هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شراع الصداقة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
بكل عباراتـ التهانيـ... بكل الحب
والامانيـ...بكل احساس ووجدانيـ...كل عام وانتمـ بخيرالثلج هدية الشتاء ... والشمس هدية الصيف .... والزهور هدية الربيع .. وأنت يا منتدانا هدية العمر
أذن فقد كانت تلك السخيفه تأتى إلى المكتب الأيام الماضيه..
حسناً يا طاهر.. لا تأمل فى تكرار غيابى مره ثانيه..
دلفتُ إلى المطبخ قائله بسخريه: "للأسف خاب توقعك يا طاهر.. لستُ نهله."
أبتسم طاهر وكأنه لم يلاحظ نبرة صوتى الساخره ، ثم قال: "أهلاً ساره.. كيف حالكِ؟"
قلتُ: "بخير.. الحمد لله."
قال طاهر: "هل أعد لكِ فنجان قهوه معى؟"
قلتُ: "بلى.. شكراً لك."
قال: "حسناً.. أنتظرينى فى الصاله وسأحضره لكِ."
*********************
بعدما أنتهيتُ من إعداد القهوه لى ولساره ، توجهتُ إلى الصاله..
كانت ساره جالسه فى الأنتريه ، وكانت تحيط وجهها بيديها وتسند مرفقيها إلى ركبيتها فى وضع يوحى بأنها مكتئبه..
أقتربتُ منها ومددتُ لها يدى بالقهوه ، فأعتدلت فى جلستها ثم تناولت الفنجان منى..
جلستُ فى المقعد المقابل لها ، وسألتها: "لماذا تبدين حزينه هكذا؟"
أطالت النظر إلىّ ثم قالت نافيه: "كلا.. لا.. لستُ حزينه أبداًً."
قالت جُملتها وأرتشفت رشفه صغيره من فنجانها ، فسألتها: "أأعجبتكِ؟"
قالت بلا حماس: "بلى."
قلتُ: "لكنها بالطبع لا تقارن بالقهوه التى تعدينها بيديكِ ، والتى أفتقدتها كثيراً الأيام الماضيه."
أبتسمت وقالت: "إذا كنتُ تريدنى أن أعد لك فنجان قهوه ، فلا مانع لدى."
أبتسمتُ وقلتُ: "كلا.. شكراً.. القهوه التى أعددتها ليست سيئه لهذه الدرجه."
بعدما أنتهيتُ من تناول القهوه وضعتُ الفنجان فى الصينيه وكدتُ أذهب بهما إلى المطبخ لولا أن أستوقفتنى ساره حين قالت:
"خذ فنجانى معكِ إلى المطبخ."
والأن ، راقبوا ما سيحدث..
أتجهت ساره نحوى حامله فنجانها الفارغ ، وحين أصبحت على قيد أنمله منى ألتوت إحدى قدميها فأفلت الفنجان من يدها وسقط ، وكادت ساره أن تسقط أرضاً بدورها لولا أنها تعلقت بى فى أخر لحظه لتفلت الصينيه بالفنجان من يدى وتسقط أرضاً..
**************************
فجأه وجدتُ نفسى فى أحضان طاهر الذى كان يحيط خصرى بيديه فى قوه ، فى حين كنتُ ألف زراعى حول رقبته..
شعرتُ بأنفاسه تلهب وجهى وهو يقول: "أأنتِ بخير؟"
قلتُ: "بلى."
قلتُ جُملتى وأخذتُ أدفعه بعيداً عنى ، إلا أنه كان ممسكاً بى بقوه منعتنى من الأفلات من بين يديه..
رفعتُ بصرى إليه وقلتُ: "إذا سمحت؟"
أطال طاهر النظر إلىّ قبل أن يحرر خصرى من يديه ويبتعد عنى..
وحينئذ أنتبهتُ إلى تلك الفتاه التى كانت تقف عند باب الشقه ، وقد وضعت يديها فى خصرها ، بينما تحدق بنا فى مزيج من الدهشه والأستنكار !!
وحين وصلتُ كان باب المكتب مفتوحاً ، فأستطعتُ أن أرى حبيب قلبى وهو يعانق ساره !!
صورتهما معاً ، وفى هذا الوضع ، تمزق لها نياط قلبى ، وأنهارت لها أعصابى ، وأحلامى ، وما تبقى من أمالى..
ترنحتُ فى وقفتى ، وكدتُ أسقط أرضاً ، لولا أن تعلقت بالباب فى أخر لحظه..
أنتبهتُ فى هذه اللحظه إلى أنهما قد أبتعدا عن بعضهما ، وأصبح كلاهما ينظرا إلىّ..
كانت نظرات ساره ، مُرتبكه ، وخجله.. بينما طاهر كان يحدق بى دون خجل ، وكأننى لم أراه منذ لحظات وهو يعانق ساره..
كنتُ أول من قطعتُ الصمتُ حين قلتُ بتهكم: "أسفه.. يبدو أننى أتيتُ فى وقت غير مناسب.. على أى حال ، أعتبرانى غير موجوده تماماً."
لم أنتظر لأرى وقع كلماتى عليهما ، فأتجهتُ نحو حجرتى بسرعه ودلفتُ إليها..
صفعتُ الباب خلفى بكل قوتى ، أو لنقل بما تبقى فى من قوه..
**********************
أنتظرتُ حتى أفرغت نهله ما بصدرها ، وكدتُ أشرح لها ما حدث ، إلا أنها لم تعطينى الفرصه لذلك ودلفت إلى حجرتها ، ثم صفعت الباب خلفها بقوه..
كانت صفعه الباب كالقشه التى قسمت ظهر البعير ، فلم أتمالك نفسى حينها وأتجهتُ نحو حجرة نهله لأطرقها..
وكما توقعتُ لم تجيب نهله..
وبمزيج من الجنون والعصبيه ونفاذ الصبر فتحتُ باب الحجره ودلفتُ إليها..
كانت نهله تجلس فوق إحدى المقاعد القريبه من الباب ، وكانت تبكى..
أقتربتُ منها وقلتُ بعصبيه: "هل لا فسرتى لى معنى تصرفكِ الغريب هذا؟!"
رفعت نهله بصرها إلىّ ومن بين دموعها قالت: "بل هل لا فسرت لى أنت كيف تعطى الحق لنفسك وتدلف إلى الحجره دون أن أسمح لك؟"
أستأتُ من جُملتها كثيراً ، فقلتُ بغضب: "لستُ بحاجه لأن أذكرك بأن هذا المكتب ملكاً لى ، وبأنه يحق لى أن أتصرف فيه كما يحلو لى."
ظهر مزيد من الأستياء على وجه نهله ، قبل أن تقول بنبره حزينه: "معك حق.. هذا فعلاً مكتبك.. وأنا.. لا مكان لى هنا."
مسحت نهله دموعها ، وهمت بألتقاط حقيبتها ، إلا أننى أمسكتُ بالحقيبه بقوه قائلاً: "لن تنصرفى قبل أن تشرحى لى معنى تصرفكِ الغريب هذا."
نهله وقفت ، وقالت منفعله: "تصرفى أنا الغريب.. وماذا عنك؟ ألم يكن تصرفك غريب أنت الأخر؟ لقد دلفتُ إلى الشقه لأجدك تعانق تلك الطفله ، ماذا كنتُ تتوقع منى حينئذ؟ أن أصفق لكما مثلاً؟!"
أمام طريقتها الساخره ، لم أتمالك نفسى ، ورفعتُ يدى لأصفعها صفعه ، رُبما أطاحت بها إلى الخلف لثلاثة أمتار ، لو أننى لم أتمالك نفسى فى أخر لحظه ، لأتجاوزها بيدى وأضرب الحائط بكل قوتى..
لم أنتبه إلى ما فعلته ، إلا حينما أنتفض جسد نهله بشده ، بينما كانت تحدق بى بذعر ، وقد بدأت فى التراجع إلى الخلف وهى لا تزال تحدق بى مذعوره..
أطالت نهله النظر إلىّ قبل أن تقول وقد تغيرت نبرة صوتها وجاءت حزينه متضرعه:
"لماذا تفعل بى هذا يا طاهر؟ أنت تعرف كم أحبك.."
ها قد عدنا لهذا الحديث ثانيه..
أشحتُ بنظراتى عنها ، وهممتُ بسحب يدى من يدها ، إلا أنها ضغطت بيدها على يدى وأبت أن تتركها ، ثم قالت:
"لا تقلق.. فأنا لم أعد أنتظر منك أى مقابل لحبى.. لم أعد أنتظر منك أن تبادلنى مشاعرى.. لقد آمنتُ تماماً بأننى لا أعنى لك شيئاً.. وبأن ساره تعنى لك كل شئ.. وقد رضيتُ بهذا.. لكن على الأقل راعى مشاعرى.. لا تجرحنى بهذه الطريقه."
وبرغم أننى لم أصدق كلامها تماماً ، إلا أنه قد أراحنى كثيراً ، وأزاح عن كاهلى عبئاً ثقيلاً..
لكن تُرى.. هل تقصد فعلاً ما تقول؟ وهل رضيت بهذا الوضع أخيراً؟
وهل أنتهت مشكلتى مع نهله إلى الأبد؟
هل تعتقدون هذا؟
أنا عن نفسى لا أعتقد..
قلتُ:
"وأنا لم أجرحكِ.. ولم أفعل ما قد يؤذى مشاعركِ."
نهله نظرت إلىّ ، ومن نظراتها فهمتُ ما كانت تقصده ، فقلتُ:
"لقد أسأتِ الفهم يا نهله.. أنا لم أكن أعانقها.. أقسم أننى لم أكن أعانقها."
نهله سحبت يدها من يدى بغته وقالت بأنفعال وعصبيه:
"لقد رأيتك بعينى وأنت تعانقها.. أتريدنى أن أكذب عينى وأصدقك؟!"
قلتُ نافياً:
"لم أكن أعانقها.. لقد كادت تسقط لولا أن تعلقت بى.. أقسم أن هذا ما حدث فعلاً."
نهله بدت غير مقتنعه بكلامى ، فتابعتُ:
"يا نهله.. أنتِ أبنة خالى.. وأدرى الناس بى وبأخلاقى.. فقد كنا معاً فى الجامعه لأربعة أعوام.. وكنتُ حينها أحبكِ.. هل سبق وصدر منى تصرف غير مقبول؟ وهل سبق وعانقتكِ مثلاً."
هزت نهله رأسها نافيه ، فسألتها:
"هل تصدقيننى؟"
أطالت نهله النظر إلىّ ثم قالت:
"بلى.. لكننى برغم هذا.. سأترك العمل ؛ فأنا لا أتحمل فكرة تواجدى مع تلك الطفله التافهه فى مكان واحد."
أستقليتُ سيارتى وأخذتُ أبحث فى موقف السيارات القريب من المكتب عن نهله ، لكننى لم أجد لها أثراً..
ظللتُ أدور بسيارتى فى مناطق قريبه من المكتب دون أن أعثر عليها..
يأستُ وفقدت الأمل فى أن أجدها بعد نصف ساعه كامله من البحث ، فسلكتُ طريق العوده..
وبينما كنتُ فى طريق العوده ، لمحت بطرف عينى فتاه تجلس وحدها على إحدى المقاعد العامه المواجهه لشاطئ البحر ، وكان ظهر الفتاه مولياً لى..
لم يكن من العسير علىّ أن أعرف أن هذه الفتاه هى نهله..
توقفتُ بسيارتى على جانب الطريق ، وترجلتُ منها حتى وصلت إلى حيث تجلس نهله وجلستُ بجانبها..
نهله ألقت علىّ نظره لا مباليه ، ثم عادت لتنظر نحو مياه البحر دون أن تتبادل معى كلمه واحده..
قررتُ أن أبدأ أنا الحديث فقلتُ: "بحثتُ عنكِ كثيراً."
لم تُعلق على جُملتى ، بل ولم يبد عليها أنها قد سمعت جُملتى ، فعدتُ أقول:
"لما أنتِ هنا الأن؟"
نظرت نهله إلىّ وقالت بأستياء:
"ليس هذا من شأنك.. أنا أذهب إلى أى مكان وقتما يحلو لى.. لا سلطه لك علىّ."
حبستُ أنفاسى كى لا أتفوه بما قد يزيد الأمر تعقيداً ، وأنتظرتُ قليلاً ثم قلتُ متجاهلاً عبارتها تماماً:
"ألا تعرفين أن تواجدكِ هنا بمفردكِ قد يعرضك للمضايقات من قبل الشباب العاطل."
قالت بسخريه: "أهكذا فجأه أصبحت تهتم بى؟!"
قلتُ: "نهله.. أنتِ أبنة خالى و........."
قاطعتنى نهله حين أستدارت إلىّ بجسدها كله قائله بعصبيه:
"ومثل شقيقتك.. أعرف هذا جيداً جداً.. بل لقد أصبحتُ أحفظ هذا الكلام عن ظهر قلب.. لا تعذب نفسك بألقاء هذه المحاضره الطويله ؛ فقد فهمتُ أن مشاعرك نحوى لا تتخطى مشاعر الأخ نحو أخته ، كما فهمتُ أيضاً أنك تحب تلك الطفله التافهه ساره."
للمره الثانيه لم أتمالك نفسى حين سمعتها تقول هذا الكلام عن ساره ، فصرختُ بها قائلاً:
"حذارِ أن أسمعكِ تتحدثين عن ساره بهذه الطريقه.. هل تسمعين؟"
تفاجأت نهله من حديثى ، وظلت صامته للحظات قبل أن تقول بتهكم: "أوه.. أسفه.. كنتُ قد نسيتُ أنها زوجتك المستقبليه."
قالت نهله جُملتها وهبت واقفه ثم تابعت: "مبارك لكما."
أنهت جُملتها وأبتعدت عنى لتستقل سياره أجره.
********************
عاد طاهر إلى المكتب بعد ساعه كامله ، وكان مكفهر الوجه ، وقد بدا الحزن واضحاً على مُحياه..
توجه طاهر إلى حجرته مباشرةً وأغلق بابها خلفه ،، وبعد فتره من الزمن قررتُ أن أذهب إليه لأتفقد حاله..
طرقتُ بابه ، فقال: "تفضلى يا ساره."
فتحتُ الباب ودلفتُ إلى الحجره ، كانت الحجره معبقه برائحه السجائر ، وكان طاهر جالساً خلف مكتبه يدخن..
سعلتُ بقوه لدى دخولى إلى الحجره ، فأسرع طاهر ليفتح النافذه..
أقتربتُ من النافذه وأستنشقتُ الهواء النقى ، وحينئذ ألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ: "كيف تتحمل رائحه السجائر؟"
هز كتفيه وقال: "أعتدتُ عليها ، فلم تعد تفرق معى."
قلتُ: "لكنها ضاره جداً.. ألم تحاول الأقلاع عن التدخين؟"
قال بلا أكتراث: "حاولت وفشلت." ، ثم قال مُغيراً الحديث: "أخبرينى ماذا كنتِ تريدين؟"
تلعثمتُ وقلتُ: "كنتُ أريد... أقصد.. فى الحقيقه.. لقد أتيتُ للأطمئنان عليك.. فقد كنت تبدو مستاءً جداً."
أبتسم طاهر وقال: "هل أتيتِ لتطمئنى علىّ فعلاً؟!"
أومأتُ برأسى إيجاباً ، فقال طاهر: "أجلسى ودعينا نتحدث قليلاً."
أطعته دون مناقشه وجلستُ على أقرب مقعد ، فأتى طاهر ليجلس فى مقابلى وقد ثنى جدعه إلى الأمام ، مسنداً وجهه إلى كفيه ، وزراعيه إلى ركبتيه ، فيما كانت عيناه تتأملنى ملياً..
سألته: "ما الأمر؟"
صمت قليلاً ثم قال: "أعتقد أن نهله لن تعود ثانيه."
عظيم..
أذن فقد أصبحتُ أنا وطاهر وحدنا فى المكتب من جديد..
قال طاهر: "أنتِ تعرفين بالطبع بأن نهله تحبنى."
أومأتُ برأسى إيجاباً ، فتابع: "ما لا تعرفينه هو أننى كنتُ أحب نهله ، لكننا أنفصلنا منذ خمس سنوات مضت."
تفاجأتُ بهذه المعلومه الجديده ؛ وبصراحه أستأتُ كثيراً ؛ فليس سهلاً أن أعرف أن حبيبى كان يحب تلك السخيفه ، بل ورُبما مازال يحبها حتى الأن..
"نهله مازالت تأمل فى أن عودتنا من جديد.. لكننى لن أعود إليها."
قال طاهر العباره السابقه ، فسألته: "ولم لا تعودان؟"
أطال طاهر النظر إلىّ ثم قال: "مشاعرى نحوها ماتت يا ساره."
أراحتنى جُملته الأخيره كثيراً ، وجعلت الأمل ينتعش فى قلبى ، فى حين تابع طاهر:
"وكل ما حدث اليوم كان سببه أنها تعرف بحبى لكِ." !
********************
تتبع
أتمنى أن تكون هذه الحلقه قد نالت إعجابكم __________________
قال: "بلى.. فهى مازالت على أعتقادها بحبى لكِ منذ يوم الحفل.. بالطبع تذكرين حين زعمتُ ذلك أمامها ذلك اليوم."
**********************
أنتهى العمل اليوم ، وحان موعد العوده إلى المنزل..
أستقليتُ سيارتى أنا وساره لأوصلها إلى منزلها كالعاده..
وكالعاده كانت ساره تجلس بجانبى فى السياره ، إلا أنها كانت صامته على غير عادتها ، فهى دائماً ما كانت تتحدث وتمزح طوال الطريق وبلا أنقطاع ..
رغم أننى كنتُ سعيداً بهذا التغيير الذى سمح لى بأن أقوم بتشغيل الراديو وأستمع إلى الأخبار كما أحب ، إلا أننى شعرتُ بالقلق على ساره التى كانت تبدو حزينه جداً منذ أن كنا نتحدث فى حجرتى عن نهله..
برأيكم.. ما الذى فعلته أغضبها إلى هذه الدرجه؟!
قررتُ أن أبدأ بالحديث ، فقلتُ: "ما الأمر يا ساره؟ لما أنتِ صامته هكذا؟"
أجابت بأقتضاب ، ودون أن تلتفت إلىّ: "لا شئ.. فقط أشعر بالدوار."
أنتابنى القلق عليها ، وخشيتُ أن تكون مريضه لا قدر الله ، فقلتُ لها: "أتريدين أن نذهب إلى الطبيب ليفحصكِ؟"
هذه المره ، ألتفتت ساره لتنظر إلىّ ملياً ، قبل أن تقول: "كلا.. أنا بخير.. كل ما فى الأمر هو أننى لم أتناول شيئاً منذ الصباح."
كنا نمر على مطعم خاص للبيتزات فتوقفتُ على جانب الطريق قائلاً بحسم: "فلنذهب إلى هذا المطعم لنتناول طعامنا."
أعترضت ساره وقالت: "كلا.. لا.. لم أقصد هذا.."
أبتسمت وقلتُ: "أعرف أنكِ لم تقصدى هذا.. لكننى فعلاً أشتهى البيتزا.. هل لا تعطفتِ علىّ وتكرمتِ بأن تقبلى دعوتى؟"
لم يكن هناك مجال للرفض حين أبتسم طاهر وطلب منى أن أتناول طعامى معه..
دلفنا إلى المطعم ، فأختار طاهر طاوله لشخصين وأنتظر حتى جلستُ أولاً ، ثم جلس فى المقعد المقابل لى ، مما أتاح لى الفرصه لأتأمله حينما كان يتحدث إلى النادل ويطلب منه أن يجلب لنا البيتزا..
ألتفتت طاهر إلىّ بعدما أنصرف النادل ، فأشحتُ بنظرى عنه بسرعه ، وقبل أن يلاحظ أننى كنتُ أتأمله ، وأخذتُ أعبث بمحتويات حقيبتى بلا هدف..
قال طاهر: "تبدين رائعه."
رفعتُ بصرى إليه وقلتُ بذهول: "ماذا؟!!"
طاهر أبتسم وقال: "إذا كنت تبحثين عن المرآه ، فلا داعى لها.. فأنا أراكِ جميله جداً."
فغرت فاهى فى بلاهه ، وأنا أحدق به غير مصدقه..
هل قال حقاً أننى أبدو رائعه ؟ وهل قال أنه يرانى جميله جداً؟
آه يا قلبى..
فى هذه اللحظه أتى النادل بالبيتزا.. وبرغم أننى كنتُ جائعه جداً ، إلا أننى لم أنقض على البيتزا لألتهمها بأكملها ، وأنتظرتُ حتى بدأ طاهر يأكل وقضمتُ أول قضمه من البيتزا..
حين نظرتُ إلى الجرح ، لم يبد لى عميقاً ، فأمسكتُ بإحدى المحارم ووضعتها على الجرح ، إلا أن الدماء كانت تندفع من الجرح بغزاره فأغرقت المنديل بسرعه وصبغته باللون الأحمر..
رُبما كنت قد قطعتُ إحدى شرايينى دون أن أقصد..
فكرتُ فى الذهاب إلى المستشفى ، إلا أننى نفضتُ الفكره تماماً عن رأسى ، فلماذا أكترث لحياتى طالما أن حبيبى ليس بها؟
فلأرحل عن هذه الدنيا لأريح طاهر منى..
تركت الجرح ينزف بغزاره ، وبعد فتره بدأتُ أشعر بالدوار ولم أعى شيئاً بعد ذلك..
الحلقه الحاديه والعشرون بعنوان..... "لا يأسرنى سوى الشعر الأسود"
: :
بينما كنتُ فى طريقى إلى منزلى أرتفع رنين هاتفى المحمول..
مددتُ يدى لألتقط الهاتف ثم نظرتُ نحو الشاشه فورأيتُ رقم نهله..
تفاجأتُ ، فلم أتوقع أن تخابرنى هكذا بسرعه..
تُرى ماذا تريد منى الأن؟!
أجبتُ على الأتصال ، فأتانى صوت زوجه خالى (والدة نهله) وهى تقول بهلع:
"طاهر.. تعالى بسرعه.. نهله أنتحرت."
أنتفض قلبى بين ضلوعى ، وهتفتُ بهلع: "ماتت!!"
قالت زوجة عمى بسرعه: "كلا.. لم تمت.. لقد حاولت الأنتحار.. تعالى بسرعه لتأخذها إلى المستشفى."
حمدتُ الله فى سرى وقلتُ لزوجة عمى: "حسناً.. سأتى حالاً."
ضغطتُ بكل قوتى على دواسة الوقود ، وأنا أدعو الله أن أصل فى الوقت المناسب..
وفى غضون دقائق ، كنتُ قد وصلتُ إلى منزل نهله..
طرقتُ الباب ، ففتح لى خالى الباب وهو يبكى..
قادنى خالى إلى حجرة نهله ، فرأيتُ نهله والتى كانت مستلقاه على الأرض ، وغائبه عن الوعى تماماً ، وقد تناثرت حولها قطع الزجاج ، بينما كانت الدماء تغرق ملابسها وتغرق الأرض حولها ، فى حين كانت زوجة خالى جاثيه على ركبتيها بجانبها ، وكانت تبكى بحرقه..
هالنى منظر الدماء ، وأنتفضت كل ذره فى جسدى وأنا أنظر إلى نهله الغارقه فى الدماء بذعر ، فى حين قال خالى:
"أسرع يا طاهر.. تعالى وساعدنى لنحملها."
لم يكن هناك مجال لأرتاع وأندهش ، فمددت يدى نحو نهله ، وحملتها أنا وعمى بحذر ثم هبطنا بها إلى الأسفل بسرعه ، وغادرنا البنايه متجهين نحو سيارتى ، وتبعتنا زوجة خالى..
وضعنا نهله برفق فى المقعد الخلفى و، وجلست زوجة خالى بجانبها ، بينما جلس خالى على المقعد بجانبى..
أنطلقتُ مسرعاً بسيارتى ، وذهبتُ إلى أقرب مستشفى..
عندما وصلنا إلى المستشفى ، أستقبلنا فريق الأسعاف بهمه ، وطلبوا منى أن أضع نهله على السرير المتحرك..
وحين وضعتها على السرير المتحرك ، قادها الفريق إلى حجرة العمليات مباشرةً..
أما نهله فكانت غائبه عن الوعى ولا تشعر بشئ مما حولها..
ذهب خالى وزوجته ليجلسان فى الأستقبال ، بينما ظللتُ أنا واقفاً فى الممر المؤدى إلى حجرة العمليات ، ولسانى لا ينقطع عن الدعاء لنهله..
فلو أصابها مكروه لا قدر الله ، سأكون أنا السبب فى هذا..
ولن أسامح نفسى أبداً..
أبداً..
********************
تثاءبتُ بكسل وأنا أجثو على ركبتاى بجانب زينه ، وعبثاً حاولتُ أن أقنعها بأن تأوى إلى فراشها لكى أتمكن بدورى من النوم..
توسلتُ إليها وقبلتها كى تعفو عنى وتخلد إلى النوم ، لكن...
ولا حياة لمن تنادى..
حملتها لأجبرها على الأذعان لرغبتى إلا أنها فاجأتنى بصفعه على وجههى ثم أخذت تبكى..
كنتُ قد بدأتُ أستسلم لليأس حين أرتفع رنين هاتفى بغته..
كان المتصل رقماً غريباً لا أعرفه..
أجبتُ وقلتُ: "السلام عليكم." وأتمتتُ جملتى بأن تثاءبت..
أتانى صوت سيده تقول: "وعليكم السلام.. أنتِ ساره.. ألأيس كذلك؟"
قلتُ: "بلى.. صحيح.. أنا هى.. من معى؟"
قالت: "أنا والده هانى."
لم أعى الأمر بسرعه ، فقلتُ: "ومن هانى؟"
قالت: "صديق طاهر."
قلتُ: "آه.. هانى.. بلى تذكرته.. أهلاً بكِ." وأكملتُ فى نفسى: "لكن لماذا تتصلين بى الأن؟ لا تقولين أنكِ تريدين أن أعتنى بحفيدتك مجدداً."
قالت: "أسفه على أتصالى بكِ فى هذا الوقت لكننى أردتُ أن أشكركِ على أعتناءك بحفيدتى الأيام الماضيه."
وأكملتُ فى نفسى: "إذا كان الأمر يقتصر على الشكر فجيد جداً ، أما إذا كنتِ تأملين فى أن أخذ حفيدتك ثانيه ؛ فعذراً.. فأنا لن أستطيع أن أترك طاهر لتلك السخيفه أبنة خاله."
قالت: "شكراً لك يا ساره."
قلتُ: "وكيف حالها الأن؟"
قالت المرأه بنبره حزينه تقطع لها قلبى: "لا أعلم.. لم أراها منذ الأمس.. لقد عاد هانى إلى منزله."
سألتها: "ومن سيعتنى بملك أذن؟"
قالت: "قال أنه يستطيع أن يهتم بأبنته وحده."
قلتُ: "لا أظن.. العنايه بطفله صغيره ليس سهلاً."
ران الصمتتُ للحظات فأستطردتُ بسرعه: "رُبما لم يكن يتوجب علىّ أن أتدخل و..."
قاطعتنى المرأه حين قالت: "لا.. لا.. أنتِ مُحقه تماماً.. لقد كان هذا هو رأيى أيضاً ، لكن هانى لم يقتنع.. ليتكِ تقنعيه بهذا حين ترينه."
قلتُ: "بالتأكيد.. سأحاول أقناعه بشتى الطرق."
قالت: "أتمنى أن يقتنع.. شكراً لكِ يا ساره."
****************
نزعت الممرضه المحقن من وريدى وناولتنى علبه عصير قائله:
"هذه ستعوض ما فقدته من دماء."
كنتُ أشعر بالدوار ، إلا أننى لم أكترث لهذا كثيراً ، فقد كان أهتمامى منصباً على نهله التى لا تزال فى حجرة العمليات ، والله ووحده يعلم ماذا سيكون مصيرها؟
قلتُ للمُمرضه: "المهم هو أن تتعافى نهله."
أبتسمت الممرضه وقالت: "ستتعافى بإذن الله."
قالت جُملتها وغادرت الحجره حامله الحقيبه التى تحوى الدماء التى تبرعتُ بها لنهله ، ومن حسن الحظ أن فصيلتى جاءت متوافقه مع فصيلة نهله..
أردتُ أن أنهض بدورى كى أذهب لأنتظر خروج نهله من حجرة العمليات ، إلا أننى شعرتُ بالدوار وترنحتُ فى وقفتى.. فعدتُ لأجلس من جديد وأفرغتُ محتوى علبة العصير فى جوفى دفعه واحده..
وبعد فتره من الزمن ، كان إحساسى بالدوار قد بدأ يتلاشى ، فذهبتُ لأقف فى الممر المؤدى إلى حجرة العمليات..
وبينما كنتُ أدلف إلى الممر رأيتُ ثلاثه من الممرضات وهم يدفعون سرير نهله المتحرك ويقودونه إلى إحدى الحجرات..
حملتُ نهله ووضعتها على السرير ، فى حين أنصرفت واحده من ممرضات وبقيت ممرضتان معنا بالحجره ، أحداهما كانت تتأكد من سريان السائل الوريدى فى الأنبوب الدقيق والأخرى كانت تضع الغطاء على نهله..
وبعد فتره أنصرفت الممرضتان وبقيتُ بمفردى مع نهله التى كانت غائبه عن الوعى..
كنتُ ذاهباً إلى الأستقبال حيث يجلس خالى وزوجته لأطمئنهم على نهله حين سمعتُ نهله تغمغم:
"لا تفعل هذا بى.. لا تتركنى يا طاهر."
توقفتُ فى منتصف الطريق وألتفتتُ إليها ، فوجدتها لا تزال غائبه عن الوعى..
فهمتُ أنها كانت تهذى ، وكدتُ أواصل طريقى لولا أن سمعتها تتحدث مجدداً ، وهذه المره سمعتها تقول:
تثاءبتُ بكسل ورفعتُ الغطاء عنى ، ثم توجهتُ إلى دورة المياه وأنا أجر أقدامى جراً..
أخذتُ حماماً دافئاً لأفيق ، ثم توجهتُ إلى حجرتى لأرتدى ثيابى..
لمحتُ زينه والتى كانت نائمه ، فعدتُ لأتثاءب وتمنيتُ لو أنعم بالنوم العميق مثلها ، وألا يقلق راحتى شئ..
غادرتُ المنزل وأستقليتُ سياره أجره..
دلفتُ إلى المكتب الذى كان معبقاً برائحة القهوه ، وتوقعتُ أن يكون طاهر بالمطبخ يعد لنفسه القهوه..
توجهتُ نحو المطبخ وفتحتُ بابه وأطللتُ برأسى لأجد المطبخ خالياً..
كدتُ أتراجع وأذهب لأرى طاهر فى حجرته ، إلا أننى لمحتُ بطرف عينى القهوه الموضوعه على الموقد والتى كانت قد تبخرت تماماً..
رُبما نسى طاهر القهوه على الموقد..
لكن.. ألم تلفت نظره رائحه القهوه التى تعبق المكان !!
أطفأتُ الموقد وتوجهتُ نحو حجرة طاهر التى كانت مُغلقه..
طرقتُ الباب عده مرات إلا أننى لم أتلقى منه إجابه..
أنتابنى القلق عليه وخشيتُ أن يكون أصابه مكروه لا قدر الله ، ففتحتُ الباب ودلفتُ إلى الحجره..
كان طاهر جالساً خلف مكتبه ، وكان مثنياً جدعه إلى الأمام مسنداً رأسه إلى المكتب !
وناديته عدة مرات ، وهذه المره أيضاً لم أتلقى منه أجابه..
أصابنى الهلع فأقتربتُ منه وأخذت أهزه برفق ، وهنا فقط رفع وجهه إلىّ وفتح عينيه قليلاً ثم غمغم: "نهله.. أهذه أنتِ؟"
مجرد ذكر أسم هذه السخيفه أمامى يحنقنى ، فما بالكم بى وأنا أسمع هذا الأسم من طاهر !
لم أتمالك نفسى ، وقلتُ بحنق واضح: "كلا.. لستُ نهله يا طاهر.. أنا ساره."
فرك طاهر عينيه بيديه وسألنى: "أين نهله؟"
قلتُ بغيظ وبدون تفكير: "ومن أين لى أن أعرف؟ هل تريدنى أن أتتبع خط سير أبنة خالك المصونه."
أنتبهتُ إلى جُملتى بعد فوات الأوان ، ورأيتً طاهر الذى جُملتى جعلته يفيق من نومه تماماً وينظر إلىّ بتعجب..
*******************
"ومن أين لى أن أعرف؟ هل تريدينى أن أتتبع خط سير أبنة خالك المصونه؟"
كانت هذه هى الجُمله التى قالتها ساره ، والتى أثارت فى نفسى دهشه بلا حدود..
كانت هذه هى أول مره أسمع فيها ساره وهى تتحدث عن نهله بهذه الطريقه.. إلا أنها لم تكن أخر مره..
نظرتُ إلى ساره التى أطرقت برأسها أرضاً ، كنتُ أعرف أن ساره مستاءه من نهله بسبب ما فعلته بالأمس ، لذا فلم أعلق على جُملتها وقلتُ مغيراً مجرى الحديث: "كم الساعه الأن؟"
ساره رفعت بصرها قليلاً ونظرت إلى ساعة يدها ثم قالت: "إنها الحادية عشر."
نهضتُ من مكانى وأنا أمسح على شعرى بيدى قائلاً: "سأذهب إلى المستشفى لدقائق ثم أعود."
ساره نظرت إلىّ وسألتنى بقلق: "لماذا؟ هل أنت مريض؟"
قلتُ بأقتضاب: "كلا.. إنها نهله."
سألتنى بتردد: "ماذا بها؟"
أجبتُ: "لقد حاولت الأنتحار بالأمس."
ساره بدت مصدومه للحظات ، قبل أن تسألنى بهلع:
"هل..هل أصابها مكروه.. لا قدر الله؟"
حين رأيتُ هلع ساره على نهله وتذكرتُ الطريقه التى كانت تتحدث بها عن نهله منذ لحظات ، وجدتُ نفسى أبتسم..
ظلت كلمات طاهر تتردد فى عقلى ، وكلما تجاهلتها وحاولتُ التفكير بأى شئ أخر ، كلما أزداد ترددها فى عقلى ، حتى أننى صرتُ لا أسمع سوى جُمله واحده..
"أنا لا يأسرنى سوى الشعر الأسود." !
يمتلكنى شعور قوى بأن جُملته لم تكن مجرد جُمله عابره ، يقولها دون أن يعنيها..
بل أننى واثقه من أنه كان يعنى كل حرف نطقه ، وتزداد ثقتى بهذا كلما تذكرت نظراته التى أستقرت على شعرى الأسود..
فى الواقع لقد أعتبرتُ جُملته كتصريح بحبه لى.. أو على الأقل أنجذابه لى..
لقد قال أنه لا يأسره سوى الشعر الأسود ، ونظر إلى شعرى..
بالتأكيد كان يلمح إلى أنه يحبنى ؛ فإن جُملته لا تحتاج منى إلى ذكاءٍ خارق لأفهمها و.......
مهلاً.. لا تنظرون إلىّ هكذا..
أنا لستُ واهمه ، ولستُ أبنى أمالاً واهيه دون الأستناد إلى دليل قوى على حبه لى..
إذا كان هذا هو رأيكم فعلاً ، فرجاءً لا تصعقونى بالموافقه عليه ودعونى أحلم للحظات ، حتى وإن كنتُ سأستفيق منه لأُصدم بالواقع الأليم وهو أن طاهر لا يكن لى أى مشاعر وإن كانت ضئيله !
أنفتح باب حجرة طاهر فى هذه اللحظه لينتزعنى من شرودى..
قلتُ: "أليس باكراً جداً؟ إن الساعة الأن الواحده ظهراً."
قال: "بلى.. لكننى أريد أن أذهب إلى المستشفى لأطمئن على نهله."
نهله.. نهله.. نهله..
لقد كرهتُ هذا الأسم يا طاهر.. ألا تنساها للحظات؟
ألا تشعر بحبى لك أبداً؟!
"هيا يا ساره.. أحملى حقيبتك."
حملتُ حقيبتى بناءً على رغبة طاهر وغادرتُ معه المكتب..
كان طاهر يسير بخطوات واسعه وسريعه ، بينما كنتُ أنا أركض بجانبه لأوافيه..
وحين أستقلينا السياره كان طاهر يسير مسرعاً أيضاً..
لستُ أدرى لما كل هذه العجله؟! إن نهله لن تطير إذا تأخر قليلاً..
قلتُ بخوف مفتعل: "رجاءً خفف السرعه قليلاً يا طاهر."
طاهر أختلس النظر إلىّ وأبتسم ثم قال: "هل أنتِ خائفه؟"
لم أكن خائفه بالطبع إلا أننى قلتُ: "بلى.. رجاءً خفف السرعه."
قال طاهر: "حسناً." وخفف السرعه..
ران الصمتُ علينا ، إلا أننى قطعته قائله: "لابد أن نهله ستسعد كثيراً بزيارتك لها."
أختلس طاهر النظر إلىّ وقال: "رُبما."
عدتُ أقول بثقه أكبر: "بل أننى متأكده من أنها ستسعد بزيارتك."
أبتسم طاهر وقال: "أنت أدرى."
كنا قد وصلنا إلى منزلى فأوقف السياره على جانب الطريق وألتفت إلىّ..
قلتُ له لأستدرجه فى الحديث: "متى ستعود إلى منزلك؟"
هز كتفيه وقال: "لا أعرف.. هذا يتوقف على المده التى سأقضيها فى المستشفى."
قلتُ: "أذن.. ستتأخر هناك؟"
قال: "رُبما."
قلتُ: "هل ستخبرها بأنك كنتُ تكذب عليها حين أخبرتها بحبك لى؟"
صمت قليلاً ثم قال: "إذا كانت هذه هى رغبتك فسأخبرها."
قلتُ: "أنا لن يفرق معى الأمر كثيراً.. على أى حال إذا كنت لا تريد أخبارها فلا تفعل."
بدا لى طاهر مندهشاً بتغيير رأيى ، فبررتُ موقفى قائله: "أنا أثق فى أنك لن تفعل إلا الشئ الصائب."
أتسعت إبتسامة طاهر قبل أن يقول: "شكراً لكِ يا ساره."
غادرتُ السياره وأنتظرتُ حتى غابت سيارة طاهر عن أنظارى ثم دلفتُ إلى المنزل.
*******************
حين وصلتُ إلى حجرة نهله ، وجدتها مستلقاه على الفراش وأمها بجانبها..
حين دلفتُ إلى الحجره ، ألتفتت نهله لتنظر إلىّ ، وما أن رأتنى حتى أشاحت بوجهها عنى..
ها قد بدأنا.. أستعنا على الشقا بالله..
ألقيتُ التحيه عليهما ، فأجابت زوجة خالى التحيه ، بينما لاذت نهله بالصمت التام..
جلستُ فوق أقرب مقعد وقلتُ لنهله: "كيف حالك اليوم يا نهله؟"
للمرة الثانيه لم ألقى جواباً من نهله ، فى حين قالت زوجة عمى باسمه: "إنها بخير يا طاهر.. شكراً على مجيئك."
قلتُ لزوجة عمى: "حمداً لله." ووجهتُ حديثى لنهله قائلاً: "حمداً لله على سلامتكِ يا نهله."
وكما توقعتُ لم أتلقى منها جواباً !
تبادلتُ النظر مع زوجة عمى التى بدت محرجه بسبب تصرف نهله ، وقالت لنهله:
"نهله.. طاهر يقول لكِ حمداً لله على سلامتك."
نهله ألتفتت نحو أمها وقالت بأنفعال:
"أنه لا يستحق حتى أن أكلف نفسى عناء الرد عليه يا أمى."
أتسعت عينا زوجة عمى فى دهشه ونهرتها قائله:
"نهله.. لا يجب أن تتحدثى إلى أبن عمتكِ بهذه الطريقه.. لقد كلف الرجل نفسه مشقه المجئ إلى المستشفى ليطمئن عليكِ."
نهله قالت بسخريه: "فعلاً.. شكراً على مجيئك.. لقد قمتُ بالواجب وأكثر.. لكنى لا أريد أن ألهيك عن أعمالك.. فلتعود إلى عملك.. وبلغ تحياتى إلى تلك السكرتيره التافهه."
زوجة خالى قالت بمزيج من الحده والأستنكار : "نهله !"
ران الصمت علينا للحظات ، قبل أن تقطعه زوجة خالى حين قالت:
"أسفه يا طاهر.. يبدو أننى مضطره لأن أذهب ؛ فقد أخبرنا الطبيب أن نهله ستغادر المستشفى ، ولابد أن أذهب لأحضر لها ثوباً نظيفاً."
قلتُ لزوجة خالى: "هل تريدين أن أقوم بتوصيلك؟"
زوجة خالى قالت بأبتسامه: "كلا.. لا.. لابد أنك تريد أن تتحدث إلى نهله قليلاً."
فهمتُ أن زوجة عمى تقصد بهذا أن تفسح لى المجال بأن أتحدث إلى نهله وأنهى المشكله..
حين أنصرفت زوجة عمى أنتقلتُ من مكانى وذهبتُ لأجلس على طرف الفراش بجوار نهله..
ران الصمت علينا للحظات قبل أن تقطعه نهله حين بدأت تبكى وتنتحب !
حين ذهبت طاهر إلى المطبخ ليعد لنا القهوه ، حملتُ عدة ملفات كنتُ قد أنتهيتُ من كتابتهم على الحاسب ، ثم وضعتهم على المكتب بحجرة طاهر..
وبينما كنتُ فى طريقى لمغادرة الحجره ، وقع بصرى على المكتبه المكدسه بالكتب ، فتملكنى الفضول وأقتربتُ منها ثم تناولتُ بيدى إحدى الكتب ، فوجدت طبقه من الأتربه تغلف الكتاب..
لم أستطيع مقاومة رغبتى فى تنظيف المكتبه ، ولم أضيع وقتاً بطبيعة الحال فأخليتُ أرفف المكتبه من الكتب ووضعتُ الكتب على سطح المكت الخاص بطاهر ، ثم بدأتُ أزيل الأتربه عن الأرفف قبل أن أقوم بتنظيف الكتب لأضعها على الأرفف من جديد..
دلف طاهر إلى حجرته حاملاً القهوه ، وحين لاحظ الفوضى التى تسود المكتب قال بصدمه:
"ساره ! ماذا تفعلين بالله عليكِ؟!"
ألتفتتُ إلى طاهر وهززتُ كتفاى قائله: "أعيد ترتيب المكتبه كما ترى.. كانت الكتب مغلفه بالأتربه.. آه بالمناسبه..هل قرأت كل هذه الكتب؟"
قال: "قرأتُ معظمها.. وقتى ضيق كما ترين يا ساره."
قلتُ: "أذن.. هل بأمكانى أستعارة إحدى الكتب؟"
أبتسم وقال: "المكتبه بأكملها لكِ يا ساره."
أبتسمت بدورى وقلتُ: "شكراً يا طاهر."
طاهر نظر إلى أكوام الكتب الموضوعه فوق سطح المكتب وقال: "وأين سأعمل أذن؟"
قلتُ: "فلتذهب لتعمل فى مكتبى."
بدت أمارات التفكير واضحه على وجه طاهر قبل أن يقول: "كلا.. سأذهب لأعمل بحجرة نهله."
قلتُ: "آه.. بمناسبة الحديث عن نهله.. بما أنها لن تعمل معنا ثانيه ، أعتقد أنه ما من داعٍ لأن تظل الحجره على ما هى عليه ، فلتتخلص من الأثاث وتغلقها كما كانت."
وأكملتُ فى نفسى: "ليطمئن قلبى إلى أنها راحت بلا عوده."
أطال طاهر النظر إلىّ قبل أن يقول: "يبدو أننى لن أستطيع أن أتخلص من الأثاث."
سألته: "لماذا؟!"
أجاب: "لأن نهله ستعود إلى العمل غداّ."
فجر طاهر القنبله وولانى ظهره ثم أنصرف ، بينما ظللتُ أنا مصعوقه بما قاله للحظات ، قبل أن يستعيد عقلى قدرته على التفكير ، وتقفز صورة نهله الموضوعه على مكتبها إلى رأسى بغته..
ركضتُ بسرعه لألحق بطاهر قبل أن يدلف إلى حجرة نهله ، ووجدته يهم بفتح باب حجرة نهله ، فأستوقفته قائله:
"مهلاً.. أنتظرنى لثوانى.. لابد أن حجره نهله غير مرتبه.. سأقوم بترتبها بسرعه."
عاد طاهر وجلس على إحدى المقاعد بالصاله ، بينما دلفتُ أنا إلى الحجره وأغلقت بابها خلفى قبل أن أتوجه مباشرةً نحو صورة نهله ، فأمسكتها ثم أخذتُ ابحث عن مكان يصلح لكى أقوم بتخبأتها فيه..
وبينما كنتُ أدور ببصرى فى أرجاء الحجره ، لاحظتُ وجود عدة أدراج فى المكتبه الخاصه بنهله ، فتوجهتُ نحوها وفتحت إحدى الأدراج المليئه بالملفات وأخفيتُ الصوره بأن وضعتُ فوقها عدة ملفات ثم أغلقتُ الدرج وغادرتُ الحجره وتوجهتُ نحو طاهر قائله:
"بأمكانك أن تذهب الأن."
أبتسم طاهر وقال: "حسناً." ثم توجه نحو حجرة نهله وأغلق بابها خلفه..
عدتُ إلى حجرة طاهر وقمتُ بتشغيل إحدى أغانى نجاة الصغيره وتسمى (إلى رجل) ثم واصلتُ تنظيم المكتبه..
كانت كلمات الأغنيه منطبقه تماماً علىّ ، فكانت تصف حالى مع طاهر..
أنتابنى شعور قوى بأن هذه الأغنيه كُتبت من أجلى ، وكأن كاتبها كان يدرى قصتى مع طاهر ، فكتبها لى أنا..
وبلا شعور ، أمسكتُ بإحدى الأوراق الموضوعه على مكتب طاهر وكتبتُ عليها _ متى ستعرف كم أهواك يا رجلاً ، أبيع من أجله الدنيا وما فيها؟!_
وطويتُ الورقه ، ثم فتحتُ إحدى الملفات الموضوعه على مكتب طاهر ووضعتُ الورقه بداخلها وأعدتُ أغلاق الملف..
هل تظنون أنه سيفهم هذا ؟!
****************
ظللتُ أسير بلا هدى لساعه كامله ، حتى قادتنى قدماى بلا شعور إلى مكتب طاهر..
وقفتُ أسفل البنايه متردداً ، أريد أن أصعد ، لكننى فى الوقت لا أريد أن أزعجه..
حسمتُ أمرى وصعدتُ إلى المكتب..
حين دلفت إلى المكتب لم أجد أحداً بالصاله فأتجهتُ نحو حجرة طاهر حين رأيتُ بابها مفتوحاً ، وحين دلفتُ إليها وجدتها خاليه إلا من ساره التى كانت تقف أمام المكتبه وقد ولت ظهرها لى ، بينما كانت منهمكه فى التنظيف..
غادرتُ الحجره وأتجهتُ نحو الحجره ثم طرقتها ، فأتانى صوت طاهر قائلاً:
"تفضلى يا ساره."
فتحتُ الباب ودلفتُ إلى الحجره فنهض طاهر من مكانه وأقترب ليصافحنى قائلاً: "أهلا يا هانى.. كيف حالك؟"
قال جُملته ثم عانقنى بشوق حقيقى..
مقابلة طاهر لى رفعت معنوياتى كثيراً وأنستنى همومى قليلاً..
جلسنا متقابلين على المقاعد الأسفنجيه ، وحينئذ قال طاهر: "أخبرنى أى ريح طيبه أتت بك إلى مكتبى؟"
ضحكتُ وقلتُ: "فى الواقع إنها ليست طيبه أبداً.. إنها ريح خبيثه جداً."
عقد طاهر حاجبيه ورمقنى بتسأل ، فتابعت: "إنه صالح.. لقد تشاجرنا."
رفع طاهر حاجبيه فى دهشه ثم قال: "لقد حذرتك منه مراراً وتكراراً.. أنت الذى لم تنصت لى."
هززتُ كتفاى وقلتُ: "هذا ما حدث."
سألنى بعد فتره: "وماذا تنوى أن تفعل؟"
قلتُ: "بالطبع سأقدم أستقالتى ، وسأبدأ فى البحث عن عمل أخر."
هز طاهر رأسه بتفهم ولاذ بالصمت لدقائق ، ثم برقت عيناها فجأه وقال: "لما لا تعمل معى يا هانى؟"
تفاجأتُ من أقتراح طاهر ، ورفضته قبل أن أفكر فيه ؛ فأنا لا أريد أن أحمل طاهر عبء فوق أعباءه ، فعلى ما يبدو أن أبنة خاله تعمل معه فى المكتب..
قلتُ: "لا أعتقد أنها فكره جيده.. لا تقلق يا طاهر فسوف أجد عملاً بإذن الله."
قال طاهر بأصرار: "لا تظن أننى أقول هذا لأساعدك.. أننى بالفعل أحتاج لمن يساعدنى فى عملى."
قلتُ: "لكن... يبدو أنك وجدت فعلاً من يساعدك ؛ فهذه الحجره........"
قاطعنى طاهر قائلاً: "تلك الحجره هى حجرة نهله ، ونهله بالكاد تساعدنى فى العمل.. حقيقى أنا أحتاج إليك يا هانى و..."
أعترضتُ قائلاً: "لكن........"
للمره الثانيه قاطعنى طاهر قائلاً بحسم: "لن أقبل الجدال يا هانى.. فلنذهب غداً لننتقى أثاث جديد لحجرتك."
*******************
كان هانى قد أنصرف حين أنتهيتُ من تنظيم المكتبه فذهبتُ إلى طاهر لأخبره بذلك..
طرقتُ الباب فأتانى صوته من وراء الباب يقول:
"تفضلى يا ساره."
فتحتُ الباب ودلفتُ إلى الحجره ، كان طاهر جالساً خلف المكتب وقد شبك زراعيه خلف مكتبه وأسند رأسه عليها، وكان يبدو ناعساً ، كأنه لم ينل قسطاً كافياً من النوم..
تسمرتُ فى مكانى بلا وعى وظللتُ أتأمله غير منتبهه إلى نظراته المتسأله..
أبعد طاهر زراعيه عن بعضهما وأحنى جدعه للأمام ثم أسند رأسه إلى يديه وزراعيه إلى سطح المكتب ، وأخذ يتأملنى ملياً قبل أن يسألنى بصوت خافت:
"ما الأمر؟!"
أفقتُ من شرودى على صوت طاهر ، فقلتُ متلعثمه: "أ.. أأأأ.. آه.. لقد أنتهيتُ من تنظيم المكتبه."
أبتسم طاهر وقال: "عظيم."
ونهض من خلف مكتبه حاملاً بعض الملفات ، ثم أتجه إلى حجرته وبالطبع تبعته لأعرف رأيه فى المكتبه..
نظر طاهر إلى المكتبه نظرة أستحسان وألتفت إلىّ قائلاً: "ممتاز يا ساره.. تستحقين مكافأه على ذلك."
أنا لا أريد منك أى مكافأه يا طاهر.. لا أريد منك سوى شيئاً واحد.. وهو أن تبادلنى مشاعرى..
هل هذا أمراً عسير؟!
أتجه طاهر ليجلس خلف مكتبه ونظر إلى الملفات قائلاً: "هل أنتهيتِ من كتابة كل هذه الملفات؟"
نظرتُ إلى الملف الذى به الورقه والذى كان طاهر يمسك به ، وهوى قلبى على الأرض حين هم بفتحه ، فقلتُ بسرعه:
"كلا.. لم أنتهى من هذا الملف.. أقصد.. لم أراجعه.. أعطنى أياه."
قلتُ جُملتى ومددتُ يدى إليه فقال طاهر: "حسناً.. سأراجعه بنفسى."
أبتلعتُ ريقى بصعوبه وظللتُ واقفه فى مكانى مصدومه ، بينما كان طاهر يرمقنى بنظرات متساءله..
أنتزعتُ نفسى من شرودى وغادرتُ الحجره ثم أغلقتُ بابها خلفى ، ووقفتُ ألتقط أنفاسى بصعوبه..
ظللتُ أحدق فى الباب الذى أغلقته ساره خلفها للحظات ، قبل أن أنتزع نفسى من دهشتى وأبتسم..
أحيانا تتصرف ساره بغموض وتجعلنى أضرب أخماساً بأسداساً ، وأحيانا أخرى تكون واضحه كوضوح الشمس فى كبدِ السماء وشفافه كالماء !
غريب أمر هذه الـ ساره !
واصلتُ عملى وبدأتُ فى مراجعة الملفات التى جلبتها ساره..
وبينما كنتُ أقرأ إحدى هذه الملفات ، أو بالأدق ذلك الملف الذى قالت ساره أنها لم تراجعه ، وقع بصرى على ورقه مطويه بداخله..
وضعتُ الورقه جانباً وأخذتُ أراجع الملف ، ولدهشتى لم أجد به غلطه واحده..
لماذا قالت ساره أنها لم تراجعه أذن؟! رُبما تذكرت أنها نسيت به هذه الورقه..
لكن.. تُرى على أى شئ تحتوى هذه الورقه؟
نظرتُ إلى الورقه بتردد.. أأفتحها لأقرأ ما بها أم علىّ أن أحترم خصوصيتها وأعطيها الورقه دون أن أقرأها؟!
ظلتُ متردداً للحظات قبل أن أحسم أمرى وألتقطتُ الورقه ثم فتحتهافتحها وقرأتُ ما بها..
(( متى ستعرف كم أهواك يا رجلا ، أبيع من أجله الدنيا وما فيها؟ ))
يهيأ لى أننى أعرف هذه الكلمات جيداً.. بلى.. إنها أغنيه لنجاة الصغيره..
لكن.. لماذا هذه الورقه هنا فى الملف؟ أمن الممكن أن تكون ساره قد نسيت ووضعتها فى الملف أم تكون قد وضعتها عمداً ؟!
على أى حال أنا أميل إلى الأقت راح الأول ، وسأتأكد منه بنفسى..
*******************
لم يغادر طاهر حجرته حتى حان موعد أنصرافنا..
هل تعتقدون أنه لم يقرأ الورقه؟ أم يكون قد قرأها وتجاهلها؟ بل ورُبما ضحك منى وسخر من مشاعرى..
إذا كان بالفعل تجاهلنى وسخر من مشاعرى فستكون صدمه بالنسبة لى ، ولن أتردد فى ترك العمل رغم حاجتى إليه..
آه يا طاهر.. ماذا أفعل أكثر من هذا؟ هل أقول لك أننى واقعه فى حبك؟ هل أخبرك بأننى لا أتمنى سواك؟
أنا لا أملك الشجاعه لأفعل.. ليتك تفهم أننى أحبك لتريحنى.. بل ليتك تبادلنى مشاعرى..
فى هذه اللحظه ، غادر طاهر حجرته وأتجه نحوى مُبتسماً !
أبتسامته طمأنتنى قليلاً.. بل فى الحقيقه طمأنتنى كثيراً..
هل تظنون أنه لم يقرأ الملف؟ إذا كان لم يقرأ الملف فسوف أخذ الملف غداً وأمزق الورقه لينتهى كل هذا..
"هيا بنا يا ساره."
قال طاهر الجُمله السابقه فنظرتُ إليه بتعجب وقلتُ: "هيا بنا !! إلى أين؟!"
هز طاهر كتفيه وقال: "سنغادر.. حان موعد الأنصراف."
حملتُ حقيبتى دون مناقشه وسرتُ بجانب طاهر حتى وصلنا إلى السياره..
فتحتُ السياره ودلفتُ إليها بينما دار طاهر حول السياره نصف دوره ليجلس خلف مقعد القياده قبل أن ينطلق بسيارته..
ران الصمت علينا طوال الطريق ، وحين بدأنا نقترب من منزلى ، قررتُ أن أبدأ الحديث فقلتُ لأستدرجه بالحديث: "هل راجعت الملفات؟ هل توجد بها أخطاء؟"
أختلس طاهر النظر إلىّ وقال بلا أكتراث: "مُطلقاً.. لم أجد به خطأ واحد."
قلتُ: "وهل راجعت كل الملفات؟"
أومأ طاهر برأسه إيجاباً ثم قال: "بلى.. كلها.. لكن....."
كنا قد وصلنا إلى منزلى ، فأوقف السياره على جانب الطريق وألتفت لينظر إلى عينى مباشرةً قبل أن يتابع: "لكننى وجدتُ بإحدى الملفات ورقه أعتقد أنها تخصكِ."
أبتلعتُ ريقى بصعوبه ، وأحتقنت الدماء فى وجهى ، بينما مد طاهر يده فى جيب سُترته ثم أخرج الورقه قائلاً بلا مبالاه: "لم أستطيع مقاومة فضولى فقرأتها.. إنها أغنيه لنجاة الصغيره.. أليس كذلك؟"
قلتُ فى خفوت: "بلى.. صحيح."
طاهر قال بجديه: "توقعتُ أنكِ كنتِ شارده وأنتِ تضعين هذه الورقه.. لا أتوقع أن تكونى وضعتيها عمداً.. أليس كذلك؟"
ألمتنى جُملته كثيراً وشعرتُ كأنه يقول لى أننى لستُ سوى مجرد سكرتيره لا أكثر ولا أقل..
قلتُ بصوت يُعبر عن مدى ألمى: "بلى.. كنتُ شارده جداً." وأكملتُ فى نفسى: "وكنتُ واهمه جداً جداً ، وبلهاء جداً جداً جداً."
ألتقطتُ الورقه منه وغادرتُ السياره دون أن أنطق بكلمه واحده..
وبمجرد أن أغلقتُ الباب ، كان قد أنطلق مُسرعاً بسيارته دون أن يلوح لى أو يقول لى وداعاً..
أعتصرنى الألم وأنا أراقب سيارته التى أختفت عن نظرى بسرعه ، وحينئذ شعرتُ بدموعى تسيل على خدى..
لماذا يا طاهر جرحتنى بهذه الطريقه؟ لماذااااااااااا؟
نظرتُ إلى الورقه التى لا زالت فى يدى ، ثم مزقتها بغيظ ونثرتها فى الهواء ، وبينما كنتُ أرى أجزاء الورقه الممزقه وهى تطير فى الهواء ، كان قلبى يتمزق مثلها على قصة حبى التى أنتهت قبل حتى أن تبدأ..
كم كنتُ بلهاء حين ظننتُ أن هذه الورقه الغبيه ستلفت أنظار طاهر إلىّ ! وكم كنتُ ساذجه حين ظننتُ أن طاهر سيبادلنى مشاعرى يوماً ما !
أنا أسفه يا طاهر على كل وقت قضيته أفكر فيك ، أما عن حبى لك فأنا قادره على أن أنتزعه من قلبى أنتزاعاً..
صعدتُ إلى منزلى وفتحتُ الباب بمفتاحى ثم دلفتُ إلى الشقه..
ما أن وطأتُ بقدمى المنزل حتى أتانى صوت أمى من حجرتها وهى تقول: "أهذه أنتِ يا ساره؟"
قلتُ لها بينما كنتُ أتجه نحو حجرتها: "بلى يا أمى.. إنها أنا."
حين دلفتُ إلى حجرتها وجدتُ زينه جالسه الأرض تلعب بدميتها ، بينما كانت أمى مستلقاه على الفراش ، ووجهها شاحب ، ويبدو على مُحياها التعب..
قلتُ بشك: "لا تبدين كذلك يا أمى.. رُبما كنتِ مريضه."
قالت أمى: "يبدو أننى مصابه بالأنفلونزا."
تنهدت وقلتُ: "أذن فلنذهب اليوم إلى الطبيب."
قالت أمى: "كلا.. لن أذهب إلى الطبيب.. إننى بخير.. لقد تناولت كأس من عصير الليمون وبأذن الله سأكون بخير."
أمى عنيده جداً ، ومهما قلتُ لن أستطيع أن أقنعها بأن تذهب إلى الطبيب ، لذا فقد هززتُ كتفاى بقلة حيله وقلتُ:
"حسناً.. ولكن إذا ظللتِ مريضه هكذا حتى غداً ، سنذهب إلى الطبيب."
قالت أمى: "حسناً."
غادرتُ حجرة أمى وبدلت ثيابى ثم دلفت إلى المطبخ وبدأتُ فى أعداد الطعام..
حين أنتهيتُ من أعداد الطعام لم تكن لدى شهيه لتناول أى شئ إلا أننى أجبرت نفسى على تناول الطعام لأشجع أمى التى كانت رافضه تناول أى شئ ، وفى المساء جلستُ فى حجرتى أستذكر دروسى ، وعبثاً أن أفهم حرفاً واحداً..
تباً لك يا طاهر.. ألا أستطيع التفكير فى أى شئ دون أن تقفز إلى رأسى وتحول بينى وبين التفكير فى أى شئ؟!
رميتُ الكتاب فأصطدم بالحائط قبل أن يرتد ويسقط أرضاً ثم بدأتُ فى البكاء.. كنتُ أظن أنك تملك الذكاء الكافى لأن تفهم رسالتى يا طاهر.. كنتُ أظن أنك أذكى من هذا بكثير..
ظللتُ أبكى لساعات لا أعلمها ، وبينما كنتُ جالسه وسط دموعى قفزت جُملة طاهر إلى رأسى فجأه..
"أنا لا يأسرنى سوى الشعر الأسود."
لو لم تكن تبادلنى مشاعرى يا طاهر ، فلماذا جعلت الأمل ينتعش فى قلبى؟!
لماذا جعلتنى أبنى قصوراً من الرمال طالما تنوى أن تهدمها فوق رأسى؟! لماذا؟ لماذا؟
أستيقظتُ فى صباح اليوم التالى على صوت أمى التى كانت تقول: "ساره.. هيا بُنيتى أستيقظى.. الساعة الأن الحادية عشر."
أنتفضتُ من مكانى بذعر وحملقتُ فى ساعه الحائط بدهشه.. إنها فعلاً الحادية عشر..
"ما الذى جعلكِ تنامين هنا؟"
سألتنى أمى ، فنظرتُ حولى لأجدنى جالسه فوق إحدى المقاعد الأسفنجيه بحجرتى ، قلتُ لأمى: "يبدو أننى رُحتُ فى النوم بينما كنتُ أستذكر دروسى."
نظرت أمى إلى الكتاب الملقى بعيداً فى إحدى أركان الحجره ، ثم عادت لتنظر إلىّ قائله: "أذن لابد أن الكتاب قد قفز بنفسه بينما كنتِ نائمه."
قلتُ مغيره مجرى الحديث: "كيف حالك اليوم يا أمى؟ هل أصبحتِ بخير؟"
أمى قالت: "بلى.. حمداً لله.. لقد قلتُ لكِ أنها مجرد أنفلونزا."
قلتُ: "حمداً لله."
حين وصلتُ إلى المكتب كان بابه مفتوحاً فدلفتُ إلى المكتب ، وتوجهتُ مباشرة نحو حجرة طاهر التى كان بابها مفتوحاً ، إلا أننى توقفتُ فى منتصف الطريق حين سمعتُ صوت نهله وهى تقول:
"إن الساعة الأن الثانيه عشر ونصف ، وتلك الفتاه لم تحصر بعد.. يبدو أنك تساهلتُ كثيراً معها.. على أى حال من الأن فصاعدا سأتعامل أنا معها.. وسترى بنفسك أن اللين والرفق لا يجدى مع أمثالها يا حبيبى."
صدمتنى جُملتها ، وصدمنى أكثر أن أسمعها وهى تقول لطاهر "يا حبيبى"..
أنتظرتُ أن أسمع رداً من طاهر ، إلا أنه لاذ بالصمت التام..
أهكذا يا طاهر.. أتتركها تتحدث عنى بهذه الطريقه ؟!
حسناً.. سأترك لكما المكتب كى تهنئا ببعضكما..
*******************
"إن الساعة الأن الثانيه عشر ونصف ، وتلك الفتاه لم تحصر بعد.. يبدو أنك تساهلتُ كثيراً معها.. على أى حال من الأن فصاعدا سأتعامل أنا معها.. وسترى بنفسك أن اللين والرفق لا يجدى مع أمثالها يا حبيبى."
قالت نهله الجُمله السابقه بينما كانت جالسه فوق سطح مكتبى ، وكانت تعبث بخصلات شعرها..
كتمتُ غيظى وحبستُ أنفاسى كى لا أتفوه بما قد أندم عليه ، وقررتُ أن أذهب إلى المطبخ لأعد لنفسى فنجان القهوه ، أو لنقل لأهرب من نهله التى أصبحت لا تُطاق..
حين غادرتُ حجرتى رأيتُ ساره التى كانت تقف على مقربه من الباب والتى كانت تحدق بى بمزيج من الذهول والأستياء ، قبل أن تولينى ظهرها وتنصرف..
ظللتُ متسمراً فى مكانى للحظات ، قبل أن أنتزع نفسى من دهشتى وأركض لألحق بساره..
كانت ساره واقفه فى أنتظار المصعد وموليه ظهرها لى ، أقتربتُ منها وقلتُ: "إلى أين ستذهبين؟!"
كان المصعد قد وصل فوضعتُ يدى على الباب لأمنعها من فتحه ، وقلتُ: "قبل أن تنصرفى دعينى أشرح لكِ."
قالت ساره وهى تحاول أن تفتح باب المصعد: "لا أريد أن أسمع منك أى شئ.. أعتبرنى مُستقيله يا طاهر."
قلتُ: "أستقالتكِ مرفوضه يا ساره.. وستستمعين إلىّ شأتِ أو أبيتِ"
قالت ساره بثوره عارمه: "أفتح لى باب المصعد فأنا لن أستمع إليك مهما فعلت." وحجبت أذنيها بيديها ثم قالت: "أرنى كيف ستجعلنى أستمع إليك الأن؟"
جن جنونى حينئذ ، فمددتُ يداى وأمسكتُ بيديها لأبعدهما عن أذنيها وأجبرها على الأستماع إلىّ ، فأرخت ساره يديها فى حين كانت تنظر إلى عينى بصدمه ، أما أنا فلم أهتم بأبعاد يديها عن أذنيها ، فقد تسمرت يداى حين لامست يديها ، وشعرتُ بقلبى يخفق بقوه !!
إحساس غريب ينتابنى كلما لمستُ يد تلك المخلوقه ، وكلما كنتُ قريباً منها !
أبعدت ساره يديها عن يداى بحركه عنيفه ، ثم نظرت إلىّ بحده وقالت ثائره: "لا تلمسنى.. أبتعد عنى.. ولتذهب إلى الغاليه أبنة خالتك الشقراء."
قالت ساره جُملتها ، وأتجهتُ نحو السلم وهبطتُ إلى الأسفل ، بينما ظللتُ واقفاً فى مكانى بلا حراك..
هبطتُ السلم وأنا لا أكاد أرى شيئاً من غزارة دموعى ، كنتُ أريد أن أبتعد عن طاهر بأقصى سرعه وكنتُ أخشى أن يلحق بى لذا فقد هبطتُ السلم بسرعه ، وكنتُ أتعثر فى كل خطوه ، وأكاد أسقط أرضاً ، حتى وصلتُ إلى الطابق الأرضى بأمان ، فغادرتُ البنايه وأطلقتُ ساقاى للريح ، ودموعى لا تزال تسيل على خدى..
كم ألمنى أن أسمع أبنة خاله تتحدث عنى بهذه الطريقه بل وتناديه بحبيبى ، بينما كان طاهر صامتاً ، لا يعترض على حديثها ولا يوبخها لحديثها عنى بهذه الطريقه !
شكراً جزيلاً على موقفك السلبى هذا يا طاهر.. لم أكن أتوقع منك هذا أبداً.. أنا فعلاً أسفه لأننى أحببتُ شخصاً سلبياً مثلك.. وأسفه على كل وقتٍ قضيته أفكر بك..
لكن على أى حال إن موقفك هذا سيجعل حبى لك يفتر ويقل ورُبما ينعدم تماماً ، كما أن هذا الموقف جعلنى أعرفك على حقيقتك ، دون التستر خلف قناع الطيبه الرقه والوداعه..
الحمد لله الذى كشف لى حقيقتك بسرعه ، قبل أن أتمادى فى شعورى نحوك أكثر من هذا..
أفقتُ من تأملاتى على صوت رنين الهاتف ، فأخرجتُ الهاتف من حقيبتى ونظرتُ به لأجد الرقم المتصل هو رقم طاهر..
أنتظرتُ حتى أنتهى الرنين ثم أغلقت الهاتف بلا تردد ، وبينما كنتُ فى ذلك سمعتُ صوت أحتكاك إطارات إحدى السيارات بالأرض ، فألتفتت لأجد إحدى السيارات تقترب منى بسرعه..
المفاجأه جعلتنى أتسمر فى مكانى وأقف بلا حول ولا قوه ، فأغلقتُ عينى ، وأنتظرتُ بالموت بصدرٍ رحب..
أنتظرتُ أن تصدمنى السياره ، إلا أن شيئاً لم يحدث..
فتحتُ عينى ونظرتُ حولى ، فإذا بى أجد السياره التى كانت ستصدمنى وقد توقفت على قيد أنمله منى بينما كان قائدها يغادر السياره ويتجه نحوى..
أخذتُ أحث قدماى على السير قبل أن يصل السائق إلىّ ، فخطوتُ خطوتان ثم تخاذلت قدماى فى الخطوه الثالثه ، وشعرتُ بالدوار ، فأمسكتُ برأسى وحاولتُ أن أتمالك نفسى إلا أننى لم أستطع وسقطتُ فاقدة الوعى..
********************
عدتُ إلى المكتب بعدما أنصرفت ساره ، وكنتُ ثائراً جداً ، ومستعد لتحطيم أى شئ ، وكل شئ..
ولحسن الحظ أن نهله لم تكن موجوده بحجرتى فى هذا الوقت فلو كنتُ رأيتها فى ذلك الوقت ، لكنتُ قطعتها أرباً ؛ فإن كل ما حدث كان بسببها هى ، وإذا لم تعد ساره إلى العمل فسيكون هذا من تحت رأسها.. ليتنى ما وافقتُ على عودتها إلى العمل.. بل ليتها ما كانت أبنة خالى..
أمسكتُ بهاتفى وحاولت الأتصال برقم ساره إلا أنها لم تجيب علىّ بل وأغلقت الهاتف !
فى هذه اللحظه فتحت نهله باب حجرتى ودلفت إليه دون أن تطرق الباب كعادتها ، فلم أتمالك نفسى وقلتُ لها بأستياء: "لا تدلفين إلى الحجره قبل أن أسمح لكِ بهذا يا نهله."
نهله نظرت إلى بدهشه قبل أن تقول فى خفوت: "أسفه.. لن يتكرر هذا."
قلتُ بحده: "أتمنى هذا."
قالت نهله: "كنتُ أريد أن أسألك عن هذا الملف و......."
قاطعتها قائلاً بحده: "كلا.. عودى إلى مكتبك الأن يا نهله ؛ فإن مزاجى مُتعكر جداً."
قالت بأصرار: "لكن.. هذا الملف سيتم تسليمه إلى مصلحة الضرائب غداً."
زفرتُ بنفاذ صبر وقلتُ: "أذن.. أمامكِ دقيقه واحده فقط ."
أذعنت نهله لرغبتى وسألتنى عما تريده بسرعه ثم قالت: "أخبرنى ماذا دهاك؟ لقد كنت على ما يُرام منذ دقائق."
تجاهلتُ جُملتها تماماً وقلتُ: "ألم أخبرك بما كنتِ تريدين؟"
قالت بحيره: "بلى.."
قلتُ بحسم: "أذن.. عودى إلى مكتبكِ حالاً."
نهله أحتقن وجهها بشده قبل أن تنصرف وتعود إلى مكتبها.. أما أنا فلم أهتم لنهله كثيراً فقد كان تفكيرى كله فى تلك الفتاه التى أنصرفت غاضبه منذ دقائق..
يبدو أننى جعلتُ ساره تفقد الثقه بى.. كم ألوم نفسى على هذا؟ وكم أتمنى لو عاد الزمن إلى الخلف لعدة ساعات ، لكنتُ أخبرت نهله بأن من تتحدث عنها هذه هى الفتاه الوحيده التى أحببتها بصدق ، وهى الفتاه الوحيده التى أتمنى أن تكون زوجتى ، وأتمنى أن تكون أماً لأبنائى..
بلى.. لا تتعجبون هكذا.. إننى أخبركم بكلِ صراحه ووضوح عما كنتُ أخفيه بقلبى منذ أن رأيتُ هذه المخلوقه..
إننى فعلاً أحب ساره وأتمناها زوجة لى ، لكننى فى الوقت ذاته لا أستطيع أن أخبرها بحبى لها ، لا أستطيع لأننى لا أدرى إذا كانت ساره تبادلنى مشاعرى أم لا ، كما أننى أخشى ألا تكون تبادلنى مشاعرى ، فسوف يكون الوضح حساساً ، خاصة وأنها سكرتيرتى..
عدتُ إلى مكتبى وأغلقتُ الباب خلفى ، ثم رميتُ الملف بكلِ قوتى ، فتبعثرت أوراقه ، وطارت فى الهواء قبل أن تسقط أرضاً ، ومع سقوتها سالت دموعى حارقه على خدى..
تباً لك يا طاهر.. لقد أتعبت لى أعصابى بمزاجك المتقلب هذا ؛ لقد كنت منذ دقائق على ما يُرام ، ماذا أصابك أذن؟!
ألهذه الدرجه أستأت ؛ لأننى قلتُ أنك تساهلت مع محبوبتك الغاليه؟! أليست هذه هى الحقيقه؟ ألست تدللها كثيراً؟ أليست هذه هى الفتاه التى تحبها؟
ليتنى متتُ يا طاهر ، ليتك لم تذهب بى إلى المستشفى ، ولم أحيا لأرى حبك لتلك الطفله واضحاً أمام عينى..
لماذا أنقذتنى يا طاهر؟ لماذا لم تتركنى أموت؟ لماذا تبرعت لى بدمك؟
كيف تنتظر منى أن أتوقف عن حبك بينما دمائك تمتزج بدمائى وتجرى فى عروقى !؟ لقد أصبحت بالفعل جزءاً لا يتجزأ منى.. وأنا لن أتنازل عنك أبداً.. وسأفعل أى شئ لتكون لى..
ولى وحدى..
أفقتُ من شرودى على صوت طرقات على باب حجرتى..
رُبما شعر طاهر بالندم على ما قاله لى وهو الأن يريد أن يراضينى ويعتذر لى.. هل تظنون أنه يريد الأعتذار لى بالفعل؟
مسحتُ دموعى بسرعه وقلتُ: "تفضل."
فتح طاهر الباب ووقف عن عتبته دون أن يتقدم خطوه واحده ، فقلتُ دون أن أنظر إليه: "نعم؟"
قال طاهر: "سأنصرف الأن."
تفاجأتُ وحملقتُ به فى دهشه ، أأتيت لتخبرنى بانك ستنصرف ولم تأتى لتعتذر لى!؟
قلتُ: "ستنصرف؟! لماذا؟ الوقت مازال باكراً على الأنصراف."
طاهر نظر إلىّ بأستياء ثم قال بعصبيه لم أتوقعها: "أنا حر يا نهله.. هذا شأنى.."
قال طاهر جُملته وأغلق الباب خلفه..
ظللتُ أحدق فى الباب للحظات فى ذهول قبل أن أنهض من مكانى وأركض خلفه لألحق به..
لم يكن طاهر قد غادر المكتب إلا أنه كان يسير فى أتجاه الباب ، فأقتربتُ منه وأستوقفته حين أمسكتُ بيده قائله:
"أنتظر يا طاهر.. أريد أن أتحدث إليك."
**********************
اللهم أنى لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه..
كنتُ قد بدأتُ أستعيد وعيى شيئاً فشيئاً حين تشممتُ عطراً مميزاً من الصعب أن تخطأه أنفى.. فكم أعشق هذا العطر! وكم أعشق صاحبه!
فتحتُ عينى ببطئ وحذر فوجدت نفسى مستلقيه فوق سرير صغيره بحجره خاليه تماماً إلا من سرير أخر ، ومنضده صغيره موضوعه بين السريرين ، وفوق هذه المنضده كانت تستقر ميدالية المفاتيح الخاصه بطاهر !!
كان واضحاً جداً أننى فى مستشفى ، لكن كيف عرف طاهر مكانى؟ وما الذى أتى به إلى هنا؟
أفقتُ من شرودى حين سمعتُ صرير الباب وهو يفتح ، فأغلقتُ عينى بسرعه وتظاهرتُ بالنوم ، وحينئذ سمعتُ صوت خطوات سريعه تقترب منى قبل أن يتوقف صاحبها بجانب سريرى قليلاً ، فتخللت رائحة عطره أنفى ، لتعلن عن صاحبها الذى عرفته قبل أن أتشمم عطره ؛ فحين يكون طاهر بجانبى ، يخفق قلبى بقوه ، وتضطرب كل ذره فى جسدى..
سمعتُ صوت خطوات طاهر وهو يتجه نحو الباب ليغادر الحجره ويغلق الباب خلفه..
ظللتُ مُغلقه عينى لدقيقه كامله حتى أتأكد من مغادرته الحجره ، ثم فتحتُ عينى ، وما أن فعلتُ حتى أصطدمت نظراتى بتلك العينان اللتان أذوب فى سحرهما ، وأعشقهما كما لم أعشق من قبل ، واللتان كانتا تنظران إلىّ بذهول ، قبل أن يقول طاهر بأستنكار:
"ألهذه الدرجه لا تطيقين رؤيتى؟!"
أشحتُ بوجهى عن طاهر ، ولذتُ بالصمت التام..
"أنا أتحدث إليكِ يا ساره."
قال طاهر الجُمله السابقه بأنفعال ، فقلتُ ببرود وبدون أن أنظر إليه: "أسمعك جيداً.. لكنى لا أريد الرد عليك."
سألنى طاهر: "ولما لا تريدين الرد علىّ؟ أمازلتِ غاضبة منى؟"
قلتُ: "طبعاً.. وسأظل غاضبه منك إلى الأبد."
ظل طاهر صامتاً للحظات ثم تنهد بقوه وقال: "يا ساره.. أنتِ لديكِ عقلاً كبيراً ، كان لابد أن تتفهمى موقفى ، لقد لذتُ بالصمت ولم أوبخ نهله على ما قالته ؛ لأننى كنتُ أخشى لو أغضبت نهله أن تتهور وتنتحر مُجدداً."
بدا لى طاهر كأنه يروض طفله صغيره ، وهذه الفكره جعلتنى أستاء كثيراً فألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ بأنفعال: "أتظن أنك بمدحك لى ستخدعنى؟! لا يا طاهر.. أفيق من وهمك.. أنا لستُ طفله تستطيع خداعها بكلامك الجميل."
شعرتُ بحماقة ما تفوهتُ به منذ لحظات ، حين رأيتُ وقع كلماتى على طاهر الذى أخذ ينظر إلىّ وقد تجلى الحزن على وجهه قبل أن يقول بجديه: "ومتى خدعتكِ يا ساره؟"
قلتُ بسرعه: "لم تخدعنى من قبل ، لكنك الأن تحاول خداعى بهذا الكلام الجميل.."
طاهر نظر إلىّ طويلاً ثم قال: "أنا لا أحاول خداعكِ يا ساره."
قلتُ بأصرار: "بل تخدعنى يا طاهر ؛ فأنت مازلت تحب نهله حتى الأن رغم محاولاتك المستميته لنكران هذا الأمر."
قال طاهر بجديه: "حسناً.. سأعتبر أننى فعلاً مازلتُ أحبها و..........."
قاطعته قائله: "إنها الحقيقه يا طاهر.. أكمل ما كنت تقوله."
ضحك طاهر وقال: "إذا كنتُ أحبها فعلاً ، فأين المشكله أذن؟ لا توجد مشكله لأن هذا ما تريده نهله.. وهذا مستحيل أن يحدث."
نظرتُ إليه بشك وقلتُ:ألا تكن لها ولو مشاعر ضئيله؟!"
طاهر هز رأسه نافياً وقال: "كلا.."
شعرتُ بصدق كلامه ، فقلتُ بدون تفكير: "أذن لا تسمح لها بأن تناديك بحبيبى ؛ فأنا لا أحب أن أسمعها وهى تقول لك حبيـــ..."
بترتُ جُملتى بغته حين أنتبهتُ لما قلته ، وحين رأيتُ طاهر وهوأتسعت عينا طاهر بدهشه ، فتابعتُ: "أقصد كى لا تتعلق بك أكثر من هذا."
بدا طاهر غير مقتنع بكلامى ، فأخذ ينظر إلىّ بعمق ويحاول أن يقرأ السبب الحقيقى فى عيناى..
أشحتُ بوجهى عنه مجدداً لأهرب من نظراته ، فإذا بطاهر يمد يده ويدير وجهى نحوه لأواجهه ، أبعدت يده عن وجهى بحركه عنيفه فإذا به يضحك من جديد ! يبدو أن طاهر يجد كل تصرفاتى اليوم مضحكه !
غادرتُ الفراش ، وتقدمتُ خطوتان نحو الباب ، إلا أننى شعرتُ بالدوار فتوقفتُ قبل أن أخطو الخطوه الثالثه ، وألتقطتُ أنفاسى بصعوبه وأمسكتُ برأسى فى محاوله لأستعادة توازنى إلا أننى بدأتُ أترنح وكدتُ أسقط لولا أن أمسكت بى يدان قويتان من الخلف وأدرانى صاحبهما لأواجهه ثم قال بقلق: "هل أستدعى الطبيب؟"
قلتُ بسرعه: "كلا." ثم أبعدتُ يده عنى وقلتُ: "فقط أبتعد عنى.. بأمكانى السير دون مساعدتك."
أبتعد طاهر عنى وقال: "هيا.. أرينى قدرتكِ على السير دون مساعده."
رفعتُ رأسى بكبرياء وسرتُ مترنحه لعدة خطوات قبل أن يمسك بى طاهر من جديد قائلاً: "لا تكونى عنيده."
أذعنتُ له وتركته يساعدنى على السير حتى غادرنا الحجره فوجدتُ نهله واقفه بجوار سائق السياره التى كادت أن تصدمنى ، وحين أنتبها لنا أقتربا منا وقالت نهله ببساطه وكأن شيئاً لم يكن: "حمداً له على سلامتكِ يا ساره."
بينما قال السائق: "كيف حالك؟ هل صرتِ بخير؟"
قلتُ: "بلى.. شكراً لكما."
قال السائق: "هل تريدين منى أن أقوم بتوصيلك إلى أى مكان."
قال طاهر بغلاظه لم أعهدها به: "شكراً لك.. أنا سأقوم بتوصيلها."
هز الرجل كتفيه قبل أن يبتعد عنا ، وفى هذه اللحظه أقتربت نهله منى وأبعدت طاهر عنى بلطف مصطنع وقالت: "دعنى أساعدها أنا على السير.. أستندى علىّ يا ساره."
فهمتُ أن نهله كانت تريد أبعادى عن طاهر الذى زفر بضيق بينما كان يسير بجانبنا ، وحين وصلنا إلى السياره فتح طاهر لى باب السياره المجاور له وأبعد نهله عنى ثم أخذ يساعدنى على الدخول إلى السياره..
رغم أننى لم أكن مريضه جداً كما كان طاهر يعتقد ، إلا أننى كنتُ مُستمتعه جداً بأهتمام طاهر بى وبقلقه علىّ ، وأستياءه من نهله..
لف طاهر حول سيارته نصف دوره وجلس خلف عجلة القياده بينما جلست نهله فى المقعد الخلفى ، ومن خلال المرأه الموضوعه بالسياره أستطعتُ أن أرى وجه نهله التى أحتقن بشده..
أرأيتِ يا نهله؟ هذا هو جزاء كل من يجروء على التحدث عنى بطريقه سيئه.. أتمنى أن تكونى قد تعلمتِ الدرس جيداً..
قاطع طاهر تأملاتى حين قال: "بالمناسبه يا ساره.. لقد كانت نهله تريد الأعتذار إليكِ عما قالته اليوم.. أليس كذلك يا نهله؟"
قالت نهله بحنق واضح: "بلى.. أنا أسفه يا ساره."
أبتسمتُ وقلتُ: "فى هذه الحاله ، سأفكر فى العوده إلى العمل مجدداً."
قال طاهر: "أتمنى هذا يا ساره.. وبالمناسبه فإن هناك خبراً مهماً لكما."
نظرتُ إلى طاهر بتساؤل فتابع: "إن هانى سينضم إلينا بعد أيام."
قالت نهله: "تقصد أنه سيعمل معنا؟"
قال طاهر بنفاذ صبر: "وهل هناك معنى اخر لكلامى يا نهله؟"
كنا قد وصلنا إلى منزلى ، فتوقف طاهر على جانب الطريق وقال لى: "أراكِ غداً يا ساره."
أبتلعتُ غضبى وأستيائى وتظاهرتُ بالبرود وأخذتُ ألوح لطاهر ، بينما نهله فقد تجاهلتها تماماً ، وكأن لا وجود لها.
**********************
بعدما قمتُ بتوصيل نهله بدورها إلى منزلها مررتُ على هانى الذى كان بأنتظارى وذهبنا إلى السوق لنشترى أثاث لحجرته فى المكتب ، وبينما كنا ندور فى المحلات أخبرتُ هانى عما حدث اليوم فضحك وقال: "وتريدينى أن أعمل معك فى مستشفى المجانين هذه؟!"
قلتُ بجديه: "لقد ضقتُ ذرعاً بهذا الوضع يا هانى.. ليتنى ما أذعنتُ لرغبة أمى.."
ضحك هانى وقال: "ولما لا تريح نفسك وتريح نهله وتتزوجها؟"
نظرتُ إلى هانى بأستنكار وقلتُ: "هل ستعود لتتحدث فى هذا الأمر مُجدداً؟"
قال هانى: "بلى.. سأظل أتحدث فى هذا الأمر حتى تتزوج نهله وحينئذ تكون مُهمتى قد أنتهت."
قلتُ مازحاً: "ولما لا تتزوجها أنت؟"
ضحك هانى وقال بأستنكار: "أنا أتزوج نهله؟! كلا.. لا.. هل تريدينى أن أفقد الجزء الوحيد المتبقى من عقلى؟!"
ضحكتُ وقلتُ: "أرأيت كم أصابك الهلع لمجرد فكرة الزواج من نهله بينما أنت لا تعرفها مثلما أعرفها؟! فما بالك بى أنا."
نظر إلىّ هانى بأسى مصطنع ووضع يديه على كتفاى ثم هز رأسه بأسف وقال: "طاهر يا بُنى.. كان الله فى عونك على مُصيبتك."
أوصلنى طاهر إلى منزلى ، وعبثاً حاولتُ أقناعه بأن يصعد معى إلى منزلى ؛ فتحجج بأنه سيقابل هانى..
بالطبع لم أصدقه ؛ لأننى أدرى الناس بطاهر ، وأتوقع أن يكون ميعاده هذا مع ساره ، وإن لم يكن مع ساره فبالتأكيد مع أى فتاه أخرى !
حين وصلتُ إلى منزلى ، فتحت لى أمى باب الشقه وكانت مبتهجه جداً جداً ، وحين ألقيتُ عليها التحيه أجابتها باسمه وقالت: "هل لا بدلتِ ملابسك بسرعه؟ ؛ فإننا لدينا ضيوف اليوم."
سألتُ أمى: "ومن هم الضيوف؟ هل أعرفهم؟"
قالت: "بلى.. إنه صديق والدكِ وعائلته."
قلتُ: "أذن..... ولما هذه الزياره المفاجأه؟"
أمى قالت: "لا أدرى.." وتابعت بسخريه: "لم يقدموا لى أسباب الزياره قبل مجيئهم؟"
هززتُ كتفاى وقلتُ: "حسناً.. لا أظن أن وجودى مهم ، سأظل فى غرفتى حتى يغادرون."
قالت أمى بسرعه: "لكن وجودك ضرورى ؛ لقد أتوا من أجلكِ."
أبتسمت أمى وقالت: "لما لا ترتدين ذلك الفستان الأحمر؟ أنه يليق عليكِ كثيراً."
قلتُ بنفاذ صبر: "سأرتدى الفستان الأسود يا أمى."
ثم دلفتُ إلى حجرتى وبدلتُ ثيابى ودلفتُ إلى حجرة الصالون ، كان صديق والدى يجلس بجانب والدى على المقعد الكبير ، أما والدتى فكانت تجلس بالقرب من والدى ، أما عائلة صديق والدى فكانت مكونه من زوجته وأبنه "عُمر" ، صافحت كلا من زوجته وأبنه الذى كان رجلاً فى منتصف الثلاثينيات من عُمره ، ولم يكن على قدر كبير من الوسامه..
جلستُ على أقرب مقعد وكان بجوار زوجة صديق والدى فأبتسمت لى السيده وسألتنى: "فى أى سنه دراسيه أنتِ؟ هل أنتِ فى المرحله الثانويه"
أجبتها: "لقد أنهيتُ دراستى الجامعيه."
قالت السيده: "ما شاء الله.. وهل تعملين؟"
قلتُ: "بلى.. إننى أعمل مع أبن عمتى بمكتب محاسبه."
سألتنى: "أنتِ محاسبه أذن؟"
أجبتُ: "بلى."
أتسعت أبتسامتها وقالت: "رائع.. بارك الله فيكِ يا أبنتى."
نظرتُ إلى أمى فوجدتها تستمع إلينا بأنصات ، فأختلستُ النظر إلىّ عمر فوجدته ينظر إلىّ بتمعن !!
بعد قليل أنصرف صديق والدى وعائلته ، وحينئذ سألت أمى: "هل لا شرحتِ لى ما يحدث يا أمى؟"
أبتسمت أمى أبتسامه غامضه وقالت: "الأمر واضح كوضوح الشمس فى كبد السماء."
قلتُ: "أتقصدين أن..........."
قاطعتنى أمى قائله: "إنه شاب رائع وثرى ، وهو طبيب ولديه عياده خاصه ، هذا غير عمله فى المستشفى.. لا أظن أنكِ سترفضينه.. مبارك لكِ يا بُنيتى." !
****************
فى صباح اليوم التالى ، بينما كنتُ أفتح باب المكتب الخارجى بمفتاحى ، أتت ساره من خلفى وقالت: "صباح الخير يا طاهر."
ألتفتتُ إلى ساره وقلتُ: "صباح الخير يا ساره.. لم أتوقع أن تأتى اليوم إلى المكتب."
أبتسمت ساره وقالت مازحه: "لماذا؟ لقد حصلتُ على أعتذار رسمى ، وأمام شهود."
بادلتها الأبتسامه وقلتُ: "أخبرينى كيف حالك اليوم؟"
قالت: "حمداً لله."
رددتُ خلفها: "حمداً لله."
كنتُ قد فتحتُ باب المكتب فدلفتُ إليه وضغطتُ زر الأضاءه ، فدلفت ساره بدورها إلى المكتب وقالت: "ما رأيك فى فنجان قهوه؟"
قلتُ بحماس: "جميل.. خاصه إذا كنتِ ستعدينه بنفسك."
أبتسمت ساره وقالت: "حسناً.. سأعد لك أجمل فنجان قهوه على الأطلاق."
وأتجهت نحو المطبخ بضع خطوات قبل أن تتوقف فجأه وتمسك برأسها ، هرولت نحوها بسرعه وسألتها: "هل تشعرين بشئ؟ هل عاد الدوار؟"
قالت ساره بصوت واهن: "بلى.. أخشى أنه قد عاد."
قلتُ: "أنكِ ضعيفه جداً يا ساره.. لابد أن تهتمى وتذهبى إلى الطبيب.. رُبما كانت لديك مشكلة ما لا قدر الله."
قالت ساره بسرعه: "كلا.. لقد أصبحتُ بخير."
وعادت لتسير نحو المطبخ ، فخشيتُ أن يعاودها الدوار ، فقلتُ لها: "سأرافقكِ إلى المطبخ."
********************
لم أكن أشعر بالدوار فى الواقع ؛ إلا أننى كنتُ أريد المزيد من الأهتمام من قبل طاهر ، فأفتعلتُ أحساسى بالدوار ، وحققتُ الهدف المطلوب ؛ فقد بدا طاهر قلقاً علىّ ، وأمسك بيدى ورافقنى إلى المطبخ !
حين دلفتُ إلى المطبخ أحضر طاهر لى مقعداً وقال لى: "أجلسى هنا وأستريحى ؛ وأنا سأعد لكِ القهوه."
أعترضتُ وقلتُ: "كلا.. أنا سأعدها بنفسى.. لقد قلتُ منذ قليل أنك تحب القهوه التى أعدها."
أذعنتُ لرغبات طاهر ، وأخذتُ أراقبه بينما كان يعد القهوه ، وحين أنتهى من إعداد القهوه وضع الفنجانين فى الصينيه وقال لى: "سأذهب لأضعهم فى الخارج ، ثم سأتى إليك لتستندين علىّ."
غادر طاهر المطبخ وعاد بعد قليل ، ومد لى يده لأستند عليه ، جميل جداً أن أشعر أن هناك من يهتم بى ويقلق علىّ !
كان طاهر قد وضع القهوه فى الأنتريه الموضوع فى الصاله ، فجلستُ على إحدى المقاعد ، فقدم لى طاهر فنجان القهوه قبل أن يجلس فى المقعد المقابل لى..
أخذتُ أرتشف قهوتى فى صمت ، وحين أنتهيتُ منها وضعتها فوق المنضده ونظرتُ إلى طاهر الذى كان يتأملنى دون أن يرشف رشفه واحده من فنجانبه..
سألته: "لما لا تشرب القهوه؟ ألا تعجبك؟"
قال طاهر: "لا بأس بها ؛ إلا أنها ليست كالتى تعدينها على أى حال."
قلتُ: "أسفه لأننى لم أصنعها لك."
ظل طاهر ينظر إلىّ بتمعن قبل أن يقول: "ساره.. إذا كنتِ مريضه ولن تستطيعين العمل فسوف أقوم بتوصيلكِ إلى منزلكِ حالاً."
قلتُ بسرعه: "كلا.. لا.. أنا بخير جداً."
قال طاهر: "حسناً.. لكن إذا شعرتِ بالدوار مره ثانيه فأخبرينى."
قلتُ: "حسناً."
أتجه طاهر إلى حجرته وأغلق بابها خلفه ، بينما جلستُ أنا خلف مكتبى وبدأتُ فى الكتابه على الحاسب الألى..
فى اليوم التالى ، بينما كنتُ أقف فى أنتظار المصعد أتى شخص ما ووقف بجانبى فى أنتظار المصعد ، لم أهتم كثيراً بالنظر إليه وأنتظرتُ حتى وصل المصعد ودلفتُ إليه ، فدلف هذا الشخص بدوره وقال لى: "أى طابق تريدين؟"
أجبتُ بدون أن أنظر إليه: "الثانى."
ضغط الشاب الزر ثم نظر إلىّ وقال: "معذره ولكن.. هل ألتقينا من قبل؟"
نظرتُ إلى الشاب ، كان طويلاً ، مفتول العضلات ، وكان أبيض البشره ، أسود العينان والشعر ، ملامحه جذابه ، عرفتُ بسرعه أنه هو من كاد أن يصدم ساره بسيارته ، إلا أننى قلتُ نافيه: "لا أعتقد."
كان المصعد قد وصل إلى الطابق الثانى ، فقال لى: "لقد تذكرت.. إنكِ صديقة الفتاه التى كدتُ أصدمها بالأمس."
أفتعلتُ النسيان وقلتُ: "آه.. أنه أنت أذن.. أهلاً بك."
قال الشاب: "أهلاً بكِ.. أسمى عابد."
قلتُ بلا أكتراث: "تشرفنا.."
وكدتُ أغادر المصعد لولا أنه أستوقفنى حين قال: "يبدو أننا جيران.. إننى أقيم فى الطابق الرابع.. لقد أنتقلتُ إلى هنا الأسبوع الماضى.. هل تقيمين هنا؟"
قلتُ: "كلا.. إننى أعمل فى مكتب المحاسبه."
قال: "يالها من مصادفه جميله! لقد كنتُ أبحث عن مكتب محاسبه ليتولى لى أمور الضرائب و......"
قاطعته قائله بنفاذ صبر: "أذن.. تفضل بزيارتى فى مكتبى."
أبتسم الشاب وقال: "حسناً.. سأقوم بزيارتك مكتبكِ قريباً.. تشرفت بمعرفتك يا أنسه......"
كان يشير بهذا إلى أنه لم يعرف أسمى بعد ، فتجاهلته تماماً ، وأصطنعتُ عدم الفهم وقلتُ: "وأنا أيضاً تشرفت بمعرفتك."
قلتُ جُملتى وغادرتُ المصعد وأتجهتُ نحو المكتب ، كانت ساره جالسه خلف مكتبها ومنهكمه فى الكتابه على الحاسب الألى ، ألقيتُ عليها التحيه ، فرفعت بصرها إلىّ وأجابت تحيتى ، فقلتُ لها بلطف مصطنع: "كيف حالك اليوم يا ساره؟"
قالت ساره بأقتضاب: "أنا بخير."
قلتُ: "تبدين مريضه.. لما لم تظلى فى منزلك اليوم حتى تتحسن حالتكِ قليلاً؟"
قالت ساره بحسم: "لكنى بخير.. وقد أتيت اليوم.. شكراً على النصيحه."
فهمتُ أن ساره تنهى بهذا الحوار فهززتُ كتفاى وقلتُ: "حسناً.. كما تشائين."
قلتُ جُملتى وأتجهتُ نحو حجرة طاهر المُغلقه وطرقتها..
*************************
سمعتُ صوت طرقات على باب حجرتى ، فتوقعتُ أن تكون ساره ؛ لأن نهله لا تطرق الأبواب ، هذا غير أنها لم تصل بعد..
قلتُ: "تفضلى يا ساره."
فُتح باب الحجره وظهرت من خلفه نهله ! يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم !
"صباح الخير يا طاهر."
ألقت نهله التحيه علىّ فأجبتُ قائلاً: "صباح الخير يا نهله.. أتيتِ اليوم متأخره نصف ساعه"
نهله أبتسمت وقالت: "أليس من حقى أن أتأخر قليلاً يا حبيبى؟"
ها قد بدأنا ، قلتُ: "لا تنادينى بحبيبى ثانيه يا نهله.. ورجاءً لا تتأخرى غداً."
جلست نهله فى مواجهتى ووضعت إحدى ساقيها فوق الأخره ثم قالت: "لماذا؟ ألست حبيبى بالفعل؟"
أجبتُ: "كلا.. لست حبيبك."
تجلى الحزن على وجه نهله ثم قالت بنره حزينه: "رُبما كنت لا تبادلنى مشاعرى ، ورُبما كانت مشاعرك ملك لأخرى ، لكن هذا لا يمنعنى من حبك." وأبتسمت ثم قالت: "أذن فأنت حبيبى."
قلتُ بجديه: "نهله.. رجاءً دعكِ من هذه الأوهام وكونى واقعيه ؛ فأنا لستُ حبيبك ولن أتزوج سوى من الفتاه التى أحبها."
أطالت نهله النظر إلىّ ، ثم قالت بأسى: "ساره هى هذه الفتاه.. أليس كذلك؟"
قلتُ بصدق: "بلى.. أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها."
أغرورقت عينا نهله بالدموع وقالت: "لماذا يا طاهر؟ إنها ليست أجمل منى ، ولا يوجد بها شئ يميزها عنى."
قلتُ: "رُبما كنتِ بالفعل أكثر جمالاً منها ، لكنى أحبها يا نهله ، وهى لم تتركنى لأجل شخص أخر ، ولا أظن أن تصرف كهذا يصدر من فتاه بريئه ونقيه مثل ساره."
بدأت دموع نهله فى الأنهمار على وجهها ، فقلتُ لها: "رجاءً لا تبكى يا نهله.. فأنتِ لم تحبينى أبداً ، ويوماً ما ستجدين من تحبينه ويحبك."
قالت نهله بصوت ضعيف: "لكنى أحبك فعلاً.. أنك جزءً لا يتجزأ منى.. لن أستطيع أن أحيا بدونك يا طاهر."
جثملتها الأخيره جعلتنى أتذكر محاولاتها للأنتحار ، فقلتُ: "أعرف أن هذا الكلام يجرحكِ ، لكن مهما كان كلامى جارحاً ، لا يجب عليكِ أن تفكرى فى الأنتحار ثانيه."
قالت نهله بأنفعال: "أنا لستُ مجنونه لأفكر فى الأنتحار ، لقد كان حادثاً ، وكنتُ يائسه فتركت الجرح ينزف ، لم أتعمد الأنتحار ، لكنى وجدتها فرصه للخلاص من عذابى."
كلامات نهله أراحتنى كثيراً ، أزالت عن عاتقى حملاً ثقيلاً ، فقلتُ لها: "أنتِ فتاه جميله يا نهله.. والكثيرون يتمنون الأرتباط بكِ.. لا تضيعى فرصاً قد لا تعوض."
نهله نظرت إلىّ طويلاً ثم قالت: "أذن.. لقد أخبرتك أمى عن ذلك الطبيب الذى تقدم لخطبتى بالأمس."
لم أكن أدرى شيئاً عن ذلك الطبيب الذى تتحدث عنه نهله ، فقلتُ لها: "لم يخبرنى أحداً عن أى شئ.. أننى أتحدث عن الأمر بصوره عامه.. وأنصحكِ بأن تقبلى بهذا الطبيب."
نهله ظلت صامته للحظات ، قبل أن تنهض من مكانها وتجفف دموعها قائله: "حسناً يا طاهر.. لن أقول لكِ يا حبيبى ثانيه.."
ولتنى نهله ظهرها وتقدمت خطوتين فى أتجاه الباب ، ثم توقفتُ وألتفتت إلىّ وقالت: "لقد قابلتُ ذلك الشاب الذى كاد يصدم ساره بسيارته بالأمس ، إنه يقيم هنا فى نفس البنايه وأسمه عابد ، وقد قال أنه سيأتى إلى مكتبنا لأنه يريد نتولى له أمور الضرائب.. رجاءً تولى هذا الأمر بنفسك."
ظللتُ أتقلب على سريرى ، من جانب إلى أخر ، وعبثاً حاولت النوم ؛ كنتُ أشعر بأننى أتقلب على جمرٍ مُتقد من النار رغم برودة الهواء!
وقد كان صوت طاهر المنبعث من عقلى يؤرقنى ، والحقيقه أنه.. يؤلمنى بشده..
"أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها." "أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها." "أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها." "أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها." "أنا أحب ساره وأفكر جدياً فى الأرتباط بها."
ظلت كلماته تتردد فى عقلى وكلما حولت تجاهلها ونسيانها كلما أزداد ترددها أكثر وأكثر فى عقلى..
نهضتُ من مكانى وفتحت النافذه على مصرعيها لأستنشق الهواء ، فإذا برياح شديده تعصف بحجرتى ، فتطايرت الأوراق الموضوعه على سطح مكتبى ، وأصبحت حجرتى تغرق فى الفوضى..
أنحنيتُ لأجمع الأوراق ، وحين أنتهيتُ من جمعها ، جلستُ خلف مكتبى وألتقطتُ ورقه بيضاء ، ثم كتبت تلك الأبيات..
طريق طويـــــــــل ، قد يكون بلا نهايه..
أيام حملت من الألام والعذاب ، ما فيه الكفايه..
أعلم أن الفراق كان بيدى ، فما كنتُ أدرى أن أبتعادك عنى سيدمرنى ويجعلنى أشلاء وبقايا..
ياليتنى كنتُ أدرى مصير الطريق من البدايه!
ماكنتُ سلكته ، وما كانت أصل الحكايه..
فمتى بالله تسدل الستائر وتعلن النهايه؟
نهاية الفراق ، لنعود يا حبيبى كما كنا فى البدايه..
طويتُ الورقه وفتحت إحدى أدراج مكتبى لأضع الورقه بها ، فأستوقفتنى تلك الصوره بالدرج..
ألتقطتها بلا شعور ، ثم وضعتُ الورقه بالدرج وذهبتُ لأجلس على طرف فراشى ، وتلك الصوره بين يدى..
تركتُ أبتسامتى تطفو على شفتاى وأنا أنظر لصورتى أنا وطاهر التى ألتقاطها لنا هانى قبل خمس سنوات ، حين كنا فى الجامعه ، وقد كنا نجلس متجاورين ويدانا متشابكه!
أعادتنى هذه الصوره إلى الخلف عدة سنوات ، وتذكرتُ كم كان طاهر يحبنى! وكم كان يعاملنى برقه!
ليت هذه الأيام تعود! ليتنى حافظت عليك يا طاهر! ليتنى ما تركتك!
"رُبما كنتِ بالفعل أكثر جمالاً منها ، لكنى أحبها يا نهله ، وهى لم تتركنى لأجل شخص أخر ، ولا أظن أن تصرف كهذا يصدر من فتاه بريئه ونقيه مثل ساره."
قفزت جُملة طاهر إلى رأسى بغته ، وأعادتنى إلى الواقع الأليم ، وهو أن طاهر غارقاً حتى أذنيه فى حب ساره ، وأن محاولاتى لعودتنا من جديد ستبوء بالفشل فى النهايه ، هذا لو أنها لم تبوء بالفشل بالفعل..
*******************
أستيقظتُ فى صباح اليوم التالى لأجد نفسى نائمه على سريرى وصورة طاهر بين أحضانى!
كنتُ أشعر بألم شديد برأسى ، رُبما كان ذلك بسبب الدموع التى ذرفتها بالأمس ، أو رُبما لأننى لم أنام سوى ساعات قليله جداً ومتقطعه ، ورُبما كانت من كثرة التفكير..
فى الحقيقه أنا لستُ متأكده من السبب الحقيقى لألم رأسى ، لكنى متأكده من شئ واحد فقط ، وهو ضرورة صرف مشاعرى عن الرجل الوحيد الذى أحببته ، وطوى هذه الصفحه تماماً..
ذهبتُ وأخذتُ حماماً دافئاً ، ثم أرتديتُ ملابسى وذهبتُ إلى المكتب..
كانت ساره هى أول من قابلتُ عند دخولى إلى المكتب ، فقد كانت تجلس خلف مكتبها ، وكانت تطالع كتاب ما ، وجدتها فرصه جيده لأن أصلح المشاكل التى بينى وبينها ، فأقتربتُ منها وقلتُ:
"صباح الخير يا ساره."
رفعت ساره بصرها قليلاً ، ونظرت إلىّ ثم قالت: "صباح الخير." وعادت لتقرأ الكتاب من جديد..
سألتها بتردد: "ماذا تقرأين؟"
ساره نظرت إلىّ نظره لم أفهمها ، ثم قالت: "إحدى الكتب المقرره علينا فى الجامعه."
قلتُ: "عظيم.. لقد أقتربت أختبارات نهاية العام ، أتمنى أن تكونى مستعده لها."
لستُ أدرى لما بدت نهله لطيفه هذا الصباح! وهل تصدقون أنها عرضت علىّ أن تساعدنى فى أستذكار دروسى؟
لكنى ردعتها عن هذا ، وقلتُ لها أن طاهر يساعدنى فى أستذكار دروسى ، برغم من أن هذا لم يحدث إلا نادراً ، لكنى حققتُ مرادى على أى حال ، ورأيتُ الدماء تحتقن فى وجه نهله قبل أن تنصرف بهدوء وتختفى طوال اليوم بحجرتها.. سُبحان مُغير الأحوال!
من يصدق أن تلك القطه الوديعه التى عرضت علىّ المساعده اليوم هى ذاتها نهله التى كانت لا تطيق رؤيتى؟!
كانت عقارب الساعه تشير إلى الثالثه والنصف حين طرقتُ باب حجرة طاهر ، وأنتظرتُ حتى سمح لى بالدخول ، ففتحتُ الباب ودلفتُ إلى الحجره..
كان طاهر جالساً خلف مكتبه يدخن ، أقتربت من مكتبه بخطوات بطيئه ومتردده ، وحين لاحظ طاهر ترددى سألنى: "أهناك شئ؟"
قلتُ: "اليوم يكون قد مر أسبوع على زواج ابنة خالتى ، والعائله اليوم ستجتمع فى منزلها ، وأعتقد أنه ينبغى علىّ أن أذهب."
أطفأ طاهر سيجارته فى المنفضه ثم قال: "هل ستذهبين إليها باكراً هكذا؟"
قلتُ بسرعه: "كلا.. لا.. لكنى أريد أن أستعد لهذا."
أطال طاهر النظر إلىّ ثم قال: "وكيف يكون هذا الأستعداد؟"
أبتسمتُ بخجل وقلتُ: "بأن أبدل ثيابى بثياب تلائم هذه المناسبه."
رفع طاهر حاجبيه وقال: "وهذه الثياب الملائمه ، تشبه ذلك الفستان الذى كنتِ ترتدينه يوم حفل زفافها؟"
توردت وجنتاى خجلاً وقلتُ مرتكبه: "ليس تماماً ؛ فذلك الفستان الذى كنتُ أرتديه يوم الحفل كان لامعاً و.."
بترتُ جُملتى حين تغيرت تعبيرات وجه طاهر ، وتجلى الأستياء على وجهه ، فسألته بتردد: "ألم.. يعجبك ذلك الفستان؟"
طاهر قال: "على العكس.. إنه فستان رائع.. ويناسبكِ جداً.. لكنه ضيق.. هذا غير أنه عارى الأكمام."
فاجأنى كلامه ، وأحرجنى كثيراً ، فعضضتُ على شفتاى بخجل ، وطأطأتُ برأسى أرضاً ، فى حين تابع طاهر: "ألم تفكرى أبداً فى أرتداء الحجاب يا ساره؟"
رفعتُ بصى إليه ، وحدقتُ به فى ذهول وأزدردتُ ريقى بصعوبه ، ثم قلتُ متلعثمه: "فى الحقيقه.. لم أفكر بهذا من قبل.." وعدتُ لأطأطأ برأسى أرضاً ، وأنا لا أجروء على النظر إليه من شدة خجلى..
طاهر قال: "أنتِ فتاه جميله يا ساره.. وطبعاً أنا لستُ أول من يقول لكِ هذا الكلام و......."
رفعتُ بصرى إليه وقاطعته قائله: "بل أنت أول من يقول لى هذا الكلام."
أبتسم طاهر وكشفت أبتسامته عن أسنان ناصعه البياض ، ثم قال: "لكنها الحقيقه ، وأنا لا أريد أن يرى أحداً هذا الجمال.. أفهمتِ؟"
هززتُ رأسى علامة الموافقه وقلتُ: "بلى.. فهمت."
سألنى بتردد: "هل سترتدين الحجاب؟"
نظرتُ إلى طاهر بعمق ، وتمنيتُ لو أستطيع أن أخترق رأسه بنظراتى ، لأعرف ماذا يدور بهذه الرأس؟ ولما يريدنى صاحبها أن أرتدى الحجاب؟
هل أفهم من هذا أنه يغار علىّ من أعين الناس ؟! أم أنه متدين ومتعصب لدينه؟!
"هل سترتدين الحجاب يا ساره؟"
كرر طاهر جُملته ، فأبتسمتُ وقلتُ: "إذا كانت هذه هى رغبتك ، فسوف أرتدى الحجاب."
أبتسم طاهر وقال: "عظيم."
سألته: "هل أنت سعيد بهذا؟"
قال: "سعيــــد جـــــداً."
قى هذه اللحظه ، سمعتُ صوت جلبه فى الخارج ، فنظرتُ إلى طاهر وسألته: "ما هذا؟"
هز طاهر كتفيه وقال: "لابد أنه عميل."
نهضتُ وقلتُ: "حسناً.. ساذهب لأستقباله."
حين وصلتُ إلى الصاله رأيتُ شاباً يقف على مقربه من مكتبى ، وحين أقتربتُ منه وتحققتتُ من ملامحه ، أكتشفتُ أنه هو نفسه ذلك الشخص الذى كاد أن يصدمنى بسيارته..
"صباح الخير."
نظرتُ فى ساعة الحائط ، فوجدتها الرابعه إلا رُبع ، أى صباح هذا؟!
قلتُ: "صباح الخير."
أبتسم الشاب وقال: "كيف حالك يا أنسه ساره؟"
قلتُ: "أنا بخير."
قال: "ألا تتذكرينى؟"
قلتُ: "بلى.. أتذكرك.. تفضل وأجلس"
جلس الشاب فوق أقرب مقعد ثم قال: "أريد مقابلة الأنسه......." وصمت!!
سألته بتردد: "أتقصد.. الأنسه نهله !؟"
أبتسم وقال: "بلى.. الأنسه نهله."
فى هذه اللحظه غادر طاهر حجرته وأتجه إلينا بخطوات واسعه ، وحين أقترب منا أنعقدا حاجباه فى شده وقال للشاب: "أهلاً.. تفضل.. ألست....؟"
أومأ الشاب برأسه إيجاباً ، فقال طاهر: "أذن.. تفضل معى فى مكتبى."
قال الشاب: "لكنى أريد الأنسه نهله."
قال طاهر بحزم: "الأنسه نهله متعبه قليلاً.. لذا فقد طلبت منى أن أتولى الأمر بنفسى.. تفضل معى بمكتبى."
وألتفت إلىّ متابعاً: "هل لا أعددتِ لنا فنجانين قهوه يا ساره ، إذا سمحتِ؟"
دلف الشاب مع طاهر إلى حجرته ، فأغلق طاهر الباب خلفه ، بينما ذهبتُ أنا لأعد لهما القهوه..