أضعتُ وقتى وعرضتُ على تلك الفتاه المساعده بينما هى لا تستحق الأهتمام.
حينما وصلتُ إلى الكافيتريا كانت توجد فتاه تجلس وحدها وكانت هذه الفتاه فى حوالى الخامسه والعشرون من عمرها وكانت ترتدى ثوب ما يكشفه أكثر مما يستره وكانت تضع الكثير من مستحضرات التجميل على وجهها.. وكانت هذه الفتاه تتابعنى ببصرها..
خمنتُ أنها هى ساره فأقتربتُ منها وألقيتُ عليها التحيه فأجابتها باسمه..
أذن فهذه هى ساره.. لقد كنتُ أتوقعها أصغر من هذه الفتاه كثيراً..
"تفضل.. أجلس."
تفاجأتُ حينما دعتنى الفتاه للجلوس قبل أن تعرف إذا كنتُ أنا الذى تنتظره أو لا؟
سألتها فى شك: "هل أنتِ ساره؟"
أبتسمت الفتاه وقالت: "هل تعرفنى؟"
لم تعجبنى طريقتها فعدتُ أسألها فى شك: "أأنتِ ساره؟"
"أنا ساره وأميره وأسماء وسوسن لو أحببت."
قالتها وأنفجرت ضاحكه بصوت مرتفع..
أبتعدتُ عنها بضع خطوات ووجدتُ أن جميع من بالكافيتريا يتابعونى بنظراتهم ما عدا فتاه تجلس بمفردها وكانت فى العشرون من عمرها تقريباً وكانت ترتدى عباءه وحجاب..
لابد أن هذه هى ساره.. لقد قالت ساره أنها لم تقابل شاباً من قبل ويبدو على هذه الفتاه أنها لم تقابل شاباً من قبل فهى لا ترفع عيناها عن كأسها.
ذهبتُ إلى الفتاه الأخرى وألقيتُ عليها التحيه فأجابتها وهى تنظر إلىّ فى أرتياب فقلتُ لها بسرعه: "أنتِ ساره.. أليس كذلك؟"
أجابت الفتاه: "كلا."
نظرتُ حولى مره أخرى فوجدتُ فتاه دلفت لتوها إلى الكافيتريا وجلستُ فوق مقعد بالقرب من الباب وبينما كنتُ أقترب منها وجدتُ النادل يعترض طريقى قائلاً: "يا أستاذ.. لا يحق لك أن تتصرف هكذا هنا.. من فضلك أنصرف بهدوء."
**********************
وصلتُ إلى المستشفى ولا أدرى كيف وصلتُ إليها.. كل ما أتذكره هو أننى وجدتُ خالتى بأنتظارى فى الخارج وقادتنى إلى حجره بالطابق الأرضى وكانت زينه جالسه فوق مقعد وكاحلها محاط بالجبس أما والدتى فكانت جالسه إلى جانبها وعيناها متورمتان من شدة البكاء..
تنفستُ الصعداء حينما أبتسمت زينه لى ونادتنى وأخذت تشير إلى الجبس وتتحدث بلغتها الغير مفهومه..
يبدو أنها كانت تشرح لى ما حدث..
"ما أصاب شقيقتك بسببكِ أنتِ."
نظرتُ إلى أمى التى قالت العباره السابقه وقلتُ لها: "أمى.. دعينا نتحدث فى هذا الأمر لاحقاً.."
قاطعتنى قائله: "بل سأتحدث الأن وعليكِ أن تعرفى أنكِ إذا أردتِ مغادرة المنزل بعد ذلك ستكون شقيقتك برفقتك يا ساره إلا إذا كنتِ تريدين أن يصيبها مكروه."
"حسناً يا أمى..كما تريدين.. أخبرينى كيف كسرت كاحلها؟"
"سقطت من فوق المنضده."
"ومن الذى وضعها فوق المنضده؟"
"شقيقتك هى التى أستعانت بإحدى المقاعد القريبه من المنضده لتصعد فوقها.. لقد قلتُ لكِ مسبقاً أننى لا أقدر على مراقبة زينه طوال الوقت فهى كثيره الحركه."
تدخلت خالتى قائله: "لن يجدى هذا الحديث أبداً وحمداً لله أن زينه أصبحت بخير."
**********************
بعدما وصلتُ إلى المنزل أتصلتُ بهاتفى لأطلب من الفتاه تحديد موعد أخر لنتقابل به لكنها بدت مستاءه جداً وقبل أن أبدأ بالكلام بادرتنى قائله:
"لقد أنتظرتك لربع ساعه كامله.. ما كان يجب عليك أن تتركنى أنتظرك طوال هذا الوقت ، ثم أنه من الذوق أن تتصل بى لتخبرنى بأنك ستتأخر."
تفاجأتُ بجملتها لكنى أبتلعتُ دهشتى وأستيائى وحاولتُ أن أكون هادئاً وأنا أقول لها: "فى الواقع أنا أسف جداً ؛ لقد كان الطريق مزدحماً للغايه فتأخرت قليلاً."
"بل كثيراً.. لقد أنتظرتك لربع ساعه كامله."
"أنا أسف للمره الثانيه يا ساره."
"أعتذارك غير مقبول."
كان يمكن أن أستاء من جملتها وأتحدث إليها بطريقه فظه مثل طريقتها لكن على أى حال فإن تلك الفتاه يبدو عليها من صوتها أنها مُجرد طفله صغيره لا تفهم ماذا تقول؟
"أنت لا تعرف ما الذى حدث بسببك."
"وماذا حدث بسببى؟"
"ليس هذا من شأنك.. هل تعرف.. سأنتظرك غداً فى الساعه السابعه بنفس الكافيتريا وإذا تأخرت لثانيه واحده سأعتبر هذا الهاتف هديه منك لى."
"لكن.. دعينا نتقابل فى كافيتريا أخرى هذه المره."
"لماذا؟"
"لا لشئ.. فقط.. لأننى لا أحب هذه الكافيتريا."
"تحبها أو لا.. هذا لا يعنينى بتاتاً.. سأنتظرك بالكافيتريا ذاتها وعليك أن تتذكر أنكِ لو تأخرت لثانيه واحده سيكون هاتفك لى."
***********************
اليوم جاءت لزياتى أبنة خالتى إيمان
دعونى أعرفكم بها أولاً..
إن إيمان هى أبنة خالتى وصديقتى المقربه ، هذا غير أنها زميلتى فى كلية التجاره وهى أفضل صديقه وأبنة خاله لى على الأطلاق..
"لماذا تغيبتِ هذا الأسبوع عن الكليه؟"
سألتنى إيمان فهززتُ كتفاى قائله: "كنتُ أبحث عن عمل لى."
"وما نتيجه هذا البحث؟"
"لا شئ."
"كيف لا شئ؟"
"لم يقبلونى."
"ولم تعملين أصلاً؟"
"لأننى أحتاج إلى المال بالطبع."
"ساره يا عزيزتى.. إنتِ بأمكانك أن تصبحى أميره فقط أشيرى إلى حاتم ليجئ إليكِ راكعاً على ركبتيه وينتشلكِ من منزلك ليجعلكِ تعيشين فى قصر."
حاتم هو أبن خالنا وهو يحبنى منذ أن كنا أطفال لكنى بالتأكيد لا أبادله مشاعره ولا أظن أننى سأبادله مشاعره يوماً ما ؛ فإنه ليس فتى أحلامى..
نظرتُ إلى إيمان وقلتُ:
"إذا كان حاتم يعجبكِ فمنى لكِ"
مطت إيمان شفتيها قائله: "للأسف إنه يريدك أنتِ."
هززتُ كتفاى بلا أكتراث وقلتُ: "وأنا لا أريده."
"لماذا؟"
"لأنه ليس فتى أحلامى."
"وما هى مواصفات فتى أحلامك؟"
"لستُ أدرى ما هى مواصفاته لكنى سأعرفه حينما أقابله."
"ومتى ستقابلينه؟"
"سأقابله غداً يا ظريفه."
"رُبما أكون ظريفه لكنى لستُ ساذجه مثلك وأتخيل أشياء رُبما لا تحدث سوى بعدما تسقط أسنانك ويشيب شعرك وتصحبين أول عروس عجوز من نوعها."
"لن تتمكنى من أحباطى.. إننى واثقه مما أقوله لكِ."
"ساره يا حبيبتى.. لابد أن تأخذى برأى من يكبركِ مثلى وإن كان بعام واحد.. أنتِ تضيعين الفرصه من يدك وستندمين يوماً ما."
"لن أندم أبداً أيتها العجوز."
"بل ستندمين لكنى نصحتكِ على أى حال.. اللهم أنى بلغتُ اللهم فأشهد."
"من يسمعكِ وأنتِ تتحدثين الأن سينخدع بكِ بالتأكيد وربما يظنكِ عاقله وأنتِ فى الحقيقه مجنونه."
"أقسم أنه ما من مجنون سواكِ يا ساره."
"رُبما.. لكنى أعرف جيداً ماذا أريد بينما غيرى لا يعرف ماذا يريد؟"
"لا تتحدثين عن هذا الأمر ثانيه."
"أنا حُره.. أتحدث فيما أريد وقتما أريد."
"سأغطى أذناى كى لا أسمعك."
قالتها إيمان وغطت أذنيها بالفعل فصرختُ بأعلى صوتى قائله:
"يالك من مسكين يا أحمد! فقد حكمت عليك الظروف أن ترتبط بفتاه مُختله عقلياً."
"مُختله عقلياً ؛ لأننى لا أحب التسرُع!؟"
"وما التسرًع فى الزواج طالما أنتِ مُغرمه بجاركِ منذ أن كنتما فى الروضه؟"
"لابد من التفكير الجاد فى هذه الأمور يا ساره ثم أننى لم أنهى دراستى بعد."
"ما شاء الله.. أنظروا إلى الفتاه التى تضحى بحبها من أجل رسالتها العلميه فهى ستصبح عالمة الذره ذات يوم وتنقذ العالم بأكمله!!"
"أرأيتِ كيف سأصبح ذات شأن يوماً ما؟ وتريدينى أن أضيع الفرصه وأتزوج؟"
"ظريفه جداً !"
"لستُ أشد ظرفاً منكِ."
"كفى تهريجاً وأسمعينى يا إيمان.. كل ما تقولينه هراء ولا ينتمى البته للحقيقه ؛ فأنت تختلقين الاعذار كى تؤجلى زواجك من أحمد إلى أجل غير مسمى."
"كلا.. لا.. إننى فقط أريد التفكير فى أمر الزواج بهدوء قبل أن أقدم عليه."
"إذا فكرتى فى الزواج بهدوء فلن تتزوجى أبداً لأن أحتمال فشله يعادل أحتمال نجاحه.. إن هذه الخطوه لابد أن تأتى بدون تفكير وإلا فلن تأتى أبداً."
**************************
عدل سابقا من قبل ^حلا^ في الجمعة 15 أبريل 2011, 5:38 pm عدل 1 مرات