سمعتً صوت الطرف الأخر والذى لم يكن سوى صوتاً أنثويا أحفظه عن ظهر قلب.. صوتاً أصبحتُ أبغضه كما لم أبغض من قبل ؛ فإنه يذكرنى بما لاقيته على يد تلك المخلوقه التى تحجر قلبها وقست علىّ كثيراً..
"وعليكم السلام... كيف حالك يا طاهر؟"
أجبتُ: "حمداً لله.. كيف حالك أنتِ يا نهله؟"
أتانى صوتها مبتهجاً وهى تقول: "هل تعرفت على صوتى؟"
أجبتً ساخراً: "وهل لى أن أنسى صوت أبنة خالى العزيزه؟"
أجابت نهله بعد برهه وقالت بحنق واضح: "بالتأكيد لم أخابرك لتسخر منى.. لقد كنتُ أريد التحدث إليك قليلاًَ..على أى حال أنا أسفه لأننى أتصلتُ بك.."
كنتُ سأنهى المكالمه لولا أننى شعرتُ بأن هناك شئ يزعجها فعلاً.. فقلتُ بسرعه قبل أن تغلق الخط: "حسناً..أخبرينى ماذا هناك؟"
أجابت بتردد: "كنتُ أريد التحدث إليك قليلاًً ليس إلا."
قلتُ: "تفضلى.. هاتِ ما عندك."
قالت: "أنه موضوع يطول شرحه."
قلتُ بنفاذ صبر: "أذن...؟"
أجابت بعد برهه: "إذا كان وقتك يسمح.. فبأمكانى أن أتى إليك اليوم فى المكتب."
خمنت أنها ستحدثنى عن الموضوع ذاته فقلتُ متحججاً بالعمل: "أنا أسف يا نهله.. لدى أعمال كثيره اليوم."
قالت فى تضرع: "صدقنى لن أخذ من وقتك الكثير؛ فلن أبقى لديك طويلاً."
قلتُ مستاءً من ألحاحها: "حسناً يا نهله.. بأمكانكِ أن تأتى إلىّ غداً."
هذه المره أتانى صوتها راجياً بل متوسلاً وهى تقول: "أرجوك يا طاهر.. هناك أمراً خطيراً لا يحتمل التأجيل."
زفرتُ وقلتُ: "حسناً يا نهله.. أنا فى أنتظارك."
أنهيت الأتصال وأنا أتسأل فى نفسى عن هذا الأمر الخطير الذى لا يحتمل التأجيل..
لكن أياً كان هذا الأمر فإنه لايعنينى
فلا أنتِ حبيبتى ولا ملك يمينى
وأمركِ لا يهمنى فى شئ
بل بالضجر والملل تشعرينى
أريحى نفسك وأنسينى
أبتعدى عنى ولا تذكرينى
أسلكى طريقاً أخر ولا تقابلينى
ومن طلتكِ هذه أحرمينى
ودعى قلبى يحيا وحيداً وأريحينى
*****************
أخبرنى طاهر اليوم بأنه سيساعدنى فى أستذكار دروسى ؛ فإن هناك مسائل معقده أعجز عن حلها وبما أنه لم يتبق على موعد الأنصراف سوى ساعتان ؛ فإننى مضطره لأن أذهب إليه لأذكره بوعده لى..
طرقتُ باب حجرته ولما أذن لى بالدخول دلفتُ إلى الحجره حامله معى كتابى..
نظر طاهر إلى الكتاب الذى أحمله ثم قال: "أسف جداً يا ساره.. لقد نسيتُ أننى وعدتكِ بمساعدتكِ فى أستذكار دروسكِ."
أبتسمتُ وقلتُ: "هأنذا أتيتُ لأذكرك بوعدك لى."
مط طاهر شفتيه قائلاً : "أخشى أننى لن أستطيع اليوم ؛ بعد قليل سيأتى زائر مُهم."
قلتُ بخيبة أمل: "لا عليك.. فلتذاكر لى غداً."
قال طاهر: "أسف جداً يا ساره لأننى خيبتُ أملكِ.. على أى حال إن غداً لناظره قريب."
غادرتُ حجرة طاهر وأنا أجر أذيال الخيبه وما أن أصبحتُ فى الصاله حتى وجدتُ فتاه هيفاء تقف فى منتصف الصاله وكان ظهرها مولياً لى..
أستدارت الفتاه بغته ونظرت إلىّ بدهشه مماثله لدهشتى أو رًبما تزيد عن دهشتى.. أذن.. هذه هى الزائره التى من أجلها نكثتُ وعدك لى يا أستاذ طاهر..
أبتسمت نهله أبتسامه لم ترق لى أبداً قبل أن تقول: "ساره! يا لها من مصادفه!"
بادلتها الأبتسامه ثم قلتُ: "إنها ليست مصادفه كما تعتقدين.. إننى أعمل هنا."
رفعت حاجبيها فى دهشه واضحه قبل أن تقول: "تعملين هنا!؟ "
أومأتُ برأسى إيجاباً ثم قلتُ: "بلى.. أننى السكرتيره."
أبتسمت نهله أبتسامه غامضه لم تروق لى أبداً ثم قالت: "جيد جداً..يسعدنى كثيراً أنكِ تعملين هنا خاصه وأننا سنتقابل كثيراً من اليوم فصاعدا."
لم أفهم ماذا تقصد بجملتها إلا أننى لم أهتم كثيراً لسؤالها وقلتُ: "شكراً لكِ.. تفضلى وأجلسى حتى أخبر طاهر بأنكِ قد حضرتِ."
قالت نهله وهى تقترب من حجرة طاهر: "سأخبره بنفسى عن حضورى."
أعترضتُ قائله: "لكن......"
قاطعتنى قائله ببرود: "أننى أريد مفاجأة طاهر.. وأعتقد أنه سيسر بمفاجأتى كثيراً.. ألا توافقينى فى هذا يا ساره؟
لم تنتظر أجابتى ودلفت إلى حجرة طاهر دون أن تطرق بابها.. حسناً يا أستاذ طاهر.. أشبع بأبنة خالك اللطيفه جداً..
****************
دلفت نهله إلى حجرتى دون أن تطرق الباب.. وكانت ترتدى ثوباً ما يكشفه أكثر مما يستره كعادتها.. وما زادنى حنقاً هو أبتسامتها الواسعه التى تملاء وجهها.. هل مظهرها يوحى لكم بأنه لديها مشكله؟
قلتُ مستاءً: "ألم تتعلمى طرق الأبواب يا نهله؟"
جلست نهله فى مقابلى ثم قالت: " أسفه جداً ؛ لأننى نسيتُ أن أطرق الباب فإنك لديك سكرتيره مُمله جداً.. وقد أغضبتنى لدرجة أننى نسيتُ أن أطرق الباب.. هل تصدق أنها طلبت منى الجلوس والأنتظار حتى تخبرك بحضورى.. أى هراء هذا أننى أبنة خالك و......؟"
قاطعتها قائلاً: "إنها تؤدى عملها يا نهله.. على أى حال دعكِ من ساره وأخبرينى ماذا هناك؟"
بدا على نهله أنها صُدمت من كلامى المباشر فتجهم وجهها للحظات قبل أن تستعيد أبتسامتها وهى تقول:"أننى أشعر بصداع رهيب.. أطلب من سكرتيرتك أن تعد لى فنجان قهوه."
قلتُ مستاءً: "ساره هى سكرتيرتى وليست الساعى يا نهله."
أطالت نهله النظر إلىّ قبل أن تقول: "حسناً.. سأتحمل الصداع ولكن ذنبى فى عنقك يا طاهر."
قلتُ متجاهلاً عبارتها: "أخبرينى ما الأمر الهام الذى لا يتحمل التأجيل والذى أتيتِ من أجله؟"
قالت نهله بحنق: "أليس من الواجب أن تسأل عن أحوالى أولاً؟"
قلتُ بنفاذ صبر: "حسناً.. كيف حالك يا نهله؟ وكيف تجرى أمور العمل معكِ؟"
قالت نهله وهى تلعب بخصلات شعرها: "أنا بخير.. أما عن العمل فأتمنى أن تندلع حريق فى البنك فتلتهمه وتحوله إلى رماد."
تفاجأتُ من جملتها وقلتُ: "ولماذا كل هذا؟ "
هزت كتفيها قائله: "كى تحرق النيران صالح وأكون بهذا ثأرتُ منه."
سألتها فى أهتمام: "لماذا؟ هل يضايقكِ؟"
قالت: "بل لقد ذهبتُ من وجهه."
سألتها: "هل قدمتِ أستقالتكِ؟"
هزت نهله رأسها نافيه ثم قالت: "بل طُردت بسبب ذلك اللعين."
أرحتُ ظهرى على المقعد وأنا أقول: "ربما كان طردكِ أفضل لكِ من العمل فى البنك."
أرتسمت علامت الدهشه على وجهها قبل أن تقول: "ومن أين لى أن أتى بنفقات المنزل ؛ أنت تعرف يا طاهر أننى أساهم بجزء كبير من نفقات المنزل منذ أن تقاعد خالك عن العمل."
سألتها: "أهذا هو الأمر الذى جئتِ إلىّ من أجله؟"
أومأت نهله برأسها إيجابا ثم قالت: "وهل تراه أمراًً تافه؟"
قلتُ: "حسناً.. سيصلكِ راتبكِ دون أن بنتقص منه جنيهاً واحداً كل شهر."
عقدت نهله حاجبيها فى دهشه قبل أن تسألنى: "وكيف هذا؟"
قلتُ: "سأدفع لكِ راتبكِ."
قالت: "وما المقابل؟"
قلتً: "لاشئ."
قالت: "تقصد بهذا أنكِ ستعطينى حسنه؟"
أنزعجتُ من جملتها وقلتًُ بأستياء: "أى حسنه تلك التى تتحدثين عنها يا نهله؟ إنكِ أبنة خالى."
قالت: "أعرف أننى أبنة خالك ، لكنى لن أوافق ولن أقبل منكِ أى شئ أبداً."
قلتُ: "أذن أقترحى علىّ حلاً مناسباً يرضيكِ."
عضت نهله على شفتها السُفلى ثم قالت: "دعنى أعمل لديكِ."
لقد سمعتُ جُملتها جيداً كما سمهتموها ، لكنى كذبتُ نفسى وظننتُ أننى رُبما أخطأتُ السمع فقلتُ: "عفواً..ماذا قلتِ يا نهله؟"
أطالت النظر إلىّ قبل أن تقول: "دعنا نكون شركاء.. وبهذا أتقاضى راتبى منكِ دون أن يكون حسنه."
قلتُ: "كلا يا نهله.. أبداً.. أنسى هذا الأمر تماماً.."
أطرقت نهله برأسها أرضاً قبل أن تقول: "وما الحل؟"
قلتُ: "الحل هو ما قلته لكِ."
نهضت نهله من مقعددها قائله: "كلا.. لا.. لا.. لا.. لا."
قلتُ: "وأنا لا أملك سوى هذا الحل يا نهله."
نظرت إلىّ ملياً قبل أن تغادر الحجره بخطوات واسعه..
******************
تتبع