هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شراع الصداقة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
بكل عباراتـ التهانيـ... بكل الحب
والامانيـ...بكل احساس ووجدانيـ...كل عام وانتمـ بخيرالثلج هدية الشتاء ... والشمس هدية الصيف .... والزهور هدية الربيع .. وأنت يا منتدانا هدية العمر
أستيقظتُ من نومى على بكاء ملك المتواصل.. تثاءيتُ بكسل ونظرتُ إلى ملك التى كانت نائمه معى بنفس الحجره على سرير زينه الصغير بينما زينه تنام بجوارى بنفس السرير..
أستيقظت زينه من نومها بدورها وغادرت السرير لتركض نحو ملك بسعاده..
زينه سعيده جداً بوجود ملك.. سعيدة لدرجة أننى كلما أبتعدتُ عن ملك للحظات أعود لأجد زينه قد أعدت لى مفاجأه..
ففى إحدى المرات عدتُ لأجدها وقد وضعت فى فم الصغيره قطعه بسكويت..
وفى مره أخرى وجدتها تحمل فستانها وتحاول أن تُلبسه لملك..
وفى مره أخرى وجدتها تحمل كره مطاطيه وتقذفها لها أو بالأدق فى وجهها.. هذا غير تلك المره التى وجدتها تحمل ملك فيها..
بأختصار إذا بقيت ملك عندى لفتره طويله رُبما أستيقظ من نومى ذات يومى لأجدنى وقد فقدتُ عقلى تماماً !!
حملتُ ملك بسرعه قبل أن تمسها زينه بسوء وذهبتُ لأعد لها الحليب الخاص بها..
أنتهيتُ من أعداد الحليب ووضعته فى فم الصغيره التى هدأت تماماً بينما كانت زينه تجلس بجوارى تتأمل الصغيره..
فكرت فى الأتصال بطاهر الذى أفتقدته كثيراً..
بلى.. بدون تكلف أنا أشعر بالأشتياق لطاهر.. أتمنى أن أراه أو حتى أسمع صوته..
أمسكتُ بهاتفى وطلبتُ رقمه دون التفكير فى عذر مناسب لأتصالى به..
أجاب طاهر قائلاً: "السلام عليكم."
قلتُ: "وعليكم السلام.. كيف حالك يا طاهر؟"
قال: "حمداً لله.. كيف حالك وكيف حال ملك؟"
قلتُ: "بخير و....."
قاطعنى طاهر قائلاً: "أسف يا ساره ؛ لأننى لن أستطيع أن أطيل معكِ فى الحديث.. لقد توفت زوجة هانى ونحن الأن فى المقابر.. سأتصل بكِ لاحقاً."
رغم أننى لم أقابل أم ملك هذه من قبل إلا أننى شعرتُ بقلبى يتمزق من أجلها وينفطر لنصفين من أجل الطفله الصغيره التى قدر لها أن تذوق مرارة اليتم فى هذا العُمر..
نظرتُ إلى ملك التى راحت فى سبات عميق ومررتُ بيدى على شعرها الأشقر برفق..
كم أشعر بالأسى من أجلكِ أيتها الصغيره!
******************
وقفنا أمام ضريح زوجة هانى نستمع إلى الشيخ وهو يدعوا لها بالمغفره وبالتثبيت عند السؤال..
كان هانى يقف بجانبى ويحدق فيما حوله فى ذهول ، ودون أن تدمع عيناه أو ينطق بكلمه واحده ..
حتى أقاربه وأقارب زوجته كلما جاء أحدهم ليعزيه ويواسيه لا يجدوا منه رداً !
أنصرف الناس من حولنا ولم يتبقى سواى أنا وهانى ، أقتريتُ منه وقلتُ له: "البقاء لله يا هانى.. كلنا للموت."
لم يجيبنى ولم ينظر إلىّ بل ولم يبد عليه أنه قد سمع جُملتى ، عدتُ أقول له: "دعنا نغادر الأن.. لا يوجد داعى لوجودنا."
للمره الثانيه لم يجيبنى فوقفتُ فى مقابله وقلتُ له: "رجاءً لا تفعل هذا بنفسك يا هانى.."
تحركت عيناه فى أتجاهى ونظر إلىّ طويلاً وعيناه مغرورقتان بالدموع قبل أن يعانقنى بقوه ، وهنا فقط وصلنى صوت هانى وهو يقول بصوت مرتعش:
"كيف لى أن أتحمل صدمه كهذه يا طاهر؟ لقد كانت زوجتى معى حتى أول أمس.. تهتم بى وبأبنتى وتملىء حياتنا بهجه وسروراً.. كيف لى أن أهتم بأبنتى بدونها ؟ بل كيف لى أن أحيا بدونها ؟ لم أتصور أبداً أن أفقدها فى ليله وضحاها يا طاهر.. لم أتصور هذا أبداً."
أبتعد هانى عنى وأشار إلى ضريح زوجته قائلاً: "أنظر إلى هذا الضريح.. هنا ترقد زوجتى.. تحت الرمال.. تسمعنى وأنا عاجز عن سماعها.. تشعر بى وأنا لا أستطيع أن أشعر بها."
نظر إلى الضريح وقال مخاطباً زوجته:
"حلا.. حبيبتى.. كيف تتركينى وحدى وأنتِ تعرفين أننى لن أستطيع الأستغناء عنكِ؟ كيف تتركينى وأنا أتنفس فى قربكِ؟ حلا.. عودى إلىّ ؛ فإننى أحتاج إليك بشده.. وملك.. أبنتنا.. الله وحده يعلم ماذا سيكون مصيرها بعدكِ؟"
أقترب هانى من الضريح مترنحاً ثم تخاذلت قدماه فى منتصف الطريق ولم تعودا قادرتين على حمله فسقط جاثياً على ركبتيه وتابع فى أنهيار:
"لقد أنتهينا بموتكِ يا حلا.. أنتهى كل شئ جميل فى حياتى.. لم يعد هناك مجال لأى شئ بدونكِ.. ولن تعرف السعاده طريقها إلينا ما حيينا.. سنحيا فى أنتظار الموت يا حلا.. سأحيا على أمل أن توراينى نفس الرمال التى وارتكِ يا حبيبتى."
شعرتُ بقلبى يتمزق من أجل هانى الذى بدأ يبكى فى صمت..
تركته يفرغ ما بصدره من قهر وحزن وظللتُ واقفاً بقربه أبكى لبكاءه وقد أعتصرنى الألم عليه..
لا أتذكر كم من الوقت ظللنا على هذه الحاله.. كل ما أتذكره هو أن هانى ألتفت إلىّ وعيناه مُحمرتان من شدة البكاء قبل أن يسألنى فى خفوت:
"أين ملك؟"
تفاجأتُ من سؤاله وقلتُ له: "إنها عند ساره كما تعلم."
تمتم فى صعوبه: "أريد أن أراها."
قلتُ: "حسناً.. لكن دعنا أولاً نــ....."
قاطعنى هانى قائلاً فى أصرار: " أريد أن أرى أبنتى يا طاهر.."
قلتُ: "دعنا نعود إلى المنزل أولاً.. لابد أن والدتك قلقه عليك."
تنهد من أعماق صدره قائلاً: "حسناً.. لنغادر الأن."
ساعدتُ هانى على الوقوف وأخذتُ أزيل عن ملابسه ما علق بها من الرمال فى حين كان هانى ينظر إلى قبر زوجته وكأنه يريد أن يملأ بصره أكثر وأكثر بصورة قبرها قبل أن نغادر المقابر سوياً.
أشعر بالفراغ من حولى.. كأن الناس جميعاً قد لقوا حتفهم فجأه ولم يتبقى سواى فى هذه الدنيا..
أشعر بالوحده كما لم أشعر بها من قبل.. ويزداد شعورى بالوحده كلما أزداد عدد الناس من حولى..
لوغاب الناس من حولى.. لو أختفوا أو تلاشوا فى الهواء وظلت زوجتى بجانبى ما كنتُ لأشعر بالوحده أبداً..
لكن زوجتى هى التى رحلت عنى وتركت الناس من حولى يعزونى عليها..
وأى كلمات تلك التى تعزينى فى زوجتى؟
وأى شئ يمكن أن يغنينى عنها؟
لقد أنتهى أمرى بموتها وإن كنتُ سأحيا فى هذه الدنيا فسأحيا فى أنتظار أن توارينى نفس الرمال التى وراتها..
سأحيا فى أنتظار الموت..
يارب لا تطيل عمرى فى هذه الدنيا.. يااااااااااارب عجل بموتى..
اللهم لا أعتراض على أرادتك.. الحمد لله على كل شئ..
********************
وصلنا إلى منزل والدة هانى والتى كانت متشحه بالسواد من قمة رأسها وحتى أخمص قدميها ، وكانت عيناه متورمتان من شدة البكاء..
هانى والذى لم يكد يرى والدته حتى عانقها وأطلق العنان لدموعه الحبيسه..
غادرتُ المنزل دون أن ينتبه هانى أو والدته إلى مغادرتى أو حتى إلى وجودى..
عدتُ إلى المنزل متعباً ، لا أرغب فى شئ بقدر رغبتى فى أحتضان السرير..
لقد أمضيتُ ليله طويله بالأمس فى المستشفى مع هانى لم أذق للنوم طعماً خلالها..
توجهتُ مباشرة إلى حجرتى وأبدلت ملابسى ثم ذهبتُ إلى الفراش وأغلقتُ عينى وكدتُ أروح فى سُباتٍ عميق لولا أن سمعتُ صوت باب حجرتى وهو يُفتح قبل أن تطل أمى منه قائله:
"هل أتيت أخيراً يا طاهر؟"
قلتُ: "بلى يا أمى."
أقتربت أمى منى وجلست على طرف الفراش قائله: "أخبرنى كيف حال هانى؟"
قلتُ: "بخير يا أمى."
قالت: "مسكين هانى!! كيف سيعتنى بأبنته بعد وفاة زوجته؟"
قلتُ بأرهاق وأقتضاب: "لستُ أدرى."
قالت أمى: "لابد أن يأتى بمربيه إلى منزله لتعتنى بأبنته."
تثاءبتُ وقلتُ: "سأقترح عليه هذا الأمر يا أمى."
قالت: "أو لتعتنى والدته بأبنته."
قلتُ: "أمى.. لنتحدث عن هذا الأمر لاحقاً."
قالت: "بلى.. هناك موضوع الأجدر بنا مناقشته الأن."
قلتُ: "أى موضوع؟"
قالت بتردد: "نهله."
مجرد ذكر أسمها أمامى يجعلنى أفقد صوابى.. فما بالكم بى الأن ؟َ!
قلتُ: "أمى.. أرجوكِ.. لا أريد التحدث عن أى شئ يخُص نهله أو على الأقل ليس الأن."
قالت أمى بأصرار: "بل الأن يا طاهر."
قلتُ: "أمى.. أرجوكِ.."
قالت أمى متجاهله أعتراضى:
"كيف ترفض أن تجعلها تعمل لديك فى المكتب؟ إنها أبنة خالك وأنت تعرف أن خالك تقاعس عن العمل موخراً ولا يوجد لديهم دخل سوى المعاش الذى لايكفى.. من واجبك أن تطلب منها أنت ذلك.. لا أن ترفض."
الحلقه الرابعة عشر بعنوان.."أفتقد أبتسامتها الرقيقه."
اليوم أتت إيمان لزيارتى..
مهما قلتُ لن أستطيع أن أصف لكم دهشتها حينما رأت ملك على ذراعى..
لكنها أفاقت من دهشتها بسرعه وأبتسمت قائله: "ما شاء الله!! فى شهر واحد تزوجتِ وأنجبتِ.. لقد حطمتِ الرقم القياسى يا ساره."
قلتُ لها: "تفضلى أولاً.. ثم أسخرى منى كما تشائين بعد ذلك."
دلفت إيمان إلى الشقه قائله: "أبنة من هذه الطفله الجميله؟"
قلتُ مازحه: "لقد أعطانى طاهر أياها مكافأةً على أخلاصى فى العمل."
ضحكت إيمان وقالت: "فعلاً؟ وهل تم تبديل العمله الورقيه إلى أطفال صغيره؟"
قلتُ: "بلى.. لا تقولين أنكِ لا تعرفين هذا؟"
قالت إيمان: "كفاكِ ظرفاً يا ساره أرجوكِ.. أخبرينى أبنة من هذه؟"
قلتُ: "إنها أبنة صديق طاهر.. لقد توفت والدتها اليوم."
قالت إيمان بتأثر: "لا حول ولا قوة إلا بالله.. كم أنتِ مسكينه أيتها الصغيره!"
ألتفتت إلىّ وتابعت: "لقد كنت أتيه لأقول لكِ خبراً ساراً لكن يبدو أن الوقت غير مناسب."
قلتُ: "بلى مناسب.. أخبرينى ماذا هناك؟"
قالت: "سأتزوج بعد أسبوعان."
قلتُ: "حقاً!! أخيراً يا إيمان سأتخلص منكِ و.........."
قاطعنى رنين الهاتف المتواصل فوضعتُ ملك على المقعد وذهبتُ إلى حجرتى لأجيب على الهاتف.
*****************
أستيقظتُ فى حوالى الساعه السابعه مساءً وأرتديتُ ملابسى وغادرتُ المنزل وذهبتُ إلى مكتبى لأنجز بعض الأعمال المتأخره..
دلفتُ إلى المكتب لأجده غارقاً فى الظلام.. ضغطتُ زر الأضاءه قبل أن أدلف إلى مكتبى..
مرت ساعه كامله وأنا مستغرق فى الحسابات والمعادلات حتى وقع فى يدى ملف كان لابد أن أجعل ساره تقوم بكتابته على الحاسب لأنه سيتم تقديمه غداً إلى الضرائب..
حملتُ الملف وذهبتُ به إلى مكتب ساره.. جلستُ خلف مكتبها وقمتُ بتشغيل الحاسب الألى قبل أن أفتح أدراج المكتب بحثاً عن الورق.. وبدلاً من أجد الورق وجدتُ طلاء الشفاه الخاص بساره وأيضاً زجاجه عطرها..
دون أن أشعر وجدتُ نفسى أفتح زجاجه العطر وأتشممها.. وكم كانت رائحتها جميله! وكم ذكرتنى بساره!
أتعرفون أننى أشعر بالأشتياق لساره؟!
بلى.. أفتقدها كثيراً وأفتقد إبتسامتها الرقيقه.. ونظراتها البريئه.. وصوتها العذب.. وإلى فنجان القهوه من يديها..
لكن لا تسيئون الظن.. إنها كأبنتى كما تعلمون..
لقد كدتُ أنسى أننى أخبرتُ ساره بأننى سوف أخابرها لاحقاً..
أمسكتُ بهاتفى وطلبتُ رقم ساره..
"السلام عليكم يا طاهر."
أجبتُ التحيه قائلاً: "وعليكم السلام.. كيف حالك يا ساره؟"
قالت ساره: "بخير.. أخبرنى كيف حال هانى؟"
( أليس من الذوق أن تسألين عنى أولاً؟ )
قلتُ: "إنه بخير."
قالت: "حمداً لله.. لقد كنتُ قلقه بشأنه."
( وبأى صفه تقلقين عليه؟! )
قلتُ: "لاتقلقى.. إنه بخير.. بأذن الله سيتجاوز هذه الأزمه بسرعه."
قالت: "أتمنى ذلك."
قلتُ: "ماذا كنتِ تريدين حينما أتصلتِ بى؟"
تلعثمت قائله: "أأأ.. أأأ.. كنتُ.. كنتُ.. أه.. كنتُ أريد أن أسأل عن والدة ملك.. هل أصبحت بخير؟"
أفلتت منى ضحكه جعلت ساره تضحك بدورها قبل أن تقول: "أسفه.. نسيتُ أنها.... رحمها الله."
قلتُ: "أخبرينى كيف حال ملك؟"
قالت: "بخير.. إنها طفله رائعه جداً وهادئه جداً جداً حتى أننى لم أتمكن من النوم طوال الليل بسبب هدوءها."
ضحكتُ وقلتُ: "أسف يا ساره إذا كنتُ قد عذبتكِ معى."
قالت ساره بسرعه وأستنكار: "أى عذاب هذا الذى تتحدث عنه؟ إننى أتمنى أن تظل ملك معى دائماً." *************************** تتبع
عاد هانى إلى السياره حيث كنتُ أنتظره وجلس بجانبى دون أن ينبس ببنتُ شفه.. ودون حتى أن ينظر إلىّ..
ربتتُ على كتفه قائلاً: "إلى أين نذهب؟"
لم يبد عليه أنه قد سمع سؤالى فظل يحدق فى اللا شئ وعيناه لا ترمشان وقد أزدادت قبضته قوه على الحقيبه قبل أن يرفعها ليضمها إليه بلهفه وقوه..
كررتُ: "إلى أين نذهب يا هانى؟"
ألتفت هانى إلىّ وقال: "إلى منزلى؟"
سألته: "تقصد منزل والدتك؟"
قال: "بل منزلى يا طاهر."
قلتُ: "لكن.... ماذا ستفعل فى منزلك؟"
نظر إلىّ هانى مستاءً قبل أن يقول فى حده: "هذا شأنى يا طاهر.. وإذا كنت لا تريد أن تقلنى بسيارتك فسأستقل سياره أجره."
قالها وهم بمغادرة السياره لكنى أستوقفته قائلاً: "أنتظر.. سأقلك إلى حيث تشاء."
ران الصمتُ علينا طوال الطريق حتى وصلنا إلى منزل هانى وهناك أوقفتُ السياره على جانب الطريق وقلتُ لهانى: "ها قد وصلنا."
فتح هانى باب السياره قائلاً: "شكراً لك يا طاهر."
قلتُ: "ألا تريد أن أصعد معك إلى شقتك؟"
أطال النظر إلىّ قبل أن يهز رأسه نافياً ، سألته: "هل أنت متأكد من أنك ستكون بخيرهنا؟"
قال: "بلى."
سألته: "ألا تريد منى أى شئ؟"
قال: "كلا.."
وغادر السياره دون أن يودعنى ودون أن ينبس ببنتُ شفه..
*********************************
فتحتُ باب الشقه وظللتُ واقفاً للحظات دون أن أجروء على أن أتقدم خطوه واحده..
كانت الشقه غارقه فى الظلام وكانت ساكنه سكون الموتى..
حسمتُ أمرى ودلفتُ إلى الشقه ثم ضغطتُ زر الأضاءه..
أضيئت الأنوار فرأيت طبقه من الغبار تغلف الأثاث..
أغلقتُ الباب خلفى وسمعتُ صوتاً أعتدتُ على سماعه فى الثلاث شهور الماضيه.. ألا وهو صوت بكاء ملك..
أنتعش الأمل فى قلبى.. أخذتُ أتتبع الصوت.. لابد أن حلا وملك فى حجرة المعيشه.. دلفتُ إلى الحجره لأجدها خاليه..
ذهبتُ إلى حجرة ملك لأجدها خاليه بدورها..
لم يتبقى سوى حجرتى أنا وحلا.. دلفتُ إلى الحجره لأجد حلا أمامى وقد أرتدت الفستان الذى أشتريته لها..
"حلا.. حبيبتى.. كنتُ أعرف أنكِ لم تموتين.. كنت أعرف ذلك."
قلتُ هذه العباره وأنا أقترب منها.. وكلما أقتربتُ منها كلما أبتعدت عنى وكلما بهت لونها حتى تلاشت تماماً..
حلاااااااااااااااااا.. أين ذهبتِ؟
حلااااااااااااااااا.. عودى إلىّ ..
حلااااااااااااااااااااا.. فراقك يقتلنى..
تهاويتُ على الفراش ووضعتُ الحقيبه التى تحوى متعلقات زوجتى على السرير وما كدتُ أفعل حتى لمحتُ بطرف عينى الفستان حيث تركته على السرير وبجانبه البطاقه التى تركتها لزوجتى..
"إلى أجمل وأرق زوجه"
عدتُ أنظر إلى الفستان من جديد.. كم كان سيبدو جميلاً عليها!! وكم كانت ستفرح به!!
عدتُ بنظراتى إلى الحقيبه التى لم أفتحها حتى الأن..
أمسكتُ الحقيبه وأفرغتُ محتوياتها على السرير.. وكان اول شئ وقع بصرى عليه هو العباءه التى كانت ترتديها فى ذلك اليوم ووشاحها التى كانت تضعه على رأسها..
أحتضنتُ عباءتها ووشاحها وأغلقتُ عينى ..
وكم شعرتُ حينئذ بقربها منى!!
وأقسم أننى شعرتُ أنفاسها تلهب وجهى..
وضعتُ العباءه والوشاح جانباً وأمسكتُ بحقيبة يدها ثم أفرغتُ محتوياتها على الفراش..
كانت حلا تضح بها قارورة ماء صغيره نصفها فارغ والنصف الأخر ممتلئ ، كما كانت تضع بالحقيبه نقودها دون ترتيب كعادتها ، وأيضاً كانت تضع علبه قطيفه صغيره..
أمسكتُ بالقاروره وقربتها من فمى لأفرغ ما بها فى جوفى عل المياه تطفئ النار المشتعله فى أعماقى..
ولم تتم جملتها ، كانت تبدو متردده ، سألتها: "ما الأمر؟"
أجابت: "لاشئ.. فقط.. كنتُ أريد... لا شئ.. متى سنتقابل اليوم؟"
أختلستُ النظر إلى نهله حين سمعتها تتأفف فتجاهلتها تماماً وقلتُ لساره: "وقتما تريدين."
قالت: "فى الساعه الثامنه مساءً."
قلتُ: "حسناً.. سأمر عليكِ فى تمام الساعه الثامنه."
هنا سمعتُ صوت الملفات وهى تصطدم بمكتبى فى عنف قبل أن تقول نهله بحده:
"الملفات أمامك.. راجعها وقتما تشاء.. لا أظن أننى مضطره لأن أنتظرك كل هذا الوقت."
قالت نهله جُملتها قبل أن تولينى نهله ظهرها وتنصرف.. وفى هذه اللحظه سمعتُ صوت الهاتف وهو يغلق فى وجهى..
تفاجأتُ كثيرا حين أنهت ساره الأتصال هكذا وبدون مقدمات لكننى لم أكترث لها كثيراً ؛ فلا أظن أنها كانت متعمده ذلك .. هذا غير أننى منشغلاً بنهله التى أصبحت لا تطاق منذ أن جاءت لتعمل معى ، أى منذ أسبوع واحد..
فهى لا تكاد تسمع أسم ساره حتى يجن جنونها وتستاء كثيراً.. لقد ضقتُ ذرعاً من تصرفات هذه الفتاه..
يبدو أننى أخطأتُ كثيراً حين وافقت على أقتراح أمى ولابد أن أتصرف معها بأقصى سرعه ؛ فإن ساره ستعود إلى المكتب غداً ، وبعودتها ستتحول حياتى إلى جحيم بسبب غيرة نهله..
بالتأكيد أصبحتم تعرفونى جيداً من خلال الحلقات السابقه..
أو ربما تعرفون عنى الجوانب السيئه فقط..
بلى.. لا أظن أن طاهر ذكر لكم عنى سوى الجوانب السيئه بى.. وفى الحقيقه أننى لا ألقى اللوم عليه أبداً..
لقد كان الخطأ خطأى منذ البدايه.. أنا التى أستحق منه هذه المعامله بسبب فعلتى..
أعتقد أنكم تعرفون جيداً ما أقصده بحديثى ؛ فلابد أن طاهر قد أخبركم عما فعلته به فى الماضى..
وأنا لن أدافع عن نفسى ؛ لأننى وبكل بساطه أخطأتُ فى حقه.. وأنفصلتُ عنه من أجل شخص لا أشعر نحوه بأى مشاعر وإن كانت ضئيله..
رُبما كنتم تتسألون عن السبب الذى جعلنى أنفصل عن طاهر وأرتبط بشخصٍ أخر.. وفى الحقيقه أنا نفسى عاجزه عن إيجاد السبب..
لقد تركت طاهر لأننى كنتُ مراهقه تجهل معنى الحب الأول..
تركته لأننى كنتُ أجهل قيمته.. ولأننى لم أكن أدرى كم أنا مغرمه به!
وليتنى كنتُ أعرف حينها أن أى شخص لن يغنينى عن طاهر.. ليتنى كنتُ أعرف.. وليتنى ما تركته..
لو لم أكن قد أنفصلتُ عنه فى الماضى ما كان ليعاملنى هذه المعامله قط.. ما كان ليذكر أسم ساره أمامى وأنا التى أعرف بحبه لها و.........
قاطع تأملاتى صوت طرقات على باب حجرتى.. لابد أنه طاهر..
نظرتُ إلى مرأتى ومسحتُ دموعى بيدى ثم قلتُ: "تفضل."
فتح طاهر الباب وأتجه إلىّ بخطوات واسعه.. كان طاهر يبدو مستاءً جداً ولا ألومه على ذلك ؛ فما فعلته منذ قليل كان تصرفاً غريباً منى ..
لكن.. كيف أستطيع أن أتمالك ننفسى وأنا أسمعه يتحدث إلى الفتاه التى يحبها بل ويخبرها بالموعد الذى سيلتقان به؟!
هل يعتقدنى جماداً لا يشعر لأتحمل كل هذه الأهانات؟!
أختلستُ النظر إلى طاهر الذى جلس فى مقابلى وأخذ يتأملى بعينان تقدحان شرراً..
أطرقتُ برأسى وخفضتُ بصرى وأنا أسأله: "ماذا هناك؟"
أتانى صوته وهو يقول: "أنا الذى يجب أن يسأل هذا السؤال يا نهله."
قلتُ وأنا مازلتُ مطأطأة الرأس: "لا أفهم."
قال طاهر بحده: "بل تفهمين ولا تتصنعين الغباء يا نهله."
أستأتُ كثيراً من جُملته فرفعتُ بصرى إليه وقلتُ بحده ممائله: "لا تتحدث معى بهذه الطريقه وإلا.........."
ولم أتم جُملتى.. ماذا سأقول له؟ وإلا ماذا؟ وإلا سأترك العمل؟ أليس هذا ما يريده؟
"وإلا ماذا يا نهله؟"
سألنى طاهر فقلتُ: "لاشئ.. لم أقصد شئ."
قلتُ جُملتى وعدتُ لأطرق برأسى أرضاً فى حين سمعتُ طاهر يقول بحده:
"بل تقصدين يا نهله.. هل تريدين أن أتم لكِ جُملتكِ؟ أليست الجُمله المقصوده هى.. (وإلا سأخبر أمك).. أليس هذا ما كنتِ ستقولينه؟ أليست هذه هى الوسيله التى تستخدمينها للضغط علىّ؟ أليس كذلك يا نهله؟"
صوعقتُ لدى سماعى جُملته ورفعتُ بصرى لأحدق به فى دهشه قبل أن أقول نافيه:
"كلا.. لا.. لا.. أقسم أننى ما كنتُ أقصد هذا أبدا يا طاهر.. كيف تظننى أفعل ذلك و.....؟"
قاطعنى طاهر حين نهض من مكانه فجأه وأنحنى ليقبض على رسغى ويوقفنى لأواجهه قائلاً بصوت جهورى:
"حذارِ يا نهله.. حذارِ أن تخبرين أمى عن أى شئ.. أى شئ يا نهله.. وإذا حدث وعرفتُ أنكِ أخبرتِ أمى بأى شئ عنى وإن كان تافهاً فسوف أتصرف معكِ بطريقه أخرى.. هل تسمعين؟"
حرر طاهر رسغى من قبضته بحركه عنيفه جعلتنى أصطدم بالمقعد فى عنف قبل أن يغادر الحجره ويصفع بابها خلفه فى قوه !!
*******************
صفعتُ باب حجرة نهله خلفى فى قوه حتى كاد الباب ينهار من قوة الصفحه..
وقفتُ متردداً ، لا أريد العوده إلى مكتبى أو بالأدق لا أريد التواجد بأى مكان يجمعنى بنهله..
حسمتُ أمرى وقررتُ مغادرة المكتب.. غادرتُ المكتب ووقفتُ فى أنتظار المصعد.. تأخر المصعد قليلاً فاصابنى الملل وقررتُ ألا أنتظره أكثر من هذا..
أتجهتُ نحو السلم وهناك عادت بى الذاكره إلى ذلك اليوم ، حين أمسكتُ بيد ساره لأقودها إلى السلم..
نفضتُ الذكرى عن رأسى ؛ فلم يكن يحتل عقلى فى هذا الوقت سوى شئ واحد.. شئ واحد فقط.. ألا وهو نهله..
أكاد لا أصدق ما فعلته بها منذ لحظات..
أستقليتُ سيارتى وانطلقتُ بها بأقصى سرعه.. نظرتُ إلى ساعة يدى فوجدتها الثاله ظهراً.. مازال الوقت باكراً على العوده إلى المنزل.. وعلى أى حال أنا لن أستطيع العود إلى منزلى الأن ؛ لأن أمى ستتسأل عن سب عودتى المبكره ، وإذا أخبرتها عما فعلته ستستاء منى كثيراً..
أننى لم يسبق لى أن كنتُ فظاً مع نهله هكذا من قبل رغم كل شئ فعلته بى.. كنتُ دائماً أتروى فى أحلك المواقف.. ولم أفقد صوابى أبداً كما فقدته اليوم..
رغم كل الأستياء الذى أشعر به نحو نهله ، ورغم أننى بالفعل لم أعد أطيق رؤيتها ، إلا أننى أشعر بوخز الضمير يكاد يقتلنى على ما فعلته بها..
كم كنتُ قاسياً معها!
حسمتُ أمرى وقررتُ أن أرضى ضميرى وأعود إلى نهله..
*******************
خلال النصف ساعه الماضيه كنتُ أفكر فيما قاله طاهر وفيما فعله..
أكاد لا أصدق ما حدث منذ قليل..
أنظر إلى رسغى فأجده محمراً.. ألمسه بيدى فأجده يؤلمنى..
أذن فكل هذا لم يكن من وحى خيالى.. لقد كان طاهر هنا بالفعل..كان هنا ولم يكن هنا..
بالتأكيد لم يكن هذا هو طاهر الذى أعرفه.. لقد كان شخصاً أخر..
لقد رحل طاهر الذى أعشقه بجنون وحل محله شخصاً مُرعباً..
أعتقد أنه لم يعد هناك مجال لوجودى طالما أن الرجل الذى أحبه قد رحل عنى..
حسناً يا طاهر.. سأترك لك العمل وسأبتعد عنك للأبد.. وليتنى أقوى على فراقك.. ليتنى أتمكن من نسيانك.. بل ليتنى ما أحببتك.. ليتنى ما عشقتك حتى الجنون..
حملتُ حقيبتى وغادرتُ حجرتى..
وقفتُ متردده فى الصاله للحظات.. كنتُ أريد أن أنصرف دون أن أخبر طاهر لكنى لم أستسغ الفكره ؛ فقد كنتُ أريد التحدث إليه قبل أن أغادر..
أقتربتُ من حجرته وطرقتُ بابها.. أنتظرتُ أن يسمح لى بالدخول وطال انتظارى ولكن دون جدوى..
ناديته ، فلم أجد منه رداً..
قررتُ أن أتحدث إليه وإن كان هذا الباب يفصلنى عنه..
قلتُ: "لقد كنتُ أريد أن أخبرك بأننى سأترك العمل طالما أن وجودى يزعجك إلى هذا الحد."
صمتتُ قليلاً.. وأنتظرتُ أن أرى وقع كلماتى عليه لكنه لم يظهر ولم يفتح بابه..
ألمنى تجاهله لى كثيراً ، ولم أشعر إلا بدموع حارقه تسيل على خدى..
فقدتُ أخر أمل لى فى أن يظهر طاهر أو ييصفح عنى فأستدرتُ لأغادر المكتب.. وما أن حتى أصطدمتُ بجسد طويل القامه ورفعتُ بصرى لأجد طاهرأمامى !!
لم تجيب ؛ فقد أطل المعنى من عينيها واضحاً رغم أمتزاجه بالدموع.. يبدو أننى أسأتُ إليها أكثر مما تصورتُ..
قلتُ لها بسرعه: "أرجوكِ يا نهله.. لا تبكى."
تساقطت دموع نهله على وجنتيها قبل أن أتم جُملتى.. وهنا لم أتمالك نفسى فأقتربتُ منها لأربت على كتفيها قائلاً:
"كفى بالله عليك.. أنا لا أتحمل رؤية الدموع."
رفعت نهله بصرها إلىّ وقالت بصوت مرتعش: "دموعى لم تكن تؤثر بك من قبل..لقد كنت تطالبنى بتجفيف دموعى بمنتهى القسوه."
عادت بى الذاكره إلى يوم حفل عيد ميلاد شقيقتى الصغرى..
بالطبع مازلتم تتذكرون أننى فى ذلك اليوم طالبتُ نهله بتجفيف دموعها وقلتُ لها أن دموعها ما عادت تؤثر بى..
يبدو أننى كنتُ قاسياً مع نهله أكثر مما تصورت..
"لماذا تتعمد أهانتى يا طاهر؟ لماذا تسئ إلىّ بهذه الطريقه؟ إننى برغم كل شئ أبنة خالك.. وإذا كنتُ قد أخطأتُ فى حقك يوماً ما ؛ فقد نلتُ من الندم ما يكفى ، وقد نلتُ من الأساءه منك ما يكفى ويزيد."
قالت نهله جُملتها وهى تبكى بحرقه.. ليتنى ما تسببتُ لها بكلِ هذا الألم ، وبكلِ هذه الدموع..
"أنا لم أقصد ما فهمته يا طاهر.. ما كنتُ لأقوم بتهديدك أبداً.. ما كان يجب أن تسئ الظن بى هكذا."
نظرتُ إلى نهله بعمق لم يسبق لى أن نظرتُ لها بمثله من قبل ، وشعرتُ حينئذ بصدقها..
"ألا تصدقنى؟ أقسم أننى ما كنتُ أقصد ما فهمته أبداً."
قالت نهله جُملتها السابقه بمزيج من الحزن والأسى ، ورُبما كانت ستعاود البكاء لو أننى أنتظرتُ قليلاً ، إلا أننى قلتُ لها بسرعه:
"أننى أصدقك يا نهله."
ما كدتُ أنهى جُملتى حتى لمحتُ إبتسامه صغيره تشق طريقها إلى ثغر نهله فى حين كانت دموعها لا تزال عالقه برموشها..
قلتُ لها: "جففى دموعك ؛ فلا مجال للدموع بجانب هذه الأبتسامه الجميله."
*******************
بدلاً من أن تطلب منى أن أجفف دموعى كان الأجدر بك أن تجفف لى دموعى بنفسك..
ألا تعرف كم أنا متشوقه للمسة يديك؟! ألا تدرى كم أنا مغرمه بك؟!
ليتك تشعر بى يا طاهر.. بل ليت حبى لك يجد له صدى فى قلبك..
"هيا يا نهله جففى دموعك."
مسحتُ دموعى وأختلستُ النظر إلى طاهر ، ولدهشتى وجدته يبتسم !
آه يا طاهر لو تعرف كم أشتقتُ لتلك الأبتسامه.. لو تعرف كم أعشق أبتسامتك كما أعشق كل شئ فيك..
"لا أريد أن أرى دموعكِ مره ثانيه يا نهله."
قال طاهر الجُمله السابقه فقلتُ له: "لن تراها.. لن يكون هناك مجال لذلك ؛ فأنا سأترك العمل على أى حال."
عقد طاهر حاجبيه بشده وقال فى أستنكار: "أى هراء هذا يا نهله؟ ولماذا تتركين العمل؟"
أتصل بى طاهر منذ دقائق وأخبرنى بأنه فى أنتظارى أمام منزلى.. كنتُ قد أنتهيتُ من كل شئ إلا أننى تعمدتُ أن أتأخر عليه ، علنى أثأر منه..
بالتأكيد تتذكرون ما حدث اليوم أثناء حديثى معه..
لقد أغلقتُ الهاتف فى وجهه عمداً ولو كان أمامى لكنتُ قتلته بسبب فعلته..
أكاد لا أصدق ما سمعته أثناء حديثى معه.. لكنى واثقه من أننى سمعتُ صوت تلك السخيفه أبنة خاله..
بالطبع لقد وجد طاهر الفرصه سانحه له أثناء غيابى عن المكتب وأتى بتلك السخيفه لتؤنس وحشته..
لكن... صبرك بالله يا طاهر..
فمن الأن فصاعدا ، أنا لن أتركك للحظه واحده ولن أسمح لهذه السخيفه "نهله" بالأقتراب منك..
كما أننى لن أسمح لك بأن تنظر إلى نهله أو إلى أى فتاه أخرى..
بالتأكيد مسموح لك بأن تنظر إلىّ أنا فقط.. لكن أياك أن تنظر إلىّ على أننى طفله صغيره..
من الأن فصاعدا لابد أن تنظر لى كفتاه بالغه تحبك وتعشقك ولا تتمنى سواك..
"ساره.. لقد تأخرتى على الرجل كثيراً.. أذهبى إليه وسأوافيكِ لأرى ذلك الـ طاهر بعدما أنتهى من تبديل الملابس لزينه."
أنتزعتنى أمى من شرودى فذهبتُ لألقى نظره عابره على مظهرى فى المرأه قبل أن أغادر..
"تبدين رائعه.. ستبهريهم فى الحفل."
نظرتُ إلى أمى التى كانت تنظر إلىّ بأعجاب واضح قبل أن تضيف بأبتسامه: "وستوقعين العرسان فى شباككِ."
ضحكتُ وكدتُ أقول لها أننى لا يهمنى أى شخص فى الحفل ؛ فإن أهتمامى منصب على شخص واحد.. واحد فقط.. هو الذى يملك كل مشاعرى.. هو الذى أشتاق إليه ومتلهفه على رؤيته..
وهل هناك سوى طاهر؟ حبيب قلبى.. ونور عينى..
حملتُ ملك التى كانت تغط فى سُباتٍ عميق وغادرتُ المنزل..
رأيتُ سيارة طاهر فأتجهتُ إليها وقلبى يخفق بعنف.. كان طاهر جالساً بداخل سيارته وكان يتحدث بالهاتف..
فى البدايه لم ينتبه إلى وجودى مما جعل الفرصه سانحه أمامى لأتأمله ملياً دون أن يرانى وأنا أتأمله..
كم أشتقتُ إليه! وكم أشعر برغبه جنونيه فى أن أرتمى فى أحضانه وأخبره بما أكنه له من مشاعر!
كان طاهر منهمك فى الحديث فى الهاتف حين وقع بصره علىّ..
أبعد طاهر الهاتف عن أذنه ونظر إلىّ ملياً..
لستُ أدرى لما بدت لى نظراته غريبه.. كأن مظهرى لا يعجبه..
لا يا طاهر أرجوك.. لقد أشتريتُ هذا الفستان بمبلغ مُحترم وذهبتُ إلى مصفف الشعر الذى نادراً ما أذهب إليه..
وكل هذا من أجلك أنت..
لا تصدمنى وتقول أن مظهرى لا يعجبك..
وفجأه بدأت ملك فى البكاء لتنتزعنى من شرودى..
فتح طاهر باب السياره وقال لى: "تفضلى."
دلفتُ لأجلس بجانبه فى حين واصل طاهر حديثه فى الهاتف..
*************************
كنتُ أتحدث إلى هانى فى الهاتف حين لمحتُ ساره تقف على مقربه من سيارتى..
كانت ساره ترتدى فستاناً ضيقاً ، عارى الأكمام ، وذهبى اللون.. أما شعرها فكان منسدلاً على كتفيها فى نعومه..
بأختصار.. كانت تبدو فاتنه.. بل وأكثر من فاتنه..
كنتُ مأخوذاً بجمالها حتى أننى لم أنتبه إلى أننى لستُ وحدى الذى يتأملها..
تفجر غضب هادر فى أعماقى حين لاحظتُ أن جميع الماره يتأملونها بإعجاب واضح..
سيطرت علىّ فكره مجنون فى أن أغادر سيارتى وأعود بساره إلى منزلها وأجبرها على تبديل ثيابها بثوب أخر محتشم.. لكن الفكره ولدتُ وماتت قبل حتى أن تراود نفسى ؛ فإن ساره ليست سوى سكرتيرتى وليس من حقى أن أختار لها ثيابها !
فتحتُ لساره باب السياره لتدلف إليها..
أنهيتُ الأتصال وألتفتتُ إليها قائلاً بإستياء عجزتُ عن أخفاءه:
"ثيابك خفيفه جداً.. ألا تشعرين بالبرد؟"
بدت ساره مصدومه للحظات ، وربُما كانت صدمتها بسبب الطريقه التى نطقتُ بها جُملتى أكثر من الجُمله نفسها..
ندمتُ على ما تفوهتُ به حين رأيتُ خيبة الأمل تكسو وجهها قبل أن تطرق برأسها أرضاً دون أن تنطق بكلمه واحده !
************************
"ثيابك خفيفه جداً.. ألا تشعرين بالبرد؟"
كانت هذه هى الجُمله التى قالها لى طاهر حين دلفتُ إلى سيارته.. وكانت هذه هى الجُمله التى حطم بها طاهر أحلامى وأمالى..
كم أشعر بالأحباط !! وكم أشعر بالندم على مرتبى الذى أنفقته فى شراء هذا الفستان وفى الذهاب إلى مصفف الشعر!!
لم أتصور أبداً أن يكون هذا هو رد فعل طاهر على مظهرى.. لقد كنتُ أظنه سيعجب بمظهرى.. وكنتُ أتوقع الأطراء منه لا الأحباط..
"ساره."
ألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ فى خفوت: "نعم."
ظل طاهر صامتاً للحظات ، وبدا لى كأنه يبحث عن الكلمات ، قبل أن يقول: "كيف حالكِ؟"
الأن فقط تذكرت أن تسأل عن حالى !
ألم يكن من الذوق أن تسأل عن حالى أولاً ثم تعلق على ثيابى بعد ذلك كما تشاء؟
أو ليس كما تشاء جداً..
ما كان يتوجب عليك أن تحبطنى هكذا.. وإذا كان مظهرى لا يعجبك فهناك ما يُسمى بالمجامله.. أم أنك لا تعلم أى شئ عن المجامله؟!
قلتُ بسرعه وأقتضاب: "حمداً لله."
وفى هذه اللحظه لمحتُ أمى وزينه وهما تقتربان من السياره ، نظرتُ إلى ملك التى كانت نائمه كالملاك وقبلتها ثم ألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ:
"لقد وصلت أمى.. إلى اللقاء."
مددتُ له يدى بملك لكنه قال دون أن يمد لى يده ليأخذ منى ملك: "إلى أين؟"
قلتُ: "سأذهب مع أمى إلى القاعه."
قال طاهر بمزيج من الدهشه والأستنكار: "تذهبين وحدكِ! وبهذه الثياب!!"
صدمنى تعليقه وشعرتُ بوجهى وقد توهج من الإحراج ، ولما لاحظ طاهر أحمرار وجهى قال برقه لا تخلو من الحسم:
"سأقوم بتوصيلكم إلى القاعه."
**************************
اليوم سيأتى طاهر بأبنتى.. وستعود ملك إلىّ بعد فراق دام لمدة أسبوعان..
آه.. كم أنا مشتاق إليها!
بين الفينه والأخرى أذهب إلى النافذه وأترقب حضور طاهر بها..
"هانى.. ماذا تفعل عندك؟"
ألتفتتُ إلى أمى التى قالت العباره السابقه وقلتُ: "أنتظر وصول طاهر."
والدتى أبتسمت وقالت: "طاهر أم ملك؟"
قاومتُ أبتسامتى ووأدتها فى مهدها ، ثم قلتُ: "آه يا أمى.. كم أشتقتُ إلى أبنتى."
أتسعت إبتسامة أمى قبل أن تقترب منى لتغمرنى بأحضانها فى حنان..
أمى أكثر من يشعر بى فى هذه الدنيا..
وهى أدرى الناس بما يعتمل فى قلبى من حزن على وفاة زوجتى.. والذى لم يتضاءل ولو بنسبه صغيره..
مسحتُ إحدى العبرات التى خانتنى وسالت على وجنتاى تحرقنى ، وقررتُ أن أبعد الذكريات عن عقلى ؛ فاليوم سأرى أبنتى ولابد أن أكون سعيداً بهذا..
وبينما كنتُ فى ذلك تسلل إلى أذنى صوت بكاء أبنتى.. أبعدت نفسى عن أمى التى سألتنى: "ماذا هناك؟"
هذه المره تركتُ أبتسامتى تطفو على شفتاى وأنا أقول: "ملك.. لقد وصلت يا أمى."
وفى هذه اللحظه دق جرس الباب..هرولت لأفتح الباب.. كان طاهر يقف أمامى حاملاً ملك التى أجهشت فى البكاء..
لم أتبادل مع طاهر كلمه واحده ، ولم أصافحه حتى ، وحملتُ أبنتى وضممتها إلىّ أخيراً..
آه يا ملك.. كم أشتقتُ إليكِ! وكم أشتقتُ إلى أمكِ!
كنتُ سدخل دائره الذكريات إلا أن صوت أمى أنتزعنى من شرودى وهى تحث طاهر على الجلوس..
جلستُ بجانب طاهر الذى قال مازحاً: "ها هى ملك قد عادت إليك.. لم أسرقها ولا شئ."
أبتسمتُ وقلتُ: "مهما قلتُ لك يا طاهر لن أستطيع أن أشكرك على ما فعلته من أجلى الأيام الماضيه."
أبتسم طاهر بدوره وقال: "لا تقل هذا يا هانى.. أنك بالنسبة لى أكثر من صديق."
بالفعل أنا وطاهر أكثر من أصدقاء ، ولو كان طاهر هو الذى مر بما مررتُ به لا قدر الله ، كنتُ سأقف بجانبه وأدعمه تماماً مثل وقفته بجانبى ودعمه لى..
قلتُ: "وبرغم هذا لابد أن أشكرك.. كما لابد أن أشكر ساره أيضاً على أعتناءها بأبنتى طوال هذه الفتره."
عقبت أمى على جُملتى قائله:
"معك حق بُنى.. لابد أن نشكرها على أعتناءها بحفيدتى ، وإن لزم الأمر فسأذهب إليها بنفسى لأشكرها." !!