هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شراع الصداقة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
بكل عباراتـ التهانيـ... بكل الحب
والامانيـ...بكل احساس ووجدانيـ...كل عام وانتمـ بخيرالثلج هدية الشتاء ... والشمس هدية الصيف .... والزهور هدية الربيع .. وأنت يا منتدانا هدية العمر
ضممتها إلى صدرى وقلتُ بهلع: "ماذا أصابك يا أمى؟ يا ألهى.. ماذا أفعل؟ كيف أتصرف؟"
كان صدرها يعلو ويهبط ، أذن فإنها لم تمت.. حمداً لله
لمحتُ بطرف عينى زجاجة ماء موضوعه على المنضده بجوار سرير أمى ، فهرولت نحوها كالغريق الذى يتعلق بالقشه ، وألتقطها بسرعه ، ثم رششتُ الماء على وجه أمى ، لكنها لم تستجيب..
أختلستُ النظر نحو زينه فوجدتها مازلت تبكى بحرقه..
نهضتُ من مكانى وتناولتُ حقيبتى بسرعه ، وأخذتُ أبحث بها عن هاتفى ، إلا أننى رأيتُ زجاجة العطر بحقيبتى فتناولتها ، وأخرجتُ من جيب سترتى محرماً ، وعدتُ لأجثو على ركبتاى بجانب أمى..
رششتُ القليل من العطر على المحرم ، وقربته من أنف أمى ؛ فإذا بها تفتح عينيها ببطئ ، قبل أن تعود لتغلق عينيها من جديد..
زينه كفت عن البكاء ، وأخذت تراقبنى ، بينما أخذتُ أقرب المنديل من أنف أمى من جديد قائله بهلع: "أمى.. أتسمعينى؟ أمى.. أجيبينى"
أمى فتحت عينيها من جديد ، وجالت ببصرها فيما حولها ، قبل أن تستقر نظراتها علىّ ، سألتها بلهفه: "أأنتِ بخير؟"
أمى نظرت إلىّ ولم تجيبنى ، فكررتُ سؤالى بلهفه أكثر: "أمى.. هل تسمعينى؟ ردى علىّ.. هل أنتِ بخير؟"
أغلقت أمى عينيها ، ولم تجيبنى ، فأصابنى الهلع عليها من جديد ، وصرختُ: "لا يا أمى.. ليس مجدداً.."
قلتُ بتضرع: "رجاءً يا أمى حاولى.. أنا لن أستطيع أن أحملكِ."
مددتُ يدى لها لأساعدها ، فتحركت أمى ببطئ ، وأستندت علىّ ، حتى وصلت إلى السرير وأستلقت عليه..
نظرتُ إلى زينه ، فرأيتها تراقبنا ودموعها مازالت عالقه برموشها..
عدتُ لأنظر إلى أمى وسألتها: "ماذا حدث يا أمى؟"
أمى قالت: "لا شئ.. فقط شعرتُ بالدورا.. وأظلمت الدنيا فى عينى."
سألتها بقلق: "هل أستدعى الطبيب؟"
قالت: "كلا.. أنا بخير.."
قلتُ بأصرار: "لا تبدين بخير أبداً.. سأتصل بخالتى وأطلب منها أن تحضر الطبيب."
أمى قالت: "لا تزعجى خالتك يا ساره.. لقد أصبحتُ بخير.."
أعترضتُ وقلتُ: "لكن يا أمى.. أنا غير مطمئنه لهذا."
أمى قالت: "لا تقلقى.. لقد مررتُ بحاله مشابهه من قبل، وأخبرنى الطبيب أنه هبوط."
أمى عنيده جداً كما تعرفون ، ورغم أننى كنتُ قلقه جداً عليها ، إلا أننى لم أملك هذه المره أيضاً سوى الأذعان لرغباتها ، فقلتُ وأنا أهب واقفه: "كما تريدين."
أمى قالت: "خذى زينه معكِ.."
حملتُ زينه ، وغادرتُ حجرة أمى ، وتركتُ باب حجرتها مفتوحاً ، حتى يصل إلىّ صوتها إذا نادتنى ، ثم أمسكتُ بهاتفى وأتصلتُ بخالتى ، لأخبرها بأن أمى مريضه ، وبأننا لن نذهب إلى إيمان اليوم..
*************************
أنتهيتُ من عملى فى حوالى الساعه الخامسه ، فحملتُ حقيبتى وغادرتُ المكتب ثم أغلقتُ بابه خلفى ، وأستقليتُ المصعد ليقلنى إلى الطابق الأرضى..
ما أن غادرتُ المصعد حتى رأيتُ عابد الذى كان واقفاً أمام المصعد ، والذى أبتسم لدى رؤيتى..
قلتُ: "السلام عليكم."
قال: "وعليكم السلام."
كدتُ أبتعد عنه ، وأغادر البنايه ، لولا أن أستوقفنى قائلاً: "كيف حالك يا أنسه نهله؟"
قلتُ: "الحمد لله."
وهممتُ بالأنصرف للمره الثانيه ، إلا أنه أستوقفنى قائلاً: "لقد أنتابنى القلق عليكِ حين أخبرنى الأستاذ طاهر بأنكِ متعبه؟"
قلتُ: "فى الحقيقه لا أريد تعذيبك معى ، ثم أننى بخير."
سألنى بقلق: "هل أنتِ متأكده من أنكِ ستكونين بخير؟"
قلتُ: "بلى.. شكراً لك."
هز عابد كتفيه ثم قال: "كما تريدين."
وأبتسمتُ قائله: "لابد أن أنصرف.. إلى اللقاء."
*********************
أجتمعت عائلتى وعائلة زوجى اليوم بمنزلى بمناسبة مرور أسبوع على زواجى..
أو رُبما ليطمئنوا على أنهم تخلصوا منا إلى الأبد !!
لكن خالتى وساره ، لم يحضرا ، فقد أخبرتنى أمى أن خالتى مريضه.. أتمنى ألا تكون حالتها خطيره..
وفى حوالى الساعه الحادية عشر أنصرف الجميع ، فتهالكتُ فوق أقرب مقعد ، وقلتُ: "آه يا قدمى.. آه يا ظهرى.. كم أنا متعبه!"
قال أحمد: "كل هذا بسبب الكعب العالى الذى تصرين على أرتداءه."
ألتفتتُ نحو أحمد ، وقلتُ بأستنكار: "أتريدنى أن أقابل عائلتك حافية القدمين؟!"
أحمد قال: "وأين ذهبت الأحذيه ذات النعل الخفيف؟"
قلتُ: "لم أشترى منها حتى ولو زوج أحذيه للأسف.. ثم أننى تصورت أن الزياره ستكون خفيفه ولطيفه.. كان الأجدر بهم أن يظلوا معنا حتى الصباح."
أحمد ضحك وقال: "أحذرى ؛ فأنت تتحدثين عن أمى وأبى وأشقائى."
قلتُ: "وكذلك أبى وأمى.. أسمع.. هل لا ذهبت وأشتريت لى مسكناً؟ وإلا فلن أستطيع النوم طوال الليل."
هب أحمد واقفاً وقال: "حسناً.. رغم أن أقرب صيدليه تبعد عنا بمسافه طويله."
أبتسمت بخبث ، وقلتُ: "أتعب من أجلى قليلاً."
غادر أحمد الحجره ، وبعد لحظات سمعتُ صوت الباب وهو يُغلق ، فهببتُ واقفه ، وأخرجتُ من إحدى الأدراج الشموع والورد المجفف ، ووضعتُ الشموع بترتيب فوق المنضده بغرفة النوم ، وأخذتُ أنثر الورد فى كل مكان ، ثم أتجهتُ نحو الصاله ، ووضعتُ الشموع فى كل الأركان ، ثم ذهبتُ وأتيتُ بكعكه شوكولا كبيره على هيئه قلب ، ومكتوب عليها أسمى واسم أحمد ، كنتُ قد طلبتُ من أمى أحضارها ، ووضعتها على المنضده بالخارج ، ثم ذهبتُ لأبدل ثيابى وأتزين..
حين أنتهيتُ من التزين وقفتُ فى الشرفه وأنتظرتُ أحمد ، وحين لمحته قادماً من بعيد ، ذهبتُ وأضأتُ الشموع ثم أطفأتُ الأنوار وأختبأتُ بإحدى الغرف القريبه من الصاله ، ومن خلال الثقب الخاص بالمفتاح أستطعتُ أن أراقبه بدون أن يرانى..
فتح أحمد باب الشقه بمفتاحه ، ودلف إلى الشقه وأغق بابها خلفه ، ثم نظر إلى الشقه بذهول ، قبل أن تظهر شبه أبتسامه على زواية فمه..
أحمد نظر إلىّ ملياً حين غادرتُ الحجره ، وإذا به يهتف بحماس: "ما هذه المفاجأه الجميله يا إيمان؟"
أبتسمتُ بخجل وقلتُ: "أأعجبتك؟"
قال: "جداً.. إنها مفاجأه مُذهله.. كيف عرفتى بأننى أعشق كعكة الشوكلا؟!" !!
نظرتُ إليه بذهول وقد تلاشت إبتسامتى وحل محلها تجهم مُبهم ، وتعبيرات أستياء واضحه ، بل وغيظ شديد ، ولو كان بيدى أى شئ فى هذه اللحظه ، رُبما كنتُ قذفته بها..
ألم يلفت أنتباهك سوى كعكة الشوكولا؟!
اللهم أنى أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجـــــــــــــــــــــــــــال.
عادة ما يقولون أن الملل يبدأ بالزحف إلى عش الزوجيه بعد مرور شهر واحد على الزواج ، وإن العلاقه تبدأ فى الفتور شيئاً فشيئاً بعد ذلك ، حتى تصبح علاقة الزوج بزوجته ، كعلاقه أى أثنين لا تربطهما أى عاطفه ، وحين يتواجد الزوج فى المنزل ينهمك فى قراءة الجريده متناسياً زوجته التى تجلس بجانبه تحيك إحدى الجوارب متناسيه وجوده بدورها!
وأنا من خلال تجربتى ، أستطيع أن أقول لكم ، أن كل من يرددون هذا الكلام الفارغ لا يفقهون شيئاً..
فقد مرت ثلاثة أشهر على زواجى من أحمد ، ولم تزدنا هذه الفتره إلا تقارباً وموده ، وقد أنهارت كل الحواجز بيننا تماماً ، وصرت كأى زوجه ، تبحث عن سعادة زوجها ، وتحاول بشتى الطرق إرضاء رغباته ، وإن كان ذلك على حساب دراستى ؛ فقد رسبتُ فى أختبارات هذا العام للأسف ، لكننى لا أنوى أن تكرار هذا فى العام المقبل بإذن الله..
لكن هناك أمراً يقلقنى كثيراً ، ألا وهو مرور ثلاثة أشهر على زواجى دون أن يتكون جنيناً برحمى..
أمى تقول أن هذا أمراً طبيعياً ، وأن كثيراً من النساء لا ينجبن بسرعه..
أما أحمد فلم يبد عليه أن هذا الأمر يشغله مُطلقاً!
أتمنى أن يرزقنى الله بطفل قريباً ؛ فأنا أتوق إلى طفل صغير يملأ المنزل علينا بهجه.. أدعو لى..
***************** طـــــاهر
أنضم هانى إلينا فى المكتب ، وبمرور الأيام بدأ فى التأقلم معنا ، وشيئاً فشيئا بدأ ينسى حزنه ، ويخرج من حالة الأكتئاب التى سيطرت عليه بعد وفاة زوجته ، فصار أكثر مرحاً ، وتقبلاً للحياه..
أما نهله ، فصارت تتحاشى التحدث إلىّ ، بل والتطلع بوجهى ، وصارت تقضى معظم وقتها بحجرتها وحيده ، وإذا أرادت التناقش معى فى أمور العمل فإن كلامها يكون مقتضباً ومختصراً!
والحقيقه أن أمر هذا الفتاه يقلقنى بقدر ما يثير دهشتى!
بينما ساره فبمرور الوقت وجدتُ نفسى وقد تعلقتُ بها أكثر وأكثر ، وصرتُ لا أتخيل حياتى بدونها ، وحين تأتى وتطلب منى مساعدتها فى أستذكار دروسها فإن هذا يكون أفضل أوقاتى خاصة لأن مساعدتها فى أستذكار دروسها تتيح لى أن أتأملها دون حرج ، ودون أن تلاحظ هى ذلك..
والحقيقه أنها ذكيه جداً ، حتى أنها أجتازت أختبارات هذا العام بتقدير جيد جداً..
والفضل يعود إلى دروسى طبعاً..
******************
ســـــاره
رسبت إيمان هذا العام كما توقعتُ تماماً ، إلا أنها لم تبد مكترثه بهذا الأمر كثيراً ، أنما صار أهتمامها منصباً على منزلها وزوجها ، وأصبحت تتمنى أن تنجب أطفالاً ليملأوا منزلهم بهجة..
أو رُبما لتضمن أن ينشغل أحمد بعائلته ولا تتسنى له الفرصه فى الزواج عليها مره كما تتصور..
أما أنا فقد أجتزتُ أمتحانات هذا العام بتقدير جيد جداً ، والفضل فى هذا يعود إلى أجتهادى وسهر الليالى ، وليس لطاهر الذى كان يساعدنى فى أستذكار دروسى دون أن أفهم منه حرفاً واحداً!
وفى الحقيقه أننى كنتُ أطلب من طاهر أن يساعدنى فى أستذكار دروسى ليس لأننى أحتاج إلى مساعده ، ولكن لتتسنى لى الفرصه لأن أجلس معه وحدنا ، وأستمع إلى صوته ، وأتأمله دون أن يلاحظ..
والحقيقه أنه كلما طلبتُ منه أن يساعدنى فى أستذكار دروسى ، كلما وجدته مُرحباً بهذا..
هل تعرفون؟ أحياناً أشعر بأن طاهر يبادلنى مشاعرى ، وأحيانا أخرى أشعر بأنه لا يهتم بى مُطلقاً !
لكن هذه المره لن أكتب "متى ستعرف كم اهواك يا رجلاً ، أبيع من أجله الدنيا وما فيها؟" أنما سأكتب بخط واضح "أنا أحبـــــــــــــــــك يا طــــــــــــــاهر.. الأمضــــــاء: ســـــــــــاره." !
وُربما لن يفهم هذا أيضاً !
أما عن نهله ، فقد أصبحت فتاه مُختلفه تماماً ، ولم تعد تلاحق طاهر كما كانت تفعل ، بل لقد صارت تتودد إلىّ أنا ، وتحاول جاهده التقرب منى ، إلا أننى لم أتجاوب معها ، وكلما حاولت هى أزالت الحواجز بيننا ، كلما وضعتُ أنا هذه الحواجز نفسى ؛ فلن أستطيع أن أنسى أن هذه هى الفتاه التى كان حبيبى يحبها يوماً ما..
أما هانى فأكتشفتُ أنه شاباً رائعاً ، وخفيف الظل ، ويحب عمله كثيراً ، كما أنه كان يحب زوجته المتوفاه ، وقد تزوجا عن حب ، وهو لا ينوى أبداً أن يتزوج بعدها..
أما أبنته ملك فقد أختلفت تماماً عن أخر مره رأيتها بها ، فقد كبرت وأتضحت ملامحها أكثر ، وصارت تشبه هانى كثيراً ، وقد أتى بها إلى المكتب يومان متتاليان حينما سافرت والدته لتزور خالته..
أما عن أمى ؛ فقد تدهورت صحتها كثيراً فى الأيام الأخيره ، إلا أنها صارت أقل عناداً ، وأقنعتها بالذهاب إلى الطبيب أخيراً ، وبالأمس حجزت لها موعداً لدى إحدى الأطباء وسأذهب بها إلى الطبيب غداً.. فأدعو لها رجاءً..
******************
هـــــانى
وجدتُ السلوى فى عملى ، كما نصحنى طاهر ، إلا أن جرحى لم بندمل بعد ، بل أزدادت عمقاً وأتساعاً بمرور الأيام ، فقد أشتقتُ لحلا كثيراً..
أكثر مما تتخيلون..
دعونى نغير مجرى الحديث ، كى لا أدخل إلى متاهة الذكرى المؤلمه، ودعونى أحدثكم عن عملى الجديد بالمكتب ، ورفقائى الجُدد..
فقد أتضح لى فى تلك الفتره التى عملت بها مع طاهر فى المكتب أنه لا ينوى بتاتاً العوده إلى نهله ، وأعتقد أنه هناك فتاه أخرى فى حياته ، لكنه لم يخبرنى من هى ، بل ولم يصرح بهذا قط ، لكننى أعرفه جيداً وواثق من أن هناك فتاه فى حياته ، والحقيقه أننى سعيد بهذا كثيراً ، خاصة وأننى أعتقد أن نهله بدورها قد نسيت طاهر ، أو لنقل أنها فى طريقها إلى نسيانه..
أما ساره ، فأكتشفتُ أنها فتاه بريئه للغايه ، وهى تحترم طاهر جداً ، إلا أن علاقتها بنهله سيئه ، ولا أعرف سبب ذلك..
وهى أيضاً تحب أبنتى كثيراً ، ودائماً ما تسألنى عنها ، وتطلب منى أن أتى بها إلى المكتب دائماً..
***************
نهــــله
أزداد تقارب ساره وطاهر أكثر وأكثر بمرور الأيام ، وأزداد يقينى فى صدق علاقتهما ، وإن كانت هذه الحقيقه تؤلمنى بشده ، إلا أننى أحاول جاهده أن أنسى حب طاهر الذى يملأ قلبى ويسيطر على كل ذره بجسدى..
أما ساره فكلما حاولت التقرب إليهما وأزالت الحواجز بيننا ، كلما أزدادت بعداً عنى ، ونفوراً منى..
لستُ أدرى لما تعاملنى هذه الفتاه بهذا الأستياء؟!
وبالتالى ؛ فقد صرتُ وحيده فى المكتب رغم وجود طاهر وهانى وساره ، فصرتُ أقضى معظم وقتى فى العمل بحجرتى ، وحين أنتهى من العمل أعود إلى منزلى..
آه.. كنتُ سأنسى أن أخبركم عن عابد ، فلابد أنكم تتسألون عنه ، ومتشوقون لمعرفه المزيد عنه..
فى الحقيقه لقد أتضح لى أنه شاب مُلتزم دينياً ، ومهذب ، وخفيف الدم ، كما أن الصدفه تلعب دوراً هاماً فى لقاءتنا ، حتى أننى أقابله يومياً عند خروجى من المكتب..
مهلاً.. لا تسيئون الظن بنا ، فإن لقاءتنا مصادفه بحتــــــه!
كلمات نهله أثرت بى كثيراً ، وجعلتنى أشعر بأن الذنب ذنبى ؛ فهى وإن كانت قد أخطأت يوماً ما ، فقد ندمت على ذلك وما كان علىّ أن أضع حبل المشنقه حول عنقها ، فكلنا بشر وكلنا خطائين..
لكن لولا ظهور ساره بحياتى رُبما كنتُ عدتُ إليها..
مسكينه نهله..
قاطع تأملاتى صوت طرقات على باب حجرتى ، فقلتُ: "أدخل."
فُتح الباب ودخلت ساره إلى الحجره..
"الساعة الأن الخامسه.. ألن ننصرف؟ تعرف أن لدى موعداً مع الطبيب."
نظرتُ إلى ساعة يدى وقلتُ: "آه.. بلى.. طبعاً سننصرف.. لكن ماذا عن نهله وهانى؟"
ساره قالت: "طبعاً نهله سترفض كعادتها أن تقوم بتوصيلها.. أما هانى فلا أدرى إذا كان سينصرف الأن أم لا؟"
قلتُ: "أذن.. فلنذهب إليه."
أتجهنا نحو حجرة هانى ، بينما ظلت ساره بالخارج ، وأخبرنى هانى أنه سيظل قليلاً فى المكتب ، فأنصرفتُ أنا وساره ، وأستقليتُ سيارتى فى طريق العوده ، وساره كالعاده تجلس بجانبى..
"ما بكِ يا طاهر؟ لماذا تبدو حزيناً؟!"
سألتنى ساره ، فألقيتُ نظره عابره عليها وقلتُ: "ومن قال أننى حزيناً؟"
ساره قالت مازحه: "عيناك أخبرتنى بذلك.."
أبتسمتُ وقلتُ: "أذن فقد خدعتكِ عيناى حين أخبرتكِ بذلك."
هزت ساره رأسها نافيه ثم قالت: "بل أنت من تخدعنى.."
قلتُ: "لكن..."
قاطعتنى ساره قائله: "لكنك لا تثق بى.."
قلتُ: "كيف لا أثق بكِ؟"
قالت: "لأنك لا تخبرنى عما يحزنك.. رغم أننى سأسدى لك نصيحه تفيدك.."
أوقفتُ السياره على جانب الطريق وألتفتتُ إليها قائلاً: "طبعاً أثق بكِ يا ساره."
ساره قالت بإصرار: "أذن.. أخبرنى عما يحزنك."
تنهدتُ وقلتُ: "ما يحزننى هى نهله."
ساره نظرت إلىّ نظره لم أفهمها وقالت بجديه: "هل عادت تلاحقك من جديد؟"
قلتُ: "كلا.. لا.."
قالت: "أذن.. ما الأمر؟"
قلتُ: "ألا تلاحظين كم أصبحت إنطوائيه؟"
ساره ظلت صامته للحظات وقالت: "ألاحظ.. ولكن.. لم أفهم بعد ما يحزنك."
قلتُ: "ضميرى يؤلمنى لأننى السبب فى هذا."
ساره ومضت عيناها ، ثم قالت: "لا تخف عليها.. إنها ليست مقهوره عليك.. فلديها من ينسيها همومهـ............." !!
بدا لى أن ساره أنتبهت فجأه لما تقوله ، فبترت جُملتها ، وطأطأت برأسها أرضاً..
نظرتُ إليها بتمعن وقلتُ: "ماذا تقصدين؟"
ساره قالت بسرعه: "لا أقصد أى شئ.. فقط أقصد أنها.. أنها.. آه.. لا تبدو حزينه.. وأنها فقدت الأمل فى عودتكما ورضيت بهذا الأمر."
لم أصدق حرفاً مما قالته ، فنظرتُ إليها فى شك ، وتمنيتُ لو أسبر أغوارها ، وأعرف ما كانت تنوى أن تقوله ، على الأقل لأطمئن إلى أن نهله لم تعد تفكر بى..
قلتُ: "إذا كنتِ تعرفين شيئاً عن نهله فرجاءً أخبرينى به."
ساره قالت نافيه بسرعه: "كلا.. لا.. لا أعرف أى شئ عنها أبداً.. من أين لى أن أعرف يا طاهر؟"
قلتُ: "رُبما كانت قد أخبرتكِ بأى شئ."
ساره قالت: "لم تخبرنى بأى شئ."
نظرتُ إليها فى شك ، فأستطردت قائله: "صدقنى أنا لا أعرف شيئاً عنها."
لم أقتنع بحرفاً مما قالته لى ساره ، إلا أننى لذتُ بالصمت التام ، وواصلتُ طريقى إلى منزلها..
********************
أنتهيتُ من عملى فى حوالى الساعه السادسه ، فمررتُ على هانى لأخبره بأننى سأنصرف ، ثم غادرتُ المكتب..
أستقليتُ المصعد إلى الأسفل ، وحين غادرته لم أجد عابد بإنتظارى ككل يوم ، مما أصابنى بالدهشه!
لماذا لم ينتظرى اليوم يا تُرى؟!
لقد كنتُ أريد أن أشكره على باقه الزهور و.....
"هل تبحثين عن شيئاً ما؟"
ألتفتتُ خلفى فرأيت عابد..
"هل أفزعتك؟"
سألنى عابد فقلتُ: "لا."
عابد قال: "كيف حالك يا نهله؟"
"بخير."
"هل كنتِ تبحثين عن أى شئ؟"
أبتسمتُ وقلتُ مازحه: "كلا.. لقد كنتُ أنتظر الحافله.. ألا تمر من هنا؟"
رفع عابد حاجبيه فى دهشه وقال: "لا.. إنها لا تمر من هنا فى الحقيقه.. تعالى لأريكِ مكانها."
قال جُملته وغادر البنايه ، ثم أتجه نحو سيارته وفتح بابها قائلاً: "ها هى الحافله.. تفضلى."
أقتربتُ منه وأغلقتُ باب السياره قائله: "ليست هذه هى الحافله التى أريدها."
عابد قال بإصرار: "بل إنها هى التى تريديها.. تفضلى رجاءً."
لم أشأ أن أحرجه وأرفض طلبه ، خاصة لأنه أشترى له باقة الورود
عاد عابد ليفتح باب السياره فقلتُ: "أتمنى أن تكون قيادتك هادئه."
فى اليوم التالى ، بينما كنتُ ذاهبه لأعد القهوه لنفسى مررتُ على مكتب ساره ، التى كانت ومنذ الأمس تنظر إلىّ نظرات لا أفهمها ، إلا أننى أعتقد أن لنظراتها علاقه بباقة الورد التى جائتنى بالأمس..
توقفتُ عند مكتب ساره ، وأقترحتُ عليها أن أعد لها القهوه معى.. فبدت مُندهشه من عرضى هذا.. إذ أنها لم تعتد على ذلك منى..
إلا أنها قبلت أن أعد لها القهوه باسمه..
عظيم.. أعتقد أن علاقتنا بدأت تتحسن قليلاً..
حين أنتهيتُ من إعداد القهوه ، مررتُ على ساره فى طريقى إلى حجرتى ووضعتُ فنجان القهوه الخاص بها على مكتبها..
كدتُ أنصرف عائده إلى حجرتى ، لولا أنها أستوقفتنى قائله:
"نهله."
ألتفتتُ إليها ، وقلتُ:
"نعم؟؟"
ساره أبتسمت بخجل ، وقالت:
"شكراً لكِ."
أبتسمتُ بدورى وقلتُ:
"على الرحب والسعه."
فى هذه اللحظه أرتفع رنين هاتفى المحمول ، وحين نظرتُ إلى رقم المُتصل وجدتها أمى..
ذهبتُ إلى حجرتى لأجيب عليها ، وتركتُ باب الحجره مفتوحاً..
" صباح الخير يا نهله."
أجبتُ التحيه قائله: "صباح الخير.. ما الأمر يا أمى؟! لستِ معتاده أن تتصلى بى فى هذا الوقت.. خيراً؟"
أمى قالت: "لا شئ.. فقط أردت الأطمئنان عليكِ ؛ لقد غادرتِ اليوم مبكراً ولم أراكِ فى الصباح."
سألتها فى شك:
أهذا كل ما فى الأمر؟""
".فى الواقع.. إننى أريدك أن تبكرى فى العوده اليوم .كلا."أمى قالت متردده:
" لماذا؟"
هناك عدة أشياء تنقصنى أحتاجها لأطهو طعام الغداء." "
"بأمكانك أن تجعلى حارس العماره يشتريها لكِ."
"لقد توفى والده وذهب برفقة زوجته إلى بلدته."
"وماذا عن والدى؟ ألا يمكن أن يشترى لكِ هذه الأشياء؟"
".كلا.. لقد أوى والدكِ إلى فراشه منذ ساعه.."
لم أجد مفراً ، فقلتُ: "حسناً يا أمى.. أخبرينى ماذا تريدين؟"
أخبرتنى أمى بما تريده ، فقلتُ:
"ألا تريدين شيئاً أخر يا أمى؟"
أمى قالت: "كلا.."
قلتُ: "حسناً.. إلى اللقاء."
كدتُ أغلق الخط لولا أن أستوقفنى صوت أمى حين قالت:
"نهله."
" نعم يا أمى؟"
"هل لا مررتِ على مُصفف الشعر اليوم ليقوم لكِ بفرد شعركِ؟"
"!لماذا ؟؟؟"
"اليوم سيأتى إلينا بعض أقاربى الذين لم تقابليهم منذ أن كنتِ صغيره."
"مازلتُ لا أفهم.. لماذا تريدين منى أن أذهب لمصفف الشعر؟"
"كى تظهرى بمظهر لائق أمام أقاربى."
قلتُ بشك: " يبدو لى هذا الأمر مُريب يا أمى"
"وما المُريب فى الأمر يا نهله؟"
قلتُ بتردد: " ربما تكونين تدبرين لزواجى ثانيه."
أمى قالت بحده مُفاجأه: " وماذا فى هذا؟ إنكِ أكبر بناتى وأريد أن أزوجكِ وحاتم شخص رائع."
تفاجأتُ وأستأتُ فى آن واحد ، فقلتُ:
"ومن يكون حاتم هذا؟"
أمى قالت بنفاذ صبر:
"قلتُ لكِ أنه قريبى ، ولم يسبق لكِ رؤيته."
تنهدتُ وقلتُ بأسى: "أمى.. أنتِ تعلمين رأيى بهذا الموضوع."
أمى قالت بتوسل: "لكن.. رُبما أعجبكِ حاتم.. إنه شاب رائع.. على أى حال لن تخسرى شيئاً."
لا فائده..
الجدال مع الأمهات لايجدى ولا يفيد.. ففى النهايه لابد أن نزعن لرغباتهم ، حتى لا تنقلب الدنيا فوق رؤسنا !
"حسناً يا أمى.. سأتى باكراً ، وسأمر على مصفف الشعر فى طريقى."
أنهيتُ الأتصال مع أمى وجلستُ فى أستسلام تام لدموعى..
لقد صار شغل أمى الشاغل هو التدبير لتزويجى..
هل أصبحتُ حملاً على عاتقهم لهذا الحد؟!
**********************
كنتُ ذاهباً إلى ساره لأعطيها إحدى الملفات ، حين مررتُ على حجرة نهله ، ووجدتُ بابها مفتوحاً قليلاً..
تعجبتُ ، فإن نهله غير مُعتاده على ترك الباب مفتوحاً..
تُرى ما الأمر؟!
طرقتُ الباب عدة طرقات خفيفه ، فلم يأتينى رداً..
رُبما كانت قد أنصرفت !
دفعتُ الباب ودخلتُ إلى الحجره لأتأكد من عدم وجودها ، وما كدتُ أدلف إلى الحجره حتى رأيتُ نهله والتى كانت جالسه على إحدى المقاعد ، وقد دفنت وجهها بين كفيها وأخذت تبكى..
أنتابنى القلق عليها ، فأقتربتُ منها قليلاً..
"نهله! ما الأمر؟ لما تبكين؟"
أنتفض جسد نهله بشده ، قبل أن تبعد يديها عن وجهها وتنظر إلىّ بدهشه..
لو أن صاعقه من السماء ، قد أنتخبت رأسى أنا بالتحديد لتصعقنى ، ما كنتُ لتأثرت بها مثلما تأثرتُ بكلمات طاهر ، وما كانت لتترك بنفسى أثراً كالذى تركته جُملة طاهر بنفسى !
ظللتُ للحظات واقفه أرتعش بقوه أنفعالاً وتألماً ، قبل أن ألملم شيئاً من شتات قوتى وأجبر نفسى على الأنسحاب..
فأخذتُ أجر قدماى جراً حتى وصلتُ إلى مكتبى.. فلم يعد لى مكاناً بينهما..
ولم يعد لى شئ سوى قلبى المحطم ، وجسدى المثقل بالهموم ، وأيامى التى قضيتها أحب طاهر بلا أمل
أهكذا يا طاهر؟
ألا تأتينى الطعنه إلا من أقرب الناس وأحب الناس إلى قلبى؟!
فى هذه اللحظه رأيت نهله تغادر حجرتها وتتجه نحو باب الشقه وتنصرف دون أن تتبادل معى كلمه واحده..
وبعد ذلك بقليل رأيت طاهر وهو يغادر حجرة نهله ويتجه نحو حجرته ويدلف إليها ثم يغلق بابها خلفه..
وطبعاً لم يتبادل معى كلمه واحده..
عند هذا الحد لم أتمالك نفسى ، وتركتُ دموعى تتساقط على خدى وعلى المكتب وعلى الأوراق لتبلل كل شئ..
********************
ظللتُ واقفه فى أنتظار المصعد لدقائق حتى أتى المصعد حاملاً معه عابد !
لكن هذه المره كانت فعلاً مصادفه ؛ لأننى لم أنصرف باكراً من قبل أبداً..
حين رأنى عابد وأنا أفتح باب المصعد بدا مُندهشاً ، وقلقاً..
"نهله ! ما الأمر ؟! هل ستغادرين باكراً هكذا ؟!"
سألنى عابد ، فقلتُ بأقتضاب: "بلى.."
لزم عابد الصمت حتى غادرنا المصعد..
"ما الأمر؟ ماذا حدث؟!"
سألنى عابد بقلق ، فقلتُ:
"لا شئ.. فقط أريد أن أنصرف باكراً."
عابد نظر إلىّ فى شك وقال:
"أهذا كل ما فى الأمر؟!"
قلتُ كاذبه: "بلى."
عابد قال بقلق:
"أأنتِ بخير؟!"
قلتُ: "بلى.. أنا بخير.. أسمح لى سأنصرف.. إلى اللقاء."
وهممتُ بالسير إلا أن عابد أستوقفنى قائلاً:
"هل أقوم بتوصيلك؟"
قلتُ: "شكراً..أريد أن أسير قليلاً."
عابد قال بحسم:
"أذن.. دعينى أرافقكِ."
قلتُ متحججه:
"لكن.. لا أريد أن أعطلك."
عابد قال:
"لا توجد أى عطله."
أستسلمتُ وسرتُ بجوار عابد..
"ألن تخبرينى ما بكِ؟"
قلتُ:
"لا شئ.. فى الحقيقه.........."
عابد توقف عن السير وأستدار ليواجهنى قائلاً:
"أنا أسمعكِ.. ها.. ما الأمر؟"
تنهدتُ وقلتُ:
"تقدم شاباً اليوم لخطبتى.."
عابد نظر إلىّ ملياً ثم قال: "و.........؟"
قلتُ: "لا شئ أكثر من هذا."
سألنى بأهتمام:
"وأنتِ ما رأيكِ؟"
قلتُ: "أنا لم أراه.. ولا أظن أننى أحب أن أتزوج بهذه الطريقه."
عابد صمتت قليلاً ، ثم قال بجديه:
"هل تتزوجيننى؟!"
ما أصابكم الأن من ذهول هو بالضبط نفس ما أصابنى حين سمعتُ جُملة عابد !
لكن ضيفوا إلى هذا ، أتساع حدقتا عينى ، مع تدلى فكى السُفلى ببلاهه !
قلتُ بعد فتره:
"عفواً.. ماذا قلت؟!"
عابد كرر بصوت واضح وعالى:
"هل تتزوجيننى يا نهله؟!"
أذن... أذانى لازالا يعملان بشكل جيد..
قلتُ بدهشه ، وذهول ، وتعجب ، وأستنكار: "أتزوجك؟!"
عابد أومأ برأسه إيجاباً ، بينما تابعتُ أنا:
"ألا ترى أنه قرار مُتسرع بعض الشئ؟"
عابد قال: "أنا لم أطلب منكِ الزواج لأنك قلتِ أن هناك شاباً تقدم لخطبتك.. لقد طلبتُ منكِ الزواج لأننى كنتُ سأطلبه منكِ أجلاً أم عاجلاً."
بقيتُ أحدق بعابد بتشتت ، وأرتباك ، وذهول..
قلتُ متلعثمه:
"أممممم.. لكن.. أنا............."
كنتُ سأخبره بأننى أحب طاهر ، لولا أنه قاطعنى حين قال:
"لا أريد أن أسمع رداً الأن.. فكرى بالأمر جيداً.. ومهما كان ردكِ سأتقبله.."
كنتُ فى طريقى إلى حجرة طاهر حين مررتُ بساره التى كانت جالسه خلف مكتبها وقد أثنت جدعها للأمام وأسندت وجهها إلى كفيها وزراعيها إلى سطح المكتب.. وكانت دموعها تتساقط على وجنتيها !!
ما أن لمحتنى ساره حتى تراجعت فى مقعدها ومسحت دموعها بكلتا يديها !
غيرتُ وجهتى وأتجهتُ نحو ساره التى أطرقت برأسها أرضاً ثم جلستُ على المقعد أمامها وسألتها:
"لماذا تبكين يا ساره؟"
أجابت بصوت خافت وهى لا زالت مطرقه برأسها:
"من قال أننى أبكى؟"
قلتُ مازحاً وأنا أشير إلى رموشها المبلله:
"هذه الرموش المبلله قالت لى أنكِ كنتِ تبكين."
هذه المره لم تجيب ساره ، فقلتُ:
"إذا كنتِ لا تثقين بى ، فلا تخبرينى بشئ."
رفعت ساره بصرها ونظرت إلىّ من خلال دموعها وقالت:
"أنا أثق بك.. لكن.. لا أستطيع أن أخبرك بما يبكينى."
قلتُ: "مهما كان ما يبكيكِ غالياً ؛ فإنه هذه الدموع أغلى منه كثيراً."
ساره نظرت لى للحظات ثم قالت:
"لكنه أغلى من دموعى ومن روحى."
كانت جُملتها بمثابة تصريح بحبها لشخص ما ، سألتها:
"أهى قصة حب من طرف واحد؟"
خفضت ساره بصرها وأومأت برأسها إيجاباً ، فقلتُ:
"إذا كان هذا الشخص لا يقدر حبكِ فهو بالطبع لا يستحق دموعكِ."
أطالت ساره النظر إلىّ وقالت:
"لكننى أحبه.. أو كنتُ أحبه.. لا أعتقد أننى مازلتُ أحبه.. لقد مات حبى له للأبد."
لم أشأ أن أضغط عليها وأسألها عن المزيد ، فقلتُ محاولاً تغيير مجرى الحديث:
"ما رأيكِ فى نزهه على شاطئ البحر؟"
صمتت ساره للحظات ثم أبتسمت ، فأعتبرت إبتسامتها علامة الموافقه فقلتُ:
"سأذهب الأن لأحضر ملك.. ونذهب ثلاثتنا فى نزهه."
لم أرى الأعتراض على وجهها فنهضتُ من مكانى وغادرتُ المكتب..
****************
كان هانى هو أخر شخص يمكن أن أخبره بمشاعرى نحو طاهر..
إلا أننى وجدته متفاهماً و خاصة لأنه لم يضغط علىّ ليعرف منى سبب بكائى..
بل وأقترح أن نذهب فى نزهه إلى البحر..
وأمام رقته ، لم يكن هناك مجال للرفض فلم أعترض وذهب هو ليحضر أبنته بينما جلستُ أنا فى أنتظاره..
ولم يطل أنتظارى ، إذ أنه قد عاد بسرعه حاملاً معه ملك..
طلب منى هانى أن أحضر حقيبتى حتى يخبر طاهر بأننى ذاهبه معه ، فترك لى ملك وذهب إلى حجرة طاهر..
وبعد دقائق غادر هانى المكتب بصحبة طاهر الذى بدا متجهماً..
أقترب طاهر منى وقبل ملك التى كنتُ أحملها فوق زراعى ثم ألتفت إلى هانى وقال:
"ما شاء الله.. لقد كبرت ملك يا هانى."
قال هانى ضاحكاً: "لقد تفرغت أمى لأطعامها."
قال طاهر: "بارك الله لك فيها."
قال هانى: "شكراً لك يا طاهر." ثم ألتفت إلىّ وقال: "لقد أخذنا الموافقه من طاهر يا ساره.. هيا بنا."
ألتفتتُ إلى طاهر وقلتُ بصوت خافت: "شكراً لك."
رمقنى طاهر بنظره حاده قبل أن يلتفت إلى هانى قائلاً:
"أتمنى أن تستمتعا بنزهتكما."
غادرتُ المكتب لأول مره برفقة هانى.. وأستقلينا سياره أجره وذهبنا إلى أحدى الشواطئ الخاصه..
وكانت النزهه رائعه ، لن أنساها ما حييت..
أما هانى فكان متحفظاً ومرحاً وودوداً..
وفى الحقيقه لقد رفعت هذه النزهه معنوياتى قليلاً..
ولم يعكر علىّ صفوتى إلا صورة طاهر وهو يرمقنى بتلك النظرة الحاده..
تُرى ما معنى هذه النظره ؟!
*******************
عدتُ مع أبنتى إلى منزل والدتى التى أستقبلتنى بأبتسامه وحملت ملك قائله: "كيف كانت النزهه؟"
قلتُ: "رائعه."
أمى أبتسمت وقالت:
"رغم أننى لم يسبق لى أن رأيتُ هذه الفتاه إلا أننى أعتقد أنها أبنة حلال."
وافقتها قائلاً:
"صدقتِ يا أمى.. إنها فعلاً أبنة حلال."
أمى قالت: "حين خابرتها فى الهاتف تلك المره ، وجدتها مهذبه ويبدو أنها تحب أبنتك كثيراً."
قلتُ: "فعلاً.. هذا ما لاحظته اليوم."
أتسعت إبتسامة أمى ، إلا أن أبتسامتها هذه المره بدت لى غامضه !
بعدما أنصرف حاتم وأهله ، جلستُ بحجرتى ممسكه بإحدى الكتب ، وعبثاً حاولتُ فهم كلمه واحده من الكتاب ؛ فقد كان عقلى مشغول بالتفكير تاره بعابد ، وتاره بحاتم..
وبينما كنتُ فى ذلك ، ألتقطت أذنى طرقات خافته ومتردده على باب حجرتى..
نهضتُ من مكانى وفتحتُ الباب ، فإذا بأمى تطل من فتحة الباب وعلى شفتيها شبه إبتسامه..
"أهلاً أمى.. تفضلى."
أمى دلفت إلى الحجره وتهاوت فوق أقرب مقعد قائله:
"هل أعطلكِ عن شيئاً ما؟!"
قلتُ: "كلا.. لم تعطلينى عن أى شئ."
أمى نظرت إلى الكتاب الذى كنتُ لازلتُ مُمسكه به:
"هل كنتِ تقرأين؟"
قلتُ كاذبه: "بلى يا أمى."
ران الصمت علينا للحظات ، فقلتُ قاطعه الصمتُ:
"ما الأمر؟ أهناك شئ؟"
أمى هزت كتفيها وقالت:
"لا.. أبداً.. لا يوجد أى شئ.. لقد أتيتُ لأجلس معكِ قليلاً."
سألتها فى شك:
"أتيتِ فقط لتجلسين معى؟!"
أمى قالت:
"طبعاً جئتُ لأجلس مع أبنتى حبيبتى.."
نظرتُ إلى ملياً وقلتُ: "أحقاً؟!"
أمى قالت بحنق: "ولما التعجب؟ ألا يحق لى أن أجلس مع أبنتى قليلاً؟!"
هززتُ كتفاى وقلتُ أستدرجها فى الكلام:
"لا طبعاً.. هذا حقكِ.. لكنى ظننتكِ أتيت لتسألينى عن شئ ما."
أمى هزت كتفيها بدورها وقالت: "لا.. أبداً.." وصمتت قليلاً ثم عادت تسألنى: "شئ مثل ماذا؟!"
قلتُ: "حاتم مثلاً."
أمى عقدت حاجبيها بشده وقالت: "لا.. أبداً.. لم أتى لأسألكِ عن رأيكِ به.. أنت حره فى رأيكِ يا بُنيتى."
نظرتُ إلى أمى بشك ، فأستطردت قائله بسرعه: "لكن بما أنكِ قد فتحتِ الموضوع ، فأخبرينى عن رأيكِ به."
ضحكتُ وقلتُ: "إنه شاب رائع يا أمى."
تهللت أسارير أمى وهى تقول:
"أأفهم من هذا أنكِ وافقتِ عليه."
هززتُ رأسى نافيه وقلتُ:
"لقد قلتُ أنه شاب رائع ولم أقل أننى موافقه عليه."
أمى قالت:
"أذن........."
لم أشأ أن أصدمها برفضى المباشر ، فقلتُ متحججه:
"دعينى أفكر لبعض الوقت."
أمى قالت: "بل قولى أنكِ لستِ موافقه لأن هذا التفكير لن يقودكِ إلا للرفض.. على أى حال هذا شأنكِ وأنتِ حره."
تنهدتُ بأرتياح وقلتُ: "حسناً.. أنا لستُ موافقه يا أمى."
قلتُ أذكرها: "لقد قلتِ منذ لحظات أننى حره.. وأنا لا أريد الزواج من هذا."
أمى قالت بأسى: "إلى متى سترفضين الزواج؟ إنه سُنة الحياه يا عزيزتى.."
تنهدتُ ولم أرد ، فقالت أمى: "أنتِ لستِ أول من تحب وتفشل فى حبها.. الحياه لن تتوقف هنا يا نهله.."
قلتُ كاذبه: "لقد نسيتُ هذا الموضوع تماماً و......."
أمى قاطعتنى قائله: "لاتكذبى على أمك.. أنا أفهمكِ أكثر مما تفهمين نفسكِ."
وصمتت قليلاً ثم قالت تنصحنى: "أسمعى يا نهله.. لابد أن تكفى عن عنادك هذا.. اليوم أنتِ فى الخامسه والعشرون من عمرك.. وبعد خمس سنوات ستكونين فى الثلاثين.. وستقل فرص الزواج بالنسبة إليكِ.. ومن ترينه الأن غير مناسب لكِ ، ستتمنين لو تتزوجين منه.. فكرى جيداً ثم أخبرينى ماذا قررتِ؟"
أمى قالت جُملتها وأنصرفت..
أما أنا فظللتُ جالسه بمكانى ، أفكر.. وأفكر..
ولم يقودنى التفكير إلا لشئ واحد..
هو أننى لن أستطيع أن أتزوج من حاتم هذا ، أو حتى عابد ؛ لأننى بكل بساطه.. لم أنسى بعد حبى الأول !
*******************
أجبرتُ أمى فى صباح اليوم التالى على الذهاب معى إلى المستشفى لأجراء التحاليل اللازمه..
إلا أنها أقسمت على ألا تذهب معى لترى التحايل ؛ لأنها بكلِ بساطه تعرف أنها لا تعانى من أى شئ!
بعدما غادرتُ المستشفى ذهبتُ إلى المكتب بينما عادت أمى إلى المنزل..
حين وصلتُ إلى المكتب ، وجدتُ طاهر وحده بالمكتب ، وطبعاً لم أتبادل معه سوى تحيه مقتضبه وبارده..
أتظنونى سأتحدث إليه بعدما قاله لنهله؟!
أبــــــــداً..
أنا لن أتحدث إليه ولو أنطبقت السماء على الأرض..
وصلت نهله إلى المكتب بعد وصولى بعدة دقائق ، وألقت علىّ التحيه باسمه..
وكأن شيئاً لم يكن..
أجبتُ التحيه ببرود ، فيما قالت نهله: "كيف حالك يا ساره؟"
رددتُ عليها بأقتضاب: "أنا بخير."
نهله سألتنى: "هل طاهر هنا؟!"
قلتُ: "بلى.. إنه بحجرته.. لماذا تسألين؟!"
نهله هزت كتفيها وقالت: "لاشئ.. فقط كنتُ أريده فى شئ."
أشتعلت النار فى أعماقى ، وشعرتُ بأننى سأنفجر صارخه بها لأخبرها بأن طاهر حبيبى أنا.. وأنه لى أنا وحدى.. وأننى لن أقبل بأن يحب أو يتزوج من أمرأه غيرى ؛ لأنه ما من أحد على ظهر الكره الأرضيه بأمكانه أن يحب طاهر مثلما أحبه..
وخمدت ثورتى تماماً حينما أبتعدت نهله عنى ودلفت إلى حجرتها ، إلا أنها لم تلبث أن أزدادت أشتعالاً بعد دقائق حين غادرت نهله حجرتها حامله معها إحدى الملفات ثم دلفت إلى حجرة طاهر !
ومرت دقائق طويله.. ونهله لازالت بحجرة طاهر..
لم أستطع السيطره على نفسى أكثر من هذا ، فقررتُ أن أدخل إلى الحجره.. وليحدث ما يحدث..
أنا لن أسمح لهما بأن يختليا ببعضهم أبــداً أبـــــــــــداً أبـــــــــــــــــداً..
كنتُ جالساً خلف مكتبى أطالع بعض الملفات ، حين سمعتُ صوت طرقات على باب حجرتى..
وبما أنه لم يكن بالمكتب سواى أنا وساره ، فإننى توقعتُ أن تكون ساره هى من تطرق الباب..
قلتُ: "أدخلى."
فتح باب الحجره ، ودخلت نهله إلى حجرتى قائله: "صباح الخير يا طاهر."
قلتُ: "أهلاً نهله.. صباح الخير."
نهله وضعت ملف كانت تحمله على المكتب ، قبل أن تتهاوى على المقعد المقابل لمكتبى قائله:
"ها قد أنتهيتُ من مراجعة الملف.. لكن هناك بعض الأشياء أريد أن أسألك عنها."
كانت نهله تتحدث وكأن شيئاً لم يكن ، فشعرتُ أنه من الحماقه أن أتى بذكر أى شئ عن ليلة أمس..
وبدأتُ أتصرف مثلها متجاهلاً ما حدث بالأمس.. وأخذتُ أشرح لها بعض الأشياء بالملف ، حتى قاطعتنا ساره ودلفت إلى الحجره..
ناولتنى ساره إحدى الملفات ، وقالت: "هناك بعض الكلمات فى الملف لا أستطيع قرأتها ؛ فإن الخط غير واضح."
أمسكتُ بالملف وقلتُ: "حسناً.. دعى هذا لما بعد.. فأنا مشغول الأن."
ساره قالت: "حسناً.. سأجلس هنا وانتظرك حتى تتنهى مما تفعله."
وفعلاً جلست ساره ، وأخذت ترمقنى بنظرات غريبه !
أنتهيتُ من مراجعة الملف مع نهله ، فغادرت نهله حجرتى ، وظللتُ أنا وساره وحدنا بالحجره..
"ها.. ما هى تلك الكلمات التى لا تستسطيعين قرآتها؟"
ساره فتحت الملف وأخذت تتصفحه ، قبل أن تتوقف عند الرقم أثنان وتسألنى: "أهذا رقم أثنان.. أم ثلاثه؟!"
هززتُ كتفاى وقلتُ: "إنه رقم أثنان.. ماذا بعد؟"
ساره أغلقت الملف وقالت: "لا شئ.. فقط كنتُ أريد سؤالك عن هذا."
تعجبتُ وقلتُ: "أأنتظرتينى كل هذا الوقت لتسألين عن هذا فقط؟!"
ساره قالت: "بلى.. أنتظرتك كل هذا الوقت لأسأل عن هذا.. وشكراً لك."
وغادرت الحجره بسرعه ، ثم أغلقت الباب خلفها..
برغم أننى كنتُ مستاء جداً من ساره ؛ لأنها خرجت بالأمس مع هانى ، إلا أننى لم أستطع أن أمنع أبتسامتى من أن تطفو على شفتاى..
عجباً لأمر هذه الـ ساره !
**********************
كانت الساعه قد تجاوزت الرابعه عصراً ، حين غادر طاهر حجرته وأتجه نحوى قائلاً: "هيا بنا يا ساره.. سنغادر الأن."
حملتُ حقيبتى بدون مناقشه وسرتُ معه حتى وصلنا إلى سيارته ، فأستقليناها وأنطلق طاهر بها..
وطوال الطريق لم أتبادل مع طاهر كلمه واحده ، وفى الحقيقه أنه بدوره لم يتبادل معى ولو كلمه واحده ، بل ولم يبد عازم على ذلك !
لستُ أدرى لماذا يبدو مستاءً منى؟!
ومن منا يتوجب عليه أن يستاء من الأخر؟ أنا أم هو؟!
توقف طاهر بسيارته على جانب الطريق وذهب ليشترى علبة سجائر ، فغادرتُ السياره بدورى لأشترى كيس شيبسى ، فلم أكن قد تناولتُ أى شئ منذ الصباح..
حين عدتُ إلى السياره كان طاهر قد سبقنى إليها ، وعاد ليجلس خلف عجلة القياده ويداه مثبتتان على عجلة القياده ، أما بصره فكان شادراً بعيداً عنى..
ورُبما لم يشعر بوجودى بجانبه!
أغلقتُ باب السياره بقوه ، فإذا به يلتفت نحوى ويرمقنى بنظرات مستاءه..
بقيتُ صامته للحظات ، أحاول أن أستجمع شجاعتى ، ثم قلتُ أخيراً:
"ما الأمر؟! لماذا تعاملنى هكذا؟"
طاهر أطال النظر إلىّ وكانت نظراته حاده ، وعيناه تقدحان شرراً..
ابتلعتُ ريقى بصعوبه ، وتمنيتُ لو أغادر السياره بأقصى سرعه ، لأبتعد عن هذا الرجل المُرعب ، إلا أن حركتى شلت تماماً فى هذه اللحظه ، فلم أقو على التحرك ، وظللتُ أحدق به برعب..
وبينما كنتُ فى ذلك أتانى صوت طاهر هادئاً نسبياً وهو يقول: "لماذا ذهبتِ مع هانى بالأمس؟!
تفاجأتُ ، وأخذتُ أحدق به وقد أتسعت حدقتا عينى..
قال طاهر بصرامه: "ردى علىّ.. لماذا ذهبتِ مع هانى؟"
تلعثمتُ وقلتُ: "لأن.. لأن.. لأننى........."
ولم أتم جُملتى ، إذ أننى لم أعرف ماذا أقول له؟
أأخبره بأننى سمعتُ حديثه مع نهله بالأمس؟
أم أقول له أننى كنتُ ضائعه بالأمس بسببه؟
هذه المره أتانى صوت طاهر قاسياً صارماً وهو يقول:
"أياكِ أن تكررى هذا الأمر ثانيه يا ساره.. هل تسمعين؟"
هذه المره لم أكتفى بالتحديق به ذاهله ، أنما وجدتُ فكى السفلى وقد تدلى تماماً ، لأبدو أشبه بالبلهاء..
قلتُ بعد فتره: "عفواً؟"
طاهر كرر كلامه بحده ووعيد ، فشعرتُ بالأستياء من كلامه ، وأعتبرته أهانه لى ، وأندفعتُ قائله بدون تفكير:
"وأنت ما شأنك بهذا؟!"
والأن حان دور طاهر ليتدلى فكه السفلى بذهول..
طاهر قال بتعجب وأستياء: "ألا شأن لى فى هذا؟!"
قلتُ بثوره عارمه: "إذا كنت ستعاملنى على أننى ضمن مُمتلكاتك لأننى أعمل لديك ، فليذهب هذا العمل إلى الجحيم يا طاهر ، وأعتبرنى مُستقيله من الأن.. وما تبقى من حسابى هذا الشهر فأعبتره هديه منى إليك بمناسبة رجوعك لنهله."
لم أنتبه إلى ما قلته إلا بعدما قلته وفات أوان التراجع ، ووجدت طاهر وقد أخذ يحدق بى صامتاً وقد أتسعتا حدقتا عينه بذهول ما مثله ذهول..
رغم أن ما قلته كان بشعاً بحق فإننى لم أعتذر له ، ولم أحنى رأسى أسفاً ، بل على العكس لقد رفعتُ رأسى بكبرياء ، ثم فتحتُ باب السياره لأغادرها ، فما من داعى لوجودى بها أكثر من هذا ، وكدتُ أغادر السياره لولا أن ردعتنى يد طاهر حين أمسك برسغى وأوقفنى..
لم ألتفت إليه وظللتُ موليه ظهرى له ، بينما سمعته يقول وقد لانت نبرة صوته:
"أنت مجنونه يا ساره.. أتظنين أننى عدتُ لنهله؟!"
ألتفتتُ إليه وقلتُ: "أنا لا أظن..أنا أعرف.."
طاهر أبتسم قليلاً ثم قال: "ومن أين لكِ بهذا الأعتقاد الخاطئ؟"
قلتُ بحده: "ليس خاطئاً.. لا تخدعنى.. لقد سمعتك وأنت تتحدث إلى نهله بالأمس وتقول لها أنه لا مجال للمقارنه بينى وبينها لأنها أبنة خالك التى تحب."
وصمتت قليلاً لألتقط أنفاسى ثم تابعت بحده أشد: "لا تخاف.. لن أحاول الأنتحار مثلها.. أنا لا يفرق معى إذا كنت عدت إليها أم لا.. فأنا لست مُغرمه بك كما زعمتُ لها."
طاهر تنفس بعمق ، ثم قال وهو ينظر إلى عينى مباشرة:
"لكنى لم أعود إليها.. ولا أريد العوده إليها............"
قاطعته قائله بأستياء: "إذا كنت عدت إليها ، أو لم تعد ، فهذا شأنك أنت.. وأنت حر."
طاهر تجاهل جُملتى تماماً ، وتابع كلامه قائلاً: "هل تعرفين لماذا لن أعود إلى نهله؟"
قلتُ بحده: "طبعاً لا أريد أن أعرف.. ولا يهمنى أن أعرف لماذا؟"
طاهر قال وشبه إبتسامه على زواية فمه: "لكننى أريد أن أخبركِ بالسبب.."
وصمت قليلاً ثم قال: "إننى لن أعود لنهله ؛ لأننى أحب فتاه غيرها.. أحب فتاه جميله.. وبريئه.. ولا أتخيلها زوجة لرجلاً غيرى.. وأماً لأولاداً غير أولادى.. بل ولا أتخيل نفسى زوجاً لسواها هى.."
لو أن طاهر قد أتى بخنجر ، وأخذ يطعننى فى قلبى مع كل حرف نطقه ، لكانت الطعنات أقل قسوه وإيلاماً من كلماته..
ولم أشعر حينها إلا بالدموع وهى تتجمع بعينى وتحجب عنى الرؤيه تماماً.. __________________
طاهر قال: "حتى إذا قلتُ لكِ أنه يهمنى أن تعرفى من هى؟"
قلتُ: "ومع ذلك لا أريد أن أعرفها.. ورجاءً دع يدى ؛ فأنا سأذهب."
طاهر قال وقد أشتدت قبضته على رسغى: "لن تذهبى إلا بعدما تسمعين كلامى حتى النهايه."
قلتُ مُستنكره: "وهل ستجبرنى على الأستماع إليك رغماً عنى؟!"
طاهر قال: "بلى.. سأجبركِ على الأستماع إلىّ ولو لزم الأمر فسأحملك وأقيدك فى أى عمود."
قلتُ مُستنكره: "ولماذا كل هذا؟ بماذا ستفيدك معرفتى بهذه الفتاه؟"
وكما أنزلى طاهر بكلماته السابقه إلى أعماق الأرض ، فإنه رفعنى إلى السماء السابعه حين قال بصوت خافت:
"ستفيدنى كثيراً.. لأن هذه الفتاه التى أحبها هى أنتِ يا ساره."
ولكم أن تتخيلوا الذهول الذى أعترانى وقتها..
والسعاده التى أجتاحتنى..
والأضطراب الذى سيطر علىّ..
والتشتت الذى لم أعرف مثيله من قبل..
"بلى يا ساره.. إنكِ أنتِ الفتاه التى أحببتها كما لم أحب من قبل.. أنت الفتاه الوحيده التى تمنيتها زوجه لى.. أنتِ الفتاه الوحيده التى شعرتُ بصدق عاطفتى نحوها كما لم أشعر من قبل.. أنت حبيبتى."
أغلقتُ عينى بشده ، وعصرتهما بقوه..
هل أنا أحلم؟ هل توهمتُ كل هذا بأكمله؟
هل طاهر بجانبى فعلاً؟ هل قال لى أنه يحبنى؟ هل قال أنه يتمنانى زوجه له؟
هل قال كل هذا؟ وهل سمعتموه بأذانكم مثلما سمعته؟
وإجابة هذه الأسئله عرفتها حين ضغط طاهر رسغى ، فشعرتُ بالألم..
أذن.. أنا لا أحلم.. وكل هذا حقيقى..
إن طاهر بجانبى فعلاً ، وقال أنه يحبنى..
وأنـــــــــــا.. لا أحبه فحسب..
أنــــا أعشــــقه..
عدتُ لأفتح عينى فوجدت طاهر ينظر إلىّ بقلق..
"ما بكِ؟ هل أنت مريضه؟"
هززتُ رأسى وقلتُ بصوت يكاد مسموع:
"كلا.. أنا لستُ مريضه.. أنما أنا متفاجأه."
طاهر نظر إلىّ بتمعن ثم قال:
"وهل هذه المفاجأه تسر القلب ، أم تحزنه؟!"
صعدت الدماء إلى رأسى ، وشعرتُ بوجهى يتورد خجلاً..
إنها مفاجأه تسر القلب.. وتشتت العقل.. بل وتصعد بالروح إلى السماء..
"قولى لى أنكِ تباديلنى مشاعرى.. قولى أننى لم أكن أتوهم نظرات الحب بعينيكِ."
طأطأتُ برأسى أرضاً ، ولم أنطق ببنت شفه ، فإذ بأصابع طاهر تمتد لترفع ذقنى إلى أعلى لأواجهه..
طاهر قال: "إذا كانت إجابتك هى كلا.. فتأكدى بأن أجابتكِ لن تؤثر على أى شئ.."
أندفعتُ قائله بدون تفكير: "لكن أجابتى ليست كلا."
وأنتبهتُ إلى ما قلته حين رأيتُ أبتسامة طاهر تعلو ثغره ، فعدتُ لأطأطأ برأسى أرضاً ، وحينئذ سمعتُ طاهر يقول:
"الأن.. أنا ما عدتُ أريد أى شئ من الدنيا سواكِ.. أنتِ فقط."
وعندما فتحتُ عينى ، وتذكرتُ أحدث اليوم السابق ، أبتسمتُ بسعاده ، وأزحتُ الغطاء جانباً ثم غادرتُ فراشى بنشاط.. وأبتهاج..
أخذتُ حمامى ، وذهبتُ لأنتقى ثوباً أرتديه..
وقد كنتُ مُصره على أن أكون اليوم فى غاية الجمال..
وليس اليوم فقط ، بل غداً ، وبعد غداً ، وإلى الأبد..
فأنا الأن لدى حبيباً رائعاً ، رجلاً جذاباً تتمنى أى فتاه أن تسمع منه ولو حرفاً واحداً مما سمعته منه بالأمس..
ولابد أن أظل جميله بعينى الرجل الذى أحبه..
أرتديتُ ثوباً فاتح اللون ، فضفاض ، يتناسب مع حجابى ، ثم وضعتُ القليل من مستحضرات التجميل ، وحملتُ حقيبتى وأنصرفت..
********************
بالأمس أتصلت بى أم نهله ، وكانت تبدو حزينه للغايه ، وأخبرتنى أن هناك من تقدم لخطبة نهله ، إلا أنها رفضته كالعاده ، وهذا الأمر يزعج زوجة خالى كثيراً ، فهو شاب رائع على حد قولها و..
وقد طلبت منى أنا أن أحاول أقناعها..
كنتُ أعرف أننى أخر من ستتقبل نهله كلامه خاصة بهذا الموضوع ، إلا أننى لم أشأ أن أزيد من تعاسة زوجة خالى بأن أرفض طلبها..
وهكذا كان لابد علىّ أن أتحدث إلى نهله بهذا الموضوع..
وقد ساعدتنى الظروف على ذلك ، فحين وصلتُ إلى المكتب كانت نهله قد سبقتنى فى الوصول إليه ، وكانت وحدها..
وجدتها فرصه جيده لأن أتحدث إليها بهذا الموضوع فطلبتُ منها الجلوس لنتحدث قليلاً ، وقد أذعنت نهله لرغبتى ، وتهاوت على اقرب مقعد ، بينما جلستُ على المقعد المقابل لها..
لم أكن أدرى من أين أبدأ كلامى.. ويبدو أن نهله لاحظت ذلك فقالت: "حسناً.. أخبرنى ما الأمر؟"
قلتُ بتردد: "فى الحقيقه.. لقد أردتُ أن أتحدث معكِ بشأن.. ذلك الشاب المُتقدم لخطبتك."
نهله حدقت بى بدهشه ، وقد أتسعت حدقتا عيناها على أخرهما ، ثم قالت:
"ومن.... أخبرك بهذا الأمر؟"
فتحتُ فمى لأجيبها ، إلا أنها سبقتنى قائله بغضب:
"إنها أمى.. أليس كذلك؟"
أومأتُ برأسى قائلاً: "فى الحقيقه.. بلى."
فى هذه اللحظه حضرت ساره ، وحين دلفت إلى المكتب ورأتنى أجلس مع نهله أكفهر وجهها بشكل ملحوظ ، وأحتقن وجهها..
إنها الغيره.. أليس كذلك؟
حسناً.. لا مانع من التسليه قليلاً..
والأن.. راقبوا ما سيحدث..
ساره أتت لتجلس معنا ، أو بالأدق ، بين مقعدينا !
ألتفتتُ إليها قائلاً:
"هل تريدين فنجان قهوه يا ساره؟"
ساره أبتسمت بسعاده وقالت:
"بلى.. شكراً لك."
أبتسمت وقلتُ: "على أى شئ تشكرينى.. لستُ أنا من سيعد القهوه ، أنما أنتِ."
ساره تفاجأت ورفعت حاجباها بدهشه وأستياء ثم قالت: "عفواً."
قلتُ ببساطه: "أذهبى وأعدى لنا جميعاً القهوه يا ساره."
ساره قالت بخيبه كبيره:
"لقد ظننتُ أنك أنت الذى سوف تعدها."
قلتُ مُبتسماً بأستفزاز: "كلا.. أنا ونهله سنكمل حديثنا.. بينما تعدين أنتِ لنا القهوه"
رمقتنى ساره بنظره حاده قبل أن تهب واقفه بغضب ، وتدلف إلى المطبخ..
وفى هذه اللحظه هبت نهله واقفه بدورها وهمت بالذهاب إلى مكتبها ، إلا أننى أستوقفتها قائلاً: "إلى أين؟"
نهله قالت بحده: "سأذهب إلى مكتبى.. ألديك مانع؟"
قلتُ: "ولكن.. ألن نكمل حديثنا؟"
نهله قالت بحسم: "لا.. لن نكمله.. ورجاءً لا تتدخل فيما لا يعنيكِ حتى لو كانت أمى هى من طلبت منك هذا."
وذهبت نهله إلى حجرتها مباشرة ، وأغلقت الباب خلفها بعنف..
****************
حين وصلتُ إلى المكتب ورأيتُ نهله وطاهر يجلسان بالصاله وحدهما تلاشت سعادتى ، وتلاشى إبتهاجى ، وحل محلهما أستياء وحنق بلا حدود..
أستعديتُ للمعركه بأن ألقيتُ حقيبتى على أقرب مقعد ، ثم جلستُ بين طاهر ونهله..
إلا أن طاهر ، وبمنتهى قلة الذوق طلب منى أن أذهب لأعد لهما القهوه..
أذعنتُ لطلبه وأنا فى قمة غيظى ، وأعددتُ القهوه لنا جميعاً و....
خطرت لى فكره رائعه..
ما رأيكم لو أفتعلتُ التعثر بالسجاده لأسكب القهوه الساخنه على رأس طاهر ؟
أرى فى عيونكم نظرات الأستنكار..
ألا يستحق ما هو أكثر من ذلك؟!
حين وصلتُ إلى الصاله رأيتُ طاهر يجلس وحده..
أخيــــــــــــراً أصبحتُ وحدى مع حبيبى !
كم لدى الكثير والكثير لأقوله له !
وضعتُ الصينيه على المنضده أمام طاهر وسألته: "أين نهله؟"
طاهر قال وهو يتناول فنجانه: "بحجرتها."
قلتُ: "ولِم لم تبق معنا لتتناول القهوه؟"
طاهر نظر إلىّ بتعجب وقال: "هل تريدين أن أذهب إليها لأدعوها لتناول القهوه معنا؟"
قلتُ بسرعه: "كلا.. لا.. رُبما كانت مشغوله الأن ولا نريد أن نعطلها.. سأذهب إليها لأعطيها فنجانبها."
وأكملتُ فى نفسى: "كى لا تأتى لتجلس معنا."
قلتُ جُملتى وتناولت فنجان نهله ثم أتجهتُ نحو حجرتها ، وبينما كنتُ فى طريقى سمعتُ صوت ضحكه خافته تصدر عن طاهر..
وكل هذا ، وأنا جالساً بينهم ، أستمع إليهما وتتأجج النيران بصدرى وتكاد تخنقنى ، وأنظر إليها فيتطاير الشرر من عينى ويكاد يحرقهما..
حين أنتهت ساره من إعداد القهوه لهانى ، حمل هانى فنجانه ووقف هاماً الذهاب إلى حجرته ، وطبعاً أنتصبتُ بدورى واقفاً ؛ فلم أجد عذراً للبقاء مع ساره أكثر من هذا..
وذهبتُ إلى حجرتى ، وعبثاً حاولت التركيز فى العمل ، فقد كان قلبى وتركيزى ، بل وعقلى بأكمله منصباً على تلك الفتاه التى تجلس فى الصاله..
تُرى ماذا تفعل ساره الأن؟
هل تفكر بى كما أفكر بها؟!
فى هذه اللحظه سمعتُ صوت طرقات مُتردده على باب حجرتى..
قلتُ: "أدخل."
فُتح الباب وأطلت ساره من فتحته..
"هل أدخل؟"
سألتنى ساره فقلتُ: "طبعاً.. تفضلى."
ساره تقدمت بضع خطوات متردده ، قبل أن تمد لى يدها بإحدى الملفات قائله:
"أتيت لأعطيك هذا الملف."
تركتُ مقعدى وأقتربت منها ، ثم ألتقطتُ الملف قائلاً: "ما هذا الملف؟"
ساره قالت: "لقد أعطتنى أياه لأكتبه على الحاسب."
وضعتُ الملفات على سطح مكتبى ثم ألتفتتُ إلى ساره وقلتُ لها:
"حسناً.. شكراً لكِ يا ساره."
ساره همت بالسير عائده إلى مكتبها إلا أننى أستوقفتها حين قلتُ لها:
"تعالى وأجلسى معى قليلاً."
ساره أذعنت لطلبى دون مناقشه ، وجلست على أقرب مقعد وقد هبطت عيناها إلى الأرض..
أما أنا فجلستُ فى المقعد المقابل لها ، وأخذتُ أتأملها ملياً..
كنتُ ذاهبه إلى حجرة هانى حين مررتُ على حجرة طاهر فى طريقى ، ودون أن أقصد ، سمعتُ طاهر وهو يقول: "هل تقبلين الزواج منى يا ساره؟"
ذُهلت ، وصُعقت ، وظللتُ واقفه مُسمره فى مكانى وقد أصابتنى الصدمه بشلل كلى ! بينما كان صوت طاهر وساره يخترق أذنى.. ويمزق نياط قلبى.. ويقضى على ما تبقى بى من قوه.. ومن أعصاب...
أشعر بقلبى يتقطع أرباً مع كل كلمه ، وكل حرف ينطق بها طاهر..
بل ومع كل نفس يصدر عنه..
أشعر بالدوار الشديد ، وبالأعياء فى كل جسدى ، وأكاد أسقط فاقدة الوعى..
رُحماك يا ربى..
"أننى أتحرق شوقاً لأن تصبحى زوجتى يا ساره."
وهنا......... عند هذه الجمله ، لم يتمزق قلبى فحسب ، لقد أنفجر بعنف ، وأخترق ضلوعى وصدرى ، ليخرج من جسدى ويتركنى شبه ميته..
وليتنى أستطيع أنتزاع قلبى _ بما يحوى من حب طاهر _ من بين ضلوعى أنتزاعاً..
فى هذه اللحظه رأيتُ ساره وهى تغادر الحجره ، لتقع نظراتها علىّ ، بل وتتوقف عيناها عندى ، كما توقفت قدماها عن السير فتسمرت بمكانها ، وأخذت تحدق بى بمزيج من الذهول والأرتباك والخجل..
لم أتبادل معها كلمه واحده ، فحثثتُ قدمى على السير ، وأنسحبتُ عائده إلى حجرتى.. أجر قدماى جراً ، وأجر معهما أذيال الخيبه..
حين وصلتُ إلى حجرتى ، وأغلقت بابها خلفى ، تخاذلت قدماى ولم تعودا قادرتين على حملى ، فخررتُ أرضاً وأرتطمت ركبتاى بالأرض فى عنف.. و...
سرعان ما تجمعت الدموع بعينى وأنهمرت على وجهى فأغرقته..
وتصدع قلبى فتدفقت الدماء منه بغزاره..
وأسودت الدنيا بعينى..
ولم أعد أرغب بأى شئ ، عدا الموت..
وليته يعجل بى..
ظللتُ على هذا الحال لوقتٍ لا أعلمه.. إلا أننى أفقتُ مما أنا فيه حين سمعتُ رنين هاتفى المحمول..
تجاهلت الرنين تماماً ، فلم أكن بحاله تسمح لى بالتحدث إلى أحد..
أنقطع الرنين للحظات ، ولم يلبث أن عاود المُتصل الأتصال من جديد ، ثم أنقطع الرنين بعدها ، وعاود المتصل الأتصال بكل إصرار..
لم أستطع تجاهل الهاتف أكثر من هذا ، فمددتُ يدى بصعوبه إلى حقيبتى الموضوعه على المقعد بقربى وألتقطها ثم أخرجتُ منها الهاتف بيد مرتعشه..
ووجدت أن المتصل لم يكن سوى عابد..
أجبتُ على الأتصال ، وقلتُ بصوت مخنوق وكئيب: "أهلاً عابد.."
عابد قال: "كيف حالك يا نهله؟"
قلتُ: "أنا بخير."
وتلا هذا صمت تام..
وبعد فتره سمعتُ عابد يقول:
"رُبما كنتُ عطلتكِ عن عملك.. لقد أردتُ الأطمئنان عليكِ فقط ."
قلتُ: "شكراً."
عابد قال: "حسناً.. إلى اللقاء."
ولم أجيب تحيته بل ناديته قائله: "عابد."
عابد قال بأهتمام: "نعم؟"
ألتقطتُ نفساً عميقاً وفجرتُ القنبله..
"أنا موافقه على الزواج منك."
**********************
فى حوالى الساعه الخامسه ، أستقليتُ أنا وطاهر سيارته فى طريقنا إلى منزلى..
كان طاهر يبدو سعيداً للغايه ، أما أنا فبقدر ما كنتُ سعيده ، بقدر ما كنتُ حزينه وأشعر بالخجل الشديد من نهله..
وكلما تذكرتُ نظرات نهله لى حين غادرتُ حجرة طاهر ، كلما أزداد شعورى بالخجل منها..
هل تظنون أنها سمعت ما قاله لى طاهر؟
طبعاً سمعته.. لقد كان الحزن جالياً على وجهها.. ومسيطراً على كل لمحه من ملامحها..
مسكينه نهله.. لابد أن صدمتها بذلك كانت عظيمه..
"ماذا يدور برأسى حبيبتى الأن يا تُرى؟"
أفقتُ من شرودى على صوت طاهر ، فألتفتتُ إليه وقلتُ مُبتسمه: "لا شئ."
لم أكن أريد أن أفسد عليه بهجته بأن أخبره بما حدث.. أو على الأقل ليس الأن..
كنا قد وصلنا إلى منزلى فألتفت طاهر إلىّ وقال: "سأفتقدكِ كثيراً."
أرتبكتُ وقلتُ: "أمممم.. أراك غداً."
طاهر أبتسم وقال: "أتمنى أن تأتينى غداً بخبر يثلج قلبى."
وكان يقصد طبعاً موافقة أمى على الخطبه..
وأضاف: "سنفاجئ هانى ونهله غداً."
أبتسمت بخجل وقلتُ: "إلى اللقاء."
وغادرتُ السياره بسرعه ، قبل أن أسمح لطاهر بأن يقول المزيد من هذا الكلام الذى يخجلنى كثيراً..
وفى المساء كانت أمى تجلس بالصاله تشاهد التليفاز..
وجدتها فرصه مناسبه لأن أتحدث معها بشأن طاهر ، فذهبتُ لأجلس بجانبها..
بقيتُ صامته لدقائق ، لا أعرف من أين أبدأ كلامى..
وأخيراً قلتُ: "أمى.. أريد أن أتحدث معكِ بأمر ما."
أمى ألقت نظره عابره علىّ ثم عادت لتنظر إلى شاشة التليفاز وسألتنى بلا مبالاه: "ما الأمر؟"
ساره أحنت رأسها نحو الأرض وصمتت إلا عن صوت نحيبها الذى كان يخترق أذنى ويمزق نياط قلبى ..
لم أحتمل أن أراها هكذا ، فذهبتُ لأجلس فى مقابلها ، وسألتها: " ما بكِ ؟ لماذا تبكين ؟ "
ساره رفعت بصرها إلىّ ، وتقوست شفتاها إلى الأسفل ، وأندفعت الدموع من عينيها بغزاره ..
" لا تبكى يا ساره رجاءً. "
إلا أن ساره بدلاً من التوقف عن البكاء ، فقد زادت فيه ..
أقتربتُ لأجلس بجوارها على المقعد الكبير ، وعدتُ لأسألها: " ما الأمر ؟ أهناك شئ ؟ "
ولم ترد ساره ، فتفاقم قلقى عليها وقلتُ: " لا توقعى بقلبى أكثر من هذا يا ساره وأخبرينى ما الأمر ؟ "
ساره رفعت بصرها إلىّ ، وكادت تنطق بشئ ما ، إلا أن نهله قد أقبلت فى هذه اللحظه ، ولما رأت ساره على هذا الحال أسرعت إليها قائله: " ما الأمر ؟ لماذا تبكين ؟ "
ذهبتُ لأجلس فى مقابل ساره ، مُفسحاً بذلك المجال لنهله بالجلوس بجوار ساره ..
أما ساره فقد فتحت فمها ، وقالت عدة كلمات ، إلا أن صوتها خرج نحيب غير مفهوم ؛ فلم يستطع أحدنا تمييز حرف واحد مما قالته !
ألتفتت نهله نحوى وقالت تخاطبنى: " ماذا بها يا هانى ؟ أخبرنى أنت. "
هززتُ كتفاى وقلتُ: " لم أعرف بعد .. إنها لا تستطيع التحدث. "
ألتفتت نهله نحو ساره وقالت تخاطبها: " هل أتى لكِ بكوب ماء ؟ "
ساره أومأت برأسها إيجاباً ، فذهبت نهله مُسرعه إلى المطبخ ، وأحضرتُ لها كوب ماء ، ثم عادت به إليها ..
أمسكت ساره بالكوب وتجرعته كاملاً ، وحين أنتهت منه تناولت الكوب لأضعه على المنضده وسألتها: " أخبرينا ما الأمر ؟ "
وتوقفت ساره لتلقط أنفاسها ، فقالت نهله تحثها على المتابعه: " ما بها ؟ "
ساره قالت بصوت اقرب إلى النحيب: " علمت اليوم أنها مصابه بسرطان الدم. "
أنهت ساره جُملتها وعادت لتخفى وجهها بين كفيها ، وتجهش فى البكاء من جديد ..
لم أعرف ماذا أقول لها ؟ وأى كلمات تلك التى ممكن أن تواسيها فى شئ كهذا ؟
وتبادلتُ نظرات حزينه مع نهله ، قبل أن تربت نهله على ظهر ظهر ساره بعطف ، وهى تقول:
" لا تحزنى يا ساره .. بإذن الله ستتعافى والدتكِ وتصير بخير. "
ساره أبعدت كفيها عن وجهها وسألت نهله متشبثه بالأمل: " هل ستتعافى ؟ "
نهله قالت مؤكده: " أجل .. بإذن الله .. إنه قادر على كل شئ. "
ساره صمتت قليلاً ، ثم قالت بصوت مرتعش:
" أنا خائفه جداً .. لن أحتمل أن يصيب أمى مكروه لا قدر الله .. أنا ليس لى سواها بهذه الدنيا ، ولن أقوى على العيش بدونها .. "
نهله قالت: " لا قدر الله .. بإذن الله لن يصيبها مكروه ، أستبشرى خيراً يا ساره. "
ساره عادت لتحنى رأسها نحو الأرض وصمتت تماماً إلا عن صوت نحيبها الذى كان يشق جدار الصمت من حين لأخر ..
تأملتُ ساره التى تجلس بجانبى حزينه ، وشعرتُ بالأسى من أجل هذه الفتاه التى فقدت أباها منذ عدة سنوات ، والله أعلم بما سيصيب والدتها ؛ فإن هذا المرض لا يرحم ، ولا يترك مريضه إلا بعدما تواريه الرمال .. إلا فى حالات نادره وقليله ..
ساره رفعت رأسها قليلاً وقالت مخاطبه نهله: " هل لى بأخذ أجازه اليوم ؟ "
نهله قالت: " طبعاً. "
ساره قالت: " شكراً لكِ.. "
وهبت واقفه ، إلا أننى أستوقفتها متسائلاً بقلق: " ولكن ... إلى أين ستذهبين ؟ "
أتصلت بى ساره منذ قليل وأخبرتنى أنها فى طريقها إلىّ..
كم أنا مشتاقه إليها ، وإلى خالتى !
إننى منذ تزوجت لم أراهما ، فقد تدهورت صحة أم ساره فى الأيام الماضيه كثيراً..
أتمنى أن تشفى قريباً..
بعد دقائق من أتصال ساره ، سمعتُ طرقاً على باب شقتى ، فذهبتُ لأفتح الباب..
حين طالعنى وجه ساره أدركنى الرعب ، وأصابنى الهلع ؛ فقد كانت عيناها مُحمرتان وجفونها متورمه ، وبعض الدموع عالقه برموشها ، أما وجهها فأصفر وشاحب !
"ساره ! يا ألهى.. ما بكِ؟"
عضت ساره على شفتها السفلى بأسى ولم ترد..
أدخلتها إلى الشقه ، وأجلستها على أقرب مقعد ، وأخذتُ أربت على ظهرها ، فإذا بها تجهش فى البكاء!
يا ألهى.. ماذا حدث؟
"ساره.. أوقعتى قلبى أرضاً.. أخبرينى ما الأمر؟"
ساره نظرت إلىّ من بين دموعها ، وقالت بصوت مُرتعش: "أمى يا إيمان."
تجمدتُ فى مكانى ، وأنحبست أنفاسى بذعر ، ورفعتُ يدى بحركه تلقائيه لأضعها فوق قلبى..
"ما بها خالتى يا ساره؟"
ساره قالت بصوت يحمل كل الحزن والأسى: "لديها سرطان بالدم."
شهقتُ بذعر ، وسرعان ما تجمعت الدموع بعينى أنا الأخرى ، وأنخرطنا سوياً فى بكاءٍ مرير..
ساره قالت من بين أناتها ، وبكاءها: "ماذا سأقول لأمى؟ كيف سأخبرها بهذا؟"
سألتها: "ألا تعرف؟ ألم تخبريها؟"
ساره قالت: "لقد عرفت بمرضها منذ قليل."
قلتُ بحسم: "أذن لا تخبريها بأى شئ.. الصدمه رُبما تقتلها."
وصمتتُ قليلاً ثم قلتُ: "سأبدل ملابسى حالاً لنذهب إليها."
*********************
وصلتُ إلى المكتب متأخراً ، ولدهشتى لم أجد ساره جالسه خلف مكبتها..
خمنت أن تكون فى المطبخ تعد القهوه ، فذهبتُ إلى المطبخ وأيضاً لم أجدها..
غريب هذا الأمر.. أمعقول ألا تكون قد أتت اليوم؟
أنتابنى القلق عليها ، فذهبتُ لنهله لأسألها عن ساره ، رُبما كانت تعرف شيئاً عنها.. رُبما..
حين دلفت إلى الحجره ، ألقيتُ التحيه على نهله ، ولم أنتظر حتى ترد تحيتى ، فبادرتها قائلاً: "ألم تأتى ساره اليوم؟"
نهله قالت: "بل أتت وأنصرفت منذ قليل."
تفاقم قلقى عليها أكثر وأكثر بعد سماع إجابة نهله ، فسألتها: "ولماذا أنصرفت؟"
نهله أطرقت برأسها بأسى ، ثم قالت: "أمها مريضه."
سألتها بقلق: "ما بها؟"
نهله تنهدت وقالت: "لديها سرطان بالدم."
أغلقتُ عينى بقوه لدى سماعى لجُملة نهله وأنحبس النفس الأخير بصدرى..
"يا ألهى.."
كانت هذه هى الكلمه الوحيده التى أستطعتُ أن أنطق بها وسط ذهولى ، وحزنى..
وظللتُ صامتاً للحظات قبل أن أعود لأسأل نهله: "وكيف حال ساره؟"
نهله قالت: "طبعاً منهاره.. لا تكاد تصدق ما هى فيه.. مسكينه ساره.. مرض والدتها ليس هين أبداً.."
وصمتت قليلاً ثم قالت: "أسأل الله أن يشفي والدتها ، ويشفى مرضى المسلمين جميعاً."
قلتُ: "آمين."
نهله قالت: "هون عليك.. بإذن الله ستشفى والدة ساره قريباً."
قلتُ: "بإذن الله."
وكدتُ أنصرف عائداً إلى حجرتى ، لولا أن قالت نهله: "أجلس قليلاً يا طاهر."
رميتُ جسدى المُخدر من الصدمه على أقرب مقعد ، فقالت نهله: "هل أحضر لك كوب ماء؟"
قلتُ: "بلى.. من فضلكِ."
نهله ذهبتُ إلى المطبخ وعادت بعد قليل حامله قارورة ماء وكوب فارغ ، وهمت بسكب الماء فى الكوب ، إلا أننى تناولت القاروره منها وقربتها من فمى ، وأفرغتُ معظمها بجوفى ؛ فقد جف حلقى من الصدمه..
وإذا كانت هذه هى حالتى أنا.. فما بالكم بساره الأن!
ساره..
لابد أن أتصل بها الأن لأطمئن عليها..
ونهضتُ من مكانى هاماً الذهاب إلى حجرتى..
أستوقفتنى نهله قائله: "إلى أين؟"
قلتُ: "سأذهب لحجرتى."
نهله قالت: "لكن.. كنتُ أريد التحدث إليك بأمر ما."
قلتُ: "حسناً.. سأذهب لدقائق وأعود لنتحدث."
******************
أرتفع رنين هاتفى بينما كانت إيمان تبدل ملابسها..
أخرجتُ هاتفى المحمول من حقيبتى ، ونظرتُ به لأجد أن المتصل لم يكن سوى طاهر..
أخذتُ نفساً ، وأجبت على الأتصال..
"السلام عليكم."
أجاب طاهر: "وعليكم السلام.. كيف حالك يا ساره؟"
أجبتُ: "أنا بخير.. الحمد لله."
طاهر ردد خلفى: "الحمد لله."
قلتُ: "أسفه لأننى لن أستطيع أن أعمل اليوم ، فإن...."
طاهر قاطعنى قائلاً: "أعرف.. نهله أخبرتنى بكل شئ.. لقد أردت الأطمئنان عليكِ فقط."
قلتُ: "شكراً."
فى هذه اللحظه أقبلت إيمان مرتديه ثيابها كامله ، ولما رأتنى أتحدث فى الهاتف جلست بجانبى ، فى أنتظار أن أنهى المخابره لنغادر..
طاهر سألنى : "وأين أنتِ الأن؟"
أجبتُ: "عند أبنة خالتى لكنى سأعود إلى منزلى حالاً."
طاهر قال: "أذن.. أنتبهى لنفسك يا ساره."
قلتُ: "حسناً.."
طاهر قال: "سأتصل بكِ لاحقاً.. إلى اللقاء."
أنهيتُ الأتصال ونظرتُ إلى إيمان ، وقلتُ: "هيا بنا الأن."
وهممتُ بالنهوض غير أن إيمان سألتنى: "مع من كنتِ تتحدثين؟"
قلتُ: "إنه طاهر."
إيمان صمتت قليلاً ثم سألتنى مستفسره: "وهل يحتاج طاهر لمعرفه جميع تحركاتك؟"
قلتُ: "دعينا نذهب الأن.. وسأخبرك فى الطريق بكل شئ."
أخبرت نهله بما قاله لى طاهر بالأمس ، وختمت حديثى بأن قلتُ: "وطبعاً بعد معرفتى لمرض أمى أظن أننى سأقوم بتأجيل هذه الخطبه لحين أشعار أخر."
حين وصلنا إلى المنزل طرقنا الباب عدة طرقات وأنتظرنا أن تفتح أمى الباب..
أما أنا فتعرفون ما بقلبى ولستُ بحاجه لأن أشرح لكم مدى حزنى وألمى ، ومدى صعوبة هذه الخطبه علىّ وأنا التى لم أكن أتخيل أبداً أن تتم خطبتى على رجلاً أخر غير طاهر !
آه يا طاهر لو تعلم ..
ليتك تعلم !
لظروف مرض والدة ساره ، أعتذرت ساره عن حضور الحفل ، فيما أتى هانى وطبعاً طاهر وعائلته..
الجميع فى المكتب مُكتئب بسبب مرض والدة ساره ، وفى الواقع أنا بدورى تأثرت كثيراً بمرض والدتها ، ودائماً ما أتذكرها أثناء صلاتى وأدعو لها ..
إلا أن ساره بلا شك أكثرنا أكتئاباً وحزناً لمرض والدتها ، وقد بدأت هذه الأيام أقلق بشأنها ، فهى فى حاله حزن مُستمره ، ولا تكف عن البكاء ..
مسكينه ساره ! صدمة مرض والدتها ليست هينه !
أتمنى أن يعجل الله بشفاءها ..
*******************
مضت الأيام التاليه بطيئه وكئيببه وملله ..
وأصبح الوضع فى المكتب لا يطاق ، خاصة وأن ساره التى كانت تملأ المكتب بهجه ، صارت الأن حزينه وقلقه على أمها ..
وراحت إبتسامتها المرحه التى كانت تزين ثغرها دائماً .. والله أعلم متى ستعود هذه الأبتسامه ثانيه لتملأ حياتى سعاده وبهجه ؟ !
أما بشأن زواجنا ، فقد تم تأجيله لحين أشعار أخر ..
على أى حال ليس ما يقلقنى الأن هو أمر زواجنا ، فهذا الأمر مفروغ منه تماماً ، فساره ستكون زوجتى أجلاً أم عاجلاً ..
ولكن ما يقلقنى الأن هى ساره نفسها ، فدائماً ما أجدها شارده ، وحزينه ، وشاحبه ..
وكم أشعر بالعجز حين أراها بهذه الحاله !
وكم أتمنى لو أزيل هذا الحزن من عيونها نهائياً وبلا عوده !
تُرى ماذا تفعل ساره الأن ؟
ألا تزال غارقه فى الحزن ؟ أم أنها قد بدأت تخرج من حزنها ؟
شئ واحد علىّ فعله لأعرف إجابة هذه الأسئله ، ألا وهو الذهاب إليها ..
ولم أضيع وقتا بطبيعة الحال ، فذهبتُ إلى ساره على الفور أنوى أن أقترح عليها الذهاب معى لنقوم بالتبضع وشراء بعض الأشياء التى أحتاجها..
أتُراها سترحب بفكرتى ؟
حين غادرتُ حجرتى إلى الصاله وجدت ساره تجلس خلف مكتبها ، و بالقرب منها يجلس هانى ..
يبدو أننى تأخرت كثيراً ، فقد وجدت ساره سلوانها بعيداً عنى ..
أهكذا يا ساره ؟ !
************************
غداً سأذهب مع أمى لأول جلسه من جلسات ذلك العلاج الكيماوى ..
أخبرنى الطبيب بأن هذه الجلسات سترهقها ، وتشعرها بالغثيان والقئ ، بالأضافه إلى أن شعرها سيبدأ فى السقوط ..
وفى الحقيقه أن هذا أكثر ما يقلقنى بهذا العلاج ؛ فبعد أن يسقط شعر أمى ستفهم أن مرضها ليس أرتفاع نسبة السكر بالدم ، وأنما السرطان ..
كم أخاف من رد فعلها على هذا !
"ما الذى يشغل تفكيرك يا تُرى ؟ "
أنتزعنى هذا الصوت الهادئ من شرودى فألتفتتُ قليلاً لأرى هانى واقفاً بالقرب منى ..
قلتُ : " لا شئ.. فقط أفكر فى أمى.. فغداّ ستذهب لأول جلسه فى جلسات العلاج. "
هانى تهاوى فوق أقرب مقعد وقال : " بالشفاء إن شاء الله .. "
قلتُ : " إن شاء الله. "
وفتحت إحدى الأدراج بحثاً عن إحدى الملفات التى كلفنى هانى بكتابتها ، وحين عثرتُ عليه ، أخرجته من الدرج ومددت يدى بالملف إلى هانى ..
قلتُ : " إنها تحبها كثيراً .. وأعتقد أن ملك بدورها تحبها. "
أمى قالت : " عظيم "
نظرتُ نحو أمى وقلتُ :
" هناك ما أريد أخباركِ به يا أمى. "
أمى قالت : " خيراً ؟ "
ترددتُ قليلاً ثم قلتُ : " أنا...... أفكر بأن......... "
ولم أتم جُملتى ..
كيف سأقول لها أننى أنوى الزواج بينما زوجتى الراحله لم يمضِ على وفاتها عام كامل ؟
أمى قالت تحثنى على الكلام : " تفكر بماذا ؟ "
تراجعتُ عما كنتُ سأقوله ، فقلتُ : " لا شئ. "
وران علينا الصمت للحظات ، غير أن أمى قطعت الصمت قائله :
" ليس عيباً ما تفكر به يا هانى ، وإلا ما كان الله قد حلله. "
نظرتُ نحو أمى بذهول ! كيف أستطاعت أن تسبر أغوراى هكذا ؟
أمى تابعت :
" لو كل رجل ماتت زوجته ، أعرض عن الزواج بعدها ، لن تكون هناك حياه تستحق العيش من أجلها. "
نظرتُ إلى أمى وقلتُ بتردد : " أتظنين هذا ؟ "
أمى قالت : " أجل. "
قلتُ : " أذن .. أنتِ لا تمانعين ؟ "
أمى أبتسمت وقالت :
" على العكس بُنى .. لقد كنتُ أعرف أن هذا سيحدث أجلاً أم عاجلاً .. أنت فعلاً بحاجه إلى زوجه وأم لأبنتك ، وأنا أظن أن ساره مناسبه جداً لك .. أتم الله لك هذا الزواج على خير. "
إيمان قالت : " أظن أننى سأفعل ذلك قريباً .. لكن علىّ أولاً بأقناع أحمد. "
أمى قالت : " الرجال عادة ما يأخذون هذا الأمر بحساسيه .. حاولى ألا تضغطى على زوجك يا إيمان .. "
إيمان قالت : " بإذن الله. "
غادرنا المنزل جميعاً وتوجهنا نحو المستشفى ..
لم تشعر أمى بأى أرهاق أو تعب أثناء الجلسه ، إلا أنها لقت الكثير من التعب بعد عودتنا من المستشفى ، والحمد لله أن إيمان لم تتركنى وتعود إلى منزلها ، بل رافقتنا إلى المنزل وبقيت معنا هذا اليوم .. وتناوبنا رعاية أمى طوال الليل ..
والحمد لله أستيقظت أمى فى اليوم التالى بصحه جيده ..
أستيقظتُ متأخره فى اليوم التالى ، وكانت إيمان لا تزال نائمه ، بينما كانت أمى قد أستيقظت وذهبت إلى دورة المياه ..
أنتظرتُ حتى غادرت أمى دورة المياه وذهبتُ لأخذ حمامى ، وحين غادرتُ المرحاض وجدتُ أمى تجلس بالصاله وكانت تبكى ..
أصابنى الهلع ، فتركت المنشفه من يدى وهرعتُ إليها ..
" أمى ! ما بكِ ؟ ! "
أمى نظرت إلىّ من خلال دموعها وقالت :
" حين مشطتُ شعرى وجدته يتساقط بشكل مُخيف. "
تنهدتُ ، ولم أدرى ماذا أقول لها ؟
" أذن .. فليس ما عندى هو مجرد أرتفاع نسبة السكر فى دمى .. لقد شككتُ فى الأمر منذ البدايه. "
طوقت أمى بزراعاى ، وأخذتُ أربت على كتفيها وأواسيها ، بينما أجهشت أمى فى البكاء ..
قضيتُ وقتاً طويلاً فى تهدأتها ، وفى النهايه غلبها النوم فنامت ..
أتصلت بطاهر وأخبرته بأننى لن أستطع الحضور اليوم ، و بعدما أنتهيتُ من مخابرة طاهر وجدت إيمان وقد أستيقظت ..
" كيف حال خالتى ؟ "
بادرتنى إيمان بالسؤال عن أمى ، فقلتُ : " إنها بخير. "
قالت : " أين هى ؟ "
قلتُ : " نامت. "
إيمان سألتنى بقلق : " أمازلت مريضه ؟ "
أخبرتها بما حدث اليوم ، فتنهدت وقالت : " مسكينه خالتى .. الصدمه عليها كانت قاسيه .. "
قلتُ : " الحمد لله. "
إيمان صمتت قليلاً ثم قالت : "سأذهب اليوم إلى منزلى ، إلا أننى سأتى غداً. "
قلتُ : " حسناً. "
إيمان قالت : " سأطلب من أمى أن تأتى لتهتم بخالتى أثناء تواجدكِ فى العمل. "
قلتُ : " لا داعى لأن نتعب خالتى ؛ بأمكانى ألا أذهب غداً إلى العمل. "
إيمان أبتسمت وقالت : " طبعاً بأمكانكِ .. أليس صاحب المكتب هو حبيب القلب ؟ "
نطق هانى إسمها بوضوح ، و بصوت مُرتفع أهتزت له طبلة أذنى ، و تصدع له قلبى ، و تزلزل له بدنى ..
ماذا قال هانى ؟
أ قال ساره ؟
أيقصد ساره فعلاً ؟
أ يريد الزواج من فتاتى التى تملئ حياتى بهجه وسرور ؟
أ يريد الزواج من حبيبتى لا أتخيل حياتى بدونها ؟
هل يمكن أن يكون يقصد ساره فعلاً ؟
كلا .. لا .. لابد أنه يقصد ساره أخرى ..
قلتُ بتشتت : " ساره من ؟ "
هانى قال بكل بساطه :
" ساره السكرتيره .. أقصد سابقاً .. فأنا لن أتركها تعمل لديك بعد الأن يا ساحر النساء. " ! !
فتحتُ عيناى على وسعهما ، و فغرتُ فاهى لأقصى حد من هول ما سمعتُ ، و تراجعتُ فى مقعدى كالمصعوق !
أذن .. أنا لم أسئ الفهم ، و هو يقصد ساره فعلاً !
يا ألهى ! لا أكاد أصدق ما أنا فيه !
كنتُ أحبس أنفاسى من شدة ذهولى ، و لا أقوى على النطق بأى كلمه ..
بينما تلاشت إبتسامته هانى تماماً لما رأى حالتى تلك فقال وقد طغى القلق على وجهه :
" ما الأمر ؟ ما بك يا طاهر ؟ "
قلتُ : " لا .. لاشئ .. فقط إننى .. تفاجأت. "
هانى عاد يبتسم من جديد وقال : " لا تنكر أنها مفاجأه ساره. "
تجاهلتُ جُملة هانى الأخيره تماماً وقلتُ بإضطراب :
" هل . . . تعرف ساره بهذا الأمر؟ "
هانى قال : " أخبرتها منذ قليل. "
سألته بتردد : " وكيف كان ردها ؟ "
هانى قال مازحاً :
" و هل تظنها قادره على مقاومة سحرى وجاذبيتى ؟ ! "
عادة أنا أضحك على أى مُزحه يقولها هانى ؛ فأنا أجده مرحاً وخفيف الظل ، إلا أننى الأن لم أحتمل مزحته هذه ، ووجدتُ نفسى أسأل بمزيج من الحده والصرامه ونفاذ صبر :
" هل وافقت يا هانى ؟ "
هانى دُهش من حدتى المفاجأه و أخذ ينظر إلىّ بدهشه لدقائق قبل أن يقول :
" ماذا هناك يا طاهر ؟ "
تنهدتُ وقلتُ بهدوء نسبياً :
" أسف يا هانى .. لم أقصد هذا .. كفاك مزحاً وأخبرنى هل وافقت ساره ؟ "
هانى قال مُبتسماً : " لم توافق فقط ، لقد قالت أن أى فتاه تتمنى الزواج منى. "
هنا .. لم أندهش فحسب .. لقد صُعقتُ و ذهلتُ و شلتنى المفاجأه تماماً .. فأخذتُ أحدق بهانى وقد أتسعت عيناى فى دهشه حتى كادتا تخرجان من محجريهما !
لا .. لا يمكن أن يكون هذا حقيقاً .. مُستحيل أن يحدث هذا ..
مستحيل أن تقبل ساره الزواج من أى مخلوق غيرى .. إنها تحبنى وأنا أعشقها و قد أتفقنا على الزواج !
فهل غيرت رأيها بهذه البساطه ؟
هل تخلت عنى بهذه السرعه ؟
" أخبرنى ما رأيك ؟ "
نظرتُ إلى هانى بتشتت ..
أتريد أن تعرف رأيى فى أن تتزوج من حبيبتى ؟
أتريد أن تستل روحى من كل خليه بجسدى و تسألنى عن رأيى ؟
أتريد أن تطعننى بخنجر حاد فى كل أنحاء جسدى و تسألنى عن رأيى ؟
ليتنى أموت و لا أسمع منك هذا السؤال يا هانى ..
بل ليتك تستل روحى من كله خليه بجسدى فعلاً ، وتطعننى بخنجر فى كل أنحاء جسدى فعلاً ، و لا تخبرنى بأنك تريد الزواج من الفتاه الوحيده التى أحببتها ..
الخائنه ساره التى تخلت عنى فى أقرب فرصه !
ألم نكن قد أتفقنا على الزواج ؟ !
ألم يكن كل شئ على ما يُرام حتى الأمس ؟ !
ماذا حدث أذن ؟
لماذا فعلت هذا بى ؟ لمــــــــــاذا ؟
على أى حال الخيانه ليست بالشئ جديد بالنسبة إلىّ .. لقد أعتدتُ على تلقى الطعنات الغادره ، و الصفعات المؤلمه من أقرب الناس إلىّ ..
لكن . . . هذه المره الصفعه كان أشد و أعنف ؛ فهى لم تتركنى من أجل رجلاً لا علاقة لى به ..
بل تركتنى من أجل أقرب صديق إلىّ ..
كيف أستطاعت أن تفعل هذا بى وبه ؟ كيـــــــــــف ؟
ليتنى لم أحبك يا ساره .. و ليتنى لم أحبك يا نهله .. بل و ليتنى ما رأيتكما معاً أيتها الخائنتان ..
لقد أفقدتمونى الثقه بجميع الفتيات ..
هانى كرر :
" أخبرنى ما رأيك يا طاهر ؟ "
رفعتُ بصر إلى هانى وقلتُ بأسى :
" مبارك عليكِ يا هانى .. أتمنى لك السعاده من كل قلبى . "
قلتُ جُملتى و هببتُ واقفاً ، هاماً الذهاب إلى الحجرنى ، لولا أن أستوقفنى هانى حين قال :
" إلى أين ؟ "
قلتُ : "سأعود إلى حجرتى .. لدى أعمالاً كثيراً. "
و سارعتُ بمغادرة الحجره ...
**************
بعد فتره من الزمن دلفت نهله إلى حجرتها وأغلقت الباب خلفها ، بينما ظللتُ أنا وحدى ، تلعب برأسى الهواجس والأفكار ..
ماذا لو أخبر هانى طاهر بما قاله لى ؟
ماذا لو عرف طاهر أن هانى قد عرض علىّ الزواج ؟
ما هذه المصيبه التى حلت فوق رأسى يا ربى ؟
ماذا يحدث لى بالضبط ؟ لماذا تنزل على رأسى المصائب واحده تلو الأخرى ؟ !
يارب رحمتك بى ..
بعد فتره طويله وجدت طاهر يغادر حجرة هانى متجهاً إلى حجرته دون أن يبدو عليه أنه قد أنتبه لوجودى أصلاً ..
و حين ناديتُ عليه لم يرد ودلف إلى حجرته مباشرة ً !
لم أحتمل هذا المعامله المُهينه من طاهر ، فنهضت ولحقتُ به قبل أن يغلق الباب ، و دلفتُ إلى حجرته ..
" ما الأمر ؟ "
كان طاهر مولياً ظهره لى ، ولم يبد عليه أن قد سمع سؤالى ..
عدتُ أقول بنفاذ صبر : " ما الأمر يا طاهر ؟ "
طاهر ألتفت إلىّ و رشقنى بنظره ناريه جعلتنى أتسمر بمكانى ، و أخرست لسانى عن النطق تماماً ..
فى صباح اليوم التالى .. أعددتُ طعام الغداء ، ثم بدأتُ بتنظيف الشقه وأزالت الأتربه عن الأثاث ..
حين عاد زوجى من الخارج فى اليوم التالى ، كنتُ أرتدى ملابسى أستعداداً للخروج ..
" هل ستذهبين إلى خالتكِ اليوم أيضاً ؟ "
قلتُ : " بلى .. لكنى سأعود فى المساء. "
قال : " أذن .. أتصلى بى فى المساء لأتى لأصطحابكِ إلى المنزل. "
قلتُ : " حسناً. "
توقفتُ عما أفعله ، و ترددتُ قليلاً ..
كنتُ أريد أن أتحدث إليه بأمر الذهاب إلى الطبيب لنعلم لما تأخرنا فى الأنجاب ؛ فهذا الأمر يشغل تفكيرى منذ فتره ..
إلا إننى لم أجرؤ على الكلام .. و ألتزمتُ الصمت لفتره من الزمن ..
أحمد سألنى :
" لما توقفتِ ؟ هل غيرتِ رأيك و لن تذهبين إلى خالتك ؟ "
قلتُ : " بل . . هناك ما أريد التحدث معكِ بشأنه. "
بدا الأهتمام على وجه أحمد وهو يقول : " خيراً ؟ ما الأمر ؟ "
طأطأتُ برأسى أرضاً ، ولم أرد ..
أحمد أبتسم وقال : " هل تريدين نقود ؟ قلتُ لكِ مائه مره ألا تخجلى من طلب أى شئ .. أنتِ زوجتى و كل ما أملك لكِ يا حبيبتى . "
شعرتُ بالخجل من نفسى بعد كلماته .. كيف سأقول له هذا ؟
أخرج أحمد من جيب سترته عدة أوراق ماليه ومد لى يده بها ..
عضضتُ على شفتى السفلى وقلتُ :
" لا أريد نقود. "
أحمد قال : " حسناً .. خذى هذه النقود .. و أخبرينى بعد ذلك ماذا تريدين ؟ "
مددتُ يدى بخجل وألتقطتُ النقود ووضعتها بحقيبتى ..
" ما الأمر أذن ؟ "
قلتُ بخجل وتردد :
" فى الحقيقه .. كنتُ .. أريد الذهاب إلى .. الطبيب."
أحمد أخذ ينظر إلىّ بقلق ، ثم قال :
" هل أنتِ مريضه ؟ هل تشكين من شئ ؟ "
هززتُ رأسى نافيه ، فقال أحمد :
" أذن .. لماذا تريدين الذهاب للطبيب ؟ "
قلتُ أخيراً :
" بشأن تأخر الأنجاب. "
أحمد أخذ ينظر إلىّ وهله ، ثم قال :
" لكن لم تمض فتره طويله على زواجنا يا إيمان .. "
قلتُ : " لكنى قلقه بشأن هذا .. "
أحمد تنهد وقال : " كما تشائين. "
قلتُ : " ألا تمانع ؟ "
أحمد هز رأسه نافياً ، فقلتُ ببهجه و سرور :
" أنت أروع زوج على الأطلاق يا أحمد .. "
أحمد أبتسم وقال : " لكى تعرفى أى زوج من الأزواج قد تزوجتِ. "
قلتُ : " لقد كنتُ خائفه جداً من رد فعلك كثيراً على هذا الأمر .. فكثير من الأزواج يأخذون هذا الأمر بحساسيه ويرفضون الذهاب مع زوجاتهن إلى الطبيب. "
تلاشت إبتسامة أحمد تماماً ، وحل محلها تجهم لا مثيل له ، قبل أن يقول أحمد :
" ماذا تقولين ؟ "
أرتبكتُ ، ولم أعرف بم أجيب ؟ !
إلا أن أحمد قال : " و لماذا أذهب معكِ ؟ وما شأنى أنا بهذا ؟ ؟ ؟ ! "
قلتُ بتردد : " لكى نعرف لما تأخرنا بالأنجاب حتى الأن ؟ "
و كأننى بجُملتى هذه قد طعنته فى رجولته ، فأخذ أحمد يحدق بى بمزيج من الأستنكار و الذهول و الغضب ..
" و هل تظنين أن المانع منى أنا ؟ ! "
قلتُ : " أنا لستُ طبيبه لأعرف إن كان المانع منى أو منك. "
أحمد قال : " كيف تجرؤين ؟ أنا لا اشكو من أى شئ .. "
قلتُ : " ولكن . . . "
أحمد قال بحسم :
" لن أذهب إلى الطبيب يا إيمان. "
قلتُ : " فى أى شئ تفرق أنت عن أجدادك ؟ "
أحمد قال بثوره : " أنا جاهل يا إيمان لو كان هذا يرضيك .. لكن المانع ليس منى بالتأكيد. "
قلتُ : " أنا لا أقصد هذا .. لكنى اقصد أنك مُتعلم و ....... "
أحمد قال بحسم : " يكفى هذا يا إيمان .. يكفى ."
و تركنى و دلف إلى إحدى الحجرات صافعاً الباب خلفه ..
كنتُ قد أنتهيتُ من أرتداء ملابسى وحجابى فغادرتُ المنزل و ذهبتُ إلى منزل خالتى ..
حين فتحت لى ساره الباب وطالعنى وجهها رأيتُ علامات الحزن محفوره بوجهها ، فكانت عيناها مُحمرتان و متورمتان ، و بعض الدموع عالقه برموشها !
أنتابنى القلق الشديد .. و خشيتُ أن يكون قد أصاب خالتى مكروه لا قدر الله ..
" ما الأمر ؟ لما تبكين ؟ "
ساره أنفجرت فى البكاء فجأه ، فأخذتُ أربت على ظهرها و أحاول تهدأتها ..
" أين خالتى ؟ "
سألتها ، فلم تجيب ، فذهبتُ إلى حجرة خالتى لأطمئن عليها بنفسها ، وإذا بى أجدها نائمه على سريرها ، و أنفاسها منتظمه و صدرها يعلو و يهبط ..
الحمد لله .. على الأقل خالتى بخير ..
عدتُ إلى ساره وأنتظرتُ حتى هدأت من نوبة البكاء الهستيريه التى كانت غارقه بها وأخبرتنى بعد ذلك بكل شئ ..
وأتمت كلامها قائله :
" أنا لم أعد أريده يا إيمان .. لقد صرتُ أكرهه .. كيف يظن هذا بى ؟ كيف ؟ "
و أجهشتُ فى البكاء من جديد ..
أقتربتُ منها وأخذتُ أربت على ظهرها وأواسيها و أنا الأحوج إلى الموساه ..
قلتُ : " لقد أساء الفهم يا ساره .. عليك أن تلتمسى له العذر . "
ساره قالت : " و مع ذلك ما كان يجب أن يقول لى ما قاله. "
و صمتت قليلاً ثم قالت بمراره لا حدود لها : " لقد نعتنى بالخائنه والغادره و اللعينه .. هل تصدقى هذا ؟ "
قلتُ : " لم يكن عليه أن يقول كل ما قاله .. أنا واثقه أنه سيهدأ ويفهم الأمور على حقيقتها ، وحينئذ سيتصل بكِ ويعتذر لكِ. "
ساره قالت بأنفعال : " أى إعتذار هذا الذى يمكن أن ينسينى ما قاله و ما فعله ؟ حتى نظراته كانت مُرعبه .. إنه ليس طاهر الذى أحببته .. كيف سأعود إليه بعد ذلك ؟ أنا لن أعود إليه أبداً .. لقد أنتهى كل شئ بينى وبينه يا إيمان . "
فى المساء كانت ساره قد هدأت قليلاً ، خاصة وأن خالتى قد أستيقظت فتعاملت ساره و كأن شيئاً لم يكن ..
أما أنا فحاولت الأتصال بزوجى مراراً ، إلا أن هاتفه كان مُغلق !
ماذا يعنى هذا ؟ ألم يقترح علىّ بنفسه أن يأتى لأصطحابى ؟
أيقصد بهذا أن أظل عند خالتى وألا أعود إلى المنزل ؟
حسناً يا أحمد .. فلتذهب أنت ومنزلك إلى الجحيم .. أنا لن أعود إلى منزلك أبداً ..
ساره أقبلت بينما كنتُ أجرب الأتصال بأحمد ، وقالت : " ألا يرد عليكِ ؟ "
قلتُ : " بل أن هاتفه مُغلق. "
قالت: " أذن .. فلتنامى عندنا اليوم. "
قلتُ : " كيف هذا ؟ لقد أتفقتُ معه على أننى عائده. "
ساره قالت : " رُبما نفذ شحنه. "
قلتُ : " و مع هذا كان لابد أن يتصل بى. "
ساره قالت : " ليس عليك سوى الأنتظار .. رُبما يتصل بكِ بعد قليل. "
و أنتظرتُ أن يتصل بى أو يحضر .. فطال أنتظارى ، وأنتابنى القلق الشديد عليه ..